آخر الأخبار

الأخطل على شفا شفرة (5)

أما وقد طلبت الطلاق ؟!

زوجتك تطلب الطلاق يا أخطل ,فما عساك تفعل ؟؟

 ينتفض العملاق الشرقي في داخله ليؤنبه :

- طلقها ماذا تنتظر ؟!

- ولكني أحبها ؟

- وماذا عن كرامتك ؟ ... رجولتك ؟ ... لا تخنع ,طلقها

 لم يستطع أن يهزمه ذلك الشرقي المُتطرِّف في داخله ...كما لم يستطع هو هزيمته .

أطرق صمتاً ... حتى كاد أن يبزغ الفجر .. أعادت الطلب ثانية :  طلقني ,طلقني ,طلقني .

 اتصل الأخطل بوالدته طالباً منها أن تحضر في الصباح لتأخذ الأولاد الصغار النائمين إلى منزلها متذرعاً بأنَّ شقيق زوجته في دمشق مريض وأنه مضطرٌ للسفر حالاً إلى دمشق مع زوجته .

 وبينما كانت الشمس تشرق في دمشق كانت شمس الزوجة وابنها الرضيع تغرب عن قلبه وعينيه وهو عائدٌ إلى مدينة حمص مُتصدِّع القلب .... مشتَّت الذهن ..

يعتصر ذاكرته ليستخرج آخر ما تبقى فيها من صور  لحبيبةٍ قد لا يراها مجددا ويتناهى إلى مسامعه بكاء ابنه الرضيع ، هذا الصوت ليس كذاك الذي سمعه بالأمس .

ابنك الرضيع يبكيك ... يناديك .... يرجوك أن تعود إليه ... كما أن أصوات بقيتك في حمص تناديك ... وعيونهم ترقب قدومك مع أمهم وشقيقهم الرضيع.

 قال الأخطل في نفسه دون أن يدرك استحالة أن يكون هنا وهناك ، ليتني في دمشق وحمص في آنٍ معاً.

ترى ماذا حل بفاطر وشقيقاته الثلاث ؟ هل تذكَّرتهم الجدَّة ؟ أم أنها نسيتهم فاستيقظوا على يوم كأنه الحشر ؟!

رغم اتساع جرحه كلما ابتعد عن دمشق تمنى لو يصل حمص بطرفة عين .

 فاطر أيها الطفل الجميل ....كم أحبك ...

تقتحم محياه بسمةٌ جميلةٌ وهو يتذكر أن أحد الأصدقاء سأله عند ولادة فاطر ((ما هو شعورك ؟)) فأجابه ((لأول مرَّةٍ أشعر بأنه وُجد من يحبني بمحاسني ومساوئي وبدون تذمر )) كما لم ينسَ أنه اضطر لفراق هذا الطفل لأولِّ مرَّةٍ ولمدة ثلاثة أيام حين سافر إلى القطر اللبناني بزيارة مع صديق له كان يخدم ضمن قوات الرّدع العربية في لبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية

هذه الزيارة ,ومظاهر الدمار والخراب التي غطت وجه بيروت الجميلة ,وفراقه لطفله المحبوب ,ذاك القمر والشمس في في ناظريه ,أصابه بكآبةٍ مابعدها كآبة .

و في اليوم الثالث لهذه الزيارة وفي غمرة الحزن والشوق ,أرسل إلى فاطر قصيدة بعنوان : ( مرثية من بيروت ) قال فيها :

