آخر الأخبار

هنيبعل وجماعة 14 آذار

على مر التاريخ تتكرر الأحداث والمواقف بصور تكاد تكون متطابقة,وأحيانا يكون لهذا التكرار صور مأساوية وذلك لعدم استفادة الأفراد والحكام والمجتمعات من التجارب الماضية .
و من أبرز العبر المستخلصة من أحداث التاريخ القريب والبعيد فيما يخص بالحروب وأعمال المقاومة هو أنه لا يمكن لشعب ما يتعرض للعدوان من تحقيق النصر إلا بتوفرعدة عوامل لعل أهمها:
إيمان الشعب بالقضية التي يحارب من أجلها الجيش أو المقاومون . ثم وجود قاعدة خلفية تؤمن سندا ودعما وإمدادا.وعلى المدى البعيد يمكن لمقاومة شعب ما أن تصمد وتوّلد نفسها بالاعتماد على شعبها,لكن لا يمكنها تحقيق النصر بدون توفر العامل الثاني .وخير مثال على ذلك هومقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني . فقد أمن الحاضن الشعبي الداخلي للمقاومة في فلسطين لها الاستمرار والصمود طيلة هذة الفترة.
إلا أن فقدانها للقاعدة الخلفية والامتداد من ناحية مصر والأردن,باعتبار هماعلى تماس مباشر مع الضفة وغزة ,و لقد تفوقت الأردن ومصرعلى اسرائيل في فرض الحصار على المقاومة-قد حرم هذة المقاومة من تحقيق مكاسب كبيرة وفرض وقائع جديدة على الأرض باتجاه التحرر من الاحتلال.

ولقد خمدت ثورة الشيخ صالح العلي ضد الفرنسيين بعدما توقف إمدادها من قبل الحكم العربي في دمشق,وكذلك ثورة هنانو ..ولم تنتصر المقاومة الفيتنامية لولا توفر القاعدة التي أمنت الإمداد بالسلاح والمؤن "الصين"..
وكان من أكبر المآسي التي حدثت في التاريخ الحديث ,هي فشل تشي غيفارا في تفجير الثورة في بوليفيا وذلك لعدم التفاف الشعب البوليفي حول مجموعته وعدم مناصرة الثورة مما أدّى لحرمانه من أهم مقومات نجاح الثورة ألا وهي الحاضن الشعبي. رغم أن صرخته المدوّية:( يجب ألا ندع العالم ينام على صدورنا). قد وجدت صدى, وإن كان متأخرا في بوليفيا وأمريكا اللاتينية الآن.
في الحرب العدوانية الأخيرة التي شنتها اسرائيل على لبنان ,كان واضحا وعي اسرائيل لهاتين النقطتين ,فعمدت الى ضرب وتهجير القاعدة الشعبية الحاضنة لحزب اللة وتهديم البنى والمؤسسات التي تؤمن صموده ,وصولا إلى محاولة فرض الحصار عليه داخليا عبر الفريق الحاكم أي جماعة 14 آذار .
ومن ثم ضربت الجسور والمعابر والطرقات بل وحتى الشاحنات إينما وجدت لعزل الحزب عن أي دعم محتمل من قبل القاعدة الخلفية "سوريا" .
لن نتكلم هنا عن النصر , وعن الصمود البطولي للمقاومين ,وعن فشل اسرائيل حتى الآن في تحقيق أي من هذين الهدفين ...فالمعركة لا زالت في بدايتها ..ولا نقصد هنا المعركة العسكرية فهذة قد انتهت وأفرزت مجموعة من العوامل والوقائع .لكن هناك المعركة الأدهى والتي يتفوق فيها الإسرائيلي بشكل واضح ,ليس لعوامل ذاتية ,بل لعوامل خارجية منها ضعف العرب وعدم تأثيرهم الدولي وسيطرة الولايات المتحدة على مجلس الأمن وهناك عامل آخر أمر وأشد وهو الانصياع الكامل لجماعة 14 آذار للشروط الدولية,واتفاقها مع القوى الكبرى على تجريد حزب اللة من السلاح وتحت ذرائع قد تكون في ظاهرها مقبولة مثل سيادة الدولة ,وضرورة الانصياع للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن .

