آخر الأخبار

الصين.. السعي الحثيث نحو القمة

تبدو الصين مثل تنين ضخم استيقظ بعد طول سبات، يتمطى ويتثاءب وينفث ألسنة من لهب تؤثر فينا جميعا. في كل مكان من العالم يوجد شيء من الصين، دون استعراض للقوة، أو تهديد بالغزو، تدخل الصين إلى بيوتنا، وتستولي بروية على عقولنا. اقتصادها القوي السريع النمو يجعل من جملة «صنع في الصين» تعبيرا عالميا، إنها تصنع ملابس أكثر، وأحذية أرخص، وألعاب أطفال أفضل، وتنتج من التلفزيونات وأجهزة التسجيل الرقمية والهواتف المحمولة والكومبيوترات أكثر من أي بلد. وتتحرك بسرعة وثبات نحو تكنولوجيا الفضاء، وتعقيدات الهندسة الوراثية، باختصار الصين تستطيع أن تنتج كل ما تنتجه المصانع في أمريكا وأوربا وآسيا بنصف الثمن. فما قصة هذا التنين المتثائب؟

منذ زمن وأنا أحلم بزيارة الصين، ومن منا لم يحلم بذلك؟ وعندما حان الوقت كنت قد أعددت برنامجا حافلا، ولكن السفير الصيني في الكويت - سامحه الله - وقف من هذه الرحلة موقفًا سلبيًا ولم يقدم لنا أي نوع من المساعدة، وإزاء بلد مركزي مثل الصين لم يكن على حامل قلم مسكين مثلي أن يفعل شيئا، ولولا الجهود الكبيرة التي بذلها السفير الكويتي في بكين فيصل الغيص، والقائم بالأعمال في السفارة محمد الفيلكاوي واتصالاتهما المباشرة مع الخارجية الصينية ما استطعت أن أقوم بهذه الرحلة، وبالرغم من ذلك فلم أترك هذه البداية السلبية تؤثر علي في رؤيتي لهذه التجربة الضخمة التي تخوضها الصين الآن.

لقد كان مشهد بكين وأنا أطالعها للمرة الأولى مدهشا، كنت أتوقع عاصمة شيوعية متزمتة، مبانيها ضخمة ومتجهمة، لها طابع المباني المتخلفة من الحقبة السوفييتية، ولكن بكين فاجأتني بغابة من ناطحات السحاب، تنافس أحدث المدن العالمية، دون أن تنسى إضافة اللمسة الصينية في الزينة والديكور. قالوا لي: إن بكين تعيش الآن حمى ناطحات السحاب، وهي تنافس شنغهاي، التي كانت مدينة ناطحات السحاب الوحيدة في الصين. إنها تحاول أن تخلق لنفسها صورة جذابة وبنية أساسية تجذب بها الاستثمارات الأجنبية.

وشوارع بكين دائمة الازدحام، في الصباح المبكر تمتلئ بكل أنواع الدراجات، وفي الضحى تضج بالسيارات، وفي الليل تمتلئ أرصفتها بالباعة والمتسولين الصغار، ولكنها في كل الأوقات أشبه بورشة عمل ضخمة، لا يتوقف البناء فيها، فهي أكبر مشروع إنشائي على وجه الأرض. ومنذ بناء سور الصين العظيم لم تشهد الصين عمليات للبناء كما يحدث الآن، فعلى نهر اليانجستي يتم بناء أكبر سد في العالم، وفي قلب العاصمة هناك أكثر من ثلاثة آلاف ناطحة سحاب يتم بناؤها في وقت واحد، كما أنها تستعد لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية 2008 بمجموعة من الأبنية الضخمة، وكلها ذات تصميم حديث.

كانت الزيارة الأولى للقرية الأولمبية التي يتم بناؤها الآن، يتوسطها الهيكل الخرساني للاستاد الضخم، الذي ستقام عليه هذه الألعاب، وقد استقدمت بكين لتصميمه المهندس المعماري السويسري جاك هير زوج، وبيير دي مورين الفائز بجائزة بريفزكر لعام 2001، وهي تعادل جائزة نوبل في مجال العمارة، سوف يتكلف الاستاد حوالي 500 مليون دولار، ويتسع لأكثر من مائة ألف متفرج.، ويتكون من كتل خرسانية متداخلة أشبه بعش طائر مفتوح في منتصفه، وينبعث من هذه الفتحة شعاع من الضوء يرى من جميع أنحاء المدينة، ولكن الاستاد ليس أكبر أبنية بكين فهناك ماهو أكبر، مبنى المسرح القومي الذي يتكلف 700 مليون دولار، ويقوم بتصميمه المهندس المعماري الفرنسي الشهير بول أندريه، وهو مجمع من المسارح المختلفة تحتويها جميعًا قبة عملاقة مصنوعة من الزجاج والتيتانيوم، وسوف يقام كل هذا المبنى على حافة بحيرة صناعية ليبدو وكأنه يعوم على سطحها.

