آخر الأخبار

قراءة في البخاري

كيف نشأ المصدر الثانى: العادة أن الله سبحانه وتعالى ينزل على كل نبى كتاباً واحداً كاملاً تاماً مفصلاً، ولكن ما يلبث الشيطان أن يدفع الإنسان إلى التلاعب بدين الله بالتحريف والتزييف فى الكتاب الأصلى ثم يدفعهم إلى إنشاء مصادر أخرى تكتسب قدسية، وبطبيعة الحال لابد أن يكون أولئك فى صف العداء للنبىس. والله تعالى يقول ﴿وكذلك جعلنا لكل نبى عدواً شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون. أفغير الله أبتغى حكماً وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا﴾ (الأنعام 112: 114) وبدأ منافقوالمدينة الكيد للإسلام بهذا الطريق. * كان المنافقون يدخلون على النبى يقدمون له فروض الطاعة والولاء ثم يخرجون من عنده يتآمرون عليه، وفى ذلك يقول تعالى ﴿ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله﴾ (النساء 81) ونفهم من قوله تعالى عنهم ﴿بيّت طائفة منهم غير الذى تقول﴾ أنهم كانوا يزيفون أقوالاً على النبى لم يقلها، أو بتعبير علماء الحديث كانوا يضعون أحاديث مفتراة ينسبوها للنبى. أى أن الكذب على الرسول بدأه المنافقون فى حياة النبى نفسه. وعلماء الحديث يتفقون على صحة حديث "من كذب على فليتبوأ مقعده من النار" وبعضهم يضيف إليه كلمة متعمداً "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وهم يجعلون هذا الحديث من المتواتر، وعدد الحديث المتواتر لا يصل إلى بضعة أحاديث عند أكثر المتفائلين، والمهم أنهم بإقرارهم بصحة هذا الحديث إنما يثبتون أن الكذب على النبى بدأ فى حياة النبى نفسه وإلا ما قال النبى هذا الحديث يحذر من الكذب عليه. ونفهم من قوله تعالى ﴿ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك..﴾ إن أولئك المنافقين كانوا معروفين للنبى، والواقع أن المنافقين فى عهد النبى كانوا صنفين: o صنف كان معروفاً للنبى وأمره الله بألا يعجب بأموالهم ولا أولادهم وألا يصلى على أحد منهم مات أبداً ولا يقم على قبره (التوبة 84: 85) وكان منهم من زيّف الحديث على النبى.. o وصنف آخر كان أشد خصومة وأكثر خطورة، وقد توعد الله هذا الصنف بأن يعذبه مرتين فى الدنيا وفى الآخرة له عذاب عظيم.. هذا الصنف الشديد الخطورة لم يكن يعرفه النبى. يقول تعالى فيهم ﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ (التوبة 101) عن المنافقين المعروفين يقول تعالى ﴿يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم..﴾ ويجعل لهم عذاباً واحداً فى الدنيا إن لم يتوبوا ﴿فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً فى الدنيا والآخرة﴾ (التوبة 74) أما الصنف الآخر الذى لا يعلمه النبى فقد توعده الله بأن يعذبهم مرتين ﴿ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾. ونفهم من المقارنة بين الفريقين أن الله تعالى أشار إلى احتمال توبة الصنف الأول المعروف من المنافقين ﴿فإن يتوبوا يك خيراً لهم..﴾ أما الصنف الآخر الذى لا يعلمه النبى فقد حكم الله بأنه سيظل سادراً فى غيه وكفره إلى نهاية حياته، لذا حكم الله تعالى حكماً مطلقاً بأن يعذبهم مرتين فى الدنيا ثم ينتظرهم العذاب العظيم فى الآخرة. وحتى بعد أن قال تعالى عنهم ﴿ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ ذكر صنفاً آخر من أهل المدينة خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وأشار إلى احتمال قبوله لتوبتهم ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم﴾ (التوبة 102) ثم فيما بعد ذكر صنفاً آخر من أهل المدينة وأشار إلى احتمال توبتهم ﴿وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم﴾ (التوبة 106) إذن فالصنف الوحيد من الصحابة من أهل المدينة الذين حكم الله بأن يظلوا سادرين فى الكفر بلا توبة هم أولئك الذين مردوا على النفاق والذين لم يكن للنبى علم بهم. وهذا الصنف عاش على هذا يكيد للإسلام طيلة حياته أثناء حياة النبى وبعد موته عليه السلام.. وإذا كان المنافقون الذين يعرفون النبى قد كذبوا عليه وزيفوا أقواله فى حياته فكيف بمن يقول عنهم رب العزة أنهم أدمنوا النفاق وعاشوا عليه ﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾. وقد كان أولئك من بين الصحابة وفق تعريف علماء الحديث بأن الصحابى هو من صحب النبى أو لقيه فى حياته.. ومعنى ذلك أنه كان من بين رواة الأحاديث منافقون ظاهرون معروفون للنبى لا يتورعون عن الكيد للإسلام، وكان منهم من أدمن النفاق آمناً من أن يعلم أحد بحقيقة نفاقه ﴿لا تعلمهم نحن نعلمهم﴾. ومن يدرى ربما كان منهم بعض المشاهيرمن الصحابة .