آخر الأخبار

من الاسكندرية إلى دمشق فبانياس: الأصولية بلا قناع!

لا مجال للاختلاف في أنه زمن النبي لم يكن ثمة كهرباء ولا مكبرات صوت ولا مآذن تطال السحاب؛ ولا مجال للاختلاف في أن التيّار الأصولي، بمختلف أشكاله، يرفض بالمطلق أي تبن لمفرزات حضارة الغرب الكافر، حيث وصل الأمر إلى حدود الـ absurd حين قام طالب طب من إحدى جامعات الصعيد بالذهاب إلى جامعته على ظهر جمل، في نوع من التطبيق الحرفي لإحدى آيات القرآن.
ولا يختلف إثنان في أن القرار الذي أصدرته الدولة السوريّة بمنع استخدام مكبّرات الصوت في المساجد أثناء صلاتي الصبح والعشاء لم يطبّق قط، رغم الحاجة الماسّة إليه: فكل مواطن، مهما كان وضعه المادي، لديه اليوم ساعة-منبه وروزنامة يستطيع من خلالهما معرفة التوقيت الدقيق لهاتين الصلاتين، والذهاب بالتالي إلى المسجد في الموعد. إضافة إلى أن الكهرباء ومكبرات الصوت بدع غربيّة - كما أشرنا سابقاً. فلماذا يريد السيّد محمد حبش، كما نقل إلينا، إلغاء القرار غير نافذ المفعول، المشار إليه آنفاً؟
محمد حبش، الذي التقيته مرّة واحدة صدفة وكنت برفقة شخص إثني عشري، نقل إلي عن حبش بي ما لم يقله مالك في الخمر، أشدّ خطراً على مستقبل سوريّا التعددية من طالبان والأخوان وباقي الأصناف ذات الرائحة الإرهابية. محمد حبش، الذي يستغل رفض بعض المشايخ له [ مسرحيّات تقاسم الغنائم والأنفال ] ليسوّق نفسه كشيخ معتدل عند دولة متهمة بالطائفيّة وتبحث عن كل من يلوذ بها من شيوخ السنة لدفع التهمة عن ذاتها، يتغلغل بطائفيته المريعة من ركن إلى ركن من أجل أسلمة الدولة. محمد حبش، إذا ما أردنا التكلّم بواقعيّة، مثله مثل 99 بالمئة من رجال الدين، لا يهمه سوى المجد الشخصي من خلال الدين. وإلا فكيف نفسّر وجوده على قائمة إياه في انتخابات ما يسمى بمجلس الشعب السوري؟ محمد حبش، ولا أعتقد أن الرجل ينقصه الذكاء، دفنه معنا ، ويعرف تماماً أصول اللعبة وأن القصة برمتها، منذ السقيفة إلى حروب إيران والعراق والخليج، لعبة سلطة؛ ولما كان مهووساً بالسلطة، دخلها من أوسع أبوابها، عبر مصاهرة نعرف كلّنا أبسط تفاسيرها.
مصاهرة الأسرة المشبوهة، التي لم يمانع زعيمها الراحل أن توضع صورته، التي جاء إلي بها صديق الجميع الدكتور شوقي أبو خليل، تحت صورة صن ميونغ مون، أشهر هرطوقي في الولايات المتحدة، فقط لأن الأخير يمتلك من النقود ما يسكت الأقلام والأفواه. كان مقدّماً في الصورة على أنه نائب مون المسلم. الدخول في لعبة انتخابات يعرف الأطفال أبجديتها ومدى احترام الناس لها، على قائمة تفوح منها رائحة يندر أن لا تجد من اشتمها. محمد حبش، من أجل أن يصنع لذاته مزيداً من المجد - والنقود طبعاً - حاول أن يلعب يوماً حتى دور العرّاب الذي سيدخل الأخوان المسلمين، حلفاء الأفسد عبد الحليم خدّام، إلى الساحة السياسيّة السوريّة.
محمد حبش، الذي لم يستطع الخروج ثقافيّاً من دائرة الطائفيّة القاتلة في بلد أكثر من تعددي، يحاول اليوم، على الطريقة الكيسنجريّة، أسلمة البلد خطوة خطوة، مهما كان لتلك العمليّة آثارها الكارثيّة على سوريّا المستقبليّة. يدعمه في ذلك كتلة متراصة من رجال الدين الطائفيين ومن على شاكلتهم من التجّار، الذين صار الله الطريق الأمثل عندهم لمضاعفة أموالهم في بلد حيث خط الفقر يزداد استفحالاً وتفاقماً.