وبالطبع هناك معركة بين أنصار القديم وانصار الحديث، من يريدون المحافظة على طابع المدينة القديم، ومن يناصرون حركة التقدم التي تكتسح كل ما أمامها، وقد قال واحد من المنتقدين: «إن الأرض كلها ملك للحكومة. وعندما يظهر المستثمر المناسب، ويستطيع التفاهم مع السلطات تبدأ البلدوزرات بالعمل، بغض النظر عمن يقيم فوق هذه الأرض. وقد سارت العديد من المظاهرات والاعتراضات ضد عمليات نزع الملكية عند إنشاء القرية الأولمبية الجديدة دون جدوى، وهناك حادثة مشهورة لم يمض عليها إلا بضع سنوات حين قام أحد المزارعين وعمره 54 عامًا، ويدعى زو شينج ليانج في سبتمبر 2003، ووقف بجانب القصر الإمبراطوري في الميدان السماوي «تينان ـ من» ومعه زوجته، وجلس أمام صورة ماوتسي تونج التي تتصدر الميدان، وغطى جسمه بالجازولين وأحرق نفسه على الطريقة البوذية معترضا على انتزاع أرضه منه».

حجم البيتزا

دخلنا مطعم للبيتزا أنا وزميلي المصور، طلب كل واحد منا بيتزا متوسطة الحجم، كنا جائعين من طول التجوال، ولم نتأقلم بعد على الأكل الصيني، ولكن عاملة المطعم اخبرتنا أنه لا يوجد حجم متوسط، فالبيتزا إما صغيرة أو كبيرة، وسألنا العاملة، هل يكفي الحجم الكبير لاثنين، قالت هذا يختلف، إذا كان الشخص صينيا فإن الحجم الصغير كاف لإشباع اثنين، أما إذا كان غير صيني، فإن الحجم الكبير لن يكفي واحدا.

كان هذا هو الدرس الأول عن الإنسان الصيني، إنه يأكل قليلا، ويعمل كثيرا، فهو مازال يحمل في أعماقه ذكريات مخفية من آثار المجاعات القديمة، عندما كان يقضي السنوات معتمدا على حساء جذور الأرز، تلك الصورة القاسية التي قدمتها «بيرل بك» في روايتها الأرض، تلك الذكريات تحد من نهمه واستهلاكه، أما حب العمل فهو جزء من الثقافة الصينية والعقيدة الكونفشيوسية، ولم تفعل الشيوعية أكثر من أنها عمقت هذه المفاهيم، فالمواطن الصيني دءوب كنحلة العسل - كما يقولون. بفضل هذا العمل الدءوب لا يوجد بلد يواصل الصعود في سلّم التقدم الاقتصادي بهذه السرعة. ولا يوجد بلد يلعب لعبة مزج الاقتصاد بالسياسة بالمهارة نفسها، إنها الآن تقوم بصنع أجزاء من طائرة بوينج 757، وتقوم باكتشاف الفضاء بواسطة سفينة فضائية قامت هي بصنعها. وهي تشتري حقول بترول بأكملها في السعودية وفي روسيا، وتستورد أكبر كميات من الحديد الخردة وتحولها إلى كمبيوترات ومنتجات جديدة عالمية، وهي لا تشرب الألبان فقط، ولكن لديها لاعبي سلة يتفوقون في الطول على لاعبي كرة السلة الأمريكية.

استفادت الصين من أخطاء الماضي، خاصة حين حاولت أن تقوم بقفزة واسعة من الاقتصاد الزراعي إلى عالم الصناعات الثقيلة تحت قيادة ماوتسي تونج. ولكنها كانت قفزة مأساوية، لقد وعت الدرس ولكنها لم تتخل عن القفز، وهي تواصل الآن القفز على كل تكنولوجيات العالم المتطور، معتمدة على تعدادها الهائل من السكان، وعلى درجة كبيرة من التحرر الاقتصادي الذي سمح به الحزب الشيوعي، فعدد سكان الصين - كما تعلن مصادرها الرسمية - يصل إلى 1.3 بليون نسمة، بينما تؤكد المصادر الغربية أنها 1.5 بليون، أي أكثر من عدد سكان ألمانيا وفرنسا وبريطانيا معًا. وقد جعلها هذا مكانًا لأرخص وأكبر أيد عاملة في العالم. عندما ذهبنا إلى مركز الدراسات الاقتصادية في جامعة بكين كانوا متحفظين تماما تجاه الأرقام. قال لنا الدكتور لي تونج الخبير الاقتصادي بالجامعة: «إن هناك الملايين من الفلاحين يهاجرون يوميًا من الريف إلى المدينة، والحكومة الآن تسمح لهم بذلك، وهم ينضمون كل يوم إلى قوة العمل في الصين. وتتراوح أعدادهم بين 90 و 300 مليون، وهي تعد أكبر هجرة في التاريخ، وتعادل ضعف القوى العاملة في الولايات المتحدة، وفي عام 2010 سوف يعيش حوالي نصف سكان الصين في ضواحي المدن وسوف تتضخم هذه الضواحي لتصبح مدنًا يفوق تعدادها المليون، ويصبحون أكبر مستهلكين للموارد الطبيعية في العالم، ويؤثر هذا كله على الاقتصاد العالمي ويعيد تشكيله».

