عودة فيروز الى الخشبة في مسرحية صح النوم بإشراف زياد الرحباني الذي يديرهاللمرة الأولى كممثلة، بعد آخر ظهور لها قبل ثلاثين عاما. ربما كان هذا هو ملخص خبر الحدث الفني الأكثر انتظاراً لهذه السنة، والذي اختارت مهرجانات بعلبك أن تهديه لنفسها في عيدها الخمسين، مفتتحة به مساء اليوم نشاطاتها لهذه الدورة بشكل رسمي.
ومسرحية صح النوم التي عرضت للمرة الأولى على مسرح البيكاديلي ببيروت العام 1970 وتوقفت عروضها بسبب وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لم تعرض قط في بعلبك، عكس ما يتصوره البعض. وهي في عودتها الى الحياة بفضل فيروز وزياد الرحباني، اكتسبت الىتميزها عن كثير من المسرحيات وخاصة الاخيرة للرحابنة، نضارة أنعشت ألوانها الجميلة ولكن القديمة بتراكم غبار النسيان عليها لندرة بثها. هذه الندرة يعيدها زياد الرحباني في هذه المقابلة مع السفير، الى كون المسرحية مصابة بنقص في المناعة الوطنية ولا تنتمي الى فئة الوطنيات المعروفة للأخوين رحبانية.
وزياد أنهك نفسه في الشهور الماضية بالعمل على إعادة تنفيذ صح النوم من البابوج للطربوش. أي من اختيار شخصيات المسرحية الى إعادة تسجيل العمل كاملا عزفاً وغناء، وصولا الى وضع لمسات بدت أساسية بشكل استثنائي على الرؤية الإخراجية، وقد أنهكته التفاصيل التقنية والتنظيمية لدرجة انه وصل الى بعلبك متوترا وقد أصيب بأزمة صحية استمرت لأيام وكادت تعطله عن العمل.
في ما يلي نص المقابلة:
اسمك على العمل تسبقه صفة إشراف. وهي كلمة تحمل من المسافة عن العمل قدر ما تحمل من المشاركة، الى أي حد أنت مشرف؟
? في كلمة مشرف اختصار لأكثر من كلمة، لا نستطيع كتابتها بالتفصيل فنختصر: فيها إعادة تنفيذ للموسيقى في الاستوديو، وإعادة تسجيل لكل الأصوات، نوعاً ما لكيفية أداء المطربين، لأنه من غير الضروري تقليد القديم حرفياً أو على البكلة، لا أعني انه من الضروري أن يتغير، لكن أن يكون في الأداء عفوية راهنة... من الغباء أن يقال للناس تعالوا قلدوا شريط التسجيل، علما انه من الضروري أن تبقى في العمل بعض القصص كما كانت تماما، خاصة ان بعض الاشخاص ممن اشتركوا في العمل الاول لا يزالون موجودين.. فالإشراف على عملية كهذه، يعني كيف تستطيعين أن تاخذي من كل شخص أحسن ما يستطيع في دوره، بعفوية اليوم. والجزء الآخر هو اختيار الممثلين والشغل معهم. أما الجزء الأخير فهو مع المخرج بيرج فازليان. نوع من مساعد مخرج إذا أردت. خاصة بما له علاقة بالنص. بيرج اشتغل أكثر على حركة المجاميع (الناس). في أشياء نحن اشتغلناها على علاقة أكثر باللغة وبالحوار مع الممثلين في الاماكن التي تحسّين بأن الفكرة الأساسية لم تصل فيها. كان من المفترض أن تكوني مشرفة على التقني ايضا، لكن هناك أشياء لم نستطع فرضها لها علاقة بلجنة المهرجانات التي هي المنتج للعمل. كان يفضل أن يكون هناك بعض الناس بدلا من ناس في مواقع تتعلق بالتقني. لسوء الحظ لم يتوفروا كلهم رغم حسن النوايا الظاهر بالحكي.
