يعود سيمور هيرش الكاتب الشهير في مجلة نيويوركر New Yorker، ليلقي الضوء على سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران. وينقل هيرش عن مسئولين أمريكيين حاليين وسابقين قولهم، إن حكومة الرئيس بوش تخطط لقصف مواقع نووية في إيران للحيلولة دون حصول طهران على القدرات النووية التي قد تمكنها من تطوير الأسلحة النووية.
ويوضح هيرش في حديث معه أن هناك مخططات قابلة للتطبيق تهدف لاستخدام أسلحة نووية قادرة على قصف المخابئ تحت الأرض، على الرغم من أن الخطاب السياسي المعلن للحكومة الأمريكية الحالية، هو أنها ترغب في حل الأزمة النووية بالطرق الدبلوماسية وعن طريق المفاوضات.
ويشتهر هيرش بالتحقيقات الصحفية الجريئة والناجحة، التي لعبت بعضها دورا كبيرا في الكشف عن العديد من فضائح ممارسات إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، وأهمها فضيحة معتقل أبو غريب في العراق في صيف 2004.
وتعميما للفائدة، نعيد نشر الحوار، بتصرف، الذي أجراه أمس موقع "تقرير واشنطن" مع المحقق الصحفي سيمور هيرش:
هل سيلجأ الرئيس بوش إلى شن حرب لكي يحول دون حصول إيران على الأسلحة النووية؟ وهل تخطط حكومة الرئيس بوش فعلا لاستهداف إيران؟
أجل، إن حكومة الرئيس بوش تستهدف أصلا إيران، وأعتقد أن التخطيط الجاري حاليا يفوق مستوى ما يصطلح عليه بخطط افتراضية يتم اللجوء إليها في حال الضرورة، فكل القوى العظمى لديها مخططات احترازية عديدة تحسبا للتعرض للهجوم في أي وقت أو مكان. فهذا النوع من المخططات كان دائما موجودا، غير أن ما حدث بالنسبة للمخططات الخاصة بإيران هو أنه خلال الأشهر القليلة الماضية بلغت عمليات التخطيط إلى مستوى التخطيط العملياتي، فهناك خطط محددة تم وضعها. وليس هناك أي دليل على أن الرئيس بوش اتخذ قرارا بالقيام بأي شيء لتطبيقها، فعمليات التخطيط تلك مكثفة للغاية وأكثر واقعية وتهدف إلى تحقيق عناصر التطبيق.
من المعروف أن لدى وزارة الدفاع مخططات افتراضية احترازية لكل حالة ممكنة لكن ما الذي تعنيه بأنها بلغت مستوى التخطيط العملياتي بالنسبة لإيران؟
المخططات تجاوزت مرحلة الإحتزار وبلغت المستوى العملياتي، وبعبارة أخرى إنها دخلت في المرحلة التي يقوم فيها المسئولون باستخدام المخططات الاحترازية المتوفرة في السجلات وإيجاد معلومات استخبارية جديدة بشأنها، وكذلك البحث عن الأهداف التي يمكن قصفها بالإضافة إلى تحديد نوعية الأسلحة التي يجب استخدامها وعددها والأماكن التي سيتم إسقاط تلك الأسلحة فيها.
يمكن القول إن لدى العسكريين الأمريكيين خططا عسكرية متعددة سيتوجهون بها قريبا إلى الرئيس بوش ليقوم باختيار إحداها، وحينها يمكن للرئيس أن يصدر ما يصطلح عليه أمر تنبيهي Warning Order، وهو مجرد إشعار للقوات المسلحة لكي تبدأ في تحريك القوات والطائرات وتحضير القنابل والأسلحة الأخرى لتكون جاهزة، وإذا ما قام الرئيس بإصدار قرار بالتنفيذ تكون القوات جاهزة للقيام بالمهمة.
