التوحد بتعريفه هو اضطراب نمائي شامل يصيب الأطفال في الثلاث سنوات الأولى من العمر ويؤدي لصعوبات واضحة في التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي، اما أسباب ظهوره والإصابة به فما زالت مجهولة ايضا.
من أهم صفات الطفل التوحدي أنه يردد الكلمات دون فهم معناها، يجد صعوبة في التعبير عن احتياجاته حتى بالإشارة، يميل إلى الانعزال الاجتماعي، ويفضل الجلوس لوحده، يصاب بنوبات صراخ وبكاء لأسباب غير واضحة، يصر على تدوير الأشياء غير المخصصة للدوران، يعاني من ضعف في إظهار العواطف وحساسية زائدة للأصوات وعدم إحساس بالألم أحياناً، وعدم التواصل البصري مع الآخرين، يهتم بالأشياء ولا يهتم بالأشخاص ويقاوم التغيير ويلعب بطريقة غريبة ويبدو كأنه أصم .
غياب المسوحات
تشير الإحصائيات العالمية بأن نسبة الإصابة بالتوحد هي واحد من بين كل 500 طفل، وتزداد الإصابة بين الذكور عن الإناث بنسبة 4/1 .
يقول المدير الفني لمركز التوحد في اللاذقية شوقي غانم والمختص بالإرشاد النفسي: أن نسبتهم في سوريا مازالت مجهولة وغير معروفة بسبب عدم وجود مسوحات خاصة بالتوحد، خاصة وأن مثل هذا المسح مكلف جداً ويحتاج إلى فريق مدرب تدريباً خاصاً جداً للكشف عن تلك الحالات فهنالك الكثير من المختصين في مجال الصحة والأمراض النفسية والعقلية يخلطون بين أعراض التوحد والتخلف العقلي والأمراض النفسية الأخرى .
ويضيف بأنه من خلال الحالات التي راجعت مركز التوحد في اللاذقية تبين أن هنالك 40 حالة طفل توحد مثبتة، طبعاً هذا الرقم لا يعبر عن الواقع أو الرقم الحقيقي، لأن الأمر يخضع للعديد من العوامل أهمها أن الكثيرون لا يعلمون بوجود مركز أو جمعية للتوحد في اللاذقية لتوصيف حالات أبنائهم الذين يعانون من أعراض متشابه، الخلط بين حالة التوحد والحالات الأخرى من قبل الأهل وحتى من بعض المختصين فيحكمون مثلاً على طفل بالتخلف العقلي وهو توحدي و كأن الأمر سيان بين الاثنين، وعدم وجود هيئة متخصصة للقيام بالمسوحات اللازمة والتي يجب إيجادها من وزارت الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والمكتب المركزي للإحصاء وهيئة تخطيط الدولة، وذلك لضرورة معرفة عدد الأشخاص المصابين الذين يمثلهم طيف التوحد في سوريا والذي يفيد بمعرفة عدد المراكز التي نحتاجها في القطر لرعاية المصابين، والتي ستعمل على تدريب التوحدين وتأهيلهم لتوظيف قدراتهم ودمجهم بالمجتمع كي يستطيعوا الاعتماد على أنفسهم.
في مقر الجمعيه
معاناة الاهل
ومن خلال اللقاء مع العديد من أهالي الأطفال المصابين بالتوحد وصفوا حجم المعاناة التي يتعرضون لها مع أولادهم حيث كانوا في البداية تائهين تتلاطمهم الأمواج لا يعرفون ما هو التوحد ولا كيفية التعامل معه والذي يحتاج إلى متخصصين ومدربين غير موجدين أصلاً من هنا ولدت بذرة اللقاء بين أهالي أطفال التوحد الذين يعانون نفس المعاناة، هؤلاء أدركوا أنهم منفردين لن يستطيعوا الوصول إلى نتائج ولن يقدروا على تأمين المختصين للتعامل مع أبنائهم، فكان لا بد من عمل مؤسساتي جماعي، ومن هنا نشأت فكرة تشكيل جمعية من أهالي أطفال التوحد.
