البابا بينيديكت مع مفتي تركيا لا شيء أكثر إثارة للعواطف والحساسيات من التصريحات المتشنجة التي قد يطلقها أتباع دين ما ضد دين آخر. ولكن كيف يمكن تنظيم التبادل الديني في زمن العولمة؟ براتاب بهانو مهتا، رئيس مركز الابحاث السياسية في دلهي، يطرح هنا مجموعة من المعايير الأخلاقية للوصول الى التفاهم.
تميزت العلاقة بين العالم الاسلامي والغرب بالتوتر حتى قبل ان تضرم محاضرة البابا التي ألقاها في جامعة ريغنسبورغ الألمانية النار في حطب هؤلاء الذين ما انفكوا يؤكدون على حتمية صراع الحضارات.
تركيا، وهي التي كانت قد تحفظت بسبب دعوة البابا اوروبا الى التعرف والحفاظ على هويتها المسيحية الأصلية، غضبت بسبب تصريحاته الأخيرة المعادية للإسلام. واحتجاجات مماثلة ما زالت مستمرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
تزيد الانتقادات الموجهة الى آراء البابا الدينية والتاريخية من المشاكل التي فرضها هذا الحدث ولكنها لا تعالجها. هل تتطلب العولمة قانوناً لتنظيم التبادل الديني؟ هل من الضروري وجود مجموعة من المعايير والأعراف غير المعلنة والتحفظات لضبط التبادل الديني؟
جذور العنف في العالم الحديث
إن ربط أعمال العنف والإرهاب بطائفة دينية محددة، ألا وهي الإسلام، يزيد من حدة التحديات التي يواجهها التبادل الديني. إن أي دين يجد نفسه محاصراً وفي وضع دفاع دائم عن النفس، لا بد أن تتضاعف حساسيته تجاه أي تصريحات تمس به. والغريب ان هذه الحساسية المفرطة تعزز فقط الصورة النمطية للإسلام وتخلق دائرة من الشر. أما ردة فعلنا على دائرة الشر تلك فتكون بنظرتنا الصادقة الى جذور العنف السياسي في العالم الحديث والتي لا تخلو من التعقيد.
الارهاب ليس حكراً على عقيدة واحدة، فجذوره ضاربة في القومية وفي الدين على حد سواء. لا تختلف أشكال العنف الذي تموله الدولة، مثل الحرب على الإرهاب، عن أشكال العنف الارهابي.
هذا ليس تبريراً للإرهاب، بل لخلق نطاق لا تكون فيه المناظرات حول العنف حجة لاستهداف الإسلام. إن خلق هذا النطاق معركة شاقة لكلا الطرفين: التهور البابوي وتصريحات الرئيس بوش عن الاسلام الفاشي دليل على سرعة انزلاقنا في صراعات دينية. في غضون ذلك، فإن المسلمين في غرب آسيا ليس لديهم قيادة قادرة على اخراجهم من النمطية التي دمغوا بها.
تجنب التشهير
تنتشر الحساسيات الدينية المفرطة في جميع أنحاء المعمورة وتعقد بذلك التبادل الديني. تعالت أصوات الهندوس احتجاجاً عندما تم تصنيف الهندوسية في الكتب المدرسية في كاليفورنيا على انها اضطهاد طائفي. وقامت مظاهرات عارمة في أنحاء عديدة من العالم ضد فيلم شيفرة دافنشي . واحتج المسلمون على الطريقة التي يتم فيها تصوير دينهم.
ما برحت جميع الطوائف الدينية تحتج على الطريقة التي يُعرض بها دينهم. تتضمن الاحتجاجات اهدافاً معينة: ان هناك طريقة صحيحة لاظهار تعاليم ومعتقدات دينية تاريخية. والطريقة الصحيحة هي التي لا تُشهر بأتباع طائفة معينة أو تعارضهم. وهذا أمر متفق عليه بين أتباع الطوائف الأخرى.
أعتقد ان احترام جميع الأديان ومراعاة شعور أتباعها نصيحة جيدة للتعقل. ربما تعلمنا كيف نقيم مختلف الثروات التي تمتلكها الثقافات والاعتقادات المختلفة لأتباعها لفهم العالم من حولهم واعطاء معنى لحياتهم. إن إظهار اي دين بشكل غير لائق يُعتبر إهانة لأتباعه ويعمي الأبصار عن انجازات حضارات عريقة.
يبدو ان الدعوة لاحترام جميع الأديان مرشحة معقولة مثل غيرها لتكون معياراً للتبادل الديني العالمي. السياسة العاليمة ستكون أفضل اذا راعى أحدنا شعور الآخر. ولكن المفارقة تكمن في ان مطلب الإحترام نفسه أصبح مصدر خلاف، لأنه من المستحيل التوصل اليه.