لماذا صح النوم؟
? لأنها من المسرحيات التي لا يعرفها الناس كثيرا والتي نصها من أحسن النصوص التي كتبها الرحابنة، ولا تنتمي الى مدرسة اليوم. المسرحية لا تنتمي الى فئة الوطنيات المعروفة للأخوين رحباني. أهميتها أن نصها متماسك من دون اللجوء الى تاريخ لبنان الماضي، ولا الى العنفوان الحاضر والمستقبل. وربما يعود السبب في أن هذه المسرحية غير معروفة كما بقية المسرحيات، ليس لأن الزمن مر عليها. بل لأن الناس تعرف المسرحيات عبر الإذاعات والكاسيتات. وهي لم تبث كفاية.. ولا تستعاد. وأعتقد أن السبب كونها مصابة بنقص في المناعة الوطنية، والعبارات الكبيرة: يعني لا يوجد فيها جبال ما بتنطال، لأنها تحصل في ولاية مسطحة تقريباً (يضحك) تعيش على الحمضيات. كأنها على الساحل، وما فيها ناس ما بتركع شو ما كانت الظروف-، والاهم أنها ليست محلية. ومن الممكن أن تترجم لأي لغة فتصبح عالمية. وبرأيي هذه المسرحية تشكل النموذج المثال للمسرح الغنائي الذي توقف ولن يتكرر. قد يتكرر شيء غيره لكن هذه الصيغة في الحوارات المغناة، هو ما جاء به الرحابنة على صعيد المسرح اللبناني والعربي. يعني هناك نوع من إعجاز في الحوار المغنى. حوار من الممكن أن يحفظه الناس، شيء يذكر بما حفظه الناس من أفلام مثل صوت الموسيقى . هذا هو سيد درويش.
وهل لُعبت بالأصل على هذا الاساس؟ أي أنها غير محلية ولا زمان أو مكان محدد لها؟
? لم يكن ظاهراً انها تحصل في لبنان بالنسخة التي أذكرها. وحتى بطريقة تلحينها ليس فيها الكثير من نسبة الفولكلور المعهودة بغير مسرحيات. يعني معظمها ملحن بطريقة ليست فيها عودة للفولكلور اللبناني نفسه. يعني باستثناء أن فيها مقطعا حيث تحاول فيروز أن تجعل الوالي ينام، فتغني له أغنية تغنى للاطفال حتى يناموا، وهي من الفولكلور. إذا وضعنا هذا المقطع على جنب، وهو آت أصلاً في سياق مضحك، وليس على صعيد تهييج الناس بالفولكلور.
هناك قدر أكبر في مسرحة هذا المقطع من المسرحية الاصلية.
? لا. ربما فيروز عاملة حركة فيها لكن بالأساسية كل ما يحصل في هذا المقطع كان يعمله الوالي بالاساسية. كما لو أن الوالي ينسجم مع الأغنية.. يقال لها ردية، عندما تزبط ردية مع الزجال، يرددونها خلفه.
لكن فيها دبكة..
? دبكة وحيدة ورقصتان. عموما في مسرح الرحابنة كان هناك ابتداء من خمس دبكات وبالطالع.
الناس تنتظر أن ترى في صح النوم المستعادة اليوم شغلاً أقرب بالموسيقى الى جو أسطوانة إلى عاصي ، وما يعادلها في التمثيل والمسرحة..
? لا.. لا شيء من ذلك. حافظنا كثيرا على النص. لم نتصرف حتى موسيقياً بالمسرحية..
حتى بالموسيقى؟ لكن في بعض المقطوعات أدخلت آلات نفخ عززت من الوقع العسكري لبعض المقاطع.