وكذلك تحدثت معنا الدكتورة «تشي تسو» نائبة مدير المركز عن العديد من القضايا الاقتصادية، ويقول المراقبون إن كل الأرقام الإحصائية التي تخرج من الصين غير دقيقة تمامًا، وغامضة أحيانًا، وفي الماضي كانوا يشكون من أن المسئولين في الصين يبالغون في الحديث عن ارتفاع معدلات النمو ليظهروا أمام العالم أنهم يؤدون عملهم بشكل جيد، ولكنهم الآن لا يظهرون إلا الأرقام المنخفضة، ربما يخافون من الحسد، وربما - كما يقول الغرب - لا يريدون المساهمة بشكل أكبر في تخفيف مشاكل الفقر في العالم. على أي حال فإن الدول الغربية أكثر بخلا، بكل المقاييس فإن اقتصاد الصين ينمو بسرعة كبيرة، وفي آخر التقارير الصينية، فإن معدل الناتج القومي قد وصل 1.98 تريليون دولار وهو رقم يضعها قبل إيطاليا القوة الاقتصادية الرابعة في العالم، ولكنه على الرغم من ذلك يعد صغيرا، فهو يظهر فقط حجم الاقتصاد الرسمي أو القانوني، ولكن هناك اقتصادًا خفيًا لا تعرف الدولة عنه شيئًا، ولكنه مؤثر، وتعتقد وكالة المخابرات المركزية أن الناتج القومي للصين يصل إلى 3.7 تريليون دولار، وأن اقتصاد الصين الآن يوشك على التفوق على الاقتصاد البريطاني، ومن المتوقع أن يتفوق على الاقتصاد الألماني في عام 2016 وعلى الياباني في 2020 ولن يكون في مواجهته بعد ذلك غير الاقتصاد الأمريكي الذي يصل معدل ناتجه القومي إلى 11.75 تريليون، وهو حتى الآن أكبر من الصين بحوالي 6 مرات.

وتقول الدكتورة تشي تسو: « إن المركز الرابع الذي تحتله الصين في التجارة العالمية غير واقعي، فهي تمتلك احتياطيا هائلا من العملات الأجنبية، وتستخدمه لتبقي عملتها ثابتة مهما تغير سعر الدولار، تستطيع أن تهبط الآن إلى الأسواق لترى كم أن قيمة الدولار الشرائية مرتفعة، ويمكنك أن تشتري بالدولار الواحد في الصين ما يشتريه المواطن الأمريكي بـ 4.7 دولار في بلده. ومنذ أن قامت الصين بخطوات إصلاحية في اقتصادها فقد واصلت النمو بمعدل 5.98 % في كل عام، وخلال العشرين عامًا الماضية تضاعف حجم اقتصادها ثلاثة أضعاف، وهو رقم لم تستطع الوصول إليه حتى اليابان وكوريا» إن المستقبل القريب سوف يحمل تغيرات كبيرة بالنسبة للاقتصاد العالمي، فسوف تفقد أمريكا صناعة الأثاث بالكامل لصالح الصين، وستفقد اليابان صناعة التلفزيونات، وستفقد إيطاليا صناعة المنسوجات الحريرية التي تدخل في كل تصميمات أزياء الموضة، وستفقد ألمانيا صناعة خزفها الشهير وكل المشغولات اليدوية، وستفقد دول العالم، كلها بلا استثناء، صناعة الملابس ما عدا الصين، أما التحول الأعظم فسيحدث عندما نكتشف أن آلاف القطع ومكونات الأجهزة من ماكينات الغسيل والثلاجات والسيارات والطائرات والسفن وأجهزة التلفونات والأقمار الصناعية وشبكات التلفونات إلى الغواصات لن تصنع إلا في الصين.

الوثيقة التي أنقذت الصين

كنا نحن نتجول في أبهاء المتحف الوطني الصيني، حين توقف مرافقي وأشار إلى رقعة من الورق، أشبه بعقد صغير مكتوب باللغة الصينية، دون رونق ولا جمال، قال لي: «هذا العقد وقعه 18 فلاحًا، هم الذين أنقذوا الصين من المجاعة »، لم أصدق المبالغة في كلماته، ولم تكن الوثيقة توحي أنها قادرة على إنقاذ أمة بهذا الحجم، ولكن كان علي أن أبحث عن مغزاها، لعلنا نصل إلى وثيقة مثلها تنقذ عالمنا العربي من أحواله المتردية.