هل بدأت أسلمة الدولة بالفعل؟ وماذا سيكون مصيرنا كعلمانيين، وماذا سيكون مصير الأقليّات كالمسيحيين، خاصة وأننا نسير في خطى الرئيس المؤمن، محمد أنور السادات، وإن بتأخر يناهز السنوات العشر؟
إن كل ما يحصل حاليّاً يعني أن الدولة دخلت في صيرورة أسلمة، بدفع من شيوخ من نمط حبش، سوف تنتهي بشكل طالباني سيستاني لا يذكّرنا سوى بعراق ما قبيل صدّام وما بعده. وما التضييق الذي يتم على العلمانيين في البلد، مثل منع أعمالهم أو منعهم عن أي نشاط جماهيري، ليس غير خطوة في طريق الخطوات الخمس الموصلة إلى قندهار الملا عمر.
الدولة منشغلة بالمعارضة، خاصة تلك العلمانيّة؛ والمعارضة منشغلة بالدولة، التي يفترض أنها علمانيّة؛ والدولة والمعارضة - هل سمعتم حديث رياض الترك الكارثي في إحدى المحطات التلفزيونيّة يوم 14 نيسان الحالي؟ - تستجديان دعم الأصوليّة، باعتبارها خندق الغالبيّة العظمى. الأصوليّة والدولة والمعارضة والشعب: إنها حكاية القرد والقطين وقطعة الجبن؛ القرد هو الأصوليّة، والدولة والمعارضة هما القطان المتنازعان على قطعة الجبن، التي هي الشعب. هل يدرك الطرفان أن القرد التهم الجبن كلّه في صراع القطين؟
في بانياس، كما نقل إلي، يسعى التيّار الأصولي المسيطر على سنّة المدينة، إلى الفصل في الدراسة بين الأناث والذكور. وروائح التهم الطائفيّة، التي لا تخلو من بهار اتهامات مرافقة بالتحلل الخلقي، تزكم الأنوف كما يقال. وإذا نجح التيار الأصولي في الوصول إلى ما يطلب، فهذا يعني أن الشرارة الأولى اشتعلت في شارع الساحل الهش للغاية.
عام 2004، حين كتبت عن أصوليّة بانياس وزعيمها عبد الحليم خدّام، قامت الدنيا ولم تقعد، وانتهيت إلى المعتقل على يد صديق الخدّام، الإرهابي غازي كنعان. وصح ما قلت رغم كل شيء، إن بخدّام أو ببانياس. فماذا تنتظر الدولة المنشغلة بالجبن؟
لقد عشت في مصر سنوات؛ ورغم سني الصغيرة وقتها، إلا أن الأصوليّة والفساد كانا أبرز ما علق في ذاكرتي عن ذلك البلد الكبير. مصر اليوم، مهما كذبنا على أنفسنا، على شفا حرب أهليّة، لا يمنعها غير ضعف الأقباط والمنظومة الأمنيّة المريعة التي تفرض سطوتها على الجميع: فحتى متى سيستمر هذا الوضع المصري الهش، القابل للإنفجار في أية لحظة؟
بانياس، لمن لا يعرف، تضم من الطوائف الإسلاميّة والمسيحيّة ما يتجاوز أصابع اليد الواحدة في عدده: فلماذا يسمح للتيار الأصولي بفرض سطوته على غيره؟ وهل ستتوقف مطالب الأصوليين عند فصل الذكور عن الإناث في المدارس؟
لقد سبق وتنبأنا بكثير مما حدث لاحقاً في الشرق الأوسط، ليس من باب التنجيم، بل من باب قراءة الوقائع: وإصرارنا اليوم أن الخطر على سوريا ليس من الخارج بل من الداخل، خاصة تلك العناصر الأصوليّة التي تغلغلت ليلاً إلى داخل الوطن وعلى أعلى المستويات!
نخشى أن لا نجد، وقد اخترنا الهروب من الجحيم - جحيم الأصوليّة وأعوانها - غير البكاء على أطلال كان يمكن أن نمنع خراب بنيانها!
حبش!
بانياس!
الاسكندريّة!
والبقيّة تأتي...!!
كان يفترض أن نسكت كي لا نعود إلى سجن الأمن السياسي من جديد: لكن أقل الإيمان أن نصرخ في ضمير وطن يدفعنا إلى مغادرته بأننا، رغم جحوده لنا، ما نزال نخشى عليه من لحظة احتراق!
هل هنالك من يسمع؟؟
-بقلم:نبيل فياض- اضاءات.