آخر الأخبار

حكايات بسيطة(3) :التدخين كارثة وطنية

التدخين : عند التفكير بالتدخين تفكر به بشكل أولي كمشكلة صحية تتعلق بالمدخن ومن يعاشرهم في الحياة وأحيانا يمكن أن تفكر به كمشكلة اقتصادية وتجتهد أحيانا لتفكر به كمشكلة بيئية ولكن عندما يتحدث الرقم تبدأ الإبداعات وأسوق مثلا من الواقع في قريتي حورات عمورين حدث بنهاية عام 1999 : بلغ عدد المدخنين في القرية 395 مدخن في 470 أسرة وهو معطى إيجابي جزئيا أي أقل من مدخن بالأسرة الواحدة ومع هذا يدخنون في اليوم 14000 ليرة سورية وفي السنة 5000000 خمسة ملايين ليرة سورية فإذا علمت بأن إجمالي دخل القرية هو 48 فقط ثمانية وأربعون مليون ليرة سورية أي بنسبة 10% عن إجمالي الدخل وإذا علمت بأن استهلاك القرية من ( المازوت - الهاتف - الكهرباء - الغاز - المياه ) لا يساوي مبلغ التدخين تبدأ التساؤلات المنطقية - علم الأولاد بهذه الأرقام وبدءوا بمساعدتي يحسبون طول سيجارة القرية باليوم فبلغت : 1185 مترا وسنويا : 432525متر وخلال خمسين عام 21.626.250 مترا طوليا وأن كلفة التدخين يمكن أن تحول القرية كقطعة من أفضل التجمعات بسوريا ..أما عندما استخدمت الأرقام على الصعيد المجتمعي قام المجتمع المحلي بقيادة حملة هدفها إقناع الناس بالإقلاع عن التدخين واستهدفت فئتين وهما:1 - فئة تدرك مضار التدخين وتقر بذلك وهي فئة قابلة للإقلاع عن التدخين 2- فئة ليست مستعدة للإقلاع عن التدخين ويقولون بأنه ما حدا بيموت إلا بيوموا وأن جدي دخن عربي كل عمره وعاش 110 سنوات وفلان كذا وغيرها من الحجج .
استهدفت الفئة الأولى بالسؤال التالي : هل تعتقد بأنه سيأتي اليوم الذي يقول لك الطبيب فيه بأنه إذا لم تقلع عن التدخين سيقتلك أم لا ؟ فيكون الجواب بالتأكيد نعم فيأتي السؤال الثاني : أيهما أسهل الإقلاع حاليا أم في حينها ؟ إذا كان الجواب في حينها وهذا نادر نقول بأنه في حينها ستترك الملح والدسم واللحوم وما لذ وطاب من الطعام ويكون النيكوتين قد فتك بجسمك لدرجة أن فلان وفلان وغيرهم عملوا عمليات قلب مفتوح وعادوا للتدخين ..طيب وإذا ما نك مقتنع حاول يا أخي الصيام عن هالأكلات الطيبة لمدة أسبوع فعندها ترى النتيجة ؟ أما إذا كان الجواب حاليا أسهل ؟ نقول له أقلع اليوم عن التدخين أحسن من بكرا ..وبنتيجة الحوارات التي لا يتسع الوقت لسردها أقلع عن التدخين 47 مدخنا كلفة دخانهم السنوية 410000 فقط أربعمائة وعشرة آلاف ليرة سورية .ووضعنا لوحة شرف للمساهمة بالإقلاع عن التدخين ضمت أسماء الأشخاص المقلعين بصفتهم مساهمين بالمشروع المجتمعي وقررنا أن نقدم هدايا للمقلعين كتشجيع لهم على الفكرة ولغيرهم على الإقلاع .أما الفئة الثانية التي تدافع عن التدخين فقد سألناهم السؤال المحرج التالي : هل تتمنى أن تعلم هذه العادة لابنك ؟ فكان الجواب : لا طبعا .فقلنا إن أولادك يقلدونك وربما يتعلمون العادة التي تكرهها .
واقترحنا أن يتم الإقلاع عن التدخين ليوم واحد بالقرية ليكن اليوم الأول من الشهر نذهب للدكان ندفع ثمن الدخان ولا نحضره لنجمع 14000 ليرة سورية نشتري بها عجلة بقر ونعطيها لأسرة فقيرة حيث يبلغ عددها ضمن القرية 35 أسرة في حينها ودخل الأسرة الواحدة يقل عن 1500 ليرة سورية وتعيش على الإعانات وهذه العجلة ستكون قيمتها خلال عام واحد 75000 خمس وسبعون ألف ليرة وتنتج بمعدل 5000 ليرة سورية شهريا وبنفس الوقت نحتج أمام أبنائنا على هذا السلوك لنقول لهم أننا تورطنا بهذه العادة ولا نريد توريطكم .
وانتشرت الفكرة كالنار في الهشيم ..لكن لو سألتموني هل طبقت الفكرة الثانية سأقول بكل شفافية وصدق : لا ..ولكن لماذا ؟ لا أدري .؟ وبنفس الوقت لو سألتكم هل أنتم مستعدين لتطبيقها برأيي سيكون جوابكم : نعم ..هل أنا محق أم لا ؟ وهل ذهبت الكثير من الأفكار عبر التاريخ أدراج الرياح ؟ أعتقد ذلك جازما .
أرجو أن أكون وفقت بحكايتي الثالثة وشكرا لصبركم وسعة صدركم .

alafeef@scs-net.org