لقد كان الحزب الشيوعي الصيني واحدًا من أكثر الأحزاب عداء للفردية والملكية الخاصة، ومنذ السنوات الأولى لثورة 1949 التي قادها ماو تسي تونج والحكومة تملك كل الأراضي، فقد استعان ماو في حربه الطويلة بالفلاحين، وليس بعمال المدن كما كانت النظرية الماركسية تؤمن، وأثناء الحرب الأهلية سار جيش الفلاحين خلفه في مسيرة طويلة بلغت 700.7 ميل حتى يختبئوا جميعا في الجبال، وبعد انتصار الثورة أطلق «ماو» أولى حملاته التطهيرية في مواجهة «أعداء الشعب» من ملاك الأرض القدامى وتخلص منهم في ضربة واحدة، تحولت الأرض كلها إلى ملكية الدولة في عام 1950، كان الهدف المعلن هو نزع الأراضي من الملاك وإعطاؤها للفلاحين الذين يعملون فيها، ولكن الأرض أخذت بعيدًا عن الجميع، وبدأت الدولة في تقليد النموذج السوفييتي في إقامة المزارع الجماعية، ثم تجميع القرى ونقل ما عليها من مئات البيوت والعائلات والحيوانات، ليكونوا جميعا مزارع جماعية، وفي عام 1952 صدر قانون آخر بتحريم ملكية المصانع والمناجم والإنشاءات والمواصلات ولم تنج حتى المحلات الصغيرة التي كانت تديرها الأسر وتقرر أن تتحول جميعا إلى محلات مجمعة.

بعد ذلك بسنوات فشلت فكرة المزارع الجماعية، واستطالت أيام الجوع في الريف الصيني حتى نهاية السبعينيات، ولم يتغير ذلك الواقع المؤلم إلا على أيدي مجموعة من الفلاحين تحولت تجربتهم الآن إلى واحدة من أساطير الصين المعاصرة.

بدأت القصة في قرية وعرة تسمى زيوجانج، كان أهلها يعيشون في فقر مدقع، إذ لا يتجاوز دخل الفرد فيها 20 يوان في العام (أي مايوازي 5.2 دولار) كانوا من أفقر الفلاحين في العالم، لدرجة أن العديد منهم هجروا الأرض وتحولوا إلى شحاذين، ثم قام 18 فلاحًا من الذين أصابهم اليأس وشدة الجوع بمغامرة، استصلحوا رقعة كبيرة من الأرض كانت تغطيها الأعشاب وقسموها بينهم إلى قطع صغيرة، كانوا يدركون أن هذا الأمر خرق لقانون عدم التملك يمكن أن يودي بهم إلى السجن ومصادرة المحاصيل، ولكنهم وقعوا فيما بينهم اتفاقًا بصموا عليه بأصابعهم في ديسمبر 1978 يتعهدون فيه إذا تعرض واحد منهم للموت أو السجن فإن على الآخرين أن يقوموا برعاية أسرته. كانت الخطوة التالية هي ذهابهم إلى المسئولين المحليين، كانوا يحملون عرضا جريئا ولكنه منطقي، يتعهدون بدفع ضريبة جني المحصول المستحقة عن هذه الأرض الجديدة في مقابل أن تترك لهم الحرية في بيع المحاصيل لحسابهم الخاص، وكانت دهشتهم أن وافق المسئولون ـ الذين كانوا أيضا في وضع يائس ـ وعقدوا معهم اتفاقا سريًا، يقول البعض إن المسئولين في الحزب الشيوعي لم يعرفوا به إلا فيما بعد، ويقول البعض الآخر إنه لا يوجد في الصين سر يخفى عن الحزب. واستخدم الفلاحون كل الوسائل، بما فيها رشوة رجال الشرطة، لنقل محاصيلهم إلى المدن القريبة وبيعها، وكانت النتيجة مفاجأة، لقد حقق هذا الاتفاق السري في شهور قليلة ما لم تحققه سنوات طويلة من التخطيط المركزي والالتزام الفكري، تصاعد إنتاج الأراضي بشكل كبير، وبدأت مظاهر المجاعة في الاختفاء، وانتبهت بكين لهذه التجربة، وكان دينج زياو بينج قد أصبح رئيسًا للبلاد، فأعلن رضاه عن هذه التجربة، وحث المسئولين المحليين على عقد المزيد من هذه الاتفاقيات، بحيث يكون للدولة نصيب يتناسب مع الربح.

وهكذا تم عقد المزيد من هذه الاتفاقيات في الأماكن الأكثر فقرًا. وفي خلال عام واحد كان معظم المزارعين في مقاطعة «آن هوي» التي تضم 50 مليون نسمة قد نجحت في تحقيق هذا النظام الذي أصبح يطلق عليه «نظام تحمل المسئولية» وسمح لملايين الأسر بإنتاج المحاصيل وبيعها لحسابهم مع تحمل مسئوليتهم تجاه الدولة، وتحول النظام إلى مؤسسة رسمية تحمل الاسم نفسه عام 1980، وكعادة الصين كان أبطال هذه الثورة الجديدة هم الفلاحين، وليس سكان المدن أو المسئولين الحزبيين.

