لم يعد خافيا على احد,بان الوضع العربي في أرذل أطواره , وحالنا العربي رغم ضخامة التسميات الشكلية, والتي إن أردنا ترجمتها, فعلينا إتباع قاعدة باتت تشبه النظريات, اقلب الشكل والمسمى يكون الناتج هو المضمون, قمة يعني مستنقع وحضيض, جامعة يعني شتات وضياع, بالضبط إن أردنا تسمية الأشياء بمسمياتها, شكلا ومضمونا, فكما الصعود إلى الهاوية,وقد باتت القمم تترجم قمة المأساة العربية, وأضحى الوفاق ووحدة القضية في خبر كان, ولم يبقى من القمم سوى اسمها, والانجاز العبثي الذي يتحدثون عنها بدورية تلك القمم , ماهو إلا روتين لعرض بضائعنا العربية النتنة, لان القمة على غرار قمم الاتحاد الأوروبي, تحمل مفارقات قمة في السخرية العربية, بل الأكثر سذاجة وسخرية هو أن تعول الشعوب العربية, على تلك المظاهرة الرسمية العربية, لأنها في واقع الحال أصبحت ظاهرة من إثارة كل بواطن الفتن حينما تقترب أي قمة, تظهر كل تناقضات وخلافات الزمن البائد المكدسة والمسكنة, ليتم في تلك المظاهرات تحديثها, وكان ذلك الجمع المكون من 22 دولة ومملكة, تستنفر كل أحقادها وترهاتها العربية_ العربية كلما اقتربت تلك الدورية الروتينية الهزيلة.
نودع قمة ونستقبل أخرى, وحالنا العربي من سيء إلى أسوء, والسوء صنيعة عربية بامتياز, كل عام يطوي في ثناياه مأساة عربية, ليطل علينا العام التالي بجديد الماسي, وكان القائمين عليها, ينشغلوا طوال العام في إعداد العدة من اجل أن تكون نتائج القمة التالية أردى من سالفاتها,والأكثر غضاضة ومرارة, أن البعض منا يتوقع أن تتخذ قرارات مصيرية على مستوى الأخطار الخارجية التي اجتاحت المجتمعات العربية, بل الأكثر سخرية هو سقف توقعات لإمكانية اتخاذ قرارات ذات قيمة أكثر من أوراق سلة المهملات, فيما يتعلق بالقضية العربية أو ما كان يسمى بقضية العرب المركزية(( الصراع الفلسطيني_الصهيوني)), فجمع عربي بهذه الردة والرداءة, وبهذا الانشطار والأحقاد, عاجز بنسبة مائة بالمائة لان يصلح ذات بينه, قبل أن يتوقع منه التخندق في مواجهة الأخطار الخارجية التي داهمت معظم العواصم العربية من حيث يعلمون ومن حيث لايعلمون, وبات الهم الأكبر مستوردا برسم "الإرهاب" و"الديمقراطية" أزمات ونكسات عربية, تحتاج في الواقع إلى أكثر من مفهوم القمة التقليدي, وربما عالمنا العربي بحاجة إلى جامعة القاعدة الشعبية, وليس إلى جامعة الأنظمة الرسمية, لأنه في واقع الأمر قضايا الجامعة على المستوى العربي هي قضايا وخلافات رسمية, والهم الشعبي الذي يرنوا إلى الوحدة في مواجهة أعداء الأمة هموم استثنائية, وليس أدل على ذلك من أن التناقض الرئيسي لم يعد مع الخطر الصهيوني الذي غزا العديد من عواصمنا العربية, سواء بمعاهدات أو حتى بهرولة تطبيعية تطوعية, وأصبح التناقض الرئيسي هو الخلافات العربية العربية, وليس مستغربا أن يصبح الكيان الصهيوني في مناسبات قادمة, وسيطا للعلاقات العربية العربية, كما هي بعض الدول العربية أصبحت وسيطا للعلاقات الصهيونية العربية.
وتأتي قمة"دمشق" وهي ليست قمة طارئة تنادت بها الدول العربية من اجل حسم قضايا مصيرية في زمن رخص المصير المشترك, بل قمة روتينية"دورية" وحتى إن العمل جاري على قدم وساق رغم الانهيار العربي, وذلك لتجريدها من شكلها ومضمونها, فلن تكون بمعنى القمة, لأنه يفترض أن يحضرها كل الملوك والرؤساء العرب, والادعاء بانشغال الزعماء في هموم أخرى لهو الماركة المسجلة للانهيار, فما فائدة أن يتغيب رئيس عن حاجة امة تتعرض لأرذل مشاهد الهوان, والتي يتطلب أن يحضر صانع القرار من اجل, اتخاذ قرارات مصيرية, أو حتى مناقشة أمور إستراتيجية, بل تأتي القمة الروتينية في إحدى العواصم العربية"دمشق" دولة الضيافة للمظاهرة السياسية العربية, لتصبح المتهم الأول في أسباب كل الأزمات العربية, وتحديدا في فلسطين ولبنان, فلبنان الدولة بلا رئيس, وأصابع الاتهام تشير إلى دور دمشق في خلق العقبات أمام الأغلبية "الموالاة" في التوافق مع الأقلية"المعارضة" للتوافق على "العماد ميشيل سليمان" كرئيس للجمهورية أو انتخابات رئاسية, ودمشق بدورها تنفي أن يكون لها أي تدخل في الشأن الداخلي اللبناني, دمشق يشار لها ببنان الاتهام,أنها تقف خلف الانقسام والاقتتال الفلسطيني الفلسطيني, والقيادة السورية تنفي أي علاقة لها بالفتنة الواقعة في فلسطين, دمشق أصبحت الحليف الرئيس إن لم يكن الأوحد على مستوى الجامعة العربية للعلاقة مع "طهران" واعتبار إيران خطرا إقليميا بمشروع هيمنة زاحف على المنطقة العربية.
