في ايار 1967، عندما بدأ التوتر بين مصر واسرائيل، لم يكن احد في الشرق الاوسط يريد الحرب. في 5 حزيران اندلعت رغم ذلك. سلسلة من الاعمال التي اتخذها الرئيس المصري ناصر فسرت في اسرائيل باعلان للحرب، لانه كان فيها مثابة ذريعة للحرب. كما قررت القيادة الاسرائيلية. في آب 2007، عندما يتصاعد التوتر بين سوريا واسرائيل ليس واضحا اذا لم تكن خطوات اسرائيل ستفسر في دمشق بشكل مغلوط. مشكوك فيه أن يكونوا في اسرائيل يعرفون حقا ما هي الذرائع للحرب التي تقررت في هيئة الاركان في دمشق. لم تكن هناك أي ذريعة عملياتية عاجلة وحيوية لتنفيذ طلعات لطائرات قتالية فوق الشمال السوري في منتصف الليل (على فرض أن هذه الطلعة نفذت فعلا، كما نشر السوريون في ظل تجاهل غير عادي من جانب الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي). من قرر اطلاق الطائرات وأمر الطيارين بان ينفذوا انفجارات فوق صوتية كان على علم جيد بمستوى التوتر العالي، وفهم بشكل غير صحيح معنى التسلل الى الاراضي الاقليمية السورية وامكانية الا يكتفي السوريون برد تصريحي من السهل أن نخمن ماذا سيكون رد اسرائيل لو كانت طائرات قتالية سورية تسللت الى اراضيها ونفذت انفجارات فوق صوتية فوق حيفا.
هذا الحدث لا ينبغي ازاحته بالقول ان هذه مجرد عملية اعتيادية اخرى لسلاح الجو. مثلما قبل اربعين سنة، من شأن الطرفين ان يفقدا السيطرة على التطورات، ومن شأن حرب أن تندلع بسبب خطأ في فهم نوايا الخصم، دون أن يخطط احد لتوقيتها. جدير الانصات وعدم الاستخفاف بمعنى رد وزير الاعلام السوري، محسن بلال الذي قال أمس انه "لا ثقة لسوريا باسرائيل التي أثبتت انها ليست معنية الا بالعدوان وليس بالسلام". وعندما يكونون في دمشق مقتنعين بأن نية اسرائيل مهاجمة سوريا، فان من شأنهم أن يقرروا هناك ان لا مفر من ضربة مسبقة. لا يعني الامر ان غدا ستشتعل الحرب ولكن اذا كان قادة الجيش الاسرائيلي يظنون ان بوسعهم دوما ان يوجهوا الامور في منطقتنا وأن يتحكموا بمدى التوتر حيال سوريا، فان من شأنهم ان يتفاجأوا.
يمكن فهم رغبة كبار مسؤولي الجيش الاسرائيلي في اصدار الاشارة للسوريين بانه رغم فشل الجيش في الحرب في لبنان، عليهم أن يواصلوا الارتداع من اسرائيل. التخوف المحق في الجيش الاسرائيلي هو ان الردع الاسرائيلي تضرر بشدة في اعقاب الحرب اياها. غير أن ترميم قدرة الردع للجيش الاسرائيلي لن يتحقق بانفجارات فوق صوتية من فوق اللاذقية. فاذا ما اندلعت حرب، فمن شبه المؤكد أن السوريين لن يحاولوا اطلاق طائرات قتالية لقصف أهداف في عمق الاراضي الاسرائيلية، وأغلب الظن لن يطلقوا ايضا ألوية من الدبابات لاحتلال هضبة الجولان. في هيئة الاركان السورية يعرفون جيدا انه في هاتين الحالتين من شأنهم ان يدفعوا ثمنا باهظا جدا. معقول بقدر اكبر بكثير ان يستخدم السوريون المقذوفات الصاروخية والصواريخ التي ليس لدى الجيش الاسرائيلي رد مناسب عليها. أحد دروس حرب لبنان، التي اطلق في اثنائها مقاتلو حزب الله نحو 4 الاف مقذوفة صاروخية نحو الجبهة الداخلية الاسرائيلية وشلوا الحياة في شمالي الدولة، هو أن هذا هو عقب أخيل لاسرائيل وهو ما ينبغي استغلاله.
لدى السوريين صواريخ باليستية تغطي كل نقطة في اراضي اسرائيل وعدد كبير من المقذوفات الصاروخية، في مدى اقصر، يمكنها أن تضرب شمالي الدولة. ومن غير المستبعد أنه في حالة اندلاع الحرب سينضم حزب الله ايضا الى جانب سوريا فيطلق الاف الكاتيوشا والمقذوفات الصاروخية. والاسبوع الماضي فقط كشف وزير الدفاع ايهود باراك النقاب عن أن حزب الله جدد مخزونه من سلاح الصواريخ، ولديه منذ الان اكثر من عشرين الف مقذوفة صاروخية. فشل الجيش الاسرائيلي في وقف نار القسام نحو شمالي النقب يعزز فقط لدى السوريين المفهوم العملياتي الذي يعتقد بان السبيل السليم لضرب اسرائيل هو من خلال الصواريخ والمقذوفات الصاروخية.
صحيح أن هذه ليست المرة الاولى التي تحلق فيها طائرات سلاح الجو في سماء سوريا. في تشرين الاول 2003 قصف سلاح الجو معسكرات تدريب لمنظمات فلسطينية قرب دمشق. في حزيران 2006، بعد وقت قصير من اختطاف جلعاد شاليط في غزة نفذت طائرات سلاح الجو تفجيرات فوق صوتية فوق القصر الصيفي للرئيس الاسد. في الحالتين كانت الرسالة ترمي الى اصدار الاشارة للاسد بان عليه أن يكف عن دعم حماس ومنظمات فلسطينية متطرفة، يستضيف قياداتها في دمشق. في هاتين الحالتين ابتلع السوريون المهانة ولم يردوا. ولا يضمن أحد ان في المرة المقبلة سيكون بوسع الاسد كبح جماح جنرالات جيشه، الذين لا بد يشدون على اسنانهم ويرغبون في الرد بعملية عسكرية على الاستفزاز الاسرائيلي.
خسارة أن رئيس الوزراء ايهود اولمرت لم يستغل فرصة أمس الاول في انعقاد كديما كي يبث رسالة تهدئة لسوريا. وهو ببساطة تجاهل في خطابه ما حدث في سماء سوريا، رغم الجلبة الاعلامية التي رافقت الاحداث. ليس هذا سوى أن اولمرت مقتنع من أن السوريين لن يتجرأوا على الرد على أفعال اسرائيل أو ربما هناك من بالذات يريد للحرب أن تندلع هذا الصيف.