قلبت هذه القصة المائدة على كل أنصار البقاء على الوضع القديم، فلم يتوقف الأمر عند بيع بعض المحاصيل، ولكن الأسر التي انتعشت أرادت أن تعيد استثمار نقودها في مشروعات أخرى، وبدأت القرى إقامة سلسلة من المشروعات الصغيرة تمولها مدخرات الفلاحين، واحتلت هذه المشروعات تلك المساحة الرمادية بين القطاعين العام والقطاع الخاص، أو ما يمكن أن نطلق عليه الاقتصاد الثالث، وقد بلغ العدد المعلن حوالي 120 مليون شركة يتم تمويلها من أموال المزارعين، ولا يزيد عدد عمال كل شركة فيها عن 5 أفراد، وهو العدد الذي يسمح بتملك الأفراد لهذه الشركات.حدث هذا كله بسبب بيع بعض الخضراوات.

خصوصية الصين

في لقاء حميم داخل منزل السفير الكويتي في الصين «فيصل الغيص» التقيت مع مجموعة من السفراء العرب العاملين في الصين، ودار النقاش بطبيعة الحال حول المعجزة الاقتصادية التي كانوا يشاهدونها بأنفسهم كل يوم، عبروا جميعا عن دهشتهم من قدرة الصين على التبدل والتحول، وكيف أن هذه التحولات تحدث على مرأى من الحرس القديم الموجود في الحزب الشيوعي، بل إن الحزب قد أعاد تشكيل نفسه بإرادته، دون أي ضغط دولي أو منظمات أجنبية، لقد استجاب فقط لحركة المستقبل، فمتى يمكن أن نستجيب في عالمنا العربي لهذه الحركة الجبارة، قال لي السفير الكويتي مؤكدا: « إنهم يتحولون في كل خطوة إلى اقتصاد السوق الحر ومع ذلك يحافظون على الخصوصية الصينية».

والحق أنني كنت مستريبا في تعبير «الخصوصية الصينية» هذا، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي اسمعه، ذكره لي المسئولون في مركز الدراسات الاقتصادية بجامعة بكين أكثر من عشر مرات، وأصبح يطلق على كل المشاكل التي تواجهها الصين وتجد لها حلا بطريقتها الخاصة، فعندما تم الهجوم على المعترضين في ميدان «تينان - من» أي الميدان السماوي، قيل إن هذه هي العدالة وفق «الخصوصية الصينية». وعندما تم قمع المحتجين في هونج كونج قيل إن هذه هي الديمقراطية وفق «الخصوصية الصينية»، وقد استخدم التعبير نفسه الرئيس ماو وهو يطبق الشيوعية بجيش من الفلاحين وليس العمال، ومازال هذا التعبير ساريا، وقدر لي أن اسمعه في كل مكان ذهبت إليه تقريبا، بل إن جزءًا كبيرًا من حركة التنمية السريعة يعود السبب فيه بالدرجة الأولى إلى «الخصوصية الصينية»، وإلى رخص الأيدي العاملة، إن العامل الصيني يتقاضى في الساعة أقل من 40 سنتا من الدولار، وهو لا يقل في المهارة عن نظيره العامل الأمريكي الذي يأخذ أجرا يتراوح بين 8 إلى 11 دولارا في الساعة، هذا الفرق الشاسع هو الذي جعل من تحدي الصين ومنافستها أمرا غاية في الصعوبة، خاصة أن عندها مددا لا ينفد من الأيدي العاملة.

تحتوي الصين على خمس تعداد البشرية، ولكن سكان المدن فيها منخفض بالنسبة لبقية العالم، فهناك 40% فقط منهم يعيشون داخل المدن، بينما تصل نسبة سكان المدن في العالم إلى 73%، أي أن واحدا من كل ثلاثة مزارعين في العالم هو صيني. ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، فالهجرة من الريف للمدن مستمرة ومتزايدة، وأثناء زيارتنا لبكين خاصة في محطة القطارات، كانت هناك أعداد ضخمة تهبط من القطارات بثيابها الريفية ومتاعها الفقير، كلهم قادمون إلى مدينة الأحلام، بحثا عن فرصة عمل.

إنهم يأتون عبر المئات وربما الآلاف من الأميال جالسين على مقاعد خشبية خشنة أو حتى وقوفًا، ويساعد على ذلك رخص أثمان تذاكر القطارات، فمن الممكن عبور نصف الصين بحوالي 10 دولارات، ولكن تجميع ثمن هذه التذكرة وتكاليف الإقامة الأولى في العاصمة ليس سهلا، وربما يستغرق عدة أشهر.، كما أن هذه الرحلة الطويلة لا تخلو من أخطار، فالعصابات المحلية ترصدهم لتستولي على مدخراتهم القليلة، والشرطة تشن هجماتها على الأنفاق، ومخابئ الجسور التي يعيشون فيها.

