التخبط الذى يسير فيه النظام المصرى لا يحتاج إلى مزيد بيان، سواء من قمة النظام الذى فعلت فيه الشيخوخة أفاعيلها أو من الذين يحكمون من وراء ستار يسمى لجنة السياسات وكل الناس فى بلادى يعلمون ذلك إلا الواهمين.
وآية ذلك انفضاض بعض مؤيديه عنه، وزيادة نقد الناس له، وانحدار البلاد اقتصاديا وسياسيا وعلميا وأخلاقيا إلى منحدر تشوهت فيه ملامح مصرنا وصارت أحوالها تبعث على الأسى، وبدلا من أن يصلح النظام ما تبقى من أحوال راح يتهرب من مسئولياته بخلق عدو يحيل إليه فشله، وكانت ضالته فى الإخوان لاعتبارات عدة يرجى الحديث عنها لاحقا.
وقد أخطأ النظام الحاكم عندنا بحربه على الإخوان بلا هوادة وكأنها معركة وجود ولعل مصادرة أموال بعض قادة الجماعة، وتحويلهم لمحاكمات عسكرية بعد إذ برأتهم المحاكم المدنية وما سيلحق بذلك من عار جعل بعض الصحف الأمريكية تصنف مبارك على رأس أسوأ شخصيات دكتاتورية فى العالم فضلا عما سيسببه ذلك من حرج للمصريين المغتربين...نقول لعل ذلك ينبع من العقلية الفاشلة التى ترى مسألة التوريث أمرا يمثل له مسألة حياة أو موت ومن ثم يريد ذلك النظام الغبى وأد كل ما يشتم منه بديل سياسى يمكن أن يلتف الناس حوله ويحاول جاهدا تصوير ذلك وكأنه معركة بقاء لا بين النظام وبين الإخوان وإنما بين النظام وبين المجتمع ...
وتواترت الأحاديث بإيعاز مقصود حول الدولة المدنية وتجريم الدولة الدينية وعبثا يحاول القوم أن يقولوا نحن أيضا ضد الدولة الدينية ولكن الإقصاء والتشويه والإهمال كان من نصيبهم بل وصل الأمر إلى تجنيد المؤسسة الدينية كالأزهر لتخويف الناس من الإخوان تحديدا وكأنه دفاع عن الدولة البوليسية...حسنا إذا كانت الدولة الدينية مرفوضة وقد رفضها الإخوان قولا أتكون الدولة البوليسية مقبولة وقد مارسها النظام فعلا ( بالصوت والصورة والاعتقالات وبإهمال أحكام القضاء )؟!
أقدر مخاوف بعض الناس من الإخوان رغم أن فى الأمر محاكمة للنيات، ورغم أن المخاوف من الإخوان احتمالية بيد أن ممارسات النظام البوليسى قائمة بالفعل وقد أودت ببلادنا إلى منحدر خطير...على أن تصوير الأمر على أنه إما الإخوان، وإما النظام الحاكم الحالى وتسويق ذلك كفزاعة للغرب وإرهاب للداخل أمر فيه كثير من العسف والجهل.
كما أخطأ النظام بدخوله معركة غير متكافئة مع الإخوان دون مراعاة طبيعة المصريين النفسية والتى ترى المضطهد حبيب الشعوب، حيث الاعتقالات بلا مبرر مع حماية المجرمين ومهربى أموالنا وفى المقابل مصادرة أموال بعض قادة الجماعة، وحيث تحويل المدنيين لمحاكمات عسكرية وفى المقابل يُبرأ عسكر الشرطة مما هو ثابت عليهم بالصوت والصورة، وحيث تشويه صورة الإخوان وإشاعة الكذب عنهم فى حوارات من طرف واحد كما فى برنامج ما يسمى بحالة حوار وأشباهه، وكان الخطأ القاتل حين تم الإيعاز إلى بعض الكتاب من هتيفة النظام لتشويه الإخوان ورموزهم وممن؟ من قبل ملوثين يمارسون العهر السياسى ويكفى ظهور أحدهم عبر الفضائيات ليلعن الناس النظام وليلتفوا حول الإخوان الذين لم يجدوا فى أحد رموزهم تلوثا مثل ما عليه هتيفة النظام وأعوانه...أما فقه أولئك الحمقى بعدُ أنهم ملفوظون لتلوثهم؟!
كما أخطأ النظام بتوقيت معركته ضد الأخوان فلو كان صادقا لبدأها مذ سنين خلت لكن الناس يدركون أن الهدف من وراء ذلك تعديلات دستورية مشبوهة وتمهيد مفضوح للتوريث.
وأخطأ النظام حين حاول عبثا أن يضطر الإخوان للقيام بردود أفعال غاضبة تهيئ له الفرصة للانقضاض عليهم وعلى كل فصيل معارض معارضة حقيقية ذلك أنه يجهل الخصائص الأصيلة لفكر الإخوان لا سيما فى مصر.
أخطاء مركبة
ويبدو أن النظام لم يعد لديه ما يكذب به على الناس فيراهن على إيجاد خطر يجمع الناس حوله به لكنه رهان خاسر لأنه ببساطة شديدة إن حس الناس الشعبى لا يخطئ، ولأن النظام لم يعد لديه ما يدفع به عن نفسه فى ظل الانهيار الشديد لكافة مؤسسات الدولة حتى الإعلام الذى يراهن عليه قد انصرف الناس عنه إلى فضائيات عربية أخرى تحترم عقل المشاهد لا سيما وقد أصبحت هذى الفضائيات متاحة بتكلفة يسيرة للناس.
وقديما كانوا يقولون إن صاحب الحاجة أعمى ويبدو أن رغبة النظام المستميتة فى التوريث قد أعمته عن أمور كثيرة ...منها أنه لربما لم يجد معارضة قوية له فى التوريث لو أنه سار بالبلاد نحو الأفضل ...ويبدو أيضا أن النظام قد خلق لنفسه بغبائه متاعب كثيرة غير قضية إدارة التوريث منها خواء موارد البلاد، ومنها جعل الأوضاع غير مستقرة فى حال حدوث التوريث، ومنها خلق مناخ عام رافض له ولابنه لم يعد ممكنا تحسين وضعه الآن.
والحق إن تعاظم دور الأمن وانحسار دور المؤسسات سوف يخلق مشاكل كثيرة لأى نظام قادم
لا سيما وأن هناك شعورا متناميا بأن ما هو قادم أسوأ، وفى ظل هذا الوضع المركب يصعب التنبؤ باستقرار الأوضاع.
فى الغرف المغلقة يرى بعض الغيورين ضرورة المصالحة بين النظام الحالى وبين الشعب ممثلا فى أحزابه ومؤسساته المدنية والإخوان المسلمين أنفسهم من خلال إيجاد آلية وصياغة معلنة للتعامل معهم ...وتكمن صعوبة ذلك فى أن الثقة باتت معدومة بين السلطة وبين الشعب ، وتاريخ السلطة فى بلادى لا يشى بإمكانية حدوث ذلك...فهل ثمة أمل- بعدُ- فى حدوث تلك المصالحة...آمل أن يكون هذا محور الحديث لاحقا.