علم ذلك عند الله وحده جل وعلا.. وإن كان مستحيلاً أن نضع أيدينا على أسمائهم الحقيقية وشخصياتهم بعد أن حجب الله تعالى العلم بهم عن النبى الكريم.. فإنه من الممكن لنا أن نعثر على رواياتهم التى حملت كل حقدهم على النبى العظيم. وتنوقلت تلك الروايات حتى وجدت طريقها للتدوين فيما عرف بكتب الصحاح.. والذين جمعوا الحديث وقاموا بتنقيته ووضع أسانيد له أصدوا قراراً بأن الصحابة كلهم عدول فوق مستوى الشبهات، ثم لم ينظروا فى متن الحديث ومنطوقه وهل يتفق مع القرآن أم لا. ونحن وإن كنا نعتبر القرآن هو المصدر الوحيد لسنة النبى وشريعة الرحمن ودين الله الأعلى فإننا نضع تلك الروايات الحديثية موضعها الصحيح وهى أنها تاريخ بشرى للنبى وللمسلمين وصدى لثقافتهم وأفكارهم سواء اتفقت أم لم تتفق مع القرآن. ويعز علينا أن تتناثر بين تلك الروايات سموم تشوه سيرة النبى العظيم الذى نشر دعوة وأقام أمة وأسس دولة وأثر فى تاريخ العالم، عليه الصلاة والسلام.. ونحن على موعد مع "صحيح البخارى" فى قراءة سريعة لنتعرف منها على خطورة ما أسموه بالمصدر الثانى.. سيرة النبى عليه السلام بين حقائق القرآن وروايات البخارى: نحن لا نوافق على المقولة الشهيرة بأن البخارى أصح كتاب بعد القرآن. فلو كان البخارى صحيحاً فى كل سطر فيه فلا يصح أبدأ أن نضعه فى موضع مقارنة بكتاب الله العزيز. والبخارى فى نهاية الأمر من أبناء آدم الذين يجوز عليهم الخطأ والنسيان والوقوع فى العصيان. وأولئك الذين يحملون فى قلوبهم قدسية للبخارى تعصمه من الوقوع فى الخطأ إنما يرفعون البخارى إلى مكانة الألوهية من حيث لا يدرون أومن حيث يدرون. ومن واقع نظرتنا للبخارى كأحد علماء التراث فإننا لا نقصد مطلقاً أن نعقد مقارنة بينه وبين القرآن الكريم، نعوذ بالله من ذلك، وإنما نقصد من هذا المبحث رصد تلك الفجوة بين سيرة النبى فى القرآن وبين سيرته المتناثرة بين سطور البخارى. ونترك الحكم للقارئ ونحن على ثقة من أن ولاء القارئ المسلم العاقل إنما هو لله تعالى ولرسوله الكريم والكتاب العزيز الذى أنزل السيرة الحقيقية للنبى الكريم قرآناً نتعبد بتلاوته ونتقرب إلى الله بقراءته، وحقيق بنا حينئذ أن نؤمن بتلك الصورة السامية التى رسمها القرآن للنبى عليه السلام وأن نكفر ونرفض فى ذات الوقت أحاديث البخارى وكل ما يخالف القرآن الكريم من كلام البشر وكتاباتهم.. هدانا الله تعالى للصراط المستقيم..!! كيف كان النبى يقضى يومه: لك يا عزيزى القارئ أن تتخيل الإجابة على هذا السؤال وستجدها مطابقة لما جاء فى القرآن الكريم. فمنذ أن نزل الوحى على النبى وهو قد ودع حياة الراحة وبدأ عصر التعب والإجهاد والجهاد، ويكفى أن أوائل ما نزل من القرآن يقول له ﴿يا أيها المدثر. قم فأنذر﴾ و﴿يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلا﴾ أى أن وقت النبى منذ أن نزل عليه الوحى كان بين تبليغ الرسالة والمعاناة فى سبيلها ثم قيام الليل.. وليس هناك بعد ذلك متسع للراحة التى هى حق لكل إنسان، وانتقل النبى للمدينة وقد جاوز الخمسين من عمره فزادت أعباؤه، إذ أصبح مسئولاً عن إقامة دولة وتكوين أمة ورعاية مجتمع، ثم هو يواجه مكائد المنافقين فى الداخل والصراع مع المشركين باللسان والسنان، ثم هو بعد ذلك يأتيه الوحى ويقوم على تبليغه وتأسيس المجتمع المدنى على أساسه.. ونجح النبى عليه السلام فى ذلك كله. وفى السنوات العشر التى قضاها فى المدينة إلى أن مات انتصر على كل أعدائه الذين بدأوه بالهجوم ،ودخل الناس فى دين الله أفواجا.. ومع هذا فإنه فى حياته عليه السلام لم ينقطع عن قيام الليل ومعه أصحابه المخلصين الذين كانوا الفرسان بالنهار العابدين لله تعالى بالليل، رضى الله عنهم أجمعين.. هذا ما لا نشك لحظة يا عزيزى القارئ فى أنك تتفق معنا فيه. بل وكل عاقل من أى ملة ودين لا يملك إلا أن يسلم بأن الذى أقام دولة من لا شىء ونشر دعوة ونهضت به أمة لا يمكن إلا أن يكون قد وهب وقته كله لله ولدين الله وعمل كل دقيقة فى حياته لتكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى.. وندع اجتهادنا العقلى جانباً ونبحث عن الإجابة فى كتاب الله العزيز. فى بداية الوحى نزل قوله تعالى للنبى ﴿يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلا﴾ (المزمل 1: 5) وأطاع النبى عليه السلام ونفذ أوامر الله فى مكة واستمر على تنفيذها فى المدينة. وكان معه أصحابه يقومون الليل فى صلاة وتهجد وتلاوة للقرآن، ولكن الوضع فى المدينة اختلف عنه فى مكة. أصبح النبى فى المدينة مسئولاً عن دولة الإسلام الجديدة بكل ما تستلزمه الدولة الوليدة من استعداد وجهاد فى الداخل والخارج، وأصبح أصحابه معه مشغولين بالجهاد والسعى فى سبيل الرزق وتوطيد أركان الدولة الوليدة التى يتربص بها الأعداء فى الداخل والخارج. وأصبح قيام الليل بنفس ما تعودوه فى مكة مرهقاً لهم يعوقهم عن حسن الأداء فى النهار. لذا نزلت فى المدينة الآية الأخيرة من سورة "المزمل" بالتخفيف، حيث يقول رب العزة جل وعلا للنبى الكريم ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسنا﴾ وأعتقد أن من أعظم ما نزل مدحاً للنبى والمؤمنين معه هو فى هذه الآية الكريمة. فقد جاء فى بداية الآية تزكية الله للنبى بأعظم ما يكون ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى﴾ وهل هناك أعظم شهادة من الله وهو تعالى يشهد بصيغة العلم الإلهى بأن النبى طبق أوامر ربه فأقام الليل إلى الثلثين، ثم تأتى شهادة الله للنبى بالتأكيد اللغوى ﴿إن ربك﴾ ثم تضاف كلمة "رب" إلى كاف الخطاب "ربك" ليكون ذلك التأكيد من رب العزة خطاباً مباشراً من الله تعالى للرسول الكريم فى معرض التكريم. ثم يستمر خطاب الله المباشر للنبى ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم.. وطائفة من الذين معك..