من المفاهيم وأنماط العلاقات والإجراءات المعقدة,التي لا تزال سائدة,من أزمنة سالفة هو ما يتعلق بالخدمة العسكرية.حتى أضحت هذة من المشاكل الكبرى والهاجس الأساسي لدى شريحة واسعة من الشباب تعترضه في بداية حياته العملية.
يتولد هذا الشعور من مجموعة من المشاكل والتعقيدات والإجراءات الروتينية التي تسبق الالتحاق بالخدمة,وكذلك من المشاكل أثناء الخدمة ذاتها..
حتى أن البعض يفضل البقاء في الخارج مثلا لسنوات طويلة بعيدا عن الوطن, تهربا منها,أو تحصيلا للمال اللازم لدفع البدل النقدي.
-2-
أذكر أنه أثناء التحاقي بالخدمة بعد انتهاء دراستي الجامعية, سافرت مع أحد الأصدقاء إلى النبك- مركز السوق.
استقبلتنا نسمات صقيعية لم نعتد عليها في الساحل, إلا أن ذلك كان أهون ما لاقيناه.
فبمجرد دخولنا ابتلعتنا دوامة الإجراءات وقضينا الوقت بالركض من مكان لآخر لتعبئة استمارة هنا وإجراء مقابلة هناك.ولم تكن المعاملة اللامبالية بل والسيئة إلا لتزيد احساسنا بالكآبة والغربة عن هذا العالم..
حتى جاء دور الفحص الطبي,تقف بالصف عاريا إلا من السروال الداخلي وتجمع ثيابك التي تحوي جميع أوراقك ونقودك على شكل كومة على الأرض لعدم توفر علاّقات, وتحرص على تجميعها حتى لا تختلط بالثياب الأخرى ثم تذهب إلى غرفة مجاورة ليتم تلقيحك ..لقد بدأ الجد ؟!
وتتذكر في هذه الأثناء معنى كلمة السوق المذكورة في دفتر الخدمة والتي كثيرا ما انتقدتها, باعتبار أنك والناس لستم بقطيع لكي يساقوا إلى الخدمة الإلزامية .
بل إن الأمر يجب أن يأخذ طابع الواجب الوطني والخدمة الوطنية .
في الدورة العسكرية, تدخل إلى عالم مختلف تماما, تحكمه قوانين خاصة به وضعتها الأجيال المتعاقبة.ويبدو أن الأمر يتم في أغلب أنماط الخدمة في العالم وهو جزء من التدريب المفروض,وإن كان بأشكال مختلفة.
فأول ما تتعرف عليه هو أنك تؤدي العس كريه كما يصفون العسكرية..ويتم إفهامك بأنك -طرطور- مهما كانت شهادتك العلمية ثم أنت عسكري ويجب أن تدبّر راسك ..بالدور بالزور ليس مهما.
وتصبح كلمة مجند تسمية للإستهانة بك.
ثم تنهال المصطلحات الجديدة على رأسك مثل زخ المطر..
وإذا خالفك الحظ وأتت دورتك في كلية تحوي طلابا عاملين فستشاهد أغرب ماشاهدت أليس .
تم فصل دورات المجندين عن العاملين الآن -
فالناظر للأحداث وخاصة في الأيام الأولى للدورة ..يظن أن هؤلاء الناس قد مسّهم شيء من الجنون أو أنه قد دخل إلى العصفورية, فهذا الذي ينفخ لمبة ليطفئها, وذاك يجتهد ويقيس طول الغرفة بقشة الكبريت ,وجاره يحاول حساب المسافة بين حمص ودمشق بالهرتز ,وآخر يسند الجدار كي لا يقع...
-3-
وصحيح أنه- في الآونة الأخيرة -تم اتخاذ عدد من القرارات التي تعتبر -ثورية- على مقاسات زمننا.
ومنها مثلا:إلغاء الدروس الشتوية للتدريب الجامعي كانت هذة الحصص تأكل يوما دراسيا كاملا ,وإلغاء الفتوة في المدارس ,وتخفيض مدة الخدمة ,فصل دورات المجندين عن العاملين ,و قانون البدل..
إلا أن الأمر بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات ..
ومنها موضوع الراتب ,والقدم الوظيفي, والترفيعات ينال المهندس مثلا أثناء الخدمة 7% بينما تنال المهندسة زميلته 9% عن نفس الفترة إضافة لأقدميتها في الوظيفة , ومعالجة قضية من تخلف عن الخدمة وأغلب هؤلاء خارج البلد ,وتحسين ظروف الخدمة من السكن والطعام وإدخال مفاهيم واساليب جديدة وعلمية ...
وعلى ذكر الأساليب العلمية .. كان من الأسئلة المفضلة عند المدربين بخصوص البندقية الروسية ,سؤال عن نتوء صغير بحجم حبة العدس بالكاد يرى, ما هو وما اسمه؟
ولا يجب أن تستهين به أبدا ,خصوصا بعد أن تعرف أنه:(نتوء خافض ذراع رافعة رتاج المطرقة)!؟
ثم أليس من المجدي اكثر الإستفادة من فترة الخدمة للقيام بخدمات وطنيةعامة بعد انتهاء التدريبات العسكرية كل بحسب اختصاصه.
والأهم من هذا وذاك هو اعتبار هذا الذاهب لتأدية خدمة العلم والوطن والذي قد يستشهد أثناء أداء هذا الواجب, إنسانا في طريقه لتأدية عمل وطني جليل.