? في بعض مشاهد الوالي. أصلاً هناك موسيقى خاصة بالوالي ملحنة بطريقة وكأنها من حضارة أخرى، غير محددة. كأنها قرون وسطى، لكن كلما حضر جماعة الوالي على المسرح بغيابه، تسمعين آلات تذكر بالعسكر، أي شخصيتي زيدون المستشار (إيلي شويري مكان نصري شمس الدين) أو قائد الحرس (غازاروس ألطونيان).. بعض الآلات الإيقاعية مزبوط لم يكونوا موجودين بالموسيقى الأساسية. والمقطوعة تتحمل من دون أن يتغير شيء في توزيعها. يعني لم أوزعها عن جديد. هذا نوع من الشغل على الموسيقى نفسها بشكل تصويري أكثر.. لأني أراها كما لو كانت مسرحية كارتونز (رسوم متحركة) بسهولة.. يستطيع الأولاد أن يحضروها وأن يفهموها على قدر ما هي مبسطة. وفي الحوارات من بساطة قصص الكرتون: الخير والشر والمحتال.. أنها مسرحية كلاسيكية لدرجة قلت لك انها من الممكن أن تترجم الى لغة أجنبية، كما أنه ليس لها عمر.
تقوم بإدارة فيروز كممثلة للمرة الأولى..
? (ضاحكاً): لم أدرها بعد، ما صرلنا مجال.. إنشالله مرة الجايي . أتصل بها تلفونياً.. عندما يتوفر الوقت. أنوهاي لو هيك أحسن وتلك لو كانت بهالشكل أفضل. من دون شك حكينا عموميات قبل أن نصل الى هنا، الى بعلبك .
أداؤها هو نفسه؟
? لأ. ليس تماماً. هناك تلوينات وتنغيمات بالصوت كانت قد اعتادتها، أحست اليوم أنها غير مقتنعة كثيراً بها. فقررت أن لا تقولها. أو على الأصح أن تقولها بطريقة حقيقية أكثر.
تقصد أنها لغة سياسية مباشرة في حين أن فيروز تستخدم التورية في الموقف العام؟
? المسرحية تماماً كذلك. يعني مكتوبة بطريقة أن فيروز لا يتغير عليها شيء. لا الغرفة بالأوتيل ولا عدد الشنط.. ولا بديعة (مرافقة السيدة فيروز) بيصيروا يفوتوا كلهم. (يضحك) لكي لا تقول: ورطوني بنص.. الباقون هم من يقول الأشياء كلها. فإن عادت واقتنعت فيها لمَ لا.
هناك اليوم في البلد سياق سياسي ما. ومع أنك قبل المسرحية قمت بجملة إعلانات على صوت الشعب نشرت في السفير لا تترك لبسا حول موقفك من كل ما يحصل في البلد...
? والحمد لله طلع معنا حق...
أقصد أن احتمالات تفسير شغلك قلّت. لكن بالشغل مع فيروز في هذه المسرحية، قد يتساءل المرء إن كان في النص نقاط تجعل من السهل مصادرته وتفسيره سياسياً مع هذا أو ضد ذاك كما سبق وحصل لعدة مسرحيات..
?صعبة جداً مهما كان..
عبقري؟
? أيوه.. لكن أنت من قلت الكلمة. مهما كان الصحافي -فهلوي- من الصعب -تلبيخها- على شيء يحصل اليوم. كان لا يزال فيها جملتان أو ثلاث في النص، اعتبرها نوعاً من السقطات الصغيرة بالنسبة لحوارها الرائع، فألغيناها. جمل صغيرة ربما كان لها معنى وقتها.. يعني كان من الممكن أن يضحكوا الصالة بشكل رخيص.
هل هي جمل تسويات مع الذوق العام أيامها؟
? جمل مثل تلك التي تكتب بمسرح اليوم.
الشانسونييه؟
? (بعد تفكير) بالنهاية نعم. مر في مسرح الرحابنة في السنوات الأخيرة أشياء من هذا القبيل، لكن كان الأخوان رحباني اثنين أليس كذلك؟ وما زال اليوم هذا النوع يمر. يعني في المسرح الذي يقوم به منصور (الرحباني) اليوم، لا يزال يمر هذا النوع من اللطشات المحلية جداّ.
