أسرار تاريخية عن عرب الخمسينيات, تكشفها مذكرات الرئيس الامريكي
ايزنهاور -
في الطبعة الثالثة المنقحة لمذكرات رئيس الولايات المتحدة الامريكية الاسبق الجنرال
دوايت ايزنهاور الذي حكم اكبر قوة على وجه الارض من سنة 1953 الى سنة
1961 وبذلك عايش وشهد اكبر الزلازل السياسية لفترة ما بعد الحرب
الثانية مثل الحرب الباردة والعدوان الثلاثي على مصر وخروج الاستعمار
الفرنسي من المغرب العربي واعادة شاه ايران الى عرشه بعد اجهاض ثورة
مصدق والانزال العسكري في لبنان عام 1958 حين كان كميل شمعون رئيسا
وتنفيذ عقيدة, فوستر دالس لاحتواء المد الشيوعي في امريكا اللاتينية
وافريقيا وآسيا.. الى اخر هذه الاحداث الجمة.
فمذكرات ايزنهاور التي رتبها وجمعها وعلق عليها الصحفي الامريكي المعروف ستيفن
امبروز توضح لنا خارطة الشرق الاوسط كما تراها واشنطن في الخمسينيات
وتداعيات الثورة المصرية, كما تكشف اسرار المناورات السياسية الكبرى
التي اطاحت بكثير من الانظمة والرؤوس وغيرت المعادلات وقلبت التحالفات
واعطت لعصرنا الراهن طابعه المتميز خاصة بالانشقاقات العربية
والاسلامية وهشاشة توجهات الانظمة في الشرق الاوسط في الخمسينيات
يكشف (امبروز) في صفحات كتابه سرا ظل مجهولا حتى عثر عليه الكاتب فيما جمع من مذكرات
الرئيس ايزنهاور, وهذا السر هو ان (فوستر دالس) وزير الخارجية طلب من
المخابرات المركزية الامريكية ان تعد سيناريوهات محتملة لقتل جمال
عبدالناصر. وفعلا تم اعداد هذه الصيغ الممكنة وعرضه(دالس) على ايزنهاور
الذي رفضها.. ورفض الفكرة, قائلا انه يستبعد ان يكون عبدالناصر وراء
زعزعة المصالح الامريكية في الشرق الاوسط. كان ذلك في اواخر سنة 1955.
وفي اواخر تلك السنة ايضا, اتجه عبدالناصر الى الولايات المتحدة لتسليح
مصر بمبلغ سبعة وعشرين مليون دولار, فهب (دالس) والكونجرس الموالي
لاسرائيل لاجبار ايزنهاور على رفض الصفقة, فتوجه عبدالناصر الى
تشيكوسلوفاكيا التي عقد معها صفقة فاقت الصفقة الامريكية بخمس مرات,
وقبلت الحكومة التشيكية ان تقبض مقابل اسلحتها مقايضة بكميات من القطن
المصري. ولم ييأس عبدالناصر من امريكا فعرض على ايزنهاور تمويل بناء سد
اسوان بالتعاون مع البنك الدولي فتم نفس الضغط ـ الى جانب ضغط (إيدن)
الذي كان يعتبر القضاء على مصر قصما حاسما لظهر العرب ـ ورفض ايزنهاور
تمويل السد العالي فالتفت عبدالناصر الى السوفييت
.
وقد كتب ايزنهاور في مذكراته بتاريخ 8 مارس 1956 مايلي: (اني مقتنع ان عبدالناصر لن يقوم
بأي حركة من اجل السلام وان العرب اصبحوا وقحين, ولذلك سوف اعمل جهدي
على احداث الشقاق بين عبدالناصر والملك سعود) .
وتصاعدت تحديات عبدالناصر مهددا بتأميم القنال, فتضاعف خوف امريكا وفرنسا وبريطانيا
واستغلت اسرائيل التي كان يتزعمها بن جوريون آنذاك هذا الخوف لاثارة
الغرب باسره ضد مصر, ولم تنقطع تحديات عبدالناصر فأعلن في اواخر مايو
ان مصر تعترف رسميا بالصين الشعبية وترفض صين شان غاي تشاك, وتحرك
(ايدن) في اتجاه الاحتلال العسكري للقنال ولمصر ان لزم الامر, قائلا في
مذكرة بتاريخ 27 مايو 56 موجهة الى ايزنهاور.
(ان الغرب سيختنق وسينقطع
عنه صنبور النفط ولايمكن ان نترك عبدالناصر يؤمم القنال ويهدد مصالحنا
البحرية.. والامر يدعو الى تأديب عبدالناصر..) .
وكان ايزنهاور يميل حسب المعطيات التي استقاها من (دالس) ومن المخابرات الامريكية الى عقد
ندوة لايجاد حل, قائلا في مذكراته وفي رسالة ابلغها (روبرت مورفي) الى
(ايدن) بتاريخ 2 سبتمبر 56. (ان لدينا في منطقة الشرق الاوسط وخاصة من
بين العرب حلفاء, اعربوا لنا عن رغبتهم في تحجيم عبدالناصر ولكنهم يرون
ان عملا عسكريا في القنال لايأتي بتلك النتيجة..) . وجاء جواب (ايدن)
يوم 7 سبتمبر 1956 ليذكر ايزنهاور بان بريطانيا وفرنسا تحالفتا في
الحرب الاخيرة مع الولايات المتحدة (ولايمكن ان نترك الغرب ينهار على
مراحل) .
في منتصف نهار 31 اكتوبر علم ايزنهاور ان الطائرات البريطانية
والفرنسية والاسرائيلية معززة في الارض بقوات ثلاثية كبرى هاجمت مصر
وان عبدالناصر تمكن من غلق القنال وجمع قواته للمقاومة وكتب الرئيس
الامريكي في مذكراته بان ذلك الهجوم كان مفاجأة عظمى له تعادل مفاجأة
بيرل هاربر في ديسمبر 4119 او الهجوم الالماني على فرنسا في ديسمبر
4419 والبقية معلومة لدى المؤرخين فقد تحرك ايزنهاور وبولجانين زعيم
الاتحاد السوفييتي حينذاك لانهاء العدوان واغتنم الكرملين هذا الحدث ـ
ومناخ الانتخابات الرئاسية الامريكية ـ ليقوم بغزو المجر واحتلال
عاصمته بودابست لسحق المتحررين. ويهب ايزنهاور ليستخلص العبرة من
العدوان الثلاثي فيقول:
(اما مؤمن بأن مصالح امريكا رهينة استقرار منطقة
الشرق الاوسط اكثر منها رهينة الشرق الاقصى) .
ويضيف ايزنهاور يوم 5
فبراير 1957 قائلا: (لعل مصلحة امريكا تتلخص في الحفاظ على حاجة العرب
المستمرة للمعونة الغربية مع استعدادنا للتدخل العسكري اذا ثبت ان جزءا
من هذا العالم العربي صلب عوده لدرجة تهديد اسرائيل) ثم يقول ايزنهاور
تلك الحكمة التي ذهبت مذهب الامثال في الخمسينيات حين خطب امام الكنجرس
يوم 3 مارس 1957 قائلا:
(بصورة عامة نحن بازاء قادة عرب محتاجين للسلاح
يحكمون شعوبا محتاجة للخبز) .