من هنا تبدو خطورة المرحلة المقبلة ,فاسرائيل بدأت حركة دبلوماسية واسعة في أوروبا لتسويق رؤيتها لمهام القوات الدولية والتي تعني في المحصلة : فصل حزب اللة عن قاعدته الخلفية "سوريا" ومن ورائها إيران أولا و من ثم الضغط الداخلي عبر الفريق الحاكم في لبنان لرفع الغطاء الداخلي عنه ,وصولا لنزع سلاحه.
والأمر المستغرب هو مشاركة الأنظمة العربية في هذا المخطط فهم لن يوفروا جهدا لعزل سوريا نفسها "وهذا الأمر مستمر منذ زمن .
إن ما سيقرر الخطوات اللاحقة هو وعي الجهة المستهدفة لمدى توسع وامتداد هذا المخطط وبالتالي وضع خطة مضادة للصمود أولا وذلك بتجميع كل أوراق القوة لاستخدامها في الوقت المناسب,في محاولة لعرقلة وإبطاء مسار الأمور التي تذهب بقوى دفع متعددة مسرعة باتجاه أهدافها.
ومن ثم الانتقال الى الهجوم والاستفادة من أخطاء وثغرات العدو .
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسة :مالذي يستفيده العرب من نزع كل أسباب القوة من بين أيديهم وتقليم أدواتهم المحاربة , ولماذا يسرعون للضغط ومحاصرة القوى المقاومة التي تقاتل عنهم وهي التي تحقق لهم النصر الذي عجزوا هم عن تحقيقة بجيوشهم التي تغص بالرتب والأوسمة الثقال!!في حين أن عدوهم يعمل جهارا على التزود بأحدث وأفتك المعدات العسكرية "مؤخرا تم التعاقد على شراء غواصتين نوويتين من ألمانيا" ..
ولماذا يذهبون طائعين إلى بيت الطاعة الإسرائيلي الذي يعاني حاليا من تداعيات فشلة في لبنان ,وأين هي مصالحهم الاستراتيجية في التخلي عن كل أوراقهم في معركة المصالح والنفوذ العالمية.
إنها أسئلة محيّرة للباحث الموضوعي تبقى بدون رد .

تقول القصة:
أن روما استطاعت هزيمة القائد القرطاجي الفذ هنيبعل ,بواسطة اتباع طريقة الكماشة . حيث عملت على عزله عن قاعدته في قرطاجه بعد أن نجح حزب التجار برئاسة حنون القرطاجي في فرض رأيه على حزب البرقيين الجمهوري ,وتم وقف ارسال الإمدادات والتي كانت تكلف قرطاجه الكثير,لحين عودة هنيبعل بالغنائم التي ظفرها من حربه.
وعمد "سيبيون" القائد الفينيقي الأصل والذي أنكرته روما بعد انتصاره على هنيبعل ,فأوصى قبل أن يموت في الغربة أن يكتب على قبره :(أيها الوطن العاق إنك لا تستحق رفاتي ) الى مهاجمة اسبانيا القاعدة التي كانت تموّن جيش هنيبعل بالرجال والمؤن والعتاد.
وبين رفع الدعم من قرطاجة وفقدان القاعدة الخلفية ,أمكن للرومان من محاصرة جيش هنيبعل ووضعه في وضعية "الانتظار" لحين تهيئة مكان وزمان معركة يفرضها الرومان علية .
فد كان من أسباب نجاح هنيبعل هو مبادرته في نقل المعركة إلى أرض الرومان .
وهنا توّجه "سيبيون" إلى أفريقيا وبدا بمضايقة قرطاجة ومناوشتها , ومارس عليها حربا نفسية دون أن يدخلها لأنه كان يخبّىء قوته لمحاربة هنيبعل .
ونجحت مناورته ,وأسرع القرطاجيون بعد رؤية جيوشه بطلب الصلح ,وأرسلوا لهنيبعل من أجل العودة فورا للدفاع عن قرطاحة.
عاد هنيبعل و استدرجه الرومان لمكانهم وزمانهم وكان أن هزم وتمكن هؤلاء من احتلال قرطاجة وتدميرهابعد معركة "زاما" الشهيرة.
إن" سيبيون" الآن في طريقه إلى اسبانيا, فهل يعلم حزب"التجار"القرطاجي أي مصير ينتظر قرطاجة؟