آخر الأخبار

بين الفالنتاين وعيد الشعلة السوري وعيد العزابي الرحباني

شباط (فبراير) ليس هو ذاك الشهر المتقلب غريب الأطوار فقط,وليس هوأقصر الشهور ,والشهر الذي يخشاه العجائز..فإن رحل فإنهم سيمنحون فرصة أخرى لشباط القادم..وليس هو فقط شهر القطط .. إنه أيضا شهر الحب والعشق.

تقول القصة المشهورة والتي تحتاج للكثير من التدقيق والتي ربما تحمل أصلا واقعيا:

حرّم كلايدس الثاني الذي كان يحكم روما  الزواج على جنوده ليتفرغوا للحرب (...)

وكان الراهب فالنتاين يتم عقود الزواج سراً (...)فاكتشف ذلك الحاكم وحكم عليه بالسجن حتى الموت (...)وفي السجن أحب ابنة السجان سراً (...)، فعرض عليه الامبراطور أن يترك معتقداته مقابل العفو عنه (...)فرفض وتم إعدامه في 14/2/270 م.‏‏

فمنحته الكنيسة لقب قديس واعتبروا يوم إعدامه عيداً للحب،ولكن عيد الحب سابق على هذا التاريخ بكثير كما سيتبين لنا.‏‏

فماذا عن الجذور التاريخية لعيد الحب ؟‏‏

كان السوريون القدماء يحتفلون بقدوم الربيع رمز الخصب والتكاثر حيث تتجدد الطبيعة وتدب الحياة فيها ,وصوّروا ذلك بقيامة أدونيس الذي قتله الخنزير البري والتقائه بحبيبته عشتار ..على ما ترويه لنا الأسطورة المشهورة.

وفي هذه الفترة تتوالى أعياد الأم عشتاروالخصب الرابع –الربيع والفصح والذي يعني الخلق والإنبعاث.

  وفيها يتم تلوين البيض (وكان يتم بغلي البيض مع قشور البصل) وكانت هذة العادة موجودة لأمد ليس ببعيد في الجبال الساحلية (بقيت هذه الاحتفالات قائمة ,لكنها خفّت كثيرا بعد حوادث أوائل الثمانينيات) .. ومن ثم تتزين الفتيات ويحنين شعرهن , وذلك لملاقاة الأحبة.عل وعسى يعلق أحد الشباب في الفخ ويتم النصيب .

وهناك قصتان سوريتان تحكيان القصة:‏‏

الأولى أسطورة ,كما ذكرنا قصة أدونيس وعشتارعلى الشاطئ المتوسطي,حيث راحت عشتار تبحث عن حبيبها بعد قتله ,فجرحت جلدها الأشواك وامتزج دمها بدماء أدونيس على التراب والتي تنبت في الربيع أزهار حمراء (الشقيقة).

أما القصة الثانية  فتقول:

 كان السكان  في قبرص والسواحل السورية يحتفلون سنوياً في الرابع عشر من شهر شباط بإقامة مواسم الحب والزواج لأنه اليوم الذي تنبت فيه سنوياً زهرة حمراء مع إشراقة الصباح ثم تذوي وتموت مساء وكانت الصبايا تمارس الطرب والرقص والأهازيج انتظاراً للشباب الذين انطلقوا إلى الغابات والسهول بحثاً عن هذه الزهرة الحمراء ، وكل من استطاع العودة قبل الغروب حاملا هذه الزهرة يسارع إلى إهدائها لمحبوبته مهراً للزواج وكان عليها طوعاً قبولها لأنها الترميز المتعالي للحب ومسارات العناق الأبدي بالزواج.

 وحينما اعتنق الإمبراطور قسطنطين الدين المسيحي عام 313 ميلادي وجعله ديناً رسمياً للدولة ، شاع عيد الحب السوري في أوساط الإمبراطورية وغدا احتفالاً عاماً للعاشقين مما حدا  بالرهبان إلى ترك الناس وشأنهم,وتاليا ‏‏نسجت لفالنتين -الذي أعدم بنفس هذا التاريخ - تلك الأسطورة ونسب هذا العيد له.
  

