آخر الأخبار

إلى ولدي سعد..

ولدي الحبيب سعد...
سأحدثك بدون مقدمات , وذلك لإحساسي العميق بالقلق عما آلت إليه الأمور في بلدي الحبيب لبنان.
وقبل أن أبدأ أريدك أن لا تقلق فأنا الآن في المكان الذي يليق بي.
وأود أن أستفسر عن مجموعة من الرجال كانوا بجانبي ,فقد وردني أنهم غير راضين عن مسار الأمور .
لقد تركت لكم ياولدي ثروة طائلة ,لم يجمعها رجل بمثل هذة الفترة الزمنية وبدون أن يرث عن أبيه من قبل.

وقد كان نصيب "هند" فقط منها حسب ما وردني أكثر من مليار دولار.
واستثمارات في جميع أنحاء العالم ..وعلاقات ممتازة مع الغرب وخاصة مع عمكم شيراك ,ومع العرب ,وتركت لكم تحالفات مالية وسياسية هائلة معهم .
وتركت لكم علاقة جيدة مع سوريا برغم كل الاختلافات التي كانت تنشأ وبرغم الضغوط التي مورست علي ..وعليهم ,وأسرّ بأذنك ما قاله لي أحد السياسيين الكبار:"بعد حافظ الأسد لن يستطيع السوريون البقاء طويلا ,فالخيوط التي نسجها تتهاوى,وسيملأ الفراغ وكلاء آخرون".وهاهم فقد سحبوا معظم جيشهم يا ولدي (70% منه) وكانوا سيسحبون البقية بالتدريج كما أسروا لي ولم يكن بنيتهم سوى الإبقاء على وحدات رمزية في البقاع الخاصرة اللينة لنا ولهم , وذلك بموجب بروتوكول كان سيوقع بيننا ,لاستخدام ذلك كورقة ضغط على اسرائيل في أية مفاوضات مقبلة ..وذلك لمصلحتنا ولمصلحة سوريا..
حتى أن الرئيس شيراك قالها صراحة في مجلس النواب اللبناني "إن خروج جميع وحدات السوريين من لبنان مرتبط بتحقيق السلام مع اسرائيل

"

لا يفرحكم خروجهم فغدا سوف يأتي آخرون ليس لنا عليهم (مونة),وسيكون التعامل معهم أصعب.

وتركنا لكم علاقة احترام قوية مع المقاومة في لبنان ,لأن هذة المقاومة يا ولدي عدا عن أنها تحظى بشعبية وتمثيل لبناني كبير ,حررت قسما غاليا من أرض الوطن لأول مرة في تاريخ الصراع مع اسرائيل بدون قيد أو شرط ,وهي ضمانة للإعمار الذي كنا ننوي أن نقوم به وذلك في كل المناطق اللبنانية وليس في وسط بيروت كما كنا نفعل "وتذكر أن الشائعات قد انطلقت علينا بأننا نبني وفق ما يريده السعوديون فقط".
وهي ورقتنا الرابحة في أية مفاوضات مقبلة مع عدو لا يرحم .

تركت لكم كل ذلك وأكثر ... فماذا فعلتم بهذا الإرث ؟
عزلتم عمتكم "بهية" لمجرد أنها قالت في حشد جماهيري خرج وفاء لي :لا نقول وداعا لسوريا ,بل نقول لها إلى اللقاء".
تحالفتم مع سمير جعجع ,وهو المدان بموجب حكم قضائي باغتيال رئيس وزراء لبنان رشيد كرامي.
ذهبتم بعيدا في الانصات لأهواء وتقلبات ومزاج حليفنا جنبلاط والذي ذهب بعيدا هو أيضا في المجاهرة علنا بلقاء الاسرائيليين,حتى بدا للكثيرين أنه هو الذي يسيركم.
تخليتم عن أفضل الرجال الذين كانوا إلى جانبي لمجرد أن رأيهم لا يماشي المرحلة.
اعتبرتم أن اسرائيل لم تعد العدو ,وحولتم الاتجاه نحو سوريا .
دعوتم لمحاسبة المقاومة ورجالها يرابضون على الحدود ويدفعون بدمائهم ثمن حرية الوطن ,ومنازلهم تهدم وشعبهم يهجّر..بدل أن يكون ذلك الصمود قوة لكم سارعتم لمحاصرته بالنقاط السبع وغيرها....
حتى أنني سمعت أن بعضكم تمنى على اسرائيل أن لا توقف النار قبل القضاء على حزب اللة ونزع سلاحه.
سخرتم وسائل الاعلام التي تركتها لكم والصحافة التي دعمتها بالكثير من أموالي ,لمحاربة عون وهو الذي يمثل أكثر من 70% من المسيحيين بل واتهمتموه بالمرض النفسي والذي يحتاج للمعالجة.
حاولتم عزل الجناح الثاني للبنان "أمل وحزب اللة " وتخيلتم أنكم تقدرون على الطيران بجناح واحد.
هربتم من المعركة ولم تعودوا للوطن إلا قبل وقف النار بيوم.
لقد توفرت بين أيديكم أوراق قوة هائلة ..دعم مالي غير محدود ,دعم غربي ,دعم عربي "حتى أن جميع عواصم العالم فتحت أبوابها لكم " قرارات كثيرة من مجلس الأمن .
ومع ذلك أراكم تمشون خبط عشواء, حتى أنه وصلني أن أحد سفراء الدول الكبرى قد قال بانزعاج:قدمنا لهم كل شيء ولم يصنعوا أي شيئ ,لقد أتعبونا ,ولا يعتد بهم".
ثم أراكم في كل مطلع شمس وقمر تهاجمون نظام "الوصاية" ,أفلا تدرون أنكم بذلك تهاجموني ,أنسيتم من ركّب هذا النظام بعد الطائف؟ أنا وعمكم خدام والمرحوم غازي ونبيه ووليد وقسّم الصناديق بين الجميع من المهجرين إلى الإنماء والإعمار إلى صندوق الجنوب ,فإذا كان هذا الترتيب سيئا فنحن سيئون ,وإن كان جيدا فنحن كذلك.
لقد سرتم كما لا أشتهي..
إذا بقيتم على هذا النهج وهذا الطريق ,فإني أرى أن بلدي الذي أحب سيصبح ورقة في مهب الريح .
وعندها سأموت مرة ثانية ,فلا حياة لي بعد وطني.

رفيق الحريري

"صورة طبق الأصل"