جمعية التوحد
تقول شهيدة سلوم رئيسة جمعية التوحدالصورة): تهدف الجمعية لتأمين الرعاية التربوية والصحية والاجتماعية للمصابين باضطراب التوحد والعمل مع الجهات المعنية لدمجهم في المجتمع، التعريف باضطراب التوحد ونشر الوعي عنه من خلال حملات التوعية والندوات والمحاضرات، القيام بدراسات مسحية حول اضطراب التوحد في مدينة اللاذقية، وكشف وتشخيص الأطفال المصابين بالتوحد مجاناً، وتقوم مؤسسة كريم رضا سعيد (مؤسسة خيرية لمغترب سوري أسسها في لندن إكراماً لذكرى ابنه كريم الذي كان يعاني من التوحد) بالعمل على برنامج الإعاقة حول سوريا كما تقدم خبرتها للعديد من دول العالم في هذا المجال ومجاناً، وتدريب كوادر العمل والأهل لطريقة التعامل مع أطفال التوحد، وتقديم برامج التوحد وفق أحدث البرامج العالمية .
وذكرت أن من أهم الصعوبات التي نعاني في عملنا أن الجهات المعنية لا تقوم بدورها حسب المراسيم والأنظمة الصادرة مؤخراً، والتي لم تخرج لحد الآن من الورق الذي كتب عليه، خاصة فيما يتعلق بمسألة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع، وهو موضوع ضخم لكن لم يطبق بشكل فعلي ومدروس، فالبنية التحتية للدمج غير متوفرة حالياً في مدارسنا، والذي يحتاج لتأهيل المدراء والأساتذة والطلاب للتعامل مع حالات الإعاقة.
الأعباء المالية
ولا بد من التنويه بأن التعامل مع الطفل التوحيدي مكلف جداً للجمعية وللأهل، فالطفل الواحد يكلف ما يفوق20 ألف شهرياً يدفع الأهل منها 10 % والبعض لا يستطيع الدفع بسبب الوضع المادي تتكفل الجمعية بباقي المبلغ . ولدينا حالياً 22 طفل وهي القدرة القصوى للاستيعاب لضيق المكان، حيث لا يجوز وضع أكثر من 6 أطفال في صف واحد حسب المعايير العالمية، وهنالك العديد من الأطفال على لائحة الانتظار، ريثما نتمكن من الانتقال إلى مكان أوسع وبشروط صحية أفضل .
وأضافت بأن السيدة أسماء الأسد زارت مركز التوحد باللاذقية ووجهت الجهات المعنية بمساعدة الجمعية، لكن تلك الجهات لم تقدم أي مساعدة بل حاول البعض وضع العصي بالدواليب لعرقلة عملنا.
تقول فاديا نضوة (الصورة)والدة الطفل فادي : العمل من خلال الجمعية فتح لنا طاقة أمل بعدما كنا نركض تائهين يتقاذفنا القدر من طبيب إلى آخر ، فبعد قدوم أبني إلى الجمعية تغير كثيراً نحو الأحسن .
أما آمال بركات(الصورة) والدة الطفل معتز : إن وجود الجمعية نظم العمل، فأولادنا إن لم يكونوا منظمين يمكن اعتبارهم في وضع منفلت تماماً، لأن المدارس ليس وسطاً مناسباً لأولادنا، فهم يحتاجون إلى طرق خاصة جداً في التعامل، وإلى معلومات تدخل إلى ذهنهم بطريقة سهلة ومنظمة تتناسب ومستوى تفكيرهم، فهدف الجمعية تأهيل الأطفال كي يصلوا إلى قدر مقبول ومعقول من الاعتماد على الذات والاندماج بالمجتمع.
قلة الوعي والاهتمام
ويشير الدكتور وائل علي (الصورة)طبيب المركز ولديه أيضاً طفل توحدي أن الصعوبة تكمن في قلة الوعي الاجتماعي باضطراب التوحد، والبعض يلجأ لعزل طفله وهذا يزيد من عزلته الموجودة أصلاً، بينما مساعدة المجتمع له وتقبله تزيد من تطور وتحسن حالته، فهنالك الكثير من حالات التوحد الإبداعية، فالطفل التوحدي لديه ذكاء كبير لكنه غير مستغل وغير موظف وهنا يكمن دورنا في توجيه وتوظيف طاقاته .
وأضاف بأن الوزارات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل معنية بالأمر لكنها لا تقوم بما هو منوط بها في هذا المجال فالتربية في مجال الدمج وتأهيل الكوادر وتفعيل دور الإرشاد النفسي بالمدارس، نشر الوعي حول الإعاقة، كما يجب إدخال اضطراب التوحد في إطار برامج وزارة الصحة النفسية وتأهيل الكوادر للتعامل مع هذه الحالات في المراكز الصحية ، أما وزارة الشؤون الاجتماعية فمن المفروض أن تؤمن لهؤلاء فرص حقيقية للتعليم والتربية وان تؤمن مراكز وكوادر مدربة لهكذا نوع من الجمعيات .
(نشر هذا التحقيق في سيريا نيوز)-الصور لعاطف عفيف