في تطور جديد، أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن إيران تمكنت من تخصيب كميات من اليورانيوم لتصبح ثامن دولة في العالم لديها التكنولوجيا النووية. هل تعتقد أن هذا الإعلان سيؤدي إلى التسريع في تنفيذ تلك المخططات الهادفة إلى قصف المنشآت النووية الإيرانية؟ لا أعلم، فما أعتقده ليس مهما، لأن المهم هو ما يقوله الرئيس بوش وما يعتقده. فالرئيس قال بشكل بالغ الوضوح مرات عدة خلال الأشهر الماضية بأن الخط الأحمر الذي لا يمكن لإيران أن تتجاوزه والذي لن يقبل به هو تخصيب اليورانيوم، والعملية التي أعلن عنها الإيرانيون هي مشروع أولي تم القيام به في منشأة تسمى "نتانز" تحت الأرض، والسؤال المطروح الآن هو: هل يمثل ذلك المشروع ما يعتبره الرئيس بوش الخط الأحمر ونقطة اللا عودة. وهذا الأمر يقلق المسئولين العسكريين الأمريكيين، فهم على استعداد لتنفيذ الأوامر الصادرة لهم لأنهم مطيعون ولديهم ولاء، غير أنه لا تعجبهم فكرة الاستعجال، فلا زالت هناك فرصة للتريث لبعض الوقت، لأن إيران ليست قوة نووية وأمامها سنوات عديدة لتكون قوة نووية.
لقد قلت إن لدى الزعيمين الإيراني والأمريكي معتقدات دينية أصولية، هل يعني ذلك أننا بصدد مشاهدة حرب كونية؟
لا أدري، فالأمر الأساسي هو أنه ليست هناك حاجة للدخول في حرب الآن، فحتى لو تمكن الإيرانيون من تخصيب اليورانيوم، فإن هناك أمرا قانونيا بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والجميع يوافق على أن إيران تتلاعب وترغب على الأرجح في تطوير أسلحة نووية، غير أنه يجب أن أقول لك إن الطريقة التي يتصرف بها البيت الأبيض تزيد في قناعة الإيرانيين بأنهم كانوا محقين في القيام بذلك.
وصف الرئيس بوش بصفة غير مباشرة تقريرك الصحفي بأنه محض تكهنات، كما أن الجنرال مايكل موسلي قائد أركان سلاح الجو الأميركي، قال إنه لم يشارك في أي اجتماعات ناقشت مخططات مهاجمة إيران، كيف ترد على ذلك؟
لقد أطلعت على ما صرح به الجنرال موسلي، فما قاله هو أنه لا يتذكر أي مناقشات حول ما تطرقت إليه في مقالي، فاللغة التي استخدمها تدعو إلى السخرية. ليس هناك أي مسئول قام بنفي المعلومات الأساسية للمقال بشكل قاطع، وهي أن الأمريكيين يخططون بشكل مكثف لاستهداف إيران، والأمر الآخر هو أن الرئيس قال بشكل متكرر إنه لن يستبعد استخدام أي سلاح معين، وأن الخط الأحمر الذي لا يمكن السماح لإيران بتجاوزه قامت إيران بتجاوزه مؤخرا وهو تخصيب اليورانيوم. وما الذي سيحدث الآن هو أمر لا أعلمه.
لقد كان لك السبق الصحفي في نشر العديد من التقارير التي تثير غضب حكومة الرئيس بوش، والتي لا تريدها أن تنشر ويعلم بها الرأي العام. لماذا أصبحت متخصصا في مثل هذه التقارير التي تستفز حكومة الرئيس بوش؟
إنني أقوم بذلك دائما وليست هذه المرة الأولى، فمن السهل القول إنني شخص معارض للرئيس بوش أو معارض لكل ما هو أمريكي، غير أن الحقيقة الواقعة أنني انتقدت الديمقراطيين أيضا، لقد كتب تقارير عديدة انتقدت فيها الرئيس بيل كلينتون، كما كتبت تقارير في تنتقد بشكل كبير الرئيس جون إف كينيدي ونشرت كتابا حول كينيدي، وهناك بعض الديمقراطيين الذين تظهر علامات الغضب على وجوههم حينما يرونني لأنهم غاضبون بسبب ذلك الكتاب. إنني أعتبر نفسي صحفيا محترفا وموضوعيا، والسبب الوحيد الذي يجعلني من منتقدي الرئيس بوش هو أنني أعتقد أنه يستحق ذلك الانتقاد، وأعتقد أنه رئيس غير لائق اتخذ قرارات في أفغانستان والعراق وربما الآن في إيران، ستجعل كتب التاريخ تشير إليه على أنه أخطر رئيس شهدته الولايات المتحدة.