الحقائق الأربع
على الأديان الاعتراف بأربع حقائق:
مهما كانت امجاد تراث اي دين من الأديان، فإن أكثر الأديان تنظيماً يتضمن أحياناً نظريات بالية. وقد تم بإسمها تشريع جميع أنواع الاضطهاد والعنف، ولكنه من شبه المستحيل مناقشة ديانات تاريخية من دون وصفها بطريقة لا تسيء إلى اتباعها. هذه الأوصاف قد لا تكون بالضرورة كيدية او تم اتخاذها بترفع عن العقاب، الا انها غير مريحة ابداً.
ثانياً، رغم الدعوات الى الاحترام، إلا أن الحقيقة المرة هي أنه لا يوجد تقريباً دين واحد تمنح تعاليمه المساواة مع الأديان الأخرى تلقائياً من وجهة نظر عميقة ومنطقية، مما يخلق أصلاً ترتيباً فوقياً من نوع آخر.
ثالثاً، الإيمان ليس مسألة رغبة. لا نستطيع اجبار الآخرين على النظر الى تاريخ او دين من زاوية معينة. كل ما نرجوه ان تكون استنتاجاتهم عن الدين نابعة من ايمان صالح وليست نتيجة تأويلات مسيئة متعمدة، إلا ان الخط الفاصل بين الايمان الصالح والاسنتاجات المسيئة رفيع للغاية بنظر أغلبية اتباع اي دين.
أخيراً، تعد الصيغة التي يتبناها طلب الاحترام صيغة متناقضة بطبيعتها من ناحيتين. أولاً انها ما برحت تزداد حدة. انتقلنا من حالة التعبير عن الغضب ضد الأوصاف الفظة المتعالية إلى حالة يتسبب مجرد نقاش تاريخي بموجة غضب عارمة.
لعبة تنافسية
الطوائف الدينية سرعان ما تردع اي هجوم ولكنها تلتزم الصمت عندما يُساء إلى الآخرين. قلما تحتج الطوائف غير المسلمة على التصويرات المخيفة للدين الإسلامي من قبل الغرب واليهود. التزمت الطوائف الهندوسية المعروفة بسرعة ردة فعلها إزاء مجرد تفكير البابا بإهانة أتباع دينهم الصمت تجاه تصريحات البابا عن الإسلام.
باختصار، ان سياسة الإحترام المتبادل ليست عرفاً عالمياً ولكنها لعبة تنافسية تحاول بها مختلف الطوائف الدينية استعراض قوتها في مطالبتها بالاحترام.
معاهدة عالمية
يبدو ان احتمالات سن أعراف عالمية للتبادل الديني قد وصلت الى طريق مسدود، لأنه من غير المعقول ان مجرد ذكر لأي دين يتطلب تعبيراً عن الاحترام، لقد ولدت سياسات تنازعية في البحث عن الاحترام.
الاحتمال الآخر هو ابرام نوع من المعاهدة العالمية تنص على ان مجرد ذكر اي من الأديان يُعتبر، على الأقل، نوعاً من انعدام الدبلوماسية والكياسة، وهذا سوف يؤثر على الحرية وسيكون هناك استحالة في تحمله.
الخيار الثالث في التبادل الديني العالمي هو نوع من الحوار بين الأديان، لأن مثل هذا الحوار قد يؤدي إلى تفادي خلافات جسيمة، وكلنا أمل ان يؤدي الى ردم خلافات جادة.
الحوار بعيدا عن الدين
الحل الوحيد هو ابعاد اسس الحوار عن الدين. لا يمكننا ان نخوض حواراً بعزلة عن كل المصادر التي قد تكون مريبة في نظر الطوائف الدينية، ولا يمكننا إجبار الناس على تكوين رأي معين تجاه الديانات الأخرى او الحديث عنهم بطريق معينة. كل ما نرجوه هو ايجاد ثقافة يتمتع فيها أي شخص كان بحرياته الأساسية. ثقافة الحقوق هي الجواب الأجدى على المطالب بالإحترام.
إلا أن ثقافة الحقوق هذه لها شرطان: عزل الخلافات الدينية عن خط المواجهة السياسية. غير أن الأهم من هذا كله ان على الطوائف الدينية التخلص من حساسيتها لتتمتع بثقة أكبر في مواجهة افتراءات أطلقها عليها الآخرون.
يتم تعزيز ثقافة التبادل الديني فقط عندما يؤمن أتباعها بأن ربنا قادر على الدفاع عن نفسه اكثر منا .
بقلم براتاب بهانو مهتا
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
مركز ييل لدراسات العولمة 2006