آخر الأخبار

بين الاحزاب و المواطن

بعد التخبطات التي شهدتها الساحة السورية منذ وفاة الرئيس حافظ الاسد الى الان وظهور كميات هائلة من الاحزاب التيارات و التجمعات و الحركات و اللجان ....الخ يسأل الكثير من المواطنين أنفسهم ويسألون الغير: ماالذي قدمته تلك الاحزاب للمجتمع؟ ماهي خطة تلك الاحزاب في سوريا لمواجهة المشاكل الاجتماعية و السياسية؟ ما هي استراتيجية الاحزاب لاعادة وضع سوريا الطبيعي دوليا و اقليميا و إقامة النظام الجديد في الوطن ليرفع مستوى حياة الوطن و المواطن ؟ أليس المجتمع هو هدف تلك الاحزاب في العمل؟
فالعمل السياسي ليس فقط ان نعارض و نفضح ما يقوم به النظام الحاكم في بلادنا و ان نطالب ب الف باء السياسة من حريات عامة و ما الى ذلك . فجميعنا من مواطنين و احزاب و تيارات و غيرها مجمع على ان النظام الحاكم مرتكب للاخطاء و مضطهد للحقوق بامتياز.
المشكلة ان القوى السياسية في بلادنا و التي تكاثرت بشكل لافت للنظر لم تشارك الى الان الهم المعيشي للمواطن وانما تحولت تلك القوى الى رفع شعارات راوحت مكانها فضلا عن ان بعض القوى راحت تخطط و تجتمع لتحضر خطابها للاتحاد الاوربي وواشنطن متناسية هم المواطن السوري.... لقد انتقدنا سياسة الحكم السوري لانها تقوم على التوازنات و المقايضات الدولية و ان استمراية هذا النظام يكمن في مناوراته الدولية ضاربا بعرض الحائط رؤية الشعب السوري لمستقبله و مصيره و ها هي بعض قوى المعارضة تعيد السيناريو ذاته في البحث و الهلوثة امام الكونغرس الاميركي و البرلمان الاوربي و لو انها نظرت الى دمشق لكان الطريق اقصر..

من النكبات ان الأحزاب الحاكمةادعت العلمانية لكنها حولت بنية المجتمع السوري الى طائفية مقنعة و اثنيات تصب العداء لبعضها هذا التقسيم هو جاهز داخليا بالشكل النفسي للمواطن اولا و بالشكل الاداري ثانيا حيث ان هذه التقسيمات المقنعة طائفيا و اثنيا محضرة بالشكل تام حزبيا و سياسيا و شعبيا و تنتظر فتح الباب اماها لتظهر للشارع بالانظمة الخاصة بها
فالتيار الديني نجح في إثارة رأي المواطن و حفيظته تجاه أي موقف، بغض النظر عن صوابيته من عدمها. فمن يرى تأثير زعماء الطوائف على الشارع يأسى لهذا المنظر. و اعود و اقول أن المؤسسات الحاكمة في سورياً هي علمانية شكلا ! إلاّ أنها صارت تمارس تعالياً نخبوياً تجاه المواطنين في بعض الأحيان أو أنها تتعامى عن الاحتكاك الحقيقي بالمواطن الذي لجأ في النهاية للمؤسسة الدينية كمهرب نفسي من هموم الحياة ليلقي بهذه الهموم في الغيب.
في محافظة دمشق يوجد عشرة آلاف مسجد حسب تصريح وزارة الاوقاف، و كشفت بعض الأحداث عن قوة انتشار التيارات الدينية في الشارع كما في أزمة المدرسة الصوفية الخزنوية الأخيرة التي بينت أن أتباع هذه المدرسة ينتشرون حتى في حي باب توما في دمشق، ذي الغالبية المسيحية! و أن جمعية غير رسمية(صناع الحياة) يدعو لها داعية عن طريق قنوات التلفزيون وجدت طريقها إلى المئات من طلاب الجامعات! و أن مناسبات مثل شهر رمضان يتحول إلى موسم حجابات و عمرات بالجملة في مجتمعي! كما أن الكنائس تتغلغل أكثر فأكثر في دقائق حياة أتباعها و تثير الرغبات بالانعزال في غيتوات و حتى في شوارع ضمن الغيتو الواحد! و ستكون من أوائل أسئلة الشاب المسيحي عندما يلتقي بالمسيحي الآخر عن طائفته!
فضلا عن التكتلات المذهبية في قرى حمص و حماه و الساحل
لقد وصل مجتمعناً الى انحلال اجتماعي-فكري وخصوصا خلال عقدين الماضيين و ان كان هناك اجماع على ان النظام الحاكم يتحمل المسؤولية عما حدث فاين هي دور الاحزاب و التيارات الوطنية في مجتمعنا؟؟ هل انعدمت الطرق للتواصل الثقافي مع المواطن ؟؟ و هل ازدهار المواقع الالكترونية و الصحف الالكترونية مقتصر فقط على استعراضات الاجتماعات و اللقاءات و التشاورات و المؤتمرات و الاعلانات و البيانات البهلوانية ؟؟؟؟ الى متى ستظل الاحزاب مفلسة خطابيا لشعبها و ممتلئة عنفوانا اما الاوربيين و الاميركان ؟!
ليكن خطابنا موجها للشارع السوري بالالامه و اماله و مطالبا من لقمة العيش الى الحياة الكريمة. من بعث المفاهيم الجديد للانسان السوري الجديد و الوطن السوري الموحد.
فالقضية مطلبية بقدر ما هي سياسية و ان كانت السياسة بنظري ليست قضية و انما وسيلة لبلوغ قضايانا، فالمواطن العادي الذي يبحث عن رغيف الخبز و تضغطه مصاريف يومية و عرَضية رهيبة هو نفسه المواطن الذي يبحث عن حرية بلاده و شعبه و هو نفسه المعارض للطوارىء و الاضطهاد و ما الى ذلك

مايزال الوضع بعيداً عن الفوضى كما في العراق أو لبنان، و بما أن عدوى الفوضى تقترب رويداً رويداً، فمن واجبنا التاريخي تجاه وطننا سن ما يمكن من تشريعات مدنية تبلور حقيقة المجتمع السوري المتعدد المذاهب و الطوائف و الاثنيات و الحامل لهوية واحدة هي الانتماء السوري اولا واخيرا .