﴾. ثم تثبت الآية الكريمة أن طائفة من المؤمنين كانت تقوم الليل مع النبى، ولأن الله تعالى يعلم العبء الجديد عليهم فى المدينة ولأنه يعلم أن بعضهم سيقع مريضاً لذا أنزل التخفيف عليهم بأن يقرءوا ما تيسر من القرآن مع استمرار الأوامر لهم بالمحافظة على الصلاة المفروضة وإيتاء الزكاة والصدقات.. إذن كان النبى يقضى النهار فى الجهاد وتبليغ الدعوة ورعاية الدولة ويقضى ليله فى قيام الليل للعبادة، وكان معه أصحابه. هذا ما يثبته الرحمن فى القرآن. وهذا ما ينبغى الإيمان به وتصديقه إذا كنا نحب الله ورسوله ونؤمن بكتابه وندفع عن النبى الأذى وما يشوه سيرته العظيمة. وإذا بحثنا عن إجابة لنفس السؤال "كيف كان يقضى يومه" فى أحاديث البخارى وجدنا إجابة مختلفة وعجيبة.. نقرأ فى البخارى حديث أنس "إن النبى كان يطوف على نسائه فى ليلة واحدة وله تسع نسوة". وفى حديث آخر لأنس أكثر تفصيلاً يقول "كان النبى يدور على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة". قال الراوى: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين.." (البخارى الجزء السابع: ص4، والجزء الأول ص76. طبعة دار الشعب- وهى التى نعتمد عليها فى هذا المبحث). وطبقاً لهذه الرواية العجيبة نرى إجابة مختلفة عما ورد فى كتاب الله العزيز إذ نفهم منها أن النبى كان يطوف على نسائه كلهن- أى يجامعهن- ويتعجب الراوى ويسأل أنس هل كان فى طاقة النبى ذلك فتكون الإجابة أعجب وهى أن الصحابة كانوا يتابعون النبى ويتحدثون أن الله أعطاه قوة ثلاثين رجلاً فى الجماع.. إذن كان اهتمام النبى فى الطواف حول نسائه وكان اهتمام أصحابه فى متابعة هذا النشاط وفى التفاخر به، ولا تعرف بالطبع من أين لهم ذلك المقياس الجنسى الذكورى الذى جعلوا به مقدرة النبى الجنسية - المزعومة- فى الجماع تبلغ قوة ثلاثين رجلاً. نعوذ بالله تعالى من هذا الافتراء. ثم تأتى فى أحاديث البخارى روايات أخرى ينسبها لعائشة تقول: "أنا طّيبت رسول الله ثم طاف فى نسائه ثم أصبح محرماً" ورواية أخرى "كنت أطيّب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضح طيباً" (البخارى: الجزء الأول ص 73). والآن.. هل نصدق حديث القرآن عن النبى وقيامه الليل مع أصحابه وانشغالهم بالجهاد أم نصدق تلك الروايات البشرية؟ نترك لك ذلك عزيزى القارئ. ولا حول ولا قوة إلا بالله..!! هل كان النبى يباشر نساءه فى المحيض؟ والإجابة التى ننتظرها منك عزيزى القارئ هى أعوذ بالله.. ونحن معك فى هذا. ونعتذر عن إيراد العنوان بهذا الشكل.. ولكن لا نجد عنواناً آخر للموضوع. والذى نؤمن به جميعاً أن النبى كان صفوة خلق الله ومن أرقهم ذوقاً وأسماهم خلقاً. ومن كان على هذا المستوى لا ننتظر منه هذا، خصوصاً وأن الله تعالى قال له ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ (البقرة 222) لم يقل رب العزة "فاعتزلوهن" فقط وإنما قال أيضاً ﴿ولا تقربوهن﴾ أى زيادة فى التأكيد والتحذير. ونحن نؤمن بأن النبى طبق هذا السنة، فالسنة الحقيقية للنبى هى فى تطبيق القرآن، والله تعالى ﴿يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ ونبى الله من أئمة المتطهرين فى كل عصر.. هذا ما نؤمن به جميعاً عزيزى القارئ، ولكنك حين تقرأ باب الحيض فى البخارى تفاجأ بروايات غريبة تحت عنوان غريب هو "باب مباشرة الحائض". منها حديث ينسب لعائشة "كنت أغتسل أنا والنبى من إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرنى فأتّزر فيباشرنى وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلى وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" ورواية أخرى عن عائشة كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد الرسول أن يباشرها أمرها أن تتزر فى فور حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبى يمك إربه" ومنها حديث ميمونة "كان رسول الله إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهى حائض" فالبخارى هنا يسند تلك الروايات لأمهات المؤمنين ليجعلهن شهوداً على أن النبى كان يباشرهن وهن حائضات، ويضع البخارى على لسان عائشة إشارة إلى خصوصية النبى فى مقدرته الجنسية فيزعم أن عائشة قالت "وأيكم يملك إربه كما كان النبى يملك إربه"!! وفى رواية أخرى يجعل البخارى من النبى ملازماً للنساء لا يفترق عنهن حتى فى المحيض، فيروى حديثاً ينسبه لأم سلمة "بينما أنا مع النبى مضطجعة فى خميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتى قال: أنفست؟ قلت: نعم. فدعانى فاضطجعت معه فى الخميلة". وهكذا أصبح لا عمل أمام النبى ولا مسئوليات ملقاة على عاتقه إلا أن يجلس فى الخميلة مع زوجاته حتى فى المحيض.. نعوذ بالله من هذا الافتراء.. بل هناك أكثر من ذلك، يدعى البخارى أن عائشة قالت "كان النبى يتكىء فى حجرى وأنا حائض ثم يقرأ القرآن".. هكذا.. ضاقت كل الأماكن ولم تعد هناك مساجد ولا قيام لليل مع طائفة من الذين آمنوا.. حتى يلجأ النبى إلى ذلك فى زعم البخارى (راجع باب الحيض فى البخارى: الجزء الأول ص 79). لن نضع عناوين أخرى فى هذا الموضوع ثم تدخل أحاديث البخارى فى منعطف خطير فى تشويه سيرة النبى عليه السلام تجعلنا نتحرج من أن نضع لها عناوين، وهذا المنعطف الخطير يتناول علاقة مزعومة للنبى عليه السلام بالنساء من غير زوجاته. وكم كنا نود إغفال هذا المنعطف لولا حرصنا على تنزيه نبى الإسلام من هذا الافتراء الذى يسرى سريان السم بين سطور البخارى. والذى يقف دليلاً هائلاً على تلك الفجوة بين القرآن والبخارى باعتباره أهم كتب المصدر الثانى لمن يعتقد أن هناك مصادر أخرى مع القرآن. 