آخر الأخبار

لوباتشيفسكي

قصة الهندسة -19
يتوجب على أن أتحدث و لو بكلمات قليلة عن الأعلى و الأغلى:
نيقولاي إيفانوفيتش لوباتشيفسكي...
ولد لوباتشيفسكي في الأول من كانون الأول (ديسمبر) للعام 1792 في عائلة
فقيرة و توفي أبوه و هو في السابعة من العمر. كان نيقولاي طالبا متفوقا
خلال دراسته الثانوية و دخل جامعة كازان الإمبراطورية عام 1807 حيث درس
"العلوم" (= الرياضيات)... هذه الجامعة كانت جامعة منفتحة على الغرب
رغم أنها أنشئت في ظل الإمبراطور الرجعي ألكسندر الأول (حاكم روسيا ما
بين 1801 و 1825). و دليلنا على ذلك هو أن أحد مدرسي لوباتشيفسكي كان
الألماني بارتلس، مدرس غوص، و قد تحدثت عنه مرات عديدة سابقا، خصوصا
حين تحدثت عن غوص و عن بولايي.

في هذه الجامعة كان الجو جوا علميا بامتياز، و كان الروح روحا طلابية
مرحة -بل أكاد أقول: ثورية. و من القصص التي تروى عن لوباتشيفسكي -و
أنا أعجز عن أن أجد لها توثيقا مقنعا لكني قرأتها عرضا- أن لوباتشيفسكي
حين كان طالبا فإنه أدخل لحرم الجامعة بقرة و قد ألبسها رداء المدرسين
-يعني تعبيرا عن احتقاره لغبائهم، أو بالأحرى لغباء الكثيرين منهم: هو
حتما لم يكن يعتبر بارتلس غبيا.

و من طالب في تلك الجامعة تحول لوباتشيفسكي فصار مدرسا، و عانى خلال
حياته التدريسية من رجعية الإمبراطور ألكسندر الأول الذي راح يحارب
النفوذ الغربي في روسيا معتبرا أن كل ذلك العلم و المعرفة الغربيان
إنما يهدفان لنشر الفلسفات التي أنتجت الثورة الفرنسية .
لكن لوباتشيفسكي كان أيضا "سياسيا" فهيما، فهو تمكن من تخطي رجعية و
غباء الإمبراطور ألكساندر الأول و بقي في تلك الجامعة -رغم تاريخه
"المشاغب"- لا بل و صار عميدا لها، و تعتبر فترة عمادة لوباتشيفسكي
لجامعة كازان إحدى أعظم فتراتها -رغم أنه لم يكن قد خرج وقتها بنظريته
عن المتوازيات... أما اليوم، يعني بعد أن اكتشفنا جميعا نظريته
العبقرية في موضوع المتوازيات، فالجميع يعتبر أن جامعة كازان أنجبت
عالما عظيما يعلو فلا يعلى عليه، و هو أيضا كان عميدا لهذه الجامعة.

دعني أختم بكلمات بسيطة تمثل استعادة لما سبق لي و قلته...

1- أنا عرضت نماذج مرسومة لمسلمة لوباتشيفسكي تجعل من هندسته هندسة
بديهية بحيث أن أغبى البشر يفهمها. لكن لوباتشيفسكي لم يكن
يمتلك ذلك النموذج، هذا النموذج لم يظهر إلا مع العالم الفرنسي الكبير
هنري بوانكاريه... لوباتشيفسكي كان مضطرا أن يعمل من دون رسوم هندسية،
و منه عظمة عمله.

2- لوباتشيفسكي لم يبرهن صحة هندسته: البرهان جاء مع عمل بوانكاريه
إياه، لكن لوباتشيفسكي دفع بنظرياته و نتائجه للغاية القصوى، فلم يعد
أمام الرياضيين إلا أن يثبتوا صحة ذلك أو خطئه، فجاء نموذج بوانكاريه
كي يثبت الصحة.

3- هناك جملة تنسب للوباتشيفسكي، و يحق لنا أن نقتبسها و إن كنت لا
أمتلك أي برهان على صحة انتسابها إليه... يقال أن لوباتشيفسكي و بعد أن
أنجز هندسته -من دون أن يبرهن صحتها، أليسه؟- فإنه قال:
"أليس حراما أن تكون هذه الهندسة خاطئة؟"

بلى يا سيدي، هذا كان سيكون حراما... و هو لم يكن!