قيل الكثير عن وجود الحكومة السورية خارج الزمن، وعن عيشها في القرن الحادي والعشرين اسميا فقط، وعن استخدامها أدوات الزمن الماضي في الزمن الحاضر في ممارسة السياسة، وعن عدم قدرتها علي التعلم من أخطائها أو أخطاء الأخرين، فهي ربما تعتقد انها لا تخطئ أو انها تعاني من داء اسمه العناد .
الأرجح ان يكون الجانب الثاني، فعلي المرء أن يصدق الرئيس السوري عندما يتحدث عن أن هناك أخطاء ترتكب.
يتمثل العناد والاستكبار والوقوع في المغاطس ذاتها الآن باعادة استخدام أدوات استنفدت صلاحياتها.
الكل يتخبط ولا أحد يستطيع أن يدير الأمور أو يوجه أو يخطط أو ان ينهج سياسة متوازنة مبنية علي خطوط ديناميكية ثابتة طبيعية وصحيحة وقانونية ومنطقية. كل تلك الصفات كانت مفقودة فلا يوجد ما يمكن تسميته سياسة دولة تعكس مشروعا موضوعا واضح المعالم والأفاق يستند علي اسس وطنية في مصلحة الناس والبلد.
غير الحال قليلا ماجري من أحداث في محيط سورية، وليست لها علاقة بما حدث، الا التخبط السياسي العشوائي الذي أتي في بعض جوانبه لصالح السلطة دون أن تتدخل به أو ترسم له أو تخطط، فقد نجحت حماس في الوصول الي السلطة فزغردت وكأنها أنجزت أمرا خاصا بها.
نجحت المقاومة العراقية وزاد الارباك الامريكي فأخذت اسارير السلطة السورية بالانفراج وكادت أن تزغرد لولا الخوف من القاء القبض عليها بجرم دعم الارهاب.
قدم براميتس تقريرا داكنا غامضا صامتا فانفرجت أسارير السلطة أيضا معتقدة ان التحقيق بمقتل الحريري أصبح وراء ظهر العالم.
يرتفع صوت لحود، ولايصل الحوار اللبناني الي نتائج ملموسة، فتعتبر السلطة في سورية ان لبنان يتعثر وتخف بعض الهموم عن كاهلها.
صرخت ايران في وجه أمريكا والمجتمع الدولي متحدية كل من يقف في وجه مشروعها النووي فاستبشرت السلطة السورية بقدوم الانقاذ من الشرق فالتصقت بايران أكثر.
وخلال الشهور العسلية هذه تتمرد السلطة اكثر ولكن الان تعود الاسارير للانكماش وميزان السياسة يتلخبط ثانية: طالع نازل دون توازن كالخلايا السرطانية المتفلتة التي تعود للنهش بالجسم السوري. تذهب السكرات وتعود التفكيرات:
ـ فللوقوف لجانب حماس ثمن. وللتحالف مع ايران أثمان. ولخراب الحوار اللبناني ملاحقة كابوسية وكأن من أخرج سورية من لبنان لا يزال يصر علي اخراج السلطة السورية من سورية.
ـ وللفساد أثمان مضاعفة لانه مراقب، وما ان يحدث الخلل العضوي في الداخل حتي تكون النهاية المحتمة.
ـ ولصمت براميتس ثمن برز فورا بقرارات بوش.
وما زاد الطين بلة هو العودة الي تلك الدفاتر القديمة للقيام بعمليات المرافعة والردح والدفاعات فاقدة المصداقية، وكأن هذه السلطة مصممة علي ارتكاب الأخطاء نفسها. ويبقي السؤال الصعب، هل هناك من يخطط لدمار هذا النظام من داخله، ومن يقوم بهذه المهمة الجهنمية؟
الدكتور رامز حمود (بريطانيا) - القدس العربي اللندنية