إن ما اطرحه اليوم هو رؤية تاريخية موجزة عن منطقة محدودة من عالمنا العربي الكبير هي ما يسمى بمنطقة الساحل السوري .. وفي محاولتي المتواضعة احلم بان أضيف سطرا إلى السفر الخالد الذي هو تراث هذه الأمة وان أسلط شعاعا من شمس أمجادنا على هذه البقعة التي لم يتحدث عنها احد من الباحثين المعاصرين ,.... يقول احد المؤرخين :
إذا لم نستطع رؤية منابع الزمن فلنحلم حلما يتفاعل مع خيالنا و عواطفنا ومداركنا لنشكل منها جميعا نسيجا متآلفا ... يمكننا إذن أن نحلم ومن موقعنا المتميز هنا على الطريق التاريخي الذي يربط أجزاء مهمة من القارات القديمة الثلاث و كأن هذا الطريق يضج عبر العصور بجحافل يقودها الواحد تلو الآخر ...... سرجون الاكادي , حمو رابي البابلي , الفرعون تحو تمس الثالث, شلمنصر الثالث , كورش الفارسي , الاسكندر المقدوني , و أغسطس قيصر الروماني , وهرقل البيزنطي , و الصحابي عبادة بن الصامت .........
........ ونستطيع أن نتطلع إلى البحر من هنا أيضا فنرى من خلال ضباب الزمن سفينة فينيقية تتجه إلى اليونان ربانها قدموس تحمل الزيت والأرجوان و الزجاج ولوحا فخاريا سطرت عليه الأبجدية الأولى أبدعتها الحضارة التي تشغل نصف الباحثين المنقبين في تاريخ العالم !! ؟؟ .... ولنا أن نتذكر بفخر كلمة احدهم إذ يقول : أن لكل متحضر في هذا العالم حضارتين ؟ حضارة بلده وحضارة سوريا القديمة ؟؟ !!
ومن أين تبدأ بالحديث عن بانياس التاريخ .. هل نبدأ بمحاولة
لقراءة تاريخ الإنسان في العصور الحجرية من خلال مئات الكهوف
المحفورة في وديان جبالنا و التي تجعلنا نحكم وبدون خطاء بان
الإنسان الأول عاش عهوده المختلفة في هذه البقاع التي كانت منذ
البدء الوطن الأول للرقي و الحضارة .........
أنبدأ بأوزا الكنعانية التي تطل بأسوارها التليدة على بلانة
الإغريقية والتي تبدو بقايا حماماتها في رأس النبع كالوشم في
ظاهر اليد لقد توقفت رحى الطواحين المائية عن الدوران في العقد
الخامس من هذا القرن فقط ..
والحديث عن بليناس
الرومانية يشدني _ لقد عملت فيها الزلازل والإهمال ويد الإنسان تخريبا وتمزيقا وغاب مسرح المدينة ومعبدها تحت تلة كبيرة ولكن الأرض تكشف بين حين وحين عن لقي أثرية نجد القليل منها في متحف طرطوس ... فيبهرك زجاج بليناس المتمثل في زجاجات رائعة ترافق أجساد الموتى تحتوي على دموع وطيوب وزيت مقدس ..... وتقف مندهشا أمام الحلي المتفوقة الصياغة ... قبر المراة صورة حواء الأزلية .. انه يحتوي حليا وطيوبا ومرآة ومشابك ..... وقبر العبد ..... إن رفيقه القيد في حفرته ........... اقرأ كتاب مدينة الله إنطاكية العظمى للدكتور أسد رستم ..... يدهشك نشاط نرقيس أسقف بليناس الاريوسي الصديق المقرب من الإمبراطور قسطنيوس البيزنطي و العدو الأول للقديس اثناسيوس بطريرك الإسكندرية ورأس المذهب المستقيم ...... أين هي بقايا تمثال الإمبراطور جوليانوس المرتد , لقد انزل الجاحد تمثال السيد المسيح عن قاعدته في بليناس وأقام محله تمثالا لنفسه .... قتل الإمبراطور جوليانوس بسهم في معركة مع الفرس في طيسفون .. قيل انه سهم مسيحي وقيل انه سهم من السماء ولكن جوليانس لم يكن آخر الجاحدين ....؟؟؟؟؟؟ يتحدث ريتمان في كتابه تاريخ الحروب الصليبية عن قافلة الحجاج الكبيرة التي سلكت طريق الساحل السوري متوجهة إلى القدس متعقبة اثر جيش الحملة الصليبية الأولى إذ تعرضت تلك القافلة للجوع الشديد في بليناس بسبب مقاطعة السكان المحليين لها ولكن سكان طرطوس الذين كانوا يكرهون الصليبيين أيضا باعوا رغيف الخبز بدينارين لكل جائع يملك الدنانير .... لقد وصف القلقشندى بليناس في أواخر القرن الرابع عشر ميلادي بأنها مدينة صغيرة ذات مياه وبساتين وفيها حصن صغير و بالقرب منها حصن المرقب ..... أما تقويم البلدان لأبي الفداء فيزيد على وصفه بأنها ذات حمض كثير ويزرع فيها قصب السكر ولها أعين كثيرة .. و قد تطرق لذكر معامل السكر في بليناس م المعاهدة بين السلطان الملك الظاهر بيبرس و استنبارية حصن المرقب وذلك في العقد السابع من القرن الثالث عشر الميلادي ولعل إشارة القلقشندى هذه إلى بليناس كانت أخر ما قرأناه عنها فهذه المدينة القديمة قدم التاريخ أسدل النسيان عليها أستاره ولم نعد نسمع عنها شيء وشاركها في ذلك المصير مدينة مرقية ومئات القرى الساحلية الأخرى وأصبح الساحل السوري مهجورا وتوضعت الحياة في الجبال وفي بلدات صغيرة لا تبعد عن الموت كثيرا اللاذقية_ جبلة_ انطرطوس ؟؟؟
الحاج أبو خالد الأعسر