جاء الى المهرجان.. مع الشعب المسكين، لشاركه الحزن على الشهداء، والفرح للانتصار. خلال العدوان الاسرائيلي في نيسان 1996 اطل زياد عاصي الرحباني على اللبنانيين، بتجديد انتمائه الى المقاومة، ايا تكن هوية هذه المقاومة السياسية، وهو كان يسهر مع الجنوبيين، ليشاركهم «بسلاحه» الكلمة والموقف، معاناتهم وهول مجازر العدوان.
ها هو زياد الرحباني، وبعد عشر سنوات، يطل من قلب الضاحية التي عرفها باسم «ضاحية الفقراء»، امام المشاركين بمهرجان الانتصار الذي نظمه «حزب الله» منتميا الى خيار اختاره قبل القرار 1559 و1701، قبل 12 تموز و14 آب، حتى قبل قصف حيفا وما بعد حيفا، وقبل نظرية «محاسبة المغامرين لانهم ادخلونا في معادلة، لبنان بغنى عنها». واذا دققنا قليلاً، نتيقن انه خيار اختاره، وانتهجه الرحباني، قبل العام 1982، اي قبل نشوء «حزب الله».
فما الغريب في مشاركة الرحباني مهرجان المقاومة، ولماذا هذه الحملة التي صورت زياد على انه منظر للحرب، وهذا يدفعنا الى الشعور بان الايمان بالمقاومة هو تبشير بالحرب، والوقوف الى جانب جمهور «فاقد التفكير» كما وصفه احد قادة الاستقلال الحديث، على فكرة اللبنانيون في هذه المرحلة باتوا في كل ساعة يشاهدون مظاهر السيادة والاستقلال في كل بلدة وقرية جنوبية، فضلا عن خط الساحل والموانئ البرية والبحرية والجوية وخطوط الحدود الدولية جنوبا.. وشمالا، يعني صرنا عم نتعركش فيها».
لم يفاجأنا زياد الرحباني بحضوره الى جانب السيد حسن نصر الله ومليون ونصف المليون مواطن، ولن يبهرنا موقف جديد يعلنه، فكرا وممارسة، فلا جديد عند زياد في مقاومة الاحتلال، المقاومة عنده مقاومة وليست مغامرة، المقاومون مقاومون وليسوا مغامرين، وهو لم يستوحش، كما «جيش» من المبدعين والمزيكاتيي، في الالتزام بقضية الجنوب والمقاومة، وثبات زياد لم يكن منطلقا من كونه يساريا او شيوعيا امميا، لان هؤلاء كثر بين اللبنانيين، ولم ينجح معظمهم في ترك بصماتهم وتأثيرهم على الواقع السياسي العام، بالمستوى الذي نجح فيه زياد.
زياد الرحباني، صاحب نظرية ان «حزب الله» الذي يصمد في كل عدوان اسرائيلي، ويجيد استعمال شبكات الصواريخ السوفياتية، وفي مقدمها الكاتيوشا والغراد، هو شيوعي، يومها دعا «ابو عاصي» «حزب الله» الى ان «يزت» قد ما فيه من صواريخ الكاتيوشا على الاسرائيلي»، هذا قبل ان يدخل «حزب الله» في مواجهته للعدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان الى عائلة الصواريخ الروسية اجيالا جديدة.
بعض الاقلام كتبت ترجح ان تكون «عودة» زياد الرحباني، وهو ما غادر يوما، الى العمل السياسي ببياناته العسكرية، واحدة من البوادر الاولى للحرب، يعني اصبح الفن يولد حروبا، حسب هذه الاقلام التي لم تتردد في ارتكاب تطاول وقع على السيدة الجليلة فيروز، وفيما لو كان في مأدبة افطار رمضانية في قريطم، او يشارك قداس لراحة نفس ضحايا القوات اللبنانية خلال الحرب اللبنانية، او عبر البحار، في حفل تكريم السفير الاميركي في الامم المتحدة او ما شابه، ويا لطيف شو في «ما شابه»، لكان زياد الرحباني منظرا لثورة تدعو الى لبنان الديموقراطي والسيد ودولة القانون العدالة الاجتماعية.
من حق زياد ان يكون في السياسة، معك او ضدك، ويحق له قول ما يشاء وغناء ما يشاء والالتزام بما يشاء.
ومن حق الناس ان تحبه، اما لانه شيوعي او يساري متطرف، او ستاليني، او فنان مشاكس وعنيد ومبدئي وملتزم، واللي ما بدو، المشكلة عندو، فما المشكلة اذا سخر زياد من غونداليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية، حين تتدخل بكل شاردة وواردة في لبنان؟، وهل اصبحت رايس من سكان الطريق الجديدة؟، ام انها من سلالة الام تيريزا؟ او انها من مؤسسي منظمة «كاريتاس»؟ ثم ان رايس تتحدر من سلالة وارن كريستوفر وزير الخارجية في عدوان الـ 96 ومادلين اولبرايت وزيرة الخارجية في عدوان الـ 99 وصولا الى كولن باول، كلهم تحولوا الى نجوم في كل عدوان اسرائيلي على لبنان، هل ستنتج هذه المسخرة ازمة ديبلوماسية بين لبنان وبلاد العم سام؟ بالمناسبة، ينقل عن زياد انه دعا مرة الى تسميت البيت الابيض بـ «البيت الاحمر»، لا لان الاميركيين سيصبحون شيوعيين، بل لانهم سحقوا الهنود الحمر بدموية لكي يستوطنوا.
الله يرحمك يا كارل ماركس
محمود زيات
-الديار.