آخر الأخبار

أنا.. وسخ!

ليس اكتشافاً جديداً! فأنا أعرف ذلك منذ زمن طويل! تحديداً منذ قال لي رجل أسود القلب واليدين بحكم سواد الآلية التي يحكمني بها، قبل أكثر من عقد من الزمن: اسمع ولا.. أنا صرمايتي بتشرفك إنت وكل الـ.. اللي معك ! بل قبل ذلك، منذ أصر مندوب الأمن منذ الصف الثامن الإعدادي على العالم مقسوم إلى: من معنا (بعثي)، ومن ضدنا (حيادي، حيادي إيجابي، حيادي سلبي، معارض...)! أي إلى (نظيف) و(وسخ)!
ورغم استيائي الشديد دائماً من هذا الاكتشاف، إلا أنني ظننت لوهلة أن بلدنا قد تغير! وأن هذه (العقلية) التي لا تنتمي أبداً إلى جذرها (العقل) قد توقفت مرة واحدة بعد أن تكشفت الحياة عن عجز مطلق لأي سلطة على إغلاق مجتمعها وحركته وعقول ناسه إلى مالا نهاية.
وأن يكون هناك بعض ممن لا زال يعتقد ذلك، فهذا أمر طبيعي. إذ طالما احتوى التاريخ أناساً خارجه. لكن أن يأتي مثل هذا (النهج) من رجل على مستوى د. فايز الصايغ، في الشهر الخامس من العام السادس للألفية الثانية وفق التاريخ المعتمد عالمياً، والألفية الثانية عشرة لدخول الإنسان مرحلته الإنسانية الأهم، أي الاستيطان في منازل، فهذا أمر يستدعي حقاً حكّ الرأس مطولاً، رغم نصائح الأطباء النفسيين أن حكّ الرأس باستمرار هو دليل خلل نفسي، وطريق خلل جلدي!
ودون وعي، وجدت قلمي ينساب أعلاه ليربط مثل تلك الاعتقادات بـ(حكّ) الجلد! ورغم أن جلدي قد حك مرات عدة، لكن يبدو أن الحك لم ينفع!. وهذا أيضاً طبيعي. إذ لا بد من إزالة أسباب الحك، هذا على الأقل رأي الأطباء!
د. فايز الصايغ لم يتردد في القول عن وجود المعارضة في سورية، في لقاء مع قناة الجزيرة القطرية: (يمكن أن يكون هناك خلاف في أسلوب التنفيذ أو البرنامج الزمني للتنفيذ. لكن عمليا المعارضة الوطنية النظيفة موجودة داخل صفوف الحزب بهدف تطوير آليات العمل السياسي في ظل المصلحة الوطنية).
د. الصايغ، لمعلومات من يجهل، هو المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون في سورية. أي لما يفترض أن يكون أخطر جهة سياسية في سورية. ألم يصر الإعلام هو صانع الحياة؟! ألم يصنع الإعلام الحرب على أفغانستان والعراق؟! ألا يقلب المقاييس كل يوم فيما يخص فلسطين؟! وأليس هو رأس حربة (الضغوط على سورية)؟!
إذاً، (المعارضة الوطنية النظيفة موجودة داخل صفوف الحزب)! أي حزب البعث العربي الاشتراكي! أما أنا، فإنني أخضع لأحد احتمالين: إما أنني معارضة نظيفة غير وطنية، لأنني معارض ولست في حزب البعث! وإما أنني معارضة وطنية وغير نظيفة (وسخة)، للسبب ذاته!
والحقيقة التي أود قولها للدكتور الصايغ، دون أن أناقشه بإطلاق فيما قاله: أنا المولود في مدينة الطرائف حمص، في الثاني من آذار لعام 1965، أي بعد إعلان حالة الطوارئ في بلدي بأقل من عامين، (أي: أمضيت حياتي كلها في ظل هذا (القانون) المجرم، أني معارض لأي سلطة على وجه الأرض يستفرد فيها حزب ما ويقودها لأكثر من أربعة عقود، وبالتالي أن معارض وفق المقاييس التي تعتمدها حضرتك. ولست في حزب البعث العربي الاشتراكي، ولست أيضا في أي حزب آخر في سورية لا داخل الجبهة ولا خارجها. ومع ذلك، ودون أن أشعر بأية حاجة لأية شهادة من أي كان على ظهر البسيطة: أنا وطني ونظيف. شاء الآخرون ذلك.. أم أبوا.. ولست في حزب البعث. ولا أعمل على تطوير (آليات العمل السياسي) داخل هذا الحزب. لأن شأنه لا يهمني إلا بمقدار أن يكون حزباً كأي حزب آخر في ساحة الوطن. خاضع للقوانين المدنية ذاتها التي يخضع لها غيره. (بالمناسبة: نتمنى لو طبقت القوانين على بعض أعضاءهذا الحزب كما طبقت على غيره، خاصة لجهة الصلات مع جهات أجنبية وغيرها،وأنا أعمل بالحقيقة بالتعارض مع بعض من أهدافه التي لا تعجبني، ومع جملة كاملة من نظامه الداخلي أيضاً. وهذا حقي كإنسان لا تقرره سلطة ولا قوانين استثنائية، ولن أتنازل عنه لأجل حزب ولا سلطة ولا إنسان، حتى لو كان في يد هؤلاء ما فيه أيديهم الآن. بل يهمني تماماً أن تلغى إلى الأبد تلك المادة في الدستور التي تعطي هذا الحزب حقاً مطلقاً بقيادتي إلى أبد الآبدين. أن تلغى، لا أن يستبدل المسمى فيها.
إذاً، أنا معارض، ولست في حزب البعث! ومع ذلك: أنا وطني ونظيف. أعجبكم ذلك.. أم لا!