تنشغل الساحة الثقافية والفكرية المصرية بجدل واسع النطاق أثارته الفتوى التي أصدرتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ووصفت فيها الدولة الفاطمية بأنها دولة مارقة بالإجماع وقال إن مؤسسها مجوسي.
واعتبرت النخبة المصرية الفتوى "نكأ لجراح الماضي" و"محاولة لدق أسافين الفرقة عبر إحياء الخلافات المذهبية والصراعات بين المذهب السني والمذهب الشيعي" الذي تعد الدولة الفاطمية أحد رموزه التاريخية.
وكانت الفتوى، التي أصدرها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل شيخ، وصفت الدولة الفاطمية بأنها كذبة أراد بها أصحابها خداع المسلمين بالتسمي باسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأضافت الفتوى أن هذه الدولة كان لها من الإضرار بالمسلمين ما يكفي في دفع كل ما يرفع لواءها ويدعو بدعوتها لأنها دعوة غش وخيانة.
"فتوى سياسية"
ورأى رئيس مركز يافا للدراسات الدكتور رفعت سيد أحمد أن هذه الفتوى سياسية، وأنها جاءت ردا على تصريحات الرئيس الليبي معمر القذافي الذي دعا للإفادة من الفاطميين في معالجة قضية السنة والشيعة.
وأكد سيد أحمد أن "الفتوى السعودية تمت بإيحاء من السلطة الحاكمة ولم تكن من العلماء أنفسهم".
واتهم سيد أحمد، في تصريح للجزيرة نت، العلماء السعوديين بالسعي لتفجير خلاف مذهبي في المنطقة ونشر الفكر الوهابي وإذكاء الصراع بين السنة والشيعة، وهو ما يخدم مخططات أميركا لتمزيق المنطقة، حسب تعبيره.
وقال إن الدولة الفاطمية قدمت نموذجا في المزاوجة بين المذاهب، مشيرا إلى أن مذهبها الشيعي لم يمنعها من انتهاج سياسة أشبه بالعلمانية التي لا تتعصب لمذهب أو دين أو نحلة.
"الروح الفاطمية"
وأضاف أن مركز يافا للدراسات عقد في الآونة الأخيرة مؤتمرا خلص فيه إلى أن علاج الفتنة الطائفية والمذهبية يتم عبر تبني "الروح الفاطمية" التي استطاعت تقديم نموذج للتصالح الوطني عبر اعتماد "فقه التجاوز" وعدم التمذهب والتحزب.
أما أستاذ التاريخ والآثار الإسلامية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد الصاوي فأكد للجزيرة أن الفاطميين رسخوا مفهوم الدولة باستيعاب كل الأعراق والملل والتسامح مع الشعوب.
من جانبه أكد الدكتور منصور مندور، وهو أحد علماء الأزهر الشريف، إيمان الفاطميين بالتنوع الفكري وعدم إجبارهم الناس على اعتناق مذهبهم، بل والسماح للأقباط بتولي المناصب العليا في الدولة.
ووصف الكاتب السينمائي أسامة أنور عكاشة الفتوى السعودية بأنها غير ذات قيمة أو تأثير، موضحا أن اللجنة التي أصدرت هذه الفتوى هي نفسها التي حرمت نظرية "الأرض كروية الشكل" عندما كان يرأسها عبد العزيز بن باز.
زيت على نار
وقال الخبير بمركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام أحمد إبراهيم محمود إنه كان ينبغي للعلماء السعوديين أن ينأوا بأنفسهم عن هذه المسألة التي لن تفيد إعادة طرحها للنقاش مرة أخرى لأنها من قبيل الملفات السياسية المرتبطة بالماضي.
واعتبر أن طرح القضية في هذا التوقيت سيذكي الخلاف السني الشيعي ويصب الزيت على النار ويباعد الشقة بين المنتسبين للمذهبين.
الجزيرة