تقصد بعد أن أصيب عاصي بجلطة في الدماغ؟
? يعني بآخر فترة الأخوين رحباني زادت هذه الأشياء.. التي تسمى لطشة، وهي أسوأ كلمة في العالم. شو جاييكم من اللطشات؟ يعني تبويخ النقد لدرجة ان يصبح النقد والموقف السياسي هو لطشة. شيء رهيب. لكن لا يستطيع أن يتأسف المرء على شيء لأن البلد كله رهيب. طبعا أنا أحكي عن المسرح عموماً لا مسرح الرحابنة. ذكرت ذلك لأقول انه كان هناك في المسرحية شيء قد يشبه مشروع -اللطشة- فألغيناها.
أنت قلت ان المسرحية كما كانت. لكنني شاهدت بالبروفات، وخصوصا بعد وصولك للإشراف مباشرة قبل أربعة أيام، لمسات لا يمكن أن يخطئها العارف بشغلك في المسرحة. من استبدال -فوزي- الذي كان يريد فتح ملهى بشخصية -مدام سيرو- الى -نوبة الوالي- يعني تبدو المسرحية وكأنها لوحة قديمة يعيد اليها أحدهم ببعض ضربات فرشاة الرسم حيوية ألوانها، ينعش ألوانها..
? كلمة إنعاش جيدة الوصف.
صح النوم التي عرضت في البيكاديللي مصممة لمسرح مقفل وليس لمسرح في الهواء الطلق. هل افترض تقديمها أشكالا من المصاعب التقنية؟
? ربما تتأثر حميمية المسرحية. لكن -بردو- لم نكثر من عدد الموجودين على المسرح وكأننا نقوم بتقديم -سبارتاكوس-(فيلم تاريخي هوليوودي ضخم الإنتاج) فلا تتجاوز الفرقة مع كل العاملين فوق المسرح وخلفه خمسة وخمسين مشاركاً. نسبيا ليس هذا بضخم. كما قد تكونين قد لاحظت أثناء البروفات. لم نستعمل المسرح بكامله ولا نعمل حركة على أطراف المسرح. لأنه كبير بلا سبب. كان أربعين مترا ثم نزلت الى ثلاثين. لا أحد يعمل مسرح طوله اربعون مترا وعمقه فقط 12 مترا. شيء غريب.. يعني لو كان فيها ديكور.. لكان العمق ضئيلا للغاية. الديكور رمزي، فيه شغلتان أو ثلاثة.. بالنسبة لمقاعد الجمهور، نعم. إن فرد كل هذا العدد من المقاعد لمشاهدة عمل غير مكتوب على أساس أن تكون مشهديته كبيرة مثل -جبال الصوان- أو -فخر الدين- الذي كان مكتوباً على أساس أن فيه مجاميع من الحرس وجيشا بأمه وأبيه، -صح النوم- لم تكتب لكي تكون -مفرودة- لهذه الدرجة. لذلك جربنا أن لا نضخمها بعدد الناس. لكن عدد الكراسي.. هذا يعود الى المنظمين. وبالتالي كيف ما اشتغل بيرج فازليان وتعاونّا عليه، صعبة شوية ان يكون كل الجمهور يشاهد كل شيء على المسرح كل الوقت. من زمان كانوا يستخدمون ادراج معبد جوبيتر. فتستطيعين دائما أن تشاهدي بشكل أفقي، اليوم الامر مختلف: لدينا خشبة المسرح العادية لكن بالهواء الطلق.
بيرج فازليان اشتغل مع الرحابنة بأسلوب الرحابنة. كان يتعاون إخراجيا مع عاصي كما تفعل أنت اليوم.
