صحيفة تشرين
بدأ مشروع الإدارة المتكاملة للآفات في الشرق لأدنى (IPM) في شهر نيسان من عام 2004، وتشارك فيه ست دول هي: سورية ومصر ولبنان وفلسطين والأردن وإيران.
بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة وبتمويل من الحكومة الإيطالية، ويجري تطبيقه في سورية بالتعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، حيث تم اختيار محصولين لهما قيمة تسويقية وتصديرية هما البندورة المحمية في الساحل السوري والتفاح في المنطقة الجنوبية والوسطى، وذلك من خلال إقامة مدارس حقلية للمزارعين ، ففي عام 2004 كان هنالك مدرستان للبندورة في طرطوس وفي اللاذقية وأربع مدارس للتفاح في السويداء وريف دمشق وحمص، وزاد العدد في السنتين الثانية والثالثة الى ست مدارس للبندورة وست مدارس للتفاح.
أما الفكرة الجديدة والتي أود التعليق عليها هي إقامة مدرسة مخصصة للمزارعات والذي تحدث عنها المنسق الوطني للمشروع السيد محمد السيد قائلاً: انطلقت فكرة مدرسة المزارعات من ضرورة إسهام المرأة في العمل لأنها تشكل نصف المجتمع، لذلك لابد أن يكون لها دور في عملية التنمية الزراعية، ما يؤدي الى تطوير المرأة الريفية وزيادة فاعليتها ومشاركتها في المجتمع، لذلك اخترنا مدرسة للتفاح في السويداء وأخرى للبندورة المحمية في قرية رأس العين في اللاذقية حيث نحن الآن، وتتألف هذه المدرسة من 15 مزارعة يلتقين كل أسبوع بشكل دوري حقلياً في بيت التجربة والذي يتم اختياره من أحد البيوت البلاستيكية للمزارعات ويكون هنالك بيت آخر شاهد لاحدى المزارعات أيضاً تستخدم فيه الطرق التقليدية للمقارنة والتوضيح بين الصح والخطأ فعندما يطلع المزارع على النتائج على أرض الواقع فإنه سيقتنع بالتجربة مايضمن تطبيقها في المستقبل.
والهدف من المشروع إن كان في مدرسة المزارعات أو المزارعين هو تخفيض وترشيد استهلاك المبيدات السامة الى الحدود الدنيا، وتأهيل المزارعين وتثقيفهم وتدريبهم حقلياً بشكل يكون المزارع قادراً على تمييز الآفات واتخاذ القرار الصحيح للمعالجة بعيداً عن استخدام المبيدات إلا في حالات الضرورة القصوى كي نصل بالأخير الى منتج نظيف خال من الأثر المتبقي ويكون ذلك من خلال اتباع الخطوات التالية:
ـ تعقيم التربة في البيت البلاستيكي بطريقة التعقيم الشمسي مع استخدام فطر التريكو ديرما للقضاء على النيماتودا أو آفات التربة المختلفة، وهي طريقة صحية وآمنة وأقل تكلفة من استخدام غاز بروميد الميثيل الضار بالصحة والبيئة والممنوع استخدامه أصلاً في سورية، لكنه يدخل تهريباً الى القطر.
ـ إجراء تحليل بيئي من خلال المراقبة الدورية لتطور النبات وظهور الآفات وربطها بالظروف الجوية ومن ثم اختيار الحلول الأفضل عبر الحوار والمناقشة مع بعضهم ومع المشرف، مثلاً بالتقليل من كثافة النبات أو بالتهوية أو باستخدام الأعداء الحيوية التي تأتينا من مركزي تربية الأعداء الحيوية في اللاذقية ودير الزور، ولقد وصل عدد البيوت البلاستيكية التي تستخدم الأعداء الحيوية الى 750 بيتاً في الساحل بدل بيتين في بداية التجربة عام 2004.
ـ استخدام النحل الطنان في عمليات التلقيح بدلاً من المثبتات والهرمونات الكيماوية الضارة بالصحة، الذي اعطى نتائج رائعة من حيث الطعم والنكهة والرائحة المميزة، واللون وشكل الثمرة الممتلئ، حيث يزيد وزنها حوالي 25% ونسبة تلقيح الأزهار تصل الى 100% بينما نسبة التلقيح بالمثبتات تصل الى 75% وتكون الثمار غير متناسقة وفارغة ودون بذور في الداخل.
قطع الطريق..!
وبهذه الطريقة نقطع الطريق على الشركات المصنعة التي تحاول فرض حلولها باستخدام المزيد من الأدوية السامة همها الربح وتصريف منتجاتها مهما كانت النتائج على البيئة أو الصحة بينما هنا نعلم الفلاح ان يتبع اسلوب التحليل المنطقي لمعرفة المشكلة وايجاد الحل وما هي الخيارات الأخرى ليختار في النهاية الأنسب عن طريق الممارسة والتطبيق العملي. كما أدخلنا فكرة حفظ السجلات فأصبح المزارع يسجل المعلومات الكاملة والخطوات التي يقوم بها خلال الموسم مايمكنه من اجراء تحليل اقتصادي في نهاية الموسم للتكاليف والانتاج وصافي الربح، والمقارنة بين الإجراءات والخطوات التي قام بها في هذا الموسم مع المواسم القادمة.
