قام الكثير من الرياضيين العرب بالتعليق على كتاب إقليدس و محاولة البرهان على صحة مسلمته،
فكان منهم ابن سينا و الجوهري , و كان من المتأخرين أبو جعفر نصير الدين الطوسي.
لكني سأكتفي بالحديث عن اثنين منهم: ابن الهيثم و الخيام.
عاش أبو علي الحسن بن الهيثم في القرنين العاشر و الحادي عشر الميلادي
ما بين العراق و مصر. و كانت ولادته في البصرة و إنما انتقل للعيش في
مصر لجملة قالها و هي "لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع في
كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان"، فوصلت هذه الجملة لمسمع خليفة مصر
الفاطمي فدعاه لزيارة مصر كي ينجز ذلك العمل. بصراحة نحن لا نعلم ما
كان العمل الذي يعتقد ابن الهيثم أنه سينجزه، لكن لعله كان يقصد إنشاء
سد على نهر النيل؟ هذا هو التفسير الوحيد لقوله "يحصل النفع في كل حالة
من حالاته من زيادة ونقصان"...
ايا كان الأمر، فإن ابن الهيثم حين وصل مصر و درس النيل، و على الأخص
درس أعمال المصريين القدماء في مجال الإنشاءات الهندسية من أهرام ضخمة
و معابد عظيمة، أدرك عجزه عن القيام بذلك العمل معتقدا أنه لو كان ذلك
العمل ممكنا لقام به القدماء، فاعتذر من الخليفة الفاطمي، و قبل
الخليفة اعتذاره و أولاه منصبا في الحكومة...
يقال أن ابن الهيثم خاف أن يبطش الخليفة به فتظاهر بالجنون حتى مات
الخليفة!!! ثم إنه عاد فأظهر العقل و اشتغل بالتأليف حتى نهاية عمره.
بصراحة... لن نعلق على هذه القصة الهوليوودية. لكنني أرغب أن أعلق
بإيجاز على حكاية "لو كان ذلك ممكنا لقام به القدماء" فأقول: لحسن الحظ
أن الرئيس عبد الناصر لم يتبع هذا المنطق!
كان ابن الهيثم، ككل علماء عصره، متعدد الإهتمامات. فهو اشتغل في
الهندسة و في الجبر و في علم الفلك و في علم الضوء، حيث ترك أحد أهم
مؤلفات هذا العلم و هو كتاب "المناظر".
فيما يخص موضوعنا، المسلمة الخامسة، فإن ابن الهيثم حاول أن يبرهن صيغتها
المتعلقة بالشكل الرباعي (و هي الصيغة القائلة: مجموع زوايا الشكل
الرباعي أربع زوايا قائمة).
ففي كتابه المعنون "مصادرات إقليدس" بدأ ابن الهيثم برسم شكل رباعي
يتضمن ثلاث زوايا قائمة و حاول أن يبرهن أن الزاوية الرابعة قائمة.
لأجل ذلك لجأ ابن الهيثم لمحاكمة فيزيائية: لقد تخيل عصا محمولة على
عجلة بشكل شاقولي و تسير على خط مستقيم أفقي، فاستنتج أن طرف العصا
العلوي يرسم مستقيما لا يقطع المستقيم الذي تسير عليه، فهو إذن مستقيم
مواز له.
للأسف، و مهما بلغت جاذبية هذه الفكرة، فإنها لا تعدو أن تكون تكرار
للمسلمة القائلة "النقاط متساوية البعد عن مستقيم تشكل مستقيما"، و هي
كما شاهدنا سابقا مسلمة مكافئة للمسلمة الخامسة.
أصلا... حتى ابن الهيثم نفسه لم يكن مقتنعا ببرهانه هذا، ذلك أنه عاد
بعد ذلك و قدم برهانا جديدا للمسلمة الخامسة، و لعل عنوان بحثه الذي
أورد فيه هذا "البرهان" يشير لذلك بوضوح: "حل شكوك إقليدس"...
دعنا نقل أن المقصود "شكوك أبي علي الحسن بن الهيثم"، فهو أقرب
للتقوى...
للأسف، فمجددا اعتمد ابن الهيثم في برهانه على مسلمة مكافئة للمسلمة
الخامسة، و هي المسلمة القائلة أن المستقيمين المتقاطعين لا يمكن لهما
أن يوازيا مستقيما ثالثا... و هي نفس مسلمة بروكلوس التي رأيناها
أعلاه.
إذن فشل ابن الهيثم في برهان مسلمة إقليدس، و فشل في تنظيم جريان
النيل... لكنه بالمقابل نجح كل النجاح في دراسة الضوء و في وضع قوانين
انتشاره، و هذا، لعمري، هو الفوز العظيم...
و لي عودة...