وتبدأ «الخصوصية الصينية» هنا مع بداية تمويل هذه الرحلة الخطرة، فالمزارعون أو فلنقل المهاجرون يعتمدون على شبكة محلية تقوم بإقراضهم المال على أن يردوه أضعافًا مضاعفة بعد أن يستقروا في المدينة، ومن المتوقع دائمًا أن يتم عودة المبلغ في غضون عامين أو ثلاثة، وبالطبع لا يتم إقراض المبلغ إلى من سوف يهاجر، ولكن إلى الشخص الذي سيبقى في القرية ويتحمل المسئولية، وهو يتعرض لضغوط كثيرة إذا لم يقم بتسديد هذا القرض. هناك الزيارات الليلية، والتهديدات، والاستيلاء على المحصول، ولكن أشد الضغوط وطأة هي عندما ينتقل صاحب الدين إلى منزل العائلة التي عجزت عن السداد ويقيم فيه طالبا منهم أن يقدموا له الطعام والشراب وأن يقوموا بخدمته، رافضًا أن يغادر المنزل قبل أن يحصل على دينه. وهي طريقة مؤثرة حقًا، تدفع الشخص المهاجر إلى القبول بأي عمل يعرض عليه حتى ينقذ عائلته. ويواجه المهاجر حياة شاقة، فهو يعمل في المناجم أو أعمال البناء أو تعبيد الطرق أو تشغيل المصانع، ولا يهم مدى انخفاض الأجر في هذه الظروف.

ويستخدم المزارعون - بعد أن يسدوا دينهم - ما يفيض من نقود في تحسين حياتهم، وللصينيين قدرة هائلة على الادخار، وقد علمتهم سنوات الشدة أن «اليوان» الأبيض ينفع في أشد الأيام سوادا، وشجعتهم الطفرة الصناعية الهائلة والحرية الاقتصادية على تجميع مدخرات القرية كلها واستثمارها في المشروعات الصغيرة، هذه المدخرات البسيطة هي التي ساهمت في تحويل المناطق الريفية الفقيرة إلى تجمعات صناعية مزدهرة، في مقاطع زيجيانج على سبيل المثال فإن 90% من المشاريع فيها خاصة. وهي تفوق أي منطقة أخرى في الصين. وفي مينائها الصغير يمكن أن تشاهد عشرات البضائع. السجائر، الهواتف النقالة، الكاميرات الرقمية، كما أن العديد من رجال الصناعة والأثرياء في الصين خرجوا من هذه المقاطعة.

وأكثر المناطق إدهاشًا في هذه المقاطعة هي مدينة وانزهو، التي بنيت على الشاطئ المواجه لجزيرة تايوان، وكانت بمثابة جبهة أمامية للصين في مواجهة هذه الجزيرة العاصية. وحتى الآن، فإن الطائرات المقاتلة والجنود الرابضين خلف المدافع مازالوا موجودين في مطار المدينة. وقد أهمل اقتصاد هذه المدينة طوال فترة حكم «ماو». كما أن الجبال المحيطة بها قد جعلت من الصعب إنشاء الطرق التي تصل إليها، وبالرغم من أن خطوط السكك الحديدية قد وصلت إلى كل المدن الساحلية في الصين، فإنها لم تصل إلى وانزهو إلا في عام 1992، وكانت استثمارات الحكومة فيها ضئيلة جدًا. من هذه المنطقة انبثقت الشرارة التي حددت مسار الاقتصاد الصيني، فبعد اتفاق 18 فلاحًا مع الحكومة، أدرك العديد من المسئولين الصينيين أن كسر القانون يمكن أن يكون مفيدًا في بعض الأحيان، وسمحت السلطات الحكومية بإقامة بعض المشروعات الخاصة في هذه المنطقة على أمل أن تنافس الشاطئ التايواني المقابل، والذي كان في قمة ازدهاره. وقال دينج زياو بينج قولته الشهيرة: «لا يهم لون القط إن كان أبيض أو أسود، المهم أن يأكل الفأر...». كان المقصود بالفأر هنا هو الاقتصاد التايواني بطبيعة الحال.

ما أن وافق النظام على هذه المبادرة حتى انطلق المقاولون وصغار المستثمرين والأسر الريفية في العمل بسرعة البرق، تحول تسعة من كل عشرة بيوت في المدينة إلى مصانع للعمل. وفي خلال خمس سنوات، استطاعت 80 ألف أسرة أن تقيم أعمالها الخاصة. وكان القانون مازال يحرّم التوسع، ويمنع استخدام أكثر من خمسة أشخاص في المشروع الواحد. ولكن أهالي المدينة استطاعوا التغلب على ذلك بالتفاهمات السرية مع المسئولين، وفتحوا المشاريع أمام آلاف المهجّرين من القرى.

