اقتباس:
تذكرت ليلى و السنين الخواليــــــا * وأيـام لا نخشــى على اللــهو ناهيا
فليت ركاب القوم لم تقطع الغضـى * و ليت الغضى ماشي الركاب لياليا
و قد يجمـع الله الشتيـتيــن بعدمـــا * يــظنــان كل الظـن أن لا تـلاقيـا
لحـا الله أقوامـا يقولــون : إننــــي * وجدت طوال الدهر للحب شافيا
فـشـب بنو ليلـى وشـب بنــو ابنــها * و أعلاق ليلى في فؤادي كما هيا
خلــيلـي لا و الله مــــا أمـلك الــذي * قضى الله في ليلى و لا ما قضى ليا
قضـاها لغيـــري وابتلانــي بحبهـــا * فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيـــا
أعـــد الليـالــي لـيلـــة بـعــد لـيلـــة * و قد عشت دهرا لا أعد اللياليــا
و أخــرج من بيــن البيــوت لعلنــي * أحدث عنك النفس بالليل خاليا
أرانــي إذا صليـــت يمـمــت نحوهـا * بوجهي و إن كان المصلى ورائيا
و مـا بــي إشـــراك ولكــن حبـهــــا * و عظم الجوى أعيا الطبيب المداويا
خليــلـي إن ضنــوا بليــلى فقـربـــــا * لي النعش و الأكفان واستغفرا ليـــا!
و منه، شرح المفرودات...
يعني كي لا يعتقد البعض، بانتعاظهم المعتاد، أنني أورد الكلام جزافا، فسأقوم بشرح القصيدة السابقة.
1- تذكرت ليلى و السنين الخواليــــــا * وأيـام لا نخشــى على اللــهو ناهيا
طبعا اسم العلم ليلى هو كناية عما يحبه الشاعر، و في حالتنا هذه فمن الواضح أن المقصود هو مدينة جبلة. إذن الشاعر يتذكر مدينته و يتذكر أيام الطفولة حين لم يكن يخشى على اللهو ناهيا.
2- فليت ركاب القوم لم تقطع الغضـى * و ليت الغضى ماشي الركاب لياليا
الركاب هي ما يوضع فوق الخيل أو النوق كي ييسر الركوب، أي السفر. فهي إذن كناية عن السفر.
فالشاعر يتمنى لو أن سفرته لم تتجاوز المكان المسمى "الغضى"، و هو طبعا كناية عن مفرق المقص الذي كان يمثل بداية الطريق باتجاه دمشق.
فالشاعر يتمنى لو أنه لم يسافر أبدا باتجاه دمشق، أو لو كانت جبلة قادرة أن تلحق به طويلا كي تستعيده.
3- و قد يجمـع الله الشتيـتيــن بعدمـــا * يــظنــان كل الظـن أن لا تـلاقيـا
الشتيت هو من يتشتت، فالشتيتان هما من فرق الدهر بينهما.
هنا يعبر الشاعر عن حلمه بأن يجتمع الشتيتان، و هما، وضوحا، الشاعر و مدينته جبلة، فهو يعبر عن حلمه أن يجتمعا ذات يوم حتى و لو كانت كل معطيات الحياة تدل على استحالة ذلك.
4- لحـا الله أقوامـا يقولــون : إننــــي * وجدت طوال الدهر للحب شافيا
لحا الله: شتيمة. فالشاعر يشتم من يدعي أنه وجد شفاءا لحبه إياه،
يعني: الشاعر يؤكد حبه و وفاءه للوطن، لمدينة جبلة، و يؤكد أنه لم و لما و لن يستبدلها بغيرها.
5- فـشـب بنو ليلى وشـب بنــو ابنــها * و أعلاق ليلى في فؤادي كما هيا
و أما أن ليلى هي كناية عن مدينة الشاعر، فهو يقول:
لقد مضت أيامي في جبلة!
لقد ظهر جيل جديد من أبناء جبلة، بل ظهر أبناء أبناء جبلة!
لكن الحب، يا سيدي، يبقى كما هوه!
6 و 7- خلــيلـي لا و الله مــــا أمـلك الــذي * قضى الله في ليلى و لا ما قضى ليا
قضـاها لغيـــري وابتلانــي بحبهـــا * فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيـــا
فيستطرد الشاعر إذ يلاحظ أن جبلة يسكنها غيره (الأجيال الجديدة)، و أنه محروم منها، فيقول أن الله (و هو كائن خرافي يمكن اتهامه بكافة الجرائم) قد منح جبلة لغيره و حرمه منها، و هو المبتلى بحبها، فيتمنى الشاعر لو أنه كان قد ابتلي بغير ذلك كي تخف لوعته.
8 و 9- أعـــد الليـالــي لـيلـــة بـعــد لـيلـــة * و قد عشت دهرا لا أعد اللياليــا
و أخــرج من بيــن البيــوت لعلنــي * أحدث عنك النفس بالليل خاليا
فيشرح الشاعر حاله في ظل ابتعاده عن جبلة و كيف يهفو فؤاده لها.
10 و 11- أرانــي إذا صليـــت يمـمــت نحوهـا * بوجهي و إن كان المصلى ورائيا
و مـا بــي إشـــراك ولكــن حبـهــــا * و عظم الجوى أعيا الطبيب المداويا
فيقول الشاعر أنه إذا صلى -و هو ملحد- فإنه يتوجه تجاه جبلة. و ما ذلك بإشراك منه: ذلك أنه ملحد أصلا، هو يرفض فكرة الرب، فما بالك أن يشرك أربابا عديدة؟ طبعا هو حين يصلي باتجاه جبلة فما ذلك بسبب الشرك، لكن الحب يا سيدي، الحب يعلو فلا يعلى عليه!
12- خليــلـي إن ضنــوا بليــلى فقـربــــا * لي النعش و الأكفان واستغفرا ليـــا
فيقول الشاعر أنه إن عجز عن الرجوع لجبلة فلا فائدة ترجى في الحياة، فينادي أصحابه أن يقربوا منه الكفن و أن يتهيؤوا لدفنه.
انتهى شرح المفرودات.