فى مقال سابق لكاتب هذه السطور عُنون بأخطاء مبارك فى حربه ضد الإخوان جاء فى نهايته:
فى الغرف المغلقة يرى بعض الغيورين ضرورة المصالحة بين النظام الحالى وبين الشعب ممثلا فى أحزابه ومؤسساته المدنية والإخوان المسلمين أنفسهم من خلال إيجاد آلية وصياغة معلنة للتعامل معهم...وتكمن صعوبة ذلك فى أن الثقة باتت معدومة بين السلطة وبين الشعب، وتاريخ السلطة فى بلادى لا يشى بإمكانية حدوث ذلك...فهل ثمة أمل- بعدُ- فى حدوث تلك المصالحة...آمل أن يكون هذا محور الحديث لاحقا... وها هنا نستكمل هذا المعنى كما سيأتى.
فوائد المصالحة
حين يرى الغيورون ضرورة تلك المصالحة بين النظام وبين الشعب ممثلا فى هيئاته ومنظماته وأحزابه وتياراته المختلفة فإنهم يبررون ذلك من خلال تلك المفردات:
* الصورة القائمة الآن تستنزف البلاد من حيث الاقتصاد ومن حيث تشويه سمعة البلاد ومن حيث حدوث حراك سياسى - عمالى فى حده الظاهر- إن تصاعدت وتيرته فقد لا تحمد عقباه مستقبلا.
* التفات كل فئة إلى ما فيه مصلحة البلاد فلا خير فى مقاومة نظام يتبعها اعتقالات وتجنيد مؤسسات الدولة لخدمة النظام... وليس أدل على ذلك من تجميد فعالية مؤسسات الدولة لصالح تغول المؤسسة الأمنية... فلا مجالس نيابية حقيقية ولا إعلام هادف ولا أزهر فاعل ولا نقابات عاملة ولا جامعات تحسن تثقيف طلابها .....الخ.
* السعى نحو بناء مشروع وطنى تسير فيه البلاد بخطى واضحة الملامح، ويحمى مصر من تآكل دورها الإقليمي ويعود بمصر إلى العروبة والنهضة العلمية والتكنولوجية فقد سبقتنا دول كنا لا نأبه لها.
* الحفاظ على أمن المجتمع وما تبقى من مؤسسات نرجو تفعيلها واستعادة دورها.
* أخرى.
توصيات لازمة
وعلى النظام الحاكم أن يثبت حسن النية من خلال تبنيه مجموعة من الإجراءات التى تبث الثقة فى نفوس المواطنين من ذلك مثلا: إعادة النظر فى أجور العاملين فتفاوت الأجور بين العاملين مدعاة إلى بروز الطبقية فما دلالة أن يتقاضى أحد الموظفين بهيئة قناة السويس مثلا راتبا - بحوافز- يصل إلى مئات الألوف من الجنيهات المصرية(35000 دولارا تقريبا) فى حين يتقاضى موظف آخر- كشأن غالبية العاملين- بمؤسسة أخرى راتبا فى حدود ثلاثمائة جنيها(55 دولارا تقريبا)؟!!
وعلى النظام الحاكم أن يتبنى مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التى تعود بالنفع على البلاد من ذلك مثلا (وحسبما يقرره المختصون) أن يكون رسم مرور السفن بقناة السويس المصرية بالجنيه المصرى مما يجعل الطلب على العملة المصرية كثيرا...
وعلى النظام الحاكم أن يفرج عن المعتقلين جميعا لا سيما من صدر بحقهم قرارات الإفراج، كما عليه أن يقاوم الفساد بعدم رعايته وبمقاضاة المفسدين والقصاص منهم.
صعوبة المصالحة
وحين يسمع هذه المقترحات الذين يعز عليهم عدم استجابة النظام لها فإنهم يبررون صعوبة استجابة النظام وفقا لهذه المفردات:
* لو كانت للنظام نية لفعل ذلك من قبل لكنه لا يملك من أمر نفسه شيئا فهو مأمور من قبل أمريكا عبر سفير العصابات الصهيونية فى مصر ويدللون على ذلك بعدة أدلة منها : الإفراج عن عزام عزام الجاسوس الصهيونى، ومنها المشاركة اللوجستية غير المعلنة في الحرب الأمريكية على العراق، ومنها التوقيع على اتفاقية الكويز، وتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، ومنها التغاضى عن مثلث أم الرشراش، ومنها الإبقاء على اتفاقية كامب ديفيد رغم إضرارها بمصر، ومنها غض الطرف عن ملف قتلى الأسرى المصريين بحرب 1967...الخ
* انشغال النظام بالتوريث رغما عن إرادة المصريين وكيف يريد التوريث ويريد المصالحة وكلاهما متعارضان؟!!
* انعدام الثقة بين الشعب والنظام وذلك من طول ممارسة القمع وهل يفعل النظام ما ورد بالتوصيات السابقة ؟ وهل يكف النظام عن الكذب والتزوير؟!!
* للشيخوخة آثارها... وصاحب الحاجة أعمى ( نقصد الرغبة فى التوريث)... والشعب تتنازعه نخب لا تمثله... وفى ظل هذا الواقع يصعب أن يسمع أحد للآخر ... وإذا سمع رغم الضجيج فإنه من العسير الاستجابة.
* أخرى.
خاتمة وملاحظات
مصر تشوهت ملامحها؟ سألني أحدهم وكانت الإجابة : نعم بفعل النظام ونفاق النخب وخوف الجماهير ... ولكلٍ نصيبه فى هذا التشويه أسبابا، واستمرارا، وملامح... ولولا ثقة فى الله ثم المستقبل، ويقين بأن المستقبل للأمم لا للطغاة ما ذكّر- بتشديد الكاف- الفاقهون بنى وطنى بأن نهاية ذلك النظام باتت وشيكة ذلك أن يد الله تعمل حين يصمت القادرون والذين أرى أنهم فى حاجة إلى توبة بالتوحد والاعتصام وترك الخلافات وصنع رمز يلتف حوله الناس وبتغيير لغة خطابها لتعتمد معركة الخبز لا النخب ولتندفع بالجماهير - التحاما والتصاقا- نحو لطم ذلك الاستبداد السياسى فإما استجاب لمطالب أمته وإما مُزّق شر مُمَزّق...وقديما قال الشاعر :
إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلابد أن يستجيب القدر
وصدق الله العظيم إذ يقول (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ . وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) فهلا استجاب الأحياء !!
بقيت مفردة ظلت تلح علىّ مذ شرعت فى كتابة هذا المقال : هاقد كتبت ما كتبته ودعوت إلى المصالحة وختمت مقالك بأنهم موتى لا يسمعون فما الذى حملك على ذلك؟ أقول لعله كان حلما كنت أرجو له تعبيرا وكنت احلم أن يكون شعبنا / نظامنا يوسف هذه الأحلام.