وكل هذا يجعل"دمشق" في وجه العاصفة العربية والدولية, ولعل الجميع يلامس كيف يتجسد المشهد السياسي والعسكري الغربي المرشح للانفجار في وجه دمشق, محكمة دولية أعدت خصيصا من اجل"إدانة دمشق" وأساطيل حربية تتجمع إضافة للقواعد والجيوش الغربية التي تعج بها المنطقة العربية, وفوق كل هذا عدو صهيوني, يقرأ جيدا هذه المعادلة ويتربص للانقضاض على دمشق وعلى القوى الموالية لها في لبنان وفلسطين,, هكذا هو المشهد الذي يأتي متزامنا مع القمة الروتينية الحالية, والتي يتوقع أن يتغيب عنها العديد من الملوك والرؤساء, ليس لمشاغل وطنية كما يدعى, بل لخلافات ذروة في التأزم, وبالتالي فان نتائج القمة إن أردنا تخيلها وفق هذه المعطيات, مجرد حضور عالي ومتدني لرفع العتب, وسيلمس الجميع وجوها متجهمة مكفهرة, ستعد الثواني والدقائق, للانتهاء من تلك الطقوس واحتمال الحضور على مضض, وان كانت هذه القمة هي مخصصة للقضية الفلسطينية, وبهذه المعطيات, فهي ستكون مسمارا أخر في نعش مركزية القضية, هذا إن لم يحدث في أجوائها أو على هوامشها خروجا عن التقليد والمألوف, لتحدث بعض الاحتكاكات والتراشقات الغير متوقعة, وهذا مالا نتمناه , لذا كان من المفضل تأجيل هذه القمة لتخرج من طور قدسية الموعد, لتكون الظروف العربية المحيطة هي الأقدس, وهي الأضمن لإمكانية تحقيق أي اختراقات على مستوى الهم العربي الجماعي.
وربما لا اخفي قلقي كمراقب وقارئ لما بين سطور الأحداث, وأخشى أن تكون هذه القمة عبارة عن صاعق لتفجير مزيدا من الانهيار العربي, بل الأكثر خشية أن تكون القمة بمجرد انتهاء طقوسها, إيذانا بمنعطف ينقسم فيه الجمع العربي إلى عدة تصنيفات, فيما لو بدأ حسم تعيين الرئيس اللبناني بالأغلبية ودون توافق, وتحدث الصدامات المتوقعة في لبنان, وحتما يحدث التدخل الغربي بقوة لدعم قرار الأغلبية,لان الأزمة قبل أن تتحول إلى صدام تم رفض تعريبها, وتكون العديد من الدول العربية بتصنيفين لاثالث لهما, فريق مع شرعية الأغلبية وفريق محايد, وبالتالي تكون القمة هي قمة الانفجار, أو قمة المنعطف, حيث تزول قوى وتصعد أخرى, وتسجل كارثة الجميع في غنى عنها, رغم أنها تقترب بكل المعطيات والحسابات.
نتمنى أن يتم تدارك إمكانية حدوث أي مضاعفات , وعدم التراشق لاحقا فيمن تسبب في فشل تلك القمة التي تأتي في ظروف عربية لانحسد عليها, فكل قممنا فاشلة, وكل ما نتمناه ألا يضاف للخلافات خلافا, وألا يزيد الشرخ اتساعا بما يسمح لزيادة هامش الافتراس الصهيوني الغربي لكل ثوابتنا, ولفرض مزيدا من الهيمنة والاملاءات على شعوبنا ومقدراتنا, فالوضع العربي بحاجة إلى معجزة وليس قمة لتفادي الظلام الحالك الذي يلوح في الأفق العربي.
لذا فإنني ومن واقع الإحباط العربي العام, لا أتوقع أكثر من كون الانجاز والتحدي الوحيد لهذه القمة, أنها عقدت في زمانها ومكانها المحدد, هذا إن عقدت ولم تحدث مفاجئات تعصف بالمنطقة, لذا ندعو أن تمر هذه القمة على خير, دون منغصات تزيد السيئ سوءا وتزيد التوتر توترا, وكما أننا لم نعلق آمالا على سابقاتها في ظروف اقل توترا, فإننا لا نتوقع أي طفرة ايجابية بمستوى الانهيار والشتات العربي.