الكلام عن دعارة الأطفال مسألة مسكوت عنها ويكتنفها الغموض، فقد يتخيل البعض أنها تقوم على أساس خطف أطفال واستغلالهم في أعمال الدعارة أوتصوير الأفلام الخلاعية لكنها في الحقيقة ليست كذلك، أو لنقل أنها لم تصل إلى هذه الدرجة في سورية بعد. فهي دعارة أكثر يسراً وسهولة وتحدث غالباً دون أن يشعر بها أحد!! إنها تتلخص بتشغيل فتيات - طفلات- في ملاهي ونوادي ليلية وكباريهات في أعمال الرقص والخدمة التي سرعان ما تنزلق إلى مستوى أدنى وهو الدعارة، فالفتاة التي لم تتجاوز عمر الثامنة عشرة هي بحكم القانون طفلة.
ويتجاهل الناس هذه الحقيقة عندما يعتبرون الفتاة إذا ما اكتمل بنائها الجسدي بالغة.
ومع الانتشار العريض لأماكن السهر والمتعة في سورية تبرز أماكن بمواصفات خاصة تبتعد عن عيون الرقابة.. أماكن يكثر فيها خرق القوانين الباهتة أصلاً، تزدهر في الليل لتأوي كل من ليس له عمل أو لا يمتلك أية مصلحة.. منبوذين .. أصحاب سوابق ..مطلوبين للعدالة وآخرين ممن ضاقت بهم سبل العيش فارتضوا العمل في مهن الليل. أما الزبائن فما هم سوى أشخاص يبحثون عن اللذة أينما وجدت.. شبان ممن أفسدهم كثرة المال .. ورجال أكبر سناً يحاولون تعويض ما فات من شبابهم على يد فتيات لم يبلغن الرشد بعد.
كان لا بد للوقوف على حقيقة هذه الأماكن من زيارة أحدها..
كان الملهى الذي حمل كل ضجيجه إلى أطراف مدينة دمشق يعج بعشرات الفتيات من أعمار مختلفة تبدأ من سن الخامسة عشر، وكان عددهن يفوق عدد الزبائن بمعنى أن العرض كان يفوق حجم الطلب، ولولا كثرة عدد العاملين في الملهى ومعظمهم من الشباب، فمن المؤكد أن نصيب كل زبون كان ليتجاوز الثلاثة فتيات.
في الواحدة بعد منتصف الليل بدأ البرنامج وُطلب إلى الفتيات الصعود إل الـ" بست" -كما درجت العادة على تسميته-. سوريات.. عراقيات.. لبنانيات وأحياناً مغربيات ممن لفظتهم كابريهات الدرجة الأولى في البلد، طفلات بكل معنى الكلمة في الخامسة عشرة والسادسة عشرة يرتدين ألبسة يحاولن إظهار مفاتن أجسادهن التي لم يكتمل نموها بعد، يرقصن بطريقة أكثر من ماجنة، وكله من أجل اجتذاب الزبون الذي قد يدفع. الأضواء الخافتة تجعلهن يبدين للوهلة الأولى وكأنهن أكبر سناً، ولكن سرعان ما تكتشف عندما يقتربن منك أنهن ما يزلن طفلات حتى وإن حاولن من خلال المكياج القاسي الذي يضعنه أن يوحين بعكس ذلك.
الأجر الذي تتقاضاه تلك الفتيات يعتمد على مقاييس مختلفة.. الجمال.. العمر.. العلاقة المميزة بمدير الملهى.. لكنه في أحسن الحالات لا يتجاوز الألف ليرة سورية يومياً وذلك لقاء البقاء في الملهى بين التاسعة مساءاً وحتى ساعات الصباح. لكل واحدة منهن أو مجموعة " قواد" خاص غالباً ما يكون سائق التاكسي الذي يتكفل بنقلهن من المنزل إلى الملهى وقد يكون الزوج أو الأخ، وتكون مهمته تأمين زبون للفتاة والتفاوض معه على السعر والمدة.