وأضاف: نقدم مجاناً من خلال المشروع لبيت التجربة فطر التريكوديرما والنايلون من أجل التعقيم الشمسي، وقيمة البذار وسماد عضوي ومبيدات اذا اضطررنا لاستخدامها، وخليتي نحل طنان وأعداء حيوية وغيرها من المستلزمات الضرورية وأشار الى إن الإفادة من هذه المدارس هو زيادة خبرة المزارعين ومساعدتهم على التعاون مع بعضهم لحل المشكلات التي تواجههم في الحقل، واستخدام طرق بديلة عن المبيدات والمواد الكيماوية في معالجة الآفات والأمراض التي تصيب المحصول ويقول المهندس محمود شباني المشرف على مدرسة المزارعات في قرية رأس العين: يتم اللقاء في كل يوم سبت حيث تقوم المزارعات بالدخول الى حقل التجربة ومتابعة تطور نمو النبات ميدانياً بأنفسهن من أول زراعته وحتى بعد القطاف وكل مزارعة لديها أجندة تسجل عليها الملاحظات والمعلومات كلها بدقة ثم نقوم بمناقشتها وتبادل الآراء والخبرات حولها وربط النتائج مع ظروف الحرارة ورطوبة الجو والتربة ضمن البيت البلاستيكي والتوصل للحلول والإجراءات الواجب اتخاذها تجاه أي ظاهرة بشكل جماعي، وتوضع جميع الإجابات والمعلومات ضمن التحليل البيئي الذي من خلاله إما نقرر التهوية للتخفيف من الرطوبة أو الحرارة والتي تسبب عادة في ظهور الفطور أو التخفيف من كثافة النبات أو إزالة الأوراق المصابة أو استخدام الأعداء الحيوية لديدان ثمار وأوراق البندورة، حيث استطعنا الاستغناء عن الرش لمكافحة هذه الديدان كما استطعنا تخفيض عدد الرشات من ثماني رشات الى رشتين فقط للفطور من خلال التخفيف من الظروف المناسبة لظهورها كما ذكرنا سابقاً.
ونتيجة اقتناع المزارعات بهذه الطريقة من الممارسة والتطبيق بشكل عملي والنتائج التي شاهدنها بأم العين أغلبهن يقمن الآن بتنفيذ العديد من الإجراءات، التي تعلمنها من خلال اللقاءات في بيوتهن البلاستيكية الخاصة وبالتالي هذا ماسيساعد على نشر التجربة في الوسط الزراعي من خلال العدوى الإيجابية.
راحة وتوفير وصحة..!
ولقد التقت تشرين ببعض المزارعات لمعرفة آرائهن وماذا استفدن من تلك التجربة، حيث تقول سهيلة المشرقي: إن المعلومات التي تعلمناها نتيجة الملاحظة والممارسة والنقاش والحوار مع زميلاتي ومع المشرف قدمت لنا فوائد كبيرة علمتنا بأن ليس كل حشرة نراها في البيت البلاستيكي هي آفة، فهنالك حشرات مفيدة والتفريق بين العفن الرمادي والزيتوني ومعرفة نوعية الأمراض وأسبابها وكيفية التوصل الى الحل الأنسب من خلال إبداء الآراء المختلفة، كنا سابقاً نعتقد بأنه كلما أكثرنا من رش الأدوية سوف نقضي على الأمراض بينما الواقع أثبت العكس.
وتقول أم فادي صاحبة بيت التجربة: كنا نتخم الأرض بالغاز لتعقيم التربة، أما اليوم نستخدم التعقيم الشمسي من خلال تغطية التربة بالنايلون وريها بشكل مستمر لمدة شهرين ما يساعد على القضاء على الآفات الموجودة فيها سابقاً عندما نرى أي مرض كنا نقوم برش المبيدات بشكل كثيف، أما الآن بقليل من الاهتمام والمتابعة وتنفيذ المعلومات التي حصلنا عليها من المدرسة نستطيع ان نتجنب الكثير من الأمراض ومكافحة الافات دون مبيدات إلا في حالات نادرة، وهذا يعني راحة وتوفيراً كبيراًلجيوبنا، والحصول على منتج نظيف وصحي خال من السموم نستطيع تناوله نحن وأولادنا دون خوف.
وترى المزارعة رولا صالح بأن التعقيم الشمسي أبعد خطر التلوث وتسرب الغاز السام ـ الضار بالصحة والبيئة ـ الى المياه الجوفية وأعماق التربة ـ كما أن استخدام النحل الطنان في عملية التلقيح، أفاد في تجنب الآثار الضارة والمنعكسات السلبية التي قد تسببها مثبتات العقد، ووفر الجهد والوقت والمال.
وفي نهاية المطاف..!
وفي نهاية المطاف أجمعت أغلبية المزارعات في المدرسة بأنهن سيطبقن تلك الطريقة منذ بداية الموسم القادم وطالبن بتوفير خلايا النحل الطنان بأسعار معقولة لأن الخلية الواحدة تكلف حالياً حوالي 8000ل.س مع الشبك الخاص بها ويحتاج الموسم خليتين مايعني زيادة التكاليف والتي تضاف الى أسعار مستلزمات الإنتاج المرتفعة جداً وطالبن أيضاً بتأمينها بأسعار معقولة كي يستطعن الاستمرار والمتابعة في إنتاج منتج زراعي صحي ماينعكس على صحة المجتمع وسلامة أفراده.
ونأمل أن تتوفر الظروف المناسبة كلها لانتقال وانتشار هذه العدوى الإيجابية في الوسط الزراعي.. فهل آمالنا طوباوية.. أم ؟!!