في اليوم السادس .. الحارث غروب للإنتاج الفني باللاذقية بالتعاون مع البيت العربي للموسيقا والرسم في مسرحية بلادي يا قرصاً ذهبياً يَعُوم , تأليف وإخراج نضال محمد أحمد , وتمثيل مجد يونس أحمد , يبتعد النص عن طرح البطل السوبر ليتناول شخصية هامشية في الحياة , تعاني ما تعانيه بسبب الظروف المحيطة التي تغص بالانتهازية والتفكك الاجتماعي عبر مجموعة من الأحداث التي ترويها الشخصية المونودرامية , والتي تبدأ من ذروة الأحداث التي ينقلها الكاتب عبر سؤال , ما الذي دفع بالشخصية إلى هذه الحالة القصوى من اختلال التوازن ,فنراه في لحظة الذروة يتقافز بأفكاره ليعرض لنا أحداثا تبدو للوهلة الأولى غير مترابطة وركيكة ومفككة , لتتضح الصورة في المشهدين الأخيرين من المسرحية , ليسجل للنص بداية موغلة في الاستفهام عما يحدث أمام المتلقي الذي يقول في نفسه ( ترى ما الذي يحدث ؟ ). ليس للعمل بداية تقليدية فهو يعمل على خلق حالة جديدة في الجو السائد في المسرح , تجربة مغايرة , حاول فيها الكاتب نضال أحمد فكفكة البنية الأساسية للعروض والنصوص المسرحية بحثا عن تقديم تجربة خاصة مختلفة إلى حد ما , فعمل على إنتاج البنية الأساسية لنصه بطريقة يراها مختلفة نوعا ما وتخلق حالة مغايرة لطرح وجهة نظر معينة على مستوى النص والأداء المسرحي , تماشيا مع ما يقدم في المسرح جنبا إلى جنب مبتعدا عن التقليد الأعمى للمسرح نصا وإخراجا , يبقى السؤال هنا : ترى إلى أي حدٍ استطاع طاقم العمل النجاح في تجربته هذه ؟ ما هو مدى قبول هذه الحالة كتجربة مسرحية , إلى أي حد كان الفشل أو النجاح من نصيبها ؟ متروك لمن شاهد المسرحية باعتباري الممثل الذي قام بأداء الشخصية .
في اليوم السابع ..
كان موعدنا مع العرض المسرحي من علامة استفهام , حيث احتشد الجمهور كعادته ينتظر الدخول إلى صالة المسرح ليرتكن كلٌّ في مكان ما ينتظر شارة بدء العرض .
مجموعة المختبر المسرحي العراقي ( بغداد ) تقدم علامة استفهام تأليف كاظم مؤنس , إخراج د. قاسم مؤنس , تمثيل د. خالد أحمد مصطفى , عرض مونودرامي يحمل الكثير من قسوة الحياة في جوٍ يسوده الخراب والدمار , عبر قذائف الدبابات والصواريخ , وحتى السيارات المفخخة , يعرضون لنا تفاصيل حرب يعيشونها كل يوم , ينقلون لنا المشهد الحقيقي لما يحدث في الشارع العراقي .
ها هو الممثل يتكور على نفسه في منتصف بقعة حمراء تُنصّف خشبة المسرح , يسبح في فضاء المسرح مجموعة من الكراسي التي أراد لها المخرج أن تكون في غير أوضاعها الطبيعية فكانت مقلوبة ومتشابكة وملتصقة ببعضها البعض , ومن خلال حركات انسيابية تبدأ الشخصية بالفكاك من وضعها المتكور ,ليبدأ العرض بلعبة البلياردو , فكان من الممثل أن حمل عصا اللعبة , يصوب إلى الهدف الذي سيصيب عدة أهداف في ضربة واحدة لنرى الكرات تصطك متصادمة متنافرة في اتجاهات عشوائية ليبدأ صوت انفجارات مدوية في المكان , إنها الحرب .
حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل , حرب تلتهم البشر ؛ الأطفال , الشيوخ , الأمهات... لتبدأ علامة الاستفهام الأولى , حرب من هذه , ومن أجل ماذا , أمن أجل تسويق صفقات الأسلحة , هي لعبة إذن , لتكون بنفس الوقت علامة استغراب مما وصل إليه عالمنا من فوضى كونية , أما نحن العرب , فما زلنا نعيش حروبنا وانتصاراتنا وأمجادنا التي تراكمت فوقها أكوام الغبار , بينما الشعوب تفكر في اقتسام النجوم كمسكن لها .
خالد أحمد مصطفى , قدم لنا تجربة مسرحية جميلة انسيابية مترافقة مع إمكانيات تمثيلية وتكنيكية رائعة الحرفية, عبر جسد ينطق بالكلمات كما اللسان .
كان العرض متماسكا جذابا , يقترب من التكامل الفني , مع وجود بعض الملاحظات التي تنتفي بما قُدم أمامنا على الخشبة .
أما على صعيد الإخراج فقد جاء انسيابيا أنيقا غير متكلف يحدو صوب الطبيعية العفوية وتقديم المشهد متكامل الجوانب الفنية
فكان الممثل مع الإضاءة مع الميزنسين المرسوم بدراية مبتعدا بذلك عن مجانية الحركات التي غصت بها المسرحيات المونودرامية السابقة فكل حركة وكل إيماءة وكل بقعة لونية مدروسة بعناية . فكان لابد من انسجام الجمهور مع العرض بشكل جميل .
أما اليوم الأخير للمهرجان فلم أتمكن من حضور العرض الأخير الذي كان بعنوان ( كاليجولا ) , نص وإخراج فرحان الخليل , تمثيل عبد الناصر مرقبي , وحيث انني حضرت بروفة جنرال للعرض قبل أن يقدم فأكتفي بالقول , أن عبد الناصر استطاع إلى حد ما تقديم وجبة دسمة عبر مجموعة من الأدوات التي يتمتع بها كفنان مجتهد , وعبر أسلوبه المميز في الأداء , إذ كان مقنعا لدرجة حبس الأنفاس, واستطاع أن ينتشل النص المسرحي الذي يعاني من عدم الانسجام وضياع المقولة الأساسية لمعد النص ومخرجه الذي يحاول دوما تقديم التجارب الجدية وبجرأة عالية تدفعه في بعض الأحيان إلى الوقع في الانفعال فيأتي ذلك على حساب العرض .
وهكذا يختتم مهرجان المونودراما دورته الثانية , بعد أن قدم مجموعة تجارب حاولت فيها إدارة المهرجان أن تكون مختلفة الشكل والمضمون التميز في البحث عن أسلوب أداء معين , وطروحات مختلفة في الكتابة والأداء والإخراج , فكانت الدورة الثانية إلى حدٍ ما تقترب من تحقيق غايتها المرجوة , على الرغم من بعض الملاحظات العامة التي سجلت على المهرجان جميعنا نعلم ما هي ولا داعي لذكرها الآن .
وكل عام وأنتم بخير .