1- ونبدأ بأحاديث زعم فيها أن النبى كان يخلو بالنساء الأجنبيات. ونقرأ حديث أنس: "جاءت امرأة من الأنصار إلى النبى فخلا بها فقال: والله إنكن لأحب الناس إلى" والرواية تريد للقارئ أن يتخيل ما حدث فى تلك الخلوة التى انتهت بكلمات الحب تلك.. ولكن القارئ الذكى لابد أن يتساءل إذا كانت تلك الخلوة المزعومة قد حدثت- فرضاً- فكيف عرف أنس- وهو الراوى ما قال النبى فيها؟. وفى نفس الصفحة التى جاء فيها ذلك الحديث يروى البخارى حديثاً آخر ينهى فيه النبى عن الخلوة بالنساء، يقول الحديث "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذى محرم" وذلك التناقض المقصود فى الصفحة الواحدة فى "صحيح البخارى" يدفع القارئ للاعتقاد بأن النبى كان ينهى عن الشىء ويفعله.. يقول للرجال "لا يخلون رجل بامرأة" ثم يخلو بامرأة يقول لها "والله إنكن لأحب النساء إلى" هل نصدق أن النبى عليه السلام كان يفعل ذلك؟ نعوذ بالله... (راجع البخارى: الجزء السابع ص 48). 2- ثم يسند البخارى رواية أخرى لأنس تجعل النبى يخلو بأم سليم الأنصارية، تقول الرواية "إن أم سليم كانت تبسط للنبى نطعاً فيقيل عندها- أى ينام القيلولة عندها- على ذلك النطع، فإذا نام النبى أخذت من عرقه وشعره فجعلته فى قارورة ثم جمعته فى سك" (البخارى الجزء الثامن ص 78). ويريدنا البخارى أن نصدق أن بيوت النبى التى كانت مقصداً للضيوف كانت لا تكفيه وأنه كان يترك نساءه بعد الطواف عليهن ليذهب للقيلولة عند امرأة أخرى، وأثناء نومه كانت تقوم تلك المرأة بجمع عرقه وشعره.. وكيف كان يحدث ذلك.. يريدنا البخارى أن نتخيل الإجابة.. ونعوذ بالله من هذا الإفك. 3- ثم يؤكد البخارى على هذا الزعم الباطل بحديث أم حرام القائل "كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبى الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته وجعلت تفلى رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك فقالت: وما يضحكك يا رسول الله؟... إلخ" فالنبى على هذه الرواية المزعومة تعود الدخول على هذه المرأة المتزوجة وليس فى مضمون الرواية وجود للزوج، أى تشير الرواية إلى أنه كان يدخل عليها فى غيبة زوجها ويصور البخارى كيف زالت الكلفة والاحتشام بين النبى وتلك المرأة المزعومة، إذ كان ينام بين يديها وتفلى له رأسه وبالطبع لابد أن يتخيل القارئ موضع رأس النبى بينما تفليها له تلك المرأة فى هذه الرواية الخيالية، ثم بعد الأكل والنوم يستيقظ النبى من نومه وهو يضحك ويدور حديث طويل بينه وبين تلك المرأة نعرف منه أن زوجها لم يكن موجوداً وإلا شارك فى الحديث. وصيغة الرواية تضمنت الكثير من الإيحاءات والإشارات المقصودة لتجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى. فتقول الرواية "كان رسول الله يدخل على أم حرام.." ولاحظ اختيار لفظ الدخول على المرأة ولم يقل كان يزور والدخول على المرأة له مدلول جنسى لا يخفى ، والايحاء هنا موظف جيدا بهذا الأسلوب المقصودة دلالته. ثم يقول عن المرأة "وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبى الصامت" فهنا تنبيه على أنها متزوجة ولكن ليس لزوجها ذكر فى الرواية ليفهم القارئ أنه كان يدخل على تلك المرأة المتزوجة فى غيبة زوجها، وهى عبارة محشورة فى السياق عمدا حيث لا علاقة لها بتفصيلات الرواية . الا أن حشرها هكذا مقصود منه ان النبى كان يدخل على امرأة متزوجة فى غيبة زوجها ويتصرف معها وتتعامل معه كتعامل الزوجين. وحتى يتأكد القارىء ان ذلك حرام وليس حلالا يجعل البخارى اسم المرأة "أم حرام" ليتبادر إلى ذهن القارئ أن ما يفعله النبى حرام وليس حلالاً. ثم يضع الراوى- بكل وقاحة- أفعالاً ينسبها للنبى عليه السلام لا يمكن أن تصدر من أى إنسان على مستوى متوسط من الأخلاق الحميدة فكيف بالذى كان على خلق عظيم.. عليه الصلاة والسلام، فيفترى الراوى كيف كانت تلك المرأة تطعمه وتفلى له رأسه وينام عندها ثم يستقيظ ضاحكاً ويتحادثان.. نعوذ بالله من الافتراء على رسول الله.. وقد كرر البخارى هذه الرواية المزعومة بصور متعددة وأساليب شتى ليستقر معناها فى عقل القارئ (راجع البخارى: الجزء الرابع ص 19، 21، 39، 51 والجزء الثامن ص 78 والجزء التاسع ص 44). 4- ولا تقتنع روايات البخارى بذلك.. إذ يروى عن بعضهم حديثاً يقول "خرجنا مع النبى (صلى الله عليه وسلم) حتى انطلقنا إلى حائط- أى بستان أو حديقة- يقال له الشوط ، حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال النبى: اجلسوا هاهنا ، ودخل وقد أُتى بالجونية فأنزلت فى بيت نخل فى بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها ، فلما دخل عليها النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: هبى نفسك لى. قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، فأهوى بيده عليها لتسكت فقالت: أعوذ بالله منك.. (راجع البخارى الجزء السابع ص 53). وبالتمعن فى هذه الرواية الزائفة نشهد رغبة محمومة من البخارى لاتهام النبى بأنه حاول اغتصاب امرأة أجنبية جىء له بها، وانها رفضته وشتمته باحتقار . فالراوى يجعل النبى يذهب عامداً إلى المكان المتفق عليه وينتظره أصحابه فى الخارج، والمرأة الضحية- واسمها الجونية- قد أحضروها له، ونفهم من القصة أنها مخطوفة جئ بها رغم أنفها. ويدخل النبى فى تلك الرواية المزعومة على تلك المرأة وقد جهزتها حاضنتها أو وصيفتها لذلك اللقاء المرتقب، والمرأة فى تلك الرواية المزعومة لم تكن تحل للنبى لذا يطلب منها أن تهب نفسها له بدون مقابل، وترفض المرأة ذلك بإباء وشمم قائلة "وهل تهب الملكة نفسه للسوقة؟" أى تسب النبى فى وجهه - بزعم البخارى - وبدلا من أن يغضب لهذه الاهانة يصر على أن ينال منها جنسيا ويقترب منها بيده فتتعوذ بالله منه ، أى تجعله- فى تلك الرواية الباطلة- شيطاناً تستعيذ بالله منه.. ولكن ذلك البناء الدرامى لتلك القصة الوهمية البخارية ينهار فجأة أمام عقل القارئ الواعى.. إذا كان الراوى للقصة قد سجل على نفسه أنه انتظر النبى فى الخارج فكيف تمكن من إيراد الوصف التفصيلى والحوار الذى حدث فى خلوة بين الجدران؟؟ 