? بيرج أكثر شخص استطاع الشغل معهم، واستطاع أن يستوعبهم وأن يفهم ما يريدون بالضبط. لذلك كان يكوّن رؤية ويعطيهم إياها، فيأخذون القدر الذي يريدونه منها. فهم ما كانوا يطلبونه. يعرف أن الأولويات في هذا المسرح هو للنص والموسيقى حتى بعلاقته بمسؤول الإضاءة يعرف أن لدينا دائماً نصاً وأغنية وموسيقى.. خاصة هذه المسرحية التي هي غنائية بامتياز. أكثر من ثلاثة أرباعها مغنى، مع انه ليس من أغانيّ. لحنوا الحوارات. لدى الكورس جزء كبير من المغنى بصوته، وليس كورال يردد خلف مطرب -كوبليه- أو -روفران-.
تعاونت مع اختك ريما التي عملت كمساعدة مخرج..
? عملت ريما شيئا أساسيا للعمل كان ضرورياً لكي يستطيع أن يقلع: فرغت المسرحية مشهدا بمشهد حتى أدق التفاصيل قبل أشهر، هي التي سمحت بأن يبدأ العمل عبر كل الوسائل التي بين أيدينا. وهي ماسكة الشغل بشكل مواظب اكثر مني ومن بيرج كون أعمالنا تتعلق بمجموعات الموسيقيين أو الممثلين أما هي فكل شيء..
سيسجل هذا الشغل؟ربما أسطوانة طالما انكم أعدتم تسجيل كل شيء؟
? اسطوانة غير مؤكد. لكن كتصوير نحن نصوّر أكيد. لكن قرار إصدارها أو لا يعود الى نوعية التصوير التي سنخرج بها. أما بالنسبة للأسطوانة فلا أعرف، لأن الانتاج عادة لا يهتم بهذه -التفاصيل> من نوع أن المسرحية معادة كلها ومسجلة ومغناة عن جديد. يقول -هذا العمل انا بعته- أي ان العنوان موجود في السوق. حتى لو جعلت كورس الجيش الأحمر يغني فيه.. ولأنك جئت على سيرة الانتاج، أنا مضطر لأقول لك هذه المعلومة: ان الإنتاج من بعد ان مرض عاصي الرحباني. أخذ قرارا رئيسيا بالشغل أكثر على نوعية الكتابة وعلى نوعية الانتاج. يعني استقوى رأس مال الانتاج على قرار التأليف، ففرض شروطه. لذلك تلاحظين أنه من هذه المسرحية -صح النوم- لم تطلع أغنية تسمى -هيت- (ذاع صيتها) بسهولة.. حتى بأيامها. لأني أعرف أن عاصي الرحباني كان يقاوم هذه الشروط بشراسة. يعني كان يقول -هيدي الأغنية ما إلها محل لن أدخلها في العمل-. الانتاج تاريخيا كان -صوت الشرق- سأقول اسمه. كان حظه جيدا لأنه أخذ كل شغل الرحابنة، لكني لا أظن أن حظهم هم كان جيدا عندما حصروا شغلهم به. لأنه عندما استطاع أن يتدخل تدخل بشكل سلبي. كل منتج في العالم حرامي. هؤلاء أو غيرهم. هذه وظيفتهم الطبيعية. هناك حرامي مهذب، أو حرامي ذكي جدا، أو حرامي يرضى بقليل يتراكم على مهل، غيره يريد كل المبلغ بالسنة نفسها، وهناك منتج لا ينتج ما لا يعود بالكثير من النقود. يقول -فظيعة هيدي بس ضيعانها- لأني أريد أن أبيع ألفاً وهذه لن تبيع أكثر من خمسمئة. بلاها... عادة أعمال كهذه تدعمها دول حيثما وجدت الدول. بعد مرض عاصي تغلب الانتاج على الشغل. فتلاحظين ان عمي منصور، لأنه كان منكوباً إذ اضطر فجأة للعمل لوحده، من أيام المحطة على ما أذكر. مشّى توزيع الألحان