أفاطر والقوافي كلها قبـس من        وحي عينـيك ياحبي ويا وطري

ضحكاتك الغراء في ليل الدجى       عذراء فاتنة أغفــت على وتري

وأنجبت من سروري ألف أغنية       كرمى لعينيك لم يبخل بها شعري

إليك حبيبي صـــدق مرثيتي       إن صنت عهدي دونها على قبري

ثلاثة أيام حجبت بها عن طفلي        المحبوب عن شمسي وعن قمري

يوم دخلت به بيروت واعجـباً!       ألله تنذر ؟ أم للتوتم البشــري ؟

ويوم أقمت بها أرثي مصـيبتها       ياويح قلبي هل يكفينني عمـري؟

ويوم بكاني الشـــوق ياولدي       إلى رؤاك فهل يسعفنني صبري ؟

أنت الرجاء لقلبي أنت أمنـيتي        فهلا رأفت بحالي أنت ياقـدري ؟

ضباب تلك الذكريات التي رافقته في رحلة العودة من دمشق إلى حمص بددته صورة ابنه فاطر وشقيقاته الثلاث فتخيل هؤلاء الأطفال وعيونهم مشدودة إلى كل حافلة تدخل القرية 000 لعلَّ هذه الحافلة تحمل أباهم وأمهم وشقيقهم الرضيع ؟!

ووصلت الحافلة ..... وتراكض الأطفال إليها .... ولكن فرحتهم بما تمنوه  سرعان ما تحولَّت إلى نسيجٍ عنكبوتيٍّ أسود لم يألفوه من قبل ... لقد عاد أبوهم ولكن! ورغم خيبة الأمل ، تراكضوا وتدافعوا ليضموا والدهم رغم رماد الحزن الذي يعتصرهم

أجل إنها  الصورة التي رآها تتجسد في عيون أطفاله ، فاصطحبهم إلى المنزل وسط سيلٍ من الدموع عجز عن تبديد قسوة الصمت .

وبمداد تلك الدموع ...وعلى صفحة ذاك الصمت ...خطَّ الأب الحزين هذه القصيدة :

غادرت جِلَّق والدمــوع عوابر    

مني وأطيار المحبة غاديات هُرَّعُ

تسألنني كيف الـسبيل إلى الجفا     

هل بعد ذاك الحب صوت يُسمعُ؟

فأجبت : لا، والله بعد حبيبـتي               

 ما أشرقت شمسي وسـر المرتعُ

لكنَّ أمراً لا أخالك تجـــهلي

                           إن حلَّ جُنَّ الكهل شـاب الرضَّعُ

قد كان ذاك الأمر حين تعمَّدت               

 ترجو الطلاق توســلاً تتضرَّعُ

فرضخت للطلب المشومِ وليتني               

 ما عشـتُ أشهد موطني يتصدعُ

يا أمَّ أولادي الذيــن تركتهم    

 لا دمع يســـليهم فيبكي المدمعُ

قد كنتِ يوماً مسكني ومرقدي          

 قد كنت يوما من بناني أطــوعُ

كنتِ الربيعُ لناظري والمرتجى                

 كنت الأمان لنا وكنت المفــزعُ

كنت الحمائم في ربوع ديارنا                

 فغدت بدونك خاويات بلقــــعُ

وغدوت بعد الحبِّ سـمٌّ قاتلٌ                

 وغدوت عند الهجر ريحٌ زعـزعُ

ما ضرَّ لو بالودِّ شئتِ قلوبنا                 

 قســــماً  أتينا طائعين فنرُكعُ

لكنّ حرباً قد أردتِ نشـوبها                 

 يبكي لها أطفالنا أو يصــرعوا

مذ عُجتُ يمَّ البيت جئنَ يضمَّني                 

 ثلاثُ بنياتٍ تلاهن رابــــعُ

قالوا أبانا أين أضــحت أمنا ؟                  

 في أي يومٍ يا أبانا ترجـــعُ ؟

فوددتُ لو أنَّ المنيَّةَ في يــدي                  

 كان الضريح لجثتي هو مضجعُ

وأجبت فاطر يا حبيبي ومهجتي

 عذراً لعلَّ العذر يوما ينفـــعُ

عذراً بنيَّ فإنَّها أقــــدارنا                  

 نمشي إليها صاغرين وطُــوَّّعُ

لا تســلني فاطر أين الهوى ؟                  

 أين الرضيع وأين تلك المرضـعُ

اصـــبر بنيَّ فانَّ يوما آتياً                   

 يأتي أخوك به وتصفو البرقــعُ

أمٌّ سـلتك فلا تســل عنها                   

 وقل ربي الشـــــفيع الأنزعُ

هبني إلهـي من لدنك رحمةً                 

  واحفظ بحفظك إخوتي يا سـامعُ