5- ولا تتورع أحاديث البخارى عن نسبة الألفاظ النابية والتعبيرات المكشوفة الخارجة للنبى عليه السلام، وذلك حتى تكتمل صورة الشخص المهووس بالجنس والنساء التى أحاط بها شخصية النبى عليه السلام وسيرته فى ليله ونهاره. فهناك حديث نسبه البخارى للنبى جعل النبى يقص قصة إسرائيلية يقول فيها "وكان فى بنى إسرائيل رجلً يقال له جريج كان يصلى جاءته أمه فدعتها فقال: أجيبها أو أصلى فقالت: اللهم لاتمته حتى تريه وجوه المومسات" (البخارى: الجزء الرابع ص 201). إن الرجل المحترم لا يستطيع أن يتلفظ بهذه الكلمة (المومسات) فكيف برسول الله عليه الصلاة والسلام.. وتلك القصة لا تستند إلى منطق درامى فى عالم التأليف .واعتقد أن الهدف من صياغتها الركيكة هى أن يضعوا كلمة نابية على لسان الرسول بأى شكل.. ومثله حديث آخر مزعوم يرويه البخارى ويعلن شكّه فيه يقول "فيمن يلعب بالصبى إن أدخله فيه فلا يتزوجن أمه.." ومنطق ذلك الحديث الكاذب يعطى انطباعاً أنه صيغ فى العصر العباسى عصر المجون والشذوذ، ولم يكن ذلك الشذوذ معروفاً فى الجزيرة العربية حتى نهاية الدولة الأموية وقد قال أحد الأمويين أنه لولا القرآن ذكر أفعال قوم لوط ما صدق أن ذلك يمكن حدوثه(1). والبخارى أورد ذلك الحديث وشكك فيه (البخارى: الجزء السابع ص 14) وإذن لماذا رواه؟ وتفوح الإيحاءات الجنسية المثيرة من بعض أحاديث البخارى التى ينسبها للنبى مثل "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها آخر اليوم". (البخارى الجزء السابع ص 42) وما الذى نستفيده من هذه النصيحة الغير الغالية. وحديث آخر عن متى يجب الغسل من الجماع "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" (البخارى: الجزء الأول 77) وهو حديث ينبغى منع الشباب من قراءته. ويجعل البخارى هذه النوعية من الأحاديث الجنسية تدور حول أم المؤمنين عائشة مثل "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (البخارى: الجزء الرابع ص 200) ثم ذلك الحوار المزعوم بين النبى وعائشة وهى تقول له "أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجر وقد أُكل منها ووجدت شجراً لم يؤكل منها، فى أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: فى الذى لم يرتع منها. تعنى أن رسول الله لم يتزوج بكراً غيرها" (البخارى: الجزء السابع ص 6). وأسوأ ما فى هذه الأحاديث المكشوفة هو لفظ أورده البخارى لا نجرؤ على كتابته ونترك للقارئ فهمه والبحث عنه بنفسه، يقول "لما أتى ماعز بن مالك النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت: قالا لا... قال (.....)(2) لايكنى، قال فعند ذلك أمر برجمه" (البخارى الجزء الثامن ص 207). وعقوبة الرجم تشريع ما أنزل الله بها من سلطان. وشاء واضعوا هذا التشريع أن ينسبوا للنبى تلك الكلمة البذيئة فى تحقيقه المزعوم مع مرتكب الزنا ماعز بن مالك. فادعوا أن النبى قال له "....." وأنه قالها له صريحة بلا كناية "لايكنى". هل نتصور قائد أمة يتلفظ بهذا اللفظ النابى؟ فكيف بالرسول الكريم الذى قال فيه ربنا جل وعلا ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾!!! نعوذ بالله من الكذب على رسول الله... 6- ويصل افتراؤهم على الرسول عليه السلام إلى حد أنهم ينسبون له تشريعاً بإباحة الزنا وتحريم الزواج. فالبخارى ينسب للنبى قوله "أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاراكا" (البخارى: الجزء السابع ص 16) ومعناه الواضح أن أى رجل أعجبته امرأة ونال هو إعجابها فله أن يعاشرها ثلاث ليال ثم لهما الحرية فى أن يطيلا فترة المعاشرة أو أن يتركها بعد تلك التجربة الحمراء. واختيار الألفاظ واضح فى الدعوة للزنا فى ذلك الحديث الكاذب، فقال "رجل وامرأة" و"توافقا" و"عشرة ما بينهما" و"ثلاث ليال" "أحبا أن يتزايدا" "يتتاراكا". ونأسف لأننا أوردنا كل ألفاظ الحديث تقريباً.. ومعذرة إذا نسينا أول وأهم كلمة فيه وهى "أيّما" التى تجعل من الحديث تشريعاً عاماً يسوغ الزنا لكل رجل وامرأة. ثم هناك حديث آخر يفترى فيه البخارى أن النبى حرمّ الزواج الشرعى، إذ يروى أن النبى خطب على المنبر فقال "إن بنى هشام بن المغيرة استأذنوا فى أن ينكحوا ابنتهم على بن أبى طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبى طالب أن يطلق ابنتى وينكح ابنتهم. فإنما هى بضعة منى يريبنى ما أرابها ويؤذينى ما آذاها". (البخارى الجزء السابع ص 47، ص 61) وقد يقول قائل أن من حق النبى أن يغضب إذا أراد على بن أبى طالب أن يتزوج على فاطمة بنت النبى، ولكن الحديث الذى رواه البخارى يجعل النبى يحرم ذلك الزواج بصفته رسولاً وجعله يعلن ذلك على منبر المسجد أمام المسلمين، وبذلك أكسبه صفة التشريع.. تشريع يحرم الزواج الحلال. ولا نعتقد أن نبى الله يفعل ذلك.. 7- ثم نرى أحاديث أخرى تهتك حرمة بيت النبى وتتسلل إلى أدق خصوصياته مع نسائه أمهات المؤمنين. ونقرأ أحاديث من هذه النوعية: حديث منسوب