"لارا" و"غفل" اثنتين من أربع شقيقات عراقيات يعملن في هذا الملهى، كانت لارا في السابعة عشرة وغفل في السادسة عشرة، بينما لم يتسنى لنا الحديث مع الشقيقتين الأخريين. أتين من العراق إلى سورية قبل نحو عامين هربا من الموت هناك. لم ترغب "لارا" و"غفل" في الحديث عن ماضيهما في بغداد وعن أسرتهم، قالتا أنهن وحيدات هنا في سورية، وانهن كن يسكن في مدينة جرمانا قبل أن ينتقلن للعيش في السيدة زينب. تمضي الفتيات الأربعة وقتهن على هذه الشاكلة، يعملن في الملهى بين التاسعة مساءاً وحتى ساعات الصباح، ثم يذهبن للنوم وعندما يستيقظن يبدأن بالبحث عن الموعد الذي رتبه لهن "القواد" لقاء أجر لا يقل عن 2500 ليرة سورية -حسب الزبون- الذي عادة ما يكون من رواد الملهى. وعلى هذا النحو يواصلن حياتهن.
تمكّنا من الجلوس مع فتاة أخرى.. كانت سورية لم تتجاوز السابعة عشرة، والغريب أنها قالت لنا أنها تعمل في الملهى منذ وقت طويل يقدر بالسنين لا بالأشهر، أي أنها بدات العمل في وقت كانت فيه أصغر سناً مما هي عليه الآن، كانت هذه الأخيرة تنتظر منا أن ندعيها إلى الخارج وهذا يعني دعوة لممارسة الجنس المأجور، لكنها لم تسترسل كثيراً، ربما لأن فضولنا البادي دفعها للشك فينا، فأنهت حديثها سريعاً وانصرفت.
الفتيات عموماً في هذا الملهى كن يتصرفن بحرية وكأن شيئا من الإلفة يجمعهن بهذا المكان وبمن يعمل فيه.. كن يمازحن بعضهن ويمازحن طاقم الخدمة وكأنهم اصدقاء!..أيضاً كن غير ملزمات بمجالسة الزبائن على عكس ما يحدث مع الفنانات الروسيات اللواتي يعملن في كازينوهات الدرجة الأولى، ربما لأنهن يعملن بحريتهن فلا عقود ولا ضوابط لهذا النوع من الأعمال في سورية فهن قادرات على الرحيل إلى أي مكان آخر قد يدفع أفضل!! وعلى هذا لم يكن لأحد سيطرة عليهن إذا ما اسثنينا "القواد".
في ليلتنا تلك لم نلمح أي مظهر من مظاهر الرقابة مطلقاً!! فقط بضعة رجال بثياب عادية دار الحديث بين العمال أنهم من رجال الأمن، دخلوا المكان ألقوا نظرة على عجل ثم رحلوا، لكنهم لم يحركوا ساكنا!! لم يطلبوا أوراق أي فتاة... لم يروا مدير المحل.. ولم يعترضوا على أي شيء مما كان يدور في المكان، فيما يبدو وكأنها جولة روتينية.
غادرنا المكان بينما كانت أوساط الفتيات على الـ"بست" لا تزال تهتز بتلك الطريقة الغائمة.. وكان هناك أخريات يتناولن الشوكولا والبسكويت من الكشك الموجود في الملهى ربما عن عمد وبناء على طلب الفتيات أنفسهن!. لكن قصتنا لمن تنته فالسائق الذي أعادنا إلى دمشق كان واحداً من إياهم!! كان قواداً .. فاستغل وجودنا معه ليعرض علينا الحصول على اللذة لقاء مبلغ معلوم.. وما علينا سوى أن نعلمه بمن نريد وهو سيتكفل بالباقي!!.
كان شيئا محزناً حقاً أن نكتشف ان كل الفتيات اللواتي كن في الملهى يعملن في الدعارة.. ودون استثناء...