علينا بالدور. وساهمنا كلنا بإفشال وتفكك المسرح الرحباني الذي تعرفينه وتمثله نموذجيا -صح النوم-. صار يجب أن يكون لفيروز سبع أغان بالمسرحية مهما حصل. بمسرحية -يعيش يعيش- صار انقلاب وإذ بفيروز تغني -هيهات يا بو الزلف-... خلص مطلوبة. نحنا حطيناها بشكل مزحة في مسرحية -شي فاشل-. يعني بلا مخ بالمرة -هيهات يا بو الزلف- ورا انقلاب. هذا الشيء مشي من بعد أن نُكب هذا الإنسان (عاصي). لأنه كان يعاند هذا الشيء كثيراً. رفض اختراع أغنية بمعزل عن القصة. وهذا شيء لا يحبه المنتج لأنه يقول لك -انا بدي نزّل- سبع اغان بأسطوانة لمطربة مهمة اسمها فيروز. يمكن العالم ما بدها تسمع المسرحية، فلم تكن تفرق مع عاصي. كان يقول: أو يشترون المسرحية كلها أو بلاها. لذلك بهذه المسرحية، وبكثير من المسرحيات القديمة التي تشبهها، ليس هناك من -أغاني فلت- اشتهرت. لكن اشتركنا كلنا. عمي يوزع ألحان: فيلمون وهبي رحمه الله يأخذ لحنا، يطلب مني لحناً، عمي الياس يأخذ لحناً.. حتى يصلوا الى مجموع اسطوانة.
لم تكن متنبهاً لهذه الزاوية عند اشتراكك بما تسميه فرط المسرح الرحباني؟
? ليس لهذه الدرجة. يعني كنت ألاحظ انه ليس لهذه الأغنية علاقة بالسياق. بعلمي سياق القصة أن هناك توتراً وإذ -من عزّ النوم تسرقني- وبترحلها اربع خمس دقايق (يضحك) لكن صار المنتج يبيعن لكن المسرحيات مسرحيا لورا برأيي..
انت راض عن الانتاج ؟ لأني أراك عامل أزمة مصران متواصل.
? مش مهم. هذا حديث وحده. سولو..
-الفصل الثالث- يصيح زياد الرحباني في مكبر الصوت خاصته بأعضاء الفرقة المنتهين للتوّ من إعادات بدا لهم أنها لن تنتهي، لمسرحية -صحّ النوم- التي تفتتح رسمياً الليلة. يبهت الممثلون المنهكون للحظة في ضوء النهار الأزرق الخارج للتوّ من عباءة ليل قضوه هنا على مدرج معبد باخوس في قلعة بعلبك يتدرّبون، ليتنبهوا مع ابتسامة زياد، المشرف على العمل، الى أنه يمازحهم. فالمسرحية مكوّنة من فصلين فقط، وليس هناك من فصل ثالث.
لم يكن يوم أمس الاول، اليوم الأخير للتدريبات قبل عرض ليلة البعلبكية الذي يسبق عادة ليلة الافتتاح الرسمي، يوماً استثنائياً على الفرقة الآتية من كل حدب وصوب بالمعنى الجغرافي والاجتماعي والسياسي بالطبع نظراً لأوضاع البلد، لتهتف خلف فيروز المدلاة داخل بئر مسرحي لاستعادة الختم رمز الدولة (نشكر الله اللي دولتنا خشب) في نقد جماعي لا يزال ساري المفعول بعد 36 عاماً على كتابة هذا النص البعيد عن الابتذال والنق -السياسي-.
بدأت التدريبات منذ وصول الفرقة في بداية الشهر، بإدارة بيرج فازليان ومساعدته ريما الرحباني، التي أبدت حسب المخرج السبعيني -شجاعة واجتهاداً غير محدود ودقة نادرة في العمل- والأهم ترجمة عملية لأوامر المخرج التي كان فهمها يعصى على الممثلين بسبب لهجته العربية المكسرة كونه من أصل أرمني.