لعائشة "كنت أغتسل أنا والنبى من إناء واحد من قدح يقال له المفرق" وحديث منسوب لابن عباس "أن النبى وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد" وحديث آخر تقول فيه ميمونة "وضعت للنبى ماء للغسل فغسل يديه مرتين أو ثلاثة ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره ثم مسح يده بالأرض.. إلخ" وحديث "أن النبى اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم.." ولم يكن الغسل بالشىء المعقد أو الجديد الذى لم يعرفه الناس من قبل، بل إن كل إنسان يعرف كيف يغسل جسده. ولكنه الحرص من هذه الروايات على أن تصور لنا النبى عاريا فى هذه الحالات الخاصة مع نسائه، ثم نجد حديثاً عجيباً يفترى فيه البخارى أن أحدهم قال: "دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبى فدعت بإناء نحواً من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب" (البخارى: الجزء الأول ص 69: 71) أصبح الغسل مشكلة المشاكل، ومن أجلها تقدم عائشة- فى زعمهم- ذلك البيان العملى فتغتسل أمام الناس، وما يغنى الحجاب المزعوم فى تلك القصة المبكية الضاحكة؟ ولكنه الحرص على تعرية النبى وأمهات المؤمنين أمام عقولنا.. نعوذ بالله من هذا الإفك.. وحتى صلاة النبى فى بيته لم يتركها البخارى دون إيحاءات جنسية تهتك حرمة البيت الكريم.. وتدور الروايات كالعادة حول عائشة فينسبون لها قولها "كنت أنام بين يدى رسول الله ورجلاى فى قبلته فإذا سجد غمزنى فقبضت رجلى فإذا قام بسطتهما" وفى رواية "أن رسول الله كان يصلى وهى بينه وبين القبلة" وحديث عروة "أن النبى كان يصلى وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذى ينامان عليه" (البخارى: الجزء الأول ص 102). هل يرضى أحدنا أن يهتك الناس خصوصياته فى بيته ومع زوجته بمثل ما فعل البخارى ببيت النبى عليه السلام؟ وإذا قالوا إن هذا للتشريع وللتعليم فأى تشريع وأى تعليم فى هذه الروايات الفاضحة التى تهتك حرمة أعظم بيت؟ ثم لماذا الإصرار على أم المؤمنين عائشة بالذات؟؟ الافتراء على عائشة فى حديث الإفك: إذا ذكرت حديث الإفك انصرف ذهن السامع إلى اتهام عائشة بالزنا ونزل براءتها من السماء تأسيساً على ما جاء فى سورة النور من آيات تتحدث عن موضوع "الإفك". وإذا حاول باحث أن يتفهم الآيات وأن يناقش روايات التراث عن موضوع حديث الإفك تناولته الاتهامات كما لو أن أسطورة تخلف عائشة عن ركب النبى واتهامها أصبحت من المعلوم من الدين بالضرورة. وملخص الأسطورة التى ذكرها البخارى (الجزء الخامس ص 148، الجزء السادس ص 127) أن النبى كان إذا أراد سفر اقرع بين نسائه فأيهن خرج سهمها خرج بها الرسول معه. وفى غزوة بنى المصطلق كانت القرعة من نصيب عائشة، وأثناء رجوع الجيش افتقدت عائشة قرطها فنزلت تبحث عنه وانطلق الجيش وهم يظنونها داخل الهودج.. ورجعت عائشة فوجدت الجيش قد انطلق فنامت مكانها إلى أن جاء صفوان بن المعطل السلمى فحلمها على جمله وأتى بها إلى المدينة، فاتهمها المنافقون به وغضب منها الرسول إلى أن نزلت فيها آيات سورة النور تعلن براءتها (النور 11: 26). ومع ذلك فلا يزال حديث الإفك وصمة تطارد عائشة وتنسج الخيالات المريضة حولها أساطير وروايات، ووجد فيه بعض المستشرقين مجالاً للطعن فى شرف عائشة وفى اتهام النبى بأنه اختلق الآيات ليبرئها، وهذه إحدى أفضال البخارى والمصدر الثانى علينا وعلى ديننا الحنيف..!! إن حقيقة الأمر أن عائشة "أم المؤمنين وأمنا نحن إذا كنا مؤمنين" لا علاقة لها مطلقاً بحديث الإفك المذكور فى سورة النور. وأساس هذا الافتراء على عائشة يبدأ بأكذوبة "أن النبى كان إذا خرج لغزوة أقرع بين نسائه واصطحب إحداهن.." والقرآن الكريم ينفى أن النبى كان يصطحب معه نساءه فى غزواته، فالله تعالى يقول للنبى عنه خروجه لغزوة بدر- أولى الغزوات- ﴿كما أخرجك ربك من بيتك بالحق..﴾ (الأنفال 5) والبيت يعنى الزوجة، وفى توضيح أكثر يقول تعالى عن نفس الغزوة ﴿وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال...﴾ (آل عمران 121) أى خرج النبى عن أهله، والأهل هم الزوجة والزوجات- لكى يصفّ المؤمنين للقتال. إذن لم يكن معه واحدة من نسائه منذ أول غزوة غزاها.. وفى غزوة الأحزاب فى العام الخامس من الهجرة، نزلت سورة الأحزاب وفيها الأمر بالحجاب لنساء النبى والأمر حاسم لهن بأن يمكثن فى البيت ولا يخرجن منه ﴿وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ (الأحزاب 33) فكيف يأمرهن الله بالبقاء فى البيت ويأتى النبى فيصطحبهن فى غزوة بنى المصطلق فيما بعد؟. لقد كان ترك النساء فى المدينة بعيداً عن الغزوات عادة إسلامية حرص عليها النبى والمسلمون بحيث لم يكن يتخلف عن الغزو إلا النساء والأطفال والشيوخ غير القادرين. وحين تخلف المنافقون عن الخروج مع النبى فى احدى معاركه الدفاعية نزل القرآن يعيّرهم ويسخر منهم بأنهم رضوا بأن يتخلفوا مع النساء والصبيان ﴿رضوا بأن يكونوا مع الخوالف..﴾ (التوبة 87، 93) فهل من المعقول أن يصطحب النبى زوجاته معه عرضة لخطر الحرب بينما تبقى بقية النساء آمنات فى المدينة؟. ولكن عن ماذا تتحدث سورة النور ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم...﴾؟ إن سورة النور من أوائل ما نزل فى المدينة ، لذا جاءت بتشريعات اجتماعية جديدة لصيانة المجتمع الإسلامى الجديد فى أوائل استقراره بالمدينة، ولنا أن نتصور المدينة فى أول العهد بها حين جاءها المهاجرون والمهاجرات ليعيشوا بين الأوس والخزرج وفيهم الأنصار المؤمنون وفيهم ضعاف الإيمان والمنافقون وحولهم اليهود . والمهاجرون والمهاجرات بين أنصارى يؤثرهم على نفسه ولو كان به خصاصة وبين منافق يستثقل وجودهم وينتظر الفرصة ليصطاد فى الماء العكر وسط ذلك الخليط البشرى الذى تكدس لأول مرة فى مكان واحد. ولا ريب أن المهاجرين كانوا فى حاجة للعون بعد أن تركوا أموالهم وديارهم وجاءوا إلى المدينة لا يملكون شيئاً إلا الإيمان وحب الإسلام. ولا ريب أن بعض المهاجرات كان حالهن أشد بؤساً فقد تركن أزواجهن المشركين فراراً بدينهن، ولا ريب أيضاً أنهن كن يتلقين مساعدات من بعض مؤمنى الأنصار الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. ولا ريب أن المنافقين وجدوا فرصتهم فى تشويه ذلك العمل النبيل بإشاعة قصص كاذبة عن علاقات آثمة بين أولئك المؤمنين والمؤمنات من المهاجرات والأنصار.. إن هذا التصور لفهم آيات سورة النور عن موضوع الإفك يستند إلى فهم حقيقى للظروف التاريخية الواقعية للسنوات الأولى لاستقرار المجتمع المسلم فى المدينة حيث تم التآخى بين المهاجرين والأنصار ونزلت سورة النور بتشريعات اجتماعية تنظم السلوكيات داخل هذا المجتمع، وكان ذلك قبل غزوة بنى المصطلق بعدة سنوات ، فليس ما جاء فى هذه السورة أدنى علاقة بتلك الأسطورة التى حاكها البخارى وكتب الحديث عن عائشة ومسيرتها المزعومة مع النبى فى الجيش. ويؤكد ذلك أن آيات سورة النور تتحدث عن اتهام جماعة من أهل المدينة لجماعة من المؤمنين الأبرياء، تتحدث عن جماعة ظالمة اتهمت جماعة بريئة، تتحدث عن مجموعة ولا تتحدث عن ضحية واحدة وإنما عن مجموعة من الضحايا البريئات . سورة النورلا تتحدث عن أم المؤمنين عائشة، ولو كان لها علاقة بحديث الإفك لنزل ذلك فى القرآن صراحة، فقد عهدنا القرآن أكثر اهتماماً بكل ما يخص بيت النبى وأمهات المؤمنين . فقد تحدث عن أمهات المؤمنين وبيت النبى فى سورة الأحزاب وفى سورة التحريم وخاطبهن مباشرة فى أمور أقل خطراً من ذلك الاتهام المزعوم لعائشة . ولكن القرآن فى سورة النور لا يشير مطلقاً إلى عائشة أو أى واحدة من نساء النبى وإنما يتحدث عن عموم المؤمنين فى حادث إفك اهتزت له المدينة فى أول العهد بها وقد تكدس فيها المهاجرون والأنصار لأول مرة.. ولنراجع معاً آيات سورة النور.. تبدأ السورة بتقرير عقوبة الزنا (وهى الجلد لا الرجم)، ثم عقوبة رمى المحصنات ثم قضية التلاعن بين الزوج وزوجته، ثم تدخل السورة على حديث الإفك بتقرير نفهم منه شيئين: 1ـ أن عقوبات الزنا وقذف المحصنات له علاقة مباشرة بالحديث التالى عن الاشاعات التى راجت فى المدينة وقتها . 2ـ أن حديث الافك ليس خاصا باحدى نساء النبى وانما هو أمراشترك فيه جماعة من المؤمنين اتهموا جماعة اخرى من المؤمنين اثما وعدوانا . وهذا لايجوز فى اخلاقيات المجتمع المسلم الذى ينزل عليه الوحى القرآنى. فى ذلك يقول الله تعالى يخاطب المؤمنين جميعا فى المدينة: ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم﴾ فالخطاب هنا عام للمؤمنين جميعاً، فليس ذلك الحديث الإفك شراً للمؤمنين بل هو خير لهم لأنه بسببه أنزل الله فى السورة التشريعات التى تنظم الحياة الاجتماعية للمسلمين حتى لا يتكرر المجال للتقولات والإشاعات. ثم تقول الآية التالية تتحدث عن عموم المؤمنين أيضاً ﴿لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين﴾ إذن هى تهمة عامة تمس مجتمع المسلمين جميعاً وكان ينبغى عليهم أن يرفضوها وأن يظنوا بأنفسهم خيراً، وتمضى الآيات على نفس الوتيرة تخاطب جموع المسلمين لأن المظلومين جماعة والذين ظلموهم جماعة أخرى ، وقد تداول المسلمون أقوال الظلمة بدون تروٍ أو تدبر، تقول الآيات ﴿لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون. ولولا فضل الله عليكم ورحمته فى الدنيا والآخرة لمسكم فى ما أفضتم فيه عذاب عظيم. إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم. ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا إفك عظيم. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين. ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم﴾. ولأن المظلومين مجموعة والظلمة أيضاً مجموعة تقول الآية التالية ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ فالمنافقون أرادوا بتوزيعهم التهم على مجموعات المؤمنين أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف (التوبة 67) وتوعدهم بالعذاب الأليم فى الدنيا والآخرة. وينهاهم رب العزة عن اتباع خطوات الشيطان، ثم تلتفت الآية لبعض المحسنين الذين توقفوا عن الصدقة مخافة أن تلوكهم الألسنة ﴿ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وليعفوا وليصفحوا..