تنبري هذه الأيام الأبواق الإعلامية العربية وبوتيرة أعلى من المعدل الطبيعي, تهليلا وتطبيلا للقمة العربية المزمع عقدها غدا بالرياض كقمة دورية,وينقسم المثرثرون مابين فريق متفائل, وفريق متشائم, وأخر مهرج,ولا ندري ماهي دواعي تلك الأمزجة السياسية,ولست من المتطيرين, لأننا لا ننتظر معجزة موعودة,ولا انطلاقة عربية قومية من شأنها حرف مسار العمل العربي المشترك إلى منعطف تاريخي,قد يعيد الصراع إلى أصولة العربية_الإسرائيلية,بعدما انجرف ذلك الصراع بعيدا عن بوصلة التناقض الرئيسي إلى صراع عربي_عربي دامي ومرير.
والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة:
ماهي القرارات المصيرية أو الأهداف الإستراتيجية التي تعقد القمة من اجلها؟
ولماذا كل هذا العويل والتهليل باعتبار أم القمم, أو قمة القمم؟
والحقيقة أن أهم انجاز بهذه القمة أو غيرها هو الحفاظ على دوريتها وانعقادها, ولو بشكل تقليدي مبتذل لاتسمن ولا تغني من جوع لعل وعسى يوما يغير الله أحولنا من ذل إلى رفعة وكرامة, هذه القمة تأتي في سياق قمة بيروت 2002 والتي طرحت فيها المبادرة العربية, واعتمد السلام خيار استراتيجي عربي,وكان ذلك من منطلق ضعف الأمة وليس قوتها, ومن طرف واحد, فلم يتأخر العدو الإسرائيلي من الرد باستراتيجيتة الواضحة لفرض السلام,إنها إستراتيجية الغطرسة والقوة,فقاموا باجتياح مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية وتدنيس المقدسات الإسلامية, وضرب عرض الحائط بالرغبة الحقيقية للسلام, فقد اعتبر اكبر الساسة والمحللين الإستراتيجيون الصهاينة, إن السلام خطر على الأجيال الإسرائيلية القادمة وعلى كيان الدولة العبرية ومصيرها.
وما بات معلوما إن أهم القضايا على أجندة قمة الرياض,إعادة طرح وتفعيل المبادرة العربية ورفع الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني,بعد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة,وكذلك بعض القضايا التي سيتم تناولها رفعا للعتب وبشكل باهت,مثل وحدة العراق, والدعوة لخلو المنطقة من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل, وأخشى أن يقصد بذلك إيران وليس إسرائيل!!!!
وقد استبق الكيان الإسرائيلي وبأضعف حالاته السياسية والعسكرية, بعد هزيمة تموز إن طرح ضرورة تعديل المبادرة العربية, وذلك بإلغاء حق العودة وتسميته بالحالات الإنسانية حسب الفقه الصهيوني, وما يسمح به قانون الغاب الصهيو_أمريكي, وهذا يعني إن المبادرة لاشيء فيها لمصلحة العرب عامة,والفلسطينيون خاصة,فأرادوها قمة البيعة الصهيونية_العربية, وقمة التفريط العلني.
وجاء رد العرب على الطلب الإجرامي الصهيوني متفاوتا مابين الحزم والتمييع السياسي, مابين الرفض, والرفض القاطع, وإمكانية النظر في مطالب إسرائيل بعد قبول الحد الأدنى للمبادرة العربية.
إذن ماذا نتوقع من قمة الرياض غير إعادة طرح المبادرة العربية؟
هل نتوقع قرارا جادا يجعل للقمة معنى, وذلك بالإعلان الفوري عن رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني, وتحدي الإرادة الأمريكية الإسرائيلية الجائرة؟؟!!!
أم سيتضمن البيان الختامي كالمعتاد, وربما اقل من المعتاد, دعوة المجتمع الدولي للنظر في رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني, ولن يكونوا السباقين لتنفيذ دعوتهم, كمن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم؟!!!
نقولها وبكل وضوح, رغم أن المبادرة العربية شبعت موتا, ورغم إننا وكل شرفاء الوطن العربي قد طلبنا العوض من الله , في وحدة الأنظمة العربية الرسمية أو توحدهم على قلب رجل واحد في انتزاع حقوقهم,فان السبب الحقيقي الذي دفع لطرح هذه المبادرة من جديد هو تغير ببعض المعطيات وليس بإرادة عربية, وهو الهزيمة التي حلت بالكيان الإسرائيلي في لبنان وعلى يد المقاومة الفلسطينية, ومن جهة أخرى انكشاف عورات ذلك الكيان المسخ ونقاط ضعفه, حيث تشهد الساحة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أحلك فترات ضعفها منذ إقامة كيانهم السرطاني عام 1948, ولا نستبعد الغمز الأمريكي لطرح المبادرة من جديد لإحداث حالة سلام زائفة في ظل ثبات الإستراتيجية الأمريكية العرجاء.
وللعلم والمعلوم أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي(يهود اولمرت) وحكومته التي توشك على الزوال ليحل محلها نازي أمثال(نتنياهو) غير قادرة على الإطلاق اتخاذ أي قرار جاد من شأنه إحداث انطلاقة في عملية السلام الاستراتيجي العربي, وسيكون رده وحكومته على أي قرارات أو توصيات عربية بالاستخفاف والرفض, هذا الحد الأدنى والدرجة الأخرى إمكانية حدوث اجتياح وعمليات إجرامية واغتيالات سياسية قد تكون ردا موروثا بوصية عتاة الصهاينة من بيجين حتى شارون .
