آخر الأخبار

بريطانيا وثمن الدور السوري في العراق

السير سيريل تاونسيند

يبدي الخبراء بوزارة الخارجية البريطانية، إعجابهم بمستوى العلاقات بين المملكة المتحدة وسوريا، وأنا بدوري أشاطرهم الشعور نفسه. فقد تلقى الرئيس بشار الأسد تعليمه في مجال أمراض العيون هنا في لندن، بينما ولدت حرمه السيدة أسماء الأخرس، في "ويست لندن". وحين تولى بشار الأسد المنصب الرئاسي في يوليو من عام 2000، علق المسؤولون في الخارجية البريطانية، آمالاً عريضة على احتمال نمو علاقات صداقة شخصية ودية، بين توني بلير وبشار الأسد، وخاصة أنه ليس هناك فارق عمري كبير يذكر بينهما (54- 40 عاماً).

وكان توني بلير قد استجمع شجاعته وزار العاصمة السورية دمشق في عام 2002، على رغم تحذيرات وزارة خارجيته له، من أن دمشق مقبلة على إجراء تعديلات مهمة على نمط الحكم فيها، بقيادة بشار. وقد اتضح لاحقاً أن تلك الزيارة كانت حبلى بالكثير من المواقف عميقة الدلالة، عندما أعلن الأسد عما أسماه بحقائق الحياة الداخلية السورية. لكن وعلى أي حال، فقد سجل بشار وحرمه زيارة موفقة إلى لندن في ديسمبر من عام 2002.

وإحقاقاً للحق، فقد أعطت وزارة الخارجية البريطانية، الدولة السورية البالغ تعداد سكانها نحواً من 18 مليون نسمة، دوراً تاريخياً مهماً في المحيط العربي. وظلت وزارة الخارجية على قناعتها الراسخة دائماً بأنه من الاستحالة لأي تسوية إقليمية مستديمة أن تتحقق في المنطقة، بتجاهل الدور السوري فيها. وتراودني شكوك شخصية خاصة، في أن تضمر وزارة الخارجية أسفها على عدم تمكن سوريا من استعادة أراضيها المحتلة في هضبة الجولان. فما أقل الذين يعلمون في بريطانيا أن إسرائيل لا تزال تواصل احتلالها لهضبة الجولان وللضفة الغربية.

ثم إن لسوريا مشكلاتها مع الغرب. ففي أكتوبر من العام الماضي، أعلن الوزير الإسرائيلي شاؤول موفاز، عبر إذاعة بلاده، أن الرئيس بوش مقدم على اتخاذ قرارات وخطوات بشأن سوريا. وقال إن تلك الخطوات ستبدأ بفرض عقوبات اقتصادية عليها، لتصل إلى استخدام وسائل أخرى، مما يوضح للسوريين دون لبس أو غموض، أن السياسات التي تتبعها بلادهم، لا تتسق وقرارات الأمم المتحدة، ولا مع النظام الدولي الجديد، الذي ترسي قواعده الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى تناقضها مع الحظر الدولي الذي يمنع مساندة الدول ذات السيادة للإرهاب. وقد طغى اتجاه كهذا على تفكير إدارة بوش. ومما لا ريب فيه، أن بعض "المحافظين الجدد" من مستشاري الرئيس بوش، ذهبوا هذا المذهب، وفي اعتقادهم أنه قد أصبح من الضروري السعي الجدي للإطاحة بالنظام السوري.

أما في بريطانيا فقد تولى رئيس الوزراء توني بلير في "10 داونينج ستريت" إدارة سياسات الشرق الأوسط، بدلاً من أن تديرها مارجريت بيكيت، وزيرة الخارجية ووزارتها، كما هو مفترض. وقبل أسابيع معدود ة فحسب، كان قد ابتعث السير "نيجل شينوالد"، مستشار الشؤون الخارجية في "10 داونينج ستريت" في مهمة عاجلة إلى الرئيس السوري بشار الأسد. واسترعى انتباهي هنا أن توني بلير لم يرسل صديقه ومستشاره للشؤون الشرق أوسطية، اللورد "ليفي"، وهو الذي حامت حوله الشكوك والاتهامات، فيما يتعلق بفضيحة هنا في بريطانيا. وكما رأينا فقد ترك توني بلير مؤخراً نافذة سياساته الخارجية مفتوحة، أمام شراكة محتملة مع كل من سوريا وإيران. غير أن "10 داونينج ستريت"، نفى من جانبه التصريحات الصحفية القائلة بذهاب بلير راضخاً ممرغ الأنف إلى كل من دمشق وطهران.