تعني الاحتراف والموضوعية في أداء المهمة من دون أية اعتبارات سياسية؟
بطبيعة الحال لدي مواقف سياسية، فأنا ليبرالي حسب المفهوم التقليدي، غير أن ذلك لا يعني أنني أغيّر طريقة تعاملي أو أغير طريقة نشر التقارير، فنحن كصحفيين لدينا الحق في أن نعيش حياتنا أيضا مثل الجميع، فأنا كصحفي أنظر للمسألة بالشكل التالي: لو كنت طبيبا على سبيل المثال أعالج أحد المرضى، فإذا كنت مثلا أكره السود فهل سأقوم بمعالجة مريض أسود بشكل أسوء من غيره، بطبيعة الحال لا، فأنا شخص محترف حينما أتعامل مع الأخبار. ومن غير الممكن أن تكون إيجابيا في تطرقك لحكومة الرئيس بوش حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية التي هي بمثابة كارثة.
كيف يمكن أن تكون لديك مصادر مطلعة بهذا الشكل في الوقت الذي نعلم فيه أن حكومة الرئيس بوش تعتبر أكثر الحكومات انغلاقا فيما يتعلق بتسريب المعلومات، وفي الوقت الذي تقوم فيه باستهداف أي مسئول يسرب المعلومات؟
هل تمزح؟ هل تعتقد أنني سأتحدث بشأن المصادر، إنني أتفهم السبب وراء طرح السؤال غير أنني لا أريد الحديث عن قضية المصادر، لا أريد أن أقول إنني اجتمع معهم أثناء الليل أو أشياء من هذا القبيل، ودعني أكتفي بالقول إن القضية تجري بشكل ما.
ما أعنيه هو طبيعة العلاقة بينك وبين المصادر، فأنا لا أسأل عن طريقة اتصالك بهم، ولماذا يتوجهون إليك شخصيا، سيمور هيرش، لإبلاغك بتلك المعلومات؟
أحد الأمور التي تحدث، هو أنه عندما يكون هناك خلاف كما يجري الآن بين الجيش والقيادة المدنية في وزارة الدفاع، بالتأكيد بين الجنرالات وبين دونالد رامسفيلد، وأيضا بين الجيش والقادة المدنيين في البيت الأبيض، يكون هناك ابتعاد في الرؤى وانعدام الثقة، وهو أمر غير جيد لأن هناك شعورا سيئا بشأن ذلك، خاصة من جانب المسئولين العسكريين الذين لا يرغبون الإفصاح عن ذلك بشكل علني لأنهم مطيعون ولديهم ولاء، غير أن حقيقة الأمر هي أن أولئك المسئولين غير مرتاحين ولا تعجبهم السياسات المتبعة ولا يعجبهم ما يجري في أمريكا.
أشرت في أحد اللقاءات الصحفية أن من المحتمل أن يكون لإسرائيل دور في هذه القضية، حيث قلت إن مسئولين عسكريين ومن الاستخبارات الإسرائيلية زاروا مؤخرا واشنطن لبحث هذه المسألة؟
هناك دائما زيارات يقوم بها مسئولو الاستخبارات الإسرائيلية للولايات المتحدة، وبكل تأكيد قام مسئولون إسرائيليون بزيارة واشنطن خلال الأسبوع الماضي، وبطبيعة الحال إنهم على استعداد لتقديم أي مساعدة في هذا الشأن قدر المستطاع.
لكن في الوقت ذاته صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولميرت بأن إسرائيل لا تريد أن تكون الواجهة الأمامية للمواجهة مع إيران؟
أعتقد أنه ليس من الضروري أن يكونوا في موقع الواجهة، كما أعتقد أن ما يحدث الآن هو أنه أصبح مفهوما لدى الجميع، أن الأمريكيين سيقومون بذلك (قصف المنشآت النووية الإيرانية)، ويتعين على الإسرائيليين التزام الصمت وترك الأمريكيين يقومون بذلك.