لكن، ومنذ وصول زياد الى بعلبك آخر الأسبوع الماضي، كان على الفرقة أن تبذل جهداً مضاعفاً. سرعان ما ضوعف بدوره في اليومين الماضيين فاتصل في الأيام الثلاثة التي سبقت الحفل الأول لأهل بعلبك، آناء الليل وأطراف النهار. لكن ما كان يثير الإعجاب الذي كان يسري همساً مبهوراً، كان يتعلق بالسيدة فيروز التي لم تكن يرف لها جفن تعب أو إرهاق طوال الوقت الذي كان يتطلبه وقوفها لاثنتي عشرة ساعة متصلة على المسرح مغنية فوق التسجيل الرائع الجديد للعمل بكامله، كما ستفعل في العروض، وممثلة ممتثلة لإدارة المخرج ومساعدته الصارمة، ولكن الحنونة الابنة الصغيرة ريما.
كان هناك على الأقل ثلاثة أجيال من المدرسة الرحبانية في المسرح والموسيقى. كان هناك فريق القديم مثل مخرج العمل بيرج فازليان الذي رافق الرحابنة منذ العام 1964 حيث أخرج اوبريت <بياع الخواتم> التي قدمت في الأرز، كما كان هناك الفنان إيلي شويري، أحد شخوص المدرسة القديمة صوتاً وتمثيلاً، وأنطوان كرباج الذي طبعت شخصيته التمثيلية بالدور الذي أداه في هذه المسرحية منذ 36عاماً أي الوالي. كما كان هناك فريق عمل زياد الرحباني الذي نشأ على مسرحه وموسيقاه وأغانيه وتماهى مع إنتاجه المتعدّد تعدّد مواهبه الاشبه بتعدد موهبة والده عاصي الرحباني. إضافة الى كل هؤلاء كان هناك جيل من جمهور أعمال الرحابنة بالترجمة -اللبنانية- لتلك الأعمال.
وما قبل التطور الدراماتيكي لأحداث الجنوب التي خيّمت امس على اجواء ما قبل البروفة الأخيرة، وانعكست قلقاً خصوصاً بين الأجانب الذين اتصلت بهم عائلاتهم للاطمئنان لعجزهم عن تقدير خطورة الوضع، كان المونديال بأحداثه سيد الموقف.
هكذا كانت التعاسة ترتسم على وجه جاك شاتليه مهندس الإضاءة، كونه لن يستطيع حضور المباراة النهائية التي خاضتها بلاده فرنسا ضد إيطاليا بسبب البروفة. وانعكست النتيجة بخسارة فرنسا أمام أيطاليا أزمة نفسية على الرجل، خصوصاً في ظل إطلاق الأسهم النارية المكثّف بعلبكياً، ليس حباً بإيطاليا بقدر عدم محبة لفرنسا نظراً لسياستها في الشرق الاوسط. ففش المهندس الأصهب الشعر ، خلقه ب-كريزة- انفجر خلالها متذمراً من مصاعب تقنية غير قليلة تراكمت خلال الأيام الماضية، وكانت تعترض عمله. لكن ذلك لم ينقذه من اضطهاد الفرقة، خصوصاً مهندس الصوت ديريك زييبا الانكليزي الذي اقترح أن ندسّ علم إيطاليا تحت باب غرفة نومه بفندق بالميرا حيث كان ينزل جزء من الفرقة وفيروز وزياد. وانتهى -ماتش التزريك- السري باختيار السباغيتي كطبق رئيسي على طاولة غداء اليوم التالي وسط مشاركة وضحك الفرنسي نفسه.