ينقل  الباحث سمير طحان عن المستشرق الأب سلفادور نوغالس اليسوعي ما يلي :
عيد الحبّ هذا ذو أصل سوري بحت، وأنّ اسمه القديم (عيد الشعلة)، على أساس أنّ النفس تظلّ في ظلمة إلى أن ينيرها الحبّ. 

ويحمل هذه الشعلة طير نوراني لا يُرى ولا يُصاد اسمه القرندش. ويكون الاحتفال بيوم الرابع عشر من شباط حيث يبدأ موسم سفود الطيور..

 . القرندش أبو إيروس إله الحبّ الإغريقي وجدّ كيوبيد إله الحبّ الروماني، الإغريق والرومان حسّيون غير روحانيّين، ولذا تركوا جناحَي القرندش وبدّلوا جسمه بطفل وبدل أن يوشوش بالحبّ، حمّلوه قوساً يرمي سهام الحبّ في القلوب، ثم إنّ الإغريق والرومان مولعون بالغزو العسكري، ويرمزون لقوّتهم بالطيور الجارحة كالصقر والشاهين، ولذا أبت نفوسهم أن يتّخذوا طيراً غير جارح رمزاً للحبّ فجعلوه طفلاً مجنّحاً مسلّحاً محارباً.

ولا تزال أسطورة العصفور الأزرق، أي عصفور الحبّ، تعيش في عقول وقلوب الغربيين.

ومعنى كلمة قرندش:

كلمة سوريّة رافدينيّة، فينيقيّة سومريّة، وتعني: الذي يقرن، أي يجمع، وتتألّف من: فعل (قرن) و(ده) لاحقة تحوّل الفعل إلى اسم فاعل، والشين تصغير للتحبّب. ولقد صادف في القرن الثالث الميلادي أنّهم قطعوا رأس الكاهن الطبيب فالنتين في روما، بعد أن شفى ابنة حارسه، في الرابع عشر من شباط، فطوّبته الكنيسة قدّيساً، وحدّدت عيده في هذا اليوم بالذات، وهكذا اقترن اسمه بعيد الحبّ، وصار شفيعاً للعشّاق. .
 ويزيد خيرالدين الأسدي ما يلي: القرندس: طائر وهمي يزعمون أنه يعلو في الجوّ ويدعو: الله يجيب الولف لولفو. من أمثالهم:القرندس يخفّق ليوفّق.

وتؤكدالروزنامات الإنكليرية والفرنسية والروسية صحة هذه المعلومة وكذلك قاموس لاروس الفرنسي وأي مرجع يختص بالتقويم الشمسي الميلادي ,علما أنه في متحف مدينة معرة النعمان هناك لوحة فسيفسائية رسم عليها طائر القرندش.

 

ومن كان أجمل من الأخوين رحباني ليعيد  هذا التراث الجميل في مسرحية وفلم بياع الخواتم.. في مشهد عيد العزابي

"هذا الحدث السنوي الذي يتيح لشباب وصبايا الضيعة أن يقترنوا بمن يحبونه,حيث تبدا الصبايا بتحضير الثياب الجميلة, وخياطة الفساتين الجديدة, وبعضاً منهن, بما فيهن ريما(فيروز), زرن زبيدة عرافة الضيعة, ليعرفن الطالع. قيل لريما أن صبية من الضيعة سوف تبقى عزباء, طالما أن عدد الشباب أقل بواحد بالمقارنة مع عدد الصبايا, وأن هذه الصبية قد لا تكون سوى ريما نفسها, اعتماداً على قصص العازبين من عائلتها.

من بين شبان الضيعة المرشحين للزواج, كان سبع المهندس (فليمون وهبة), الذي يحاول في كل مرة أن يبلي إحدى الصبايا لتختاره زوجاً, وبطريقة مضحكة, وكان دوماً يفشل, كما هو متوقع. أما مخّول (منصور الرحباني), فهو ذلك الضخم الأخرق الذي يدير مقهى الضيعة, كان يريد أية صبية تقبل به, وأكثر من هذا, كان يريدها فتاة إسبانية, لتغني له صباحاً, ولترقص له في الليل!

ويمثل عيد العزابي في هذا الفيلم التمثيل الأجمل لهذة التقاليد التي نسيت مع الأسف مع سيطرة وهيمنة الأعياد التي استوردت من الغرب من جملة ما استورد وطغت على الأصل في ظل التراجع الحضاري المستمر منذ عشرة قرون.