وكالعادة لم يأت تمويل هذه المشاريع من مصدر خارجي، ولكن من أهل المنطقة أنفسهم. بواسطة شبكات القروض المحلية الصغيرة التي استطاعت أن تصنع كل هذه المصانع العملاقة. ومنذ اللحظة التي بدأ المزارعون فيها يديرون أعمالهم الخاصة، بدأت الشركات التي تملكها الدولة في الموات، وحتى القادة الصينيون أنفسهم، لم يكونوا يتوقعون تلك الحيوية والديناميكية، التي يتمتع بها شعبهم. وفي مقابلة في وزارة الخارجية مع رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قال لنا: لقد دهشنا جميعا، وعبر الرئيس دينج زياو بينج عن هذه الدهشة قائلا: «إن القطاع الريفي يتطور بسرعة، وحماس الناس فاق المتوقع. كان ما حدث مفاجأة لنا، لقد كانوا أشبه بجيش غريب انتشر في البلاد يبيع لنا كمية كبيرة ومتنوعة من المنتجات، إن هذا ليس من إنجازات الحكومة ولم نخطط له. لقد كانت مفاجأة تامة

حوار فوق سور الصين

كنت أنتظر لحظة وقوفي على سور الصين العظيم منذ سنوات طويلة، كان واحدا من عجائب الدنيا السبع، والمعلم الوحيد الذي شاهده رواد الفضاء على سطح الأرض من ذلك العلو الشاهق، يمتد مثل كائن أسطوري يحتضن الجبال والسهول والوديان، كان بناؤه هو حلما بالحصول على الأمان، عندما قام أحد حكام أسرة «تشين»، ببناء أول الأجزاء من عام 400 قبل الميلاد ليحمي بلاده بالسور من هجمات الشعوب الشمالية من ترك ومغول وهون، ولكن يقال إن السبب الحقيقي هو ضم الممالك السبع المتحاربة حتى تكون الصين خلف سور واحد وتحت حكم إمبراطور واحد، شارك فيه أكثر من 300 ألف شخص. وظلت الأسر المتوالية تساهم في مده وتغير الطوب الطيني إلى الحجر، وقد بلغ طول البناء النهائي (6.700 كلم) وامتد بموازاة الأنهر المجاورة وتشكلت انحناءاته مع تضاريس الجبال والتلال التي يجتازها.

كان يقف بجانبي زائر آخر هو « وينج لي » رجل أعمال من تايوان، كان هو أيضا قد انتظر هذه الرحلة لسنوات طويلة، فقد كان صينيا عاصيا من جزيرة منشقة، ظل سكانها لسنوات طويلة ممنوعين من زيارة الأرض الأم، ولكن مع التطور والانفتاح في السنوات الأخيرة سمح لهم بالتنقل وحرية الحركة، قلت له: «كيف عجز هذا السور الممتد الذي احتوى كل شيء عن احتواء جزيرتكم ؟ قال مبتسما: كانت مصادفة تاريخية، ولكن لا أظن أنها سوف تستمر طويلا.

قلت له: ماذا تفضل، أن تظل مواطنا مستقلا في تايوان، أم تنضم إلى الصين ؟ قال: أفضل أن أكون مستقلا، ولكنه أمر مستحيل، فالصين قطار لا يمكن إيقافه، وسوف ننضم إليها سواء أردنا أم لم نرد. قلت له: هل أنتم خائفون من الغزو العسكري؟ قال «بل الغزو الاقتصادي، لقد بدأت تايوان في التوسل إلى الشاطئ الصيني ليحميها من ضراوة المنافسة، في كل يوم يقوم رجال الأعمال بنقل المصانع من الجزيرة إلى الصين حيث توجد العمالة الأرخص، والأسواق المفتوحة، لقد صرخنا طويلا من أجل وقف إعطاء التكنولوجيا التايوانية للصين، ولكن لا يمكننا المقاومة، إذا أرادت أي شركة أن تنافس لابد أن تلجأ إليها، بعد سنوات قليلة سوف نفقد كل مزايا التقدم التكنولوجي، وسنتحول إلى اقتصاد الخدمات، ولحظتها لن يكون هناك مفر من الانضمام للصين».

ليست تايوان وحدها هي التي تعاني من هذا الأمر، هونج كونج أيضا تقوم بنقل مصانعها، اليابان وكوريا سبقتا الجميع، الأمريكيون مصابون بالفزع، فالمصانع تختفي فجأة، لا تتطور، ولا تتوسع، بل ترحل بعيدا، تذهب إلى الصين، بحيث لا يتمكن أحد من استردادها، وهي مصانع كان اقتصاد الولاية كله يعتمد عليها. والنتيجة هي ارتفاع أرقام البطالة طويلة الأمد، وهي البطالة التي تدوم مدتها أكثر من ستة أشهر. وقد تضاعفت أرقامها منذ عام 2000، وفي نورث كارولينا فقد معظم عمال مصانع الأثاث وظائفهم، ومن المنتظر أن تنضم صفوف أخرى من عمال الإلكترونيات إلى قائمة العاطلين، وكذلك حال عمال مصانع النسيج والمعادن والكيماويات.حجة المصانع المنتقلة أنها تريد أن تصبح قادرة على المنافسة، وهي تستجيب بذلك للإلحاح المتواصل عليها من التجار والمستهلكين، كلهم يريدون أسعار الصين، فالأسعار الصينية قد أصبحت مرادفة للأسعار الرخيصة، وكلما ازداد النمو الصيني، ازداد الخطر على الأعمال في بقية مصانع العالم، ومن الصعب إيقاف تأثير أسعار الصين، وقد أصبح ثلث عمال أمريكا يخشون من فقد أعمالهم وانتقالها بعيدا، وقد بلغت نسبة الذين فقدوا أعمالهم في الفترة من العام 2003 سبعة أضعاف الذين فقدوا أعمالهم في فترة الكساد العظيم في الثلاثينيات، وقد تطور الأمر لدرجة أن عضوا مهما في الكونجرس الأمريكي صرخ قائلا: «إن الصين تأخذ كل شيء، التكنولوجيا، ورءوس الأموال، والخبرة، والأسواق، دون أن تقدم شيئا في المقابل».