﴾. ولأن المظلومين جماعة من المسلمات العفيفات فإن الله توعد الظلمة بعذاب شديد ﴿إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فى الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم﴾. ونتوقف مع كلمة "المحصنات الغافلات" فهى الموضع الوحيد فى القرآن الذى أتت فيه صفة الغفلة بمعنى السذاجة وطيبة النية، وما عداه فإن صفة الغفلة تلحق بالذى يعرض عن الحق ويلهو عنه. ووصف المحصنات البريئات بالغفلة دليل على أنهن كن يتصرفن بالسجية والفطرة النقية فى التعامل مع الناس، ولو كان مجتمع المدينة خالياً من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض ما لحقت بهن الشبهات والاتهامات. والله تعالى دافع عن هؤلاء المحصنات الغافلات المؤمنات ولعن من اتهمهن فى شرفهن . ثم يقول تعالى ﴿الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم﴾ إذن جاءت البراءة من الوقوع فى الإثم الخبيث لأولئك الطيبات وأولئك الطيبون ولأنهم جماعة قال عنهم ربنا تعالى ﴿أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم﴾. ثم أتت الآيات التالية تتحدث عن تشريع الاستئذان حتى لا يتكرر دخول بعض الناس بلا إذن كما كان مألوفاً فى الجزيرة العربية، وحتى لا يكون هناك مجال للشبهات والأقاويل، ثم توالت التشريعات الاجتماعية فى الزى والنكاح.. وذلك هو الخير الذى قالت عنه الآية الأولى فى موضوع الإفك ﴿لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم﴾. ويبقى السؤال: ما علاقة عائشة بذلك كله؟. لا شىء.. لقد جرت أم المؤمنين عائشة على نفسها نقمة الكثيرين بسبب دورها فى الفتنة الكبرى وموقعة الجمل. لذا تخصصت طوائف من الشيعة الهجوم عليها واتهامها فى شرفها، وكل الأحاديث المفتراة التى تهتك حرمة رسول الله كان النصيب الأكبر فيها لعائشة.. ومن يقولون أنهم أهل السنة يدافعون عن تلك الأحاديث ويعتبرون نقدها وتبرئة الرسول وأهل بيته منها إنكاراً للسنة..!! ويكفينا أن الجميع لا يزالون حتى الآن يربطون عائشة بحديث الإفك منهم تصديقاً لمفتريات ما يسمى بالمصدر الثانى.. هل كان لدى النبى متسع ليكون كما وصفته تلك الأحاديث؟ لقد جعلت تلك الأحاديث من قوة النبى الجنسية قضية نضطر لمناقشتها لتبرئة ساحة النبى منها. لقد تزوج النبى وهو شاب من خديجة وهى تكبره فى العمر وظل مخلصاً لها فى حياته طيلة فترة شبابه، ثم تعددت زيجاته وهو بعد الخمسين لغير سبب الشهوة.. وماذا يبقى للإنسان بعد الخمسين خصوصاً إذا كان يحمل هموماً ومسئوليات ينوء بحملها عشرات الرجال الأشداء؟ ولنتذكر كيف كان يواجه أعداءه من مشركين ومنافقين ، وكيف تنوعت هذه المواجهة بين مؤامرات وغزوات وحصار، ثم كيف كان مسئولاً فى هذا السن عن إقامة دولة وتأسيس أمة ونشر دعوة وتكوين مدرسة وإعداد قادة . وذلك جميعه أقامه رجل واحد فى العشر سنوات الأخيرة من حياته، تلك العشر سنوات التى ملأتها كتب الأحاديث بروايات تصوره شخصاً آخر لا اهتمام له إلا بالجماع وصحبة النساء. لقد كان النبى تكاد نفسه تذهب حزناً على عناد قومه ومكرهم، ويحمل الدعوة فى قلبه قبل جوارحه وينشغل بها وبإدارتها مع تبليغه الرسالة وتكوينه الدولة وإعداده للمدرسة التى تربت على هديه، فهل يتبقى فيه متسع بعد ذلك كله لأن يكون كما تصوره لنا كتب التراث؟ يكفينا ما أشارت إليه سورة الأحزاب فى الخطاب المباشر لنساء النبى من رب العزة، فقد أردن التمتع بحلال الدنيا شأن كل النساء فى المدينة، وكانت النتيجة أن الله أمر النبى أن يخيرهن بين تحمل البقاء معه أو أن يطلقهن ﴿يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما﴾ (الأحزاب 28: 29) القرآن يحرص على حرمة بيت النبى التى هتكتها أحاديث البخارى: مهما بلغت دناءة الإنسان فإنه يرفض أن يقتحم الناس أسرار بيته أو علاقة والده الجنسية بوالدته . والعادة لدينا نحن أهل العروبة والإسلام أن نستنكف من كشف أسماء النساء من العائلة، ولكننا فى نفس الوقت لا نرى تحرجاً من الإيمان بأحاديث البخارى التى تطعن فى بيت النبى ونسائه وتهتك حرمته وحرمتهن وتجردهم من ملابسهم عراة أمام عقولنا.. ومعذرة للتعبير.. على المسلم الذى يقرأ هذا الكتاب أن يختار بين شيئين لا ثالث لهما: 1ـ اما أن ينتصر للنبى محمد الذى ظلمه البخارى بتلك الأكاذيب المفتراة ، وقد فعل البخارى ذلك عمدا وعن علم ودراية بما يفعل . وهذا واضح لكل ذى عقل ناقد وفهم لحرفة الكتابة والتأليف. والانتصارللنبى عليه السلام يعنى شيئا محددا هو أن يرفع المسلم صوته ـ ان لم يستطع الكتابة ـ معلنا للناس أن البخارى عدو لله تعالى ورسوله لينبه المسلمين الى هذه الحقيقة وليدلهم عليها ويدعوهم الى قراءة البخارى وطعنه المستمر والمستتر لخاتم النبيين. 2 ـ واما ان يوالى البخارى فى ظلمه للنبى ، أو أن يسكت على ظلم البخارى للنبى رهبة وخوفا وتقديسا للبخارى واسمه ، وهو بذلك يثبت لنفسه والآخرين أنه يعبد البخارى ويقدسه ويبارك أو يسكت على طعنه فى رسول الله عليه السلام. كل منا حر فى اختياره مع حق النبى المظلوم أو مع البخارى الظالم ، وكل منا مسئول امام الله تعالى عن موقفه واختياره . ان الايمان ليس كلمة تقال أو مجرد شعار يرفع أو تعريف يكتب فى البطاقة الشخصية وشهادة الميلاد ، ولكنه موقف عملى عفوى يتخذه كل انسان دفاعا عما يؤمن به ومن يؤمن به. وفى هذا الموقف يكتشف كل انسان حقيقة ايمانه وواقع توجهه العقيدى .وبذلك فهذا الكاتب هو كتاب كاشف لكل مسلم عن خبايا نفسه اذ يضعه فى مواجهة صريحة مع الذات قبل أن يفوت الأوان. المؤمن حق الايمان بالله تعالى ورسوله يحدد موقفه من الآن مهتديا بقوله تعالى عن خاتم النبيين " النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه امهاتهم : " الأحزاب 6" فاذا كان المؤمن يغضب اذا انتهك بعض الناس خصوصيات امه وابيه واسرارهما الجنسية والشخصية او قام بفضحهما بقصص ملفقة على الملأ فان الواجب عليه كمؤمن ان يغضب لنبى الاسلام المظلوم عليه السلام الذى فضحه البخارى بتلك الأكاذيب امام العالم كله ومنذ اكثر من 12 قرنا من الزمان.