فجميعنا ينتظر مرورا للمحفل العربي المأمول منه إحداث اختراق للجمود الذي أصاب عملية السلام بسبب التعنت الإسرائيلي, والدعم الأمريكي المطلق لأهداف هذا الكيان العدواني.
كونداليزا رايس وبدبلوماسية خبيثة تحدثت بصوت ولغة واضحة,أنها لم تطلب تعديل المبادرة العربية,فهل هذا يعني أنها تؤيد حق العودة الفلسطيني حسب ماورد في قرارات الشرعية الدولية؟!! وهل تؤيد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة كما ورد في قرارات الشرعية الدولية 242,338 بما فيها القدس الشرقية؟؟!!!
اعتقد أن هذا سؤال لايحتاج للعناء والكثير من التحليل والتمحيص, فلن تتراجع إدارة بوش الاحتلالية الإجرامية عن سياسة الكيل بمكيالين, وما رؤية بوش الابن المقدسة لدولتين إلا لذر الرمال في العيون وتمرير أهداف أكثر إستراتيجية, وستبقى سياسة الولايات المتحدة الخارجية بالنسبة لقرارات الأمم المتحدة ماهي إلا حبر على ورق عندما تأتي على تناول القضية المركزية العربية.
وما أردت التنويه له وبقوة,إن العمل جاري على قدم وساق لإحداث إسقاط علني ثاني, يجعل المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة, وسيطا معلنا ونزيها في ماتبقى من رموز صراع عربي إسرائيلي عامة وصراع فلسطيني _إسرائيلي خاصة,وهذا يتطلب آلية لحمل هذه المبادرة بيد أصحابها إلى تل أبيب ورام الله وبيروت ودمشق, وهذا بحد ذاته هدف خبيث دفع وزيرة الخارجية الأمريكية للاصطياد في الماء العكر بتصريحها الجميل العادل!!! أنها لم تطلب تعديل المبادرة بل اثنت عليها بأنها أي المبادرة منطلقا جيدا لعملية السلام وعلى المثرثرين تناول تلك الكلمة المطاطة الخبيثة لتفسير المنطلق الأمريكي بناء على استراتيجيات أمريكية إسرائيلية!!!!!
وقد تناولت وسائل الإعلام العربية والدولية والإسرائيلية تصريح وزير خارجية مصر الشقيقة, بدلالاتها التطمينية,ردا على المطلب الإسرائيلي بعيدا عن الرفض المطلق فقال السيد الوزير أبو الغيط((كيف لنا النظر في تعديل المبادرة قبل أن يعرب الطرف الأخر عن قبوله المبدئي لها))!!!!
ورغم كل هذا فان الانجاز الذي يمكن توخيه جراء القمة, دون الإفراط في التفاؤل ,هو الإعلان الفوري من قبل الدول العربية عن رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني, وبدء ضخ المساعدات عن طريق البنوك العربية لرفع المعاناة عن شعب يصمد صمود الجبال, شعب شاء الله أن يكون في الخندق الأمامي على ارض الرباط المقدسة, ليذود عن كرامة الأمتين العربية والإسلامية, ولم ولن يبخل بأنهار دماء أبناءة من اجل إسقاط أحلام الصهيونية ومشروعهم الكبير, وفضح مؤامراتهم ودسائسهم وعرابي مشاريعهم.
لا أهداف إستراتيجية منتظر اتخاذ قرار بها,ولا قرارات استنفار جيوش تم تسريحها, ولا قرارات وحدة بائدة أصبحت من الأساطير والخرافات, فما هي تلك القرارات المرتقبة بعيدا عن روح التوصيات, والمناشدات , والتوسلات, وينتهي المحفل الكبير, وقد ازدادت الشعوب العربية إحباطا بعد إحباط, فلم تتغير أي معطيات على مستوى الأنظمة الرسمية الحاكمة بالإرث القهري.
فما هو جديد, أن أصبحت المملكة العربية السعودية قِبلة سياسية بجانب كونها قبلة دينية, وذلك بعد اتفاق مكة والمساعي الحثيثة والحميدة لرأب الصدع في الأزمة اللبنانية المتصاعدة, وبدورنا لانشكك في النوايا السعودية ومجهودات خادم الحرمين بل نبارك هذا التوجه وندعوا الله أن يجنبه السقوط في حبائل المؤامرات الصهيو أمريكية, وإلا تصبح المملكة وسيطا محايدا في الصراع, بل ندعوا وبصوت عالي جلالة الملك عبد الله بن سعود وفخامة الرئيس أبو مازن عدم الموافقة على قمة سعودية اسرائلية بمباركة فلسطينية فهذه جريمة سياسية.
بل نقول سلام استراتيجي لاتدعمة قوة إستراتيجية هو سلام جبان, فاليد التي تحمل غصن الزيتون لابد أن توازيها يد تحمل بندقية(رحم الله الرمز الخالد ياسر عرفات).
فقد اجمع العرب على إستراتيجية السلام من طرف واحد وتنافروا على اعتماد إستراتيجية القوة ضرورة لحماية إستراتيجية الضعف, فماذا ننتظر من قمة الرياض؟؟؟ دعونا ننتظر, فقط لاترهقوا أعصابكم أكثر مما هي مرهقة, جراء التشتت والشرذمة العربية في التعامل مع الكيان الإسرائيلي المتغطرس, وتوافقهم وتجمعهم الفولاذي في انتهاج السلام خيار استراتيجي, فانتظروا ياشعوبنا العربية الحبيبة انتظروا, فان السماء لاتمطر ذهبا, ولا يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.