الصداقة العربية ـ الصينية

«إننا نحتفل هذا العام بمرور نصف قرن كامل على العلاقات العربية - الصينية، ومع ذلك فهذه العلاقات مع الأسف مازالت دون المستوى المطلوب». هكذا بدأ السيد «حكيم» أمين عام جمعية الصداقة الصينية - العربية حديثه معي، كانت هذه الجمعية قد أنشئت حديثا، في ديسمبر 2001 تحت رئاسة تيمور دوماتي وهو من إحدى القوميات الصينية الإسلامية وكان يشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب، وكان الهدف وراء ذلك هو الدفاع عن الوجه العربي في الشارع الصيني بعد أن تأثر هذا الوجه كثيرا بسبب أحداث سبتمبر في أمريكا، على حد تعبير السيد حكيم، كانت تريد أن تقدم وجها آخر للحضارة العربية، وأن تدعم أواصر تلك الصداقة القديمة، ولكن السيد حكيم كان حزينا لأن حركة التبادل التجاري والثقافي ليستا في المستوى المطلوب، كما أن الاستثمارات المتبادلة قليلة جدا، كما لم تحدث أي عمليات للمواءمة بين المدن العربية والصينية، وكانت الجمعية حريصة على زيادة هذه الأواصر، خاصة وهي تستعد للمؤتمر الضخم الذي سيقام في الخرطوم والذي يجمع شمل كل الجمعيات العربية الصينية.

لم تكن ذكرى نصف قرن من العلاقات مجرد مناسبة عابرة، فقد كانت الجمعية ترعى مشروع «مسيرة الصداقة الصينية - العربية» التي كان من حظنا أن شاهدنا بداية انطلاقها من العاصمة بكين، كان هناك موكب من السيارات مكون من أربع عشرة سيارة جيب، صناعة الصين، كانت كلها تستعد للانطلاق من بكين إلى ميناء كانتون التاريخي، ومنه تحملها السفن إلى سلطنة عمان، ثم يبدأ الموكب بعد ذلك في زيارة إحدى وعشرين دولة عربية، إضافة إلى إيران وتركيا وأزوبكستان وتركمانستان وكازاخستان، في محاولة لإحياء طريق الحرير القديم.

في ساحة فندق بكين في قلب العاصمة كان الحضور كثيفا من أجل مشاهدة بداية انطلاق الرحلة، وحضر جمع كبير من السفراء العرب والدول الإسلامية التي سيمر هذا الموكب من خلال بلادهم، وتقدم السفير الكويتي فيصل الغيص وألقى نيابة عن كل السفراء كلمة رحب فيها بهذه المبادرة الصينية، ورغبتهم في استعادة طريق الحرير القديم بشكل عصري، وتمنى أن يكون لهذه المسيرة أثر في تعزيز العلاقات التجارية والثقافية بين هذه البلدان، كما فعل الطريق القديم. وكان تلفزيون «صن » في هونج كونج، وهو الذي سيتولى تصوير مراحل الرحلة، بل إن الفكرة الرئيسية لهذه المسيرة جاءت من خلال واحد من مذيعي هذه المحطة هو «سامي يانج»، وكانت لحظة حافلة عندما عزفت الموسيقى في لحظة بداية انطلاق الرحلة، ثم تتابعت السيارات واحدة إثر أخرى في رحلتها الطويلة التي تبلغ أربعين ألف كيلو متر وتستغرق أربعين يوما. إن الصعود السلمي للصين هو فرصة لنا نحن العرب، فهذه الحضارة العريقة تعي قيمة التاريخ الذي نتشارك فيه معا، وليس بيننا وبينهم أي نوع من الأحقاد أو العلاقات الدامية، كما هو الحال بيننا وبين الغرب، وهي بلاد عطشى للبترول، وتريد أن تستثمر فوائضها المالية التي تصل إلى تريليون دولار في البحث عن البترول والمواد الخام في أماكن جديدة، وقد بدأت ذلك بالفعل في السودان والسعودية وتشاد، وهي تسعى إلى أسواقنا العربية دون أي نوازع استعمارية، أو دوافع للسيطرة،وهي فرصة لنا للاستعانة بصديق قوي، في وقت عز فيه الأصدقاء.