ومما لا ريب فيه، أن يشعر الرئيس بوش ببعض الحرج مما يبدو من تأييد واضح من قبل حليفه بلير لسوريا. لكن وعلى رغم ذلك، أعلن بوش رفضه لأي انتقادات صارخة، لها صلة باعتزام حليفه بلير الدخول في أي مفاوضات تشاورية مع دمشق وطهران، بشأن ما يجري في العراق، مع العلم بأن الوضع هناك يمضي من سيئ إلى أسوأ. ففي مؤتمر صحفي جمع بين بوش وضيفه الإسرائيلي الزائر إيهود أولمرت، عقد في البيت الأبيض مؤخراً، حذر بوش من مغبة حدوث أي شق أو صدع في وحدة الصف الغربي ضد سوريا وإيران.

وبالنظر للتصريحات والمواقف الصريحة من سوريا في "10 داونينج ستريت"، فإنه ليس من الصعب التكهن بمدى الحرج الذي أصيبت بريطانيا، على إثر ذيوع الأخبار الأخيرة عن مصرع وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل، الذي عرف بمواقفه المتشددة إزاء سوريا. ويواجه رئيس الوزراء اللبناني خطر انهيار مبكر لحكومته الآن، علماً بأنها مدعومة من قبل الحكومة البريطانية. وها هو "حزب الله" يهدد وينظم مظاهرات شعبية قوية ضد حكومة السنيورة. وإزاء هذه التطورات، فقد أصاب الناطق الرسمي باسم بلير بتصريحه الداعي إلى إجراء التحقيقات أولاً حول ملابسات مقتل الجميل، قبل إصدار أية أحكام مسبقة على الحادث ومن يقف وراءه: "وبعيداً عن القفز إلى النتائج واستباقها، فإن جزءاً من حكم الحكومة البريطانية على سوريا، ستكون له صلة بسلوكها في لبنان".

وإني لأجد نفسي متعاطفاً نوعاً ما مع محاولة توني بلير، إعطاء سوريا دوراً في جهود حل المأزق العراقي. غير أن جانباً آخر من حدسي، يقول لي إن بلير كان غافلاً ومتفائلاً أكثر مما يجب في حسابه لعواقب ذلك التصور، وللنتائج النهائية التي يفضي إليها. فمما لا ريب فيه، أن لسوريا التأثير، وأنه يجب أن يكون لها دور في تحقيق الاستقرار في جارتها العراق. كما أنه من الصحيح القول إن لكافة جيران العراق يداً ومسؤولية إزاء وضع حد للكابوس الذي ألمَّ به.

بيد أن بعض الأوساط في المخابرات البريطانية تزعم، أن سوريا ليست ملاذاً آمناً لآلاف العراقيين المتذمرين من الموجود الأميركي في بلادهم فحسب، بل إنها تعد قاعدة انطلاق رئيسية لأولئك الذين يمولون التمرد، وربما يوجهونه كذلك، لاسيما في المناطق السُّنية. وفيما يقوله لي حدسي الشخصي، إن أعضاء الحرس السوري القديم، ممن يحيطون بالرئيس بشار الأسد ولا يزالون يحتفظون بمعاقل قوتهم ونفوذهم حتى الآن، لا يزالون يكظمون الغيظ على مغادرة بلادهم للبنان المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وهو ما يمنعهم من التعاون بأي مستوى من المستويات، مع بريطانيا وحلفتها الكبرى، فيما وراء المحيط الأطلسي.