الضحك أيضاً كان يلازم السيدة فيروز أثناء أدائها لمشهد -الشمسية- مع إيلي شويري -زيدون المستشار (بدلاً من الراحل الكبير نصري شمس الدين) خصوصاً عنما كان يقول لها -يقصف عمرك شو قوية-. وتبين أن سبب ضحك السيدة أن الشويري حسب ما قال لنا، كان يرفض ان يقول لفيروز هذه الجملة فيقول لها في الغناء الحي يقصف عمري ، لأنه لا أحد يقول لهذه النعمة يقصف عمرك، ما بتطلع معي .
الشويري، وعلى الرغم من ان السيدة فيروز قالت له بدي شوف نصري قدامي تقصد في دور زيدون المستشار الذي لعبه الراحل، كما قال لنا، كان يستصعب أن يقوم بتقليد الأخير. قال صوتي مميز ومعروف وصوته أيضاً. لو كان من يلعب الدور اليوم جديداً، لسهل عليه ذلك التقليد، لكن انا صعب. لذلك سأكون إيلي شويري .
اما انطوان كرباج، الذي كان محط إعجاب الكثيرين لحرفيته، فقد كان يبدو متحدّياً الشباب والشابات المدثرات بالصوف عبر إصراره على لبس قميص نصّ كم في درجة صقيع كانت تبلغ درجة الصفر في معبد باخوس حيث التدريبات في القلعة.
في الكواليس، كان علي، مضيف القهوة والشاي الذي كان يمضي الليل مع الفرقة مع أن لا ناقة له في التمثيل ولا جمل في الغناء، سيد المكان. كان يبدو سعيداً كون المشاركين يهربون إلى زاويته المدفأة بمنقل من الفحم المشتعل في جو من الزمهرير والصقيع السيبيري، ألزم الفرقة بان ينزلوا الشتوي فيرتدون المعاطف والكنزات الثقيلة والشالات التي كانوا سرعان ما يخلعونها ما إن يصلوا الى الفندق على بعد مئتي متر.
إضافة الى المونديال، كانت الموسيقى التي تنبعث من مكبرات وميكروفونات شهر التسوق في بعلبك، ترافق غناء السيدة فيروز في مشاهد سوريالية سمعية لم يكن يحلم بها مطربون أمثال علي الديك على سبيل المثال. هكذا كان علينا ان ننتظر ان ينتهي ليل التسوق الطويل ومسابقاته، لنستطيع سماع الحوارات، بشكل جيد.
أما دينامو البروفات الذي لم يكن يملّ والذي ما إن توجد الحاجة إليه حتى كنت تجده بقربك، فقد كان ريما الرحباني. التي كانت تحاول الجمع بين الإبتسام (وهذا كان في كثير من الأحيان صعباً) والحزم لمشاركين لم يسبق لهم التمثيل أو فهم ماذا يعني الالتزام بكلام المخرج المخضرم، من أصل أرمني بيرج فازليان، على مسافة أيام من العرض الذي نفدت بطاقاته منذ طرحها. لكن نفاد البطاقات لم يكن يعني بالضرورة أنها بيعت كلها، هكذا يعاجلك بائع الجرائد الذي طلبنا منه الجريدة بالقرب من الفندق بسؤال بدكم بطاقات لفيروز؟ . وتبين أن في السوق السوداء كانت تباع بطاقات الخمسة واربعين الفا بخمسين دولارا وهكذا دواليك. والمضحك أن الفرقة نفسها أضطرت للشراء منه.
لكن يوم وصول الملابس اول من امس، كان يوم عيد. فبدأ المشاركون بالتمثيل للمرة الاولى وكانهم صدّقوا أنهم سيظهرون على المسرح الى جانب السيدة فيروز. أنعشت الملابس الجميلة الفرقة المنهكة بالتدريبات. فازدهى المسرح أثناء بروفة الملابس واكتست الخشبة وبدت صح النوم، بوجه نضر، وبانتعاش من أفاق من نوم طويل للتو.
زياد الرحباني في بعلبك(ميرنا شبارو)
من العرض الأول <غير الرسمي> للمسرحية أمس (عبد الرحيم شلحة)
السفير