هناك مقابر موحشة مستوحدة،
قبور ملأي بالعظام، دون صوت،
والقلب يسرب من خلل نفق صغير
مظلم، مظلم، مظلم.
وكما لو كانت سفينة تغرق،
من الداخل نموت
ونحن نغرق في القلب..
ونحن نسقط من الجلد إلي قرارة الروح.
هناك جثث،
هناك أقدام من الطين البارد اللزج،
هناك موت داخل العظام -
كالصوت، محض صوت،
كنباح دون كلاب -
ينبعث من أجراس عديدة، من قبور عديدة،
يفيض في ذلك الصمت الرطب، كالدموع أو المطر.
وأرى، في وحدتي، بعض الأحايين
نعوشاً ناشرات القلوع
تقل موتى شاحبين: نسوة مسبلات الجدائل،
من كل خبازة بيضاء كالملاك،
وصبايا مكمدات، زوجات كتاب عدول -
نعوشاً في نهر الموت العمودي مصعدات،
في النهر الأرجوان
مصعدات، بأشرعة يملؤها صوت الموت،
يملؤها صوت الموت الصموت.
والموت يصل إلي الشاطيء المشؤوم،
كحذاء دون قدم،
كرداء دون لابس يرتديه،
يصل يضرب بخاتم لا فص له ولا إصبع فيه.
يصل ليصرخ دون فم، دون لسان، دون حنجرة.
وما زالت خطاه يتجاوب صداها،
وثيابه يتجاوب صداها، خرساً، كأنها شجرة.
لست أدري، وما أفهم إلا قليلا،
وأوشك ألا أرى..
بيد أني أخال لأغنيته لون أزهار البنفسج الرطبة،
لون أزهار البنفسج قد ألفن التربة.
لأن وجه الموت أخضر
مشرب برطوبة ورقة من أوراق البنفسج،
وإن لونه القاتم لهو لون الشتاء المحتضر.
ولكن الموت، فوق ذاك، يذرع البلاد
متنكراً في زي مكنسة
تتهجس بلاط البيوت
بحثاً عن الموتي.
والموت في المكنسة،
ولسان الموت يبحث عن الموتى
وإبرة الموت تبحث عن الخيط كي تخيط.
الموت في السرر الصغيرة،
في الوسائد البيضاء، في الأغطية السود.
إنه يقبع متريصاً..
ولكنه سرعان ما يعصف ويثور،
يعصف بصوت منفر تنتفخ منه أغطية الفراش
وتنطلق الأسرة مقلمات صوب ميناء
ينتظر الموت علي رصيفه في بزة أمير للبحر.
بابلو نيرودا
ترجمة بدر شاكر السياب