تعتقد ادارة بوش ان الرئيس السوري بشار الأسد مخادع. ويمكن القول ان سياسة ادارة الرئيس القائمة على اساس قطع غالبية الاتصالات بالحكومة السورية وتشديد العقوبات القصد منها الإشارة الى ان اميركا دولة ذات قوة ضاربة وإرادة قوية.
ربما يكون كل ذلك قد قام على افتراض ان سوريا ستدرك ان الوقوف في وجه هذه السياسات مسألة لا طائل من ورائها وأنها ستتخلى عن معارضتها لسياسة واشنطن في الشرق الاوسط. إلا ان زيارتي الى دمشق مطلع الشهر الجاري ولقائي ونقاشي مع الأسد لمدة ساعة جعلني على قناعة بأن هذا النظام لا يمكن تخويفه بمثل هذه السياسات.
ربما تكون الحكومة السورية قد غالت في النظر الى وزنها السياسي ودورها في السياسة في الشرق الاوسط. وفيما اجتاحت بقية المنطقة مناقشات وجدل حول التغيير الاجتماعي والسياسي والاستثمار الاجنبي المباشر، لا يزال القادة السوريون منشغلين بالأمن والاستقرار. وبعد ستة اسابيع من إعادة انتخاب الأسد رئيسا بنسبة 97.6 في المائة من الأصوات، باتت صوره التي تحمل عبارات الإعجاب منتشرة على اللافتات الكبيرة والساحات في دمشق.
على الرغم من كل سلطاته، فإن الرئيس بشار الأسد لا يستخدمها بالطرق المألوفة لدى الغربيين. السوريون يعتقدون ان بشار الأسد ورث عن والده الراحل عدم الثقة في الكلمة المكتوبة ويعتمد على التعليمات الشفهية لمرؤوسيه. فالنظم البيروقراطية غالبا ما تعمل وفقا لمصالح متقاطعة او من دون هدف محدد بسبب الافتقار الى مجموعة الأفكار اللازمة لتأطير العمل.
يتحدث الأسد الآن الانجليزية بطلاقة ـ مقارنة بنقاش اجريته معه قبل ثلاث سنوات ـ كما أظهر مؤشرات اخرى تدل على النظرة الواسعة. فعلى سبيل المثال يميّز الأسد بين قضايا سوريا «المهمة» و«العاجلة»، حسبما أكد لي صديق له. الأسد الأب أربك الدبلوماسيين الغربيين باجتماعات ماراثونية ومفاوضات مطولة، اما الابن فيضفي على المسائل طابعا احترافيا، لكنه يبدو مقتنعا بانتظار ادارة بوش واستئناف بناء علاقات ثنائية مع أميركا عام 2009. ابدى الأسد خلال لقائنا لهجة تدل على قبوله بسيادة لبنان وابدى ميلا لدفع جهود المفاوضات مع اسرائيل ـ التي أشار اليها بالاسم، العراق وحده هو الذي يشكل تهديدا استراتيجيا رئيسيا في حساباته.
والسياسة الاميركية هي منح سوريا المزيد من التباعد: لا يوجد سفير اميركي في دمشق ولا يسمح للدبلوماسيين الاميركيين بلقاءات منتظمة مع نظرائهم السوريين، كما ان موقف السوريين مماثل للاميركيين. فالصحافيون في دمشق يهمسون بأن الخوف من الظهور بمظهر المتضرع والمتوسل لا يمنع فقط المسؤولين السوريين من زيارة واشنطن بل الممثلين غير الرسميين ايضا.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون السوريون عن تركيزهم على «العثور على حلول» في الشرق الأوسط، فان سجل الحكومة كمصدر افشال للجهود اكبر بكثير، وبالرغم من ذلك فإن التعاون السوري يستحق السعي له لثلاثة اسباب:
السبب الاول، انه بالرغم من كل خلافاتهما، تتشارك الحكومتان الاميركية والسورية في العديد من المصالح، فكل منهما لا يرغب في انتشار الفوضى في العراق او انهياره، كما لا تريد كل منهما انتشار حركة جهادية في الشرق الاوسط. لقد عقدت تحالفات لأسباب اقل من ذلك.
وثانيا، لا توجد ادلة كافية تشير الى ان سوريا المحاصرة ستصبح اكثر مرونة. فجهاز الامن المنتشر في كل مكان، ونظام المحسوبية والافتقار التام لبديل سياسي يشير الى ان الحكومة السورية يمكنها البقاء في السلطة للابد. والولايات المتحدة لا تستعد لغزو سوريا، وفي الوقت الذي يمكن ان تؤدي فيه الضغوط الاميركية الى الحد من النمو الاقتصادي السوري، فإن نظرة سريعة في دمشق توضح ان النمو الاقتصادي ليس على قمة اولويات النظام.
وثالثا، فإن تكلفة التعامل مع سوريا هي مجرد قيمة وقود الطائرات والوقت ولا شيء اخر. ويمكن للولايات المتحدة وسوريا ـ بل ويجب ـ الدخول في سلسلة من الجهود (حتى لو كانت غير منسقة في البداية) المشتركة لمتابعة المصالح المشتركة. ومع مرور الوقت يمكن بناء الثقة لتوسيع نطاق متابعة مشتركة للأهداف المشتركة. وإذا لم ينجح ذلك، يمكن لواشنطن ترك الامر بدون الاضرار بكرامتها.
ويبدو ان الخوف الواضح من الفشل بين المسؤولين الاميركيين هو الامر الذي يصعب فهمه، فقبل عدة اشهر، ابلغني مسؤول اميركي كبير ان واشنطن مترددة في الحديث مع دمشق لأننا نعرف ان السوريين سيسعون الي تنازلات اميركية غير مقبولة في لبنان، كيف نعرف ذلك؟ لماذا لا نقول لا؟
وتتلخص المشكلة فيما يلي: تسعى ادارة بوش الى «تثبيت» العلاقات مع سوريا، وكل ما تراه هو تحديات قادمة من دمشق، والاحتمالات محدودة. ولكن اذا كانت الاستراتيجية الاميركية هي «ادارة» التصرفات السورية بثقة تأتي من القوة الاميركية الغالبة، فإن الامكانيات كبيرة. ان الولايات المتحدة قوة كبيرة، ويجب ان تتصرف من هذا المنطلق.
* مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن
«واشنطن بوست» ـ