تروي السفيرة الاميركية في بغداد عشية غزو الكويت في العام 1990 ابريل غلاسبي ذكرياتها عن «الخدمة» في كل من بغداد ودمشق. وتُقارن، في الحلقة الثانية من حديثها الى «الحياة»، بين شخصيتي زعيمي جناح حزب «البعث» في كل من سورية والعراق. وبدت غلاسبي معجبة بشخصية الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وقالت رداً عن سؤال عن مقارنة الطرفين ومعاونيهما «انهما مختلفان تماما. فالكل حول الرئيس الأسد كان يحترم سلطته والأسد كان أذكى وأبرع من أن يطلب من المحيطين به أن يقولوا له نعم كل الوقت».
وتحدثت «السفيرة المتقاعدة» الخبيرة بشؤون الشرق الاوسط عن رؤيتها للموقف في العراق والشرق الأوسط وقالت «أنا على قناعة حقيقية بأن المفتاح الوحيد لجعل الأمور تتطور ايجاباً في الشرق الأوسط يبقى فلسطين، بسبب تأثيرها في المنطقة». واشارت الى انه اذا ما تحقق أمر ما على الصعيد العربي - الاسرائيلي، فلن يعود باستطاعة أشخاص مثل اسامة بن لادن، ضرب المدنيين العرب باسم فلسطين... وشدّدت على الحاجة الى ديبلوماسية بالغة الشجاعة وإلى قادة وإلى اجتماع مماثل لذلك الذي اقترحته لجنة بيكر - هاملتون «الذي ينبغي ان يضم مسؤولاً ايرانياً رفيعاً وينبغي اشراك الجميع وعدم استبعاد الأتراك عن التعامل مع الموضوع العراقي وعدم تغييب المشكلة الاسرائيلية - العربية».
ومن أبرز ما لاحظته غلاسبي ان «الايرانيين كانوا يبنون «حزب الله» تحت انوفنا منذ العام 1984»، وقالت: «لم نكن ندرك ان الإيرانيين أقاموا دائرة للخدمات الاجتماعية في البقاع منذ 1984، وأنهم كانوا يتولون أمر المرضى والمسنين في المنطقة. وكانت السفارة الايرانية على مقربة من السفارة البريطانية في دمشق وفجأة ارسل الايرانيون سفيراً كان يعرف باسم رجل المهمات القذرة في طهران وكانت النكتة الشائعة عنه انه يمكن ان يفتح عن طريق الخطأ رسالة فخخها بنفسه... وبعد وصوله كنا نرى ارتالاً من السيارات التي تحمل لوحات لبنانية وتنقل اشخاصاً مثل نصرالله (السيد حسن نصرالله) وغيره. فكان يعمل على تأسيس «حزب الله» تحت انوفنا وكنا نرى ذلك». وفي ما يأتي نص الحلقة الثانية والأخيرة من الحديث:
> من الذي وبّخك؟
- رئيسي هو الذي وبّخني. وأنا على قناعة حقيقية ان المفتاح الوحيد لجعل الأمور تتطور ايجاباً في الشرق الأوسط يبقى فلسطين، بسبب تأثيرها في المنطقة. والبعض في الغرب لا يتفهم مدى عمق هذا التأثير في المنطقة وليس فقط على الدول المجاورة. فـ «التطرف الإسلامي» هو نوع جديد من الكولونيالية التي تسعى لأن تفرض على العالم العربي فكرة، لا تتيح للشعب العربي حرية وإمكانية تحديد طريقه في ظل التسامح واحترام الآخر. واذا ما تحقق أمر ما على الصعيد العربي - الاسرائيلي، فلن يعود باستطاعة أشخاص مثل اسامة بن لادن، ضرب المدنيين العرب باسم فلسطين، كما ان الفلسطينيين لن يقبلوا بذلك. هذا بالإضافة الى الاستقرار الذي سينشأ شمالاً وصولاً الى لبنان والعالم العربي. نحن في حاجة الى ديبلوماسية بالغة الشجاعة والى قادة والى اجتماع مماثل لذلك الذي اقترحته لجنة بيكر - هاملتون. لكن الأمر لن يقتصر على اجتماع واحد، إذ ينبغي مثلاً الاجتماع والتباحث مع مسؤول ايراني رفيع وينبغي اشراك الجميع وعدم استبعاد الأتراك عن التعامل مع الموضوع العراقي وعدم تغييب المشكلة الاسرائيلية - العربية. وقد دهشت بالأصوات البالغة الشجاعة التي ارتفعت في الصف الفلسطيني وايضاً الاسرائيلي، نحن نحتاج الى هؤلاء الأشخاص للتقدم. خلال سنوات عملي في العالم العربي، كنت أرى اينما توجهت شعارات تقول «وحدة حرية اشتراكية». وبالنسبة إليّ فإن الأكثر أهمية اليوم، هو الحرية بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ. فبعد أحداث قناة السويس، فرح المصريون ليس فقط بهزيمتهم الاستعمار، بل ايضاً لأنهم شعروا بأنهم كسبوا حرية تطوير أنفسهم وتطوير دولهم.
وبعد هذه الأحداث كان الأميركيون بمثابة أبطال لأنهم كانوا ضد الاستعمار، وايضاً بسبب هذا التعطش للحرية الذي كان الأكثر أهمية بالنسبة إلهم. والفرق بالغ بالطبع مع ما يريده ابن لادن، نظراً إلى ضرورة توقد التسامح والاحترام اللذين بدونهما لا يمكن التوصل الى تسوية سياسية واستقرار للأجيال المقبلة.
> بالعودة الى العراق والكويت، ما هو حجم موضوع النفط في الحرب التي خاضها صدام؟
- لا يسعنى سوى ان أتكهن. فأنا لا اعتقد انه كانت للنفط أهمية كبرى على هذا الصعيد. الواقع انه كان يفكر على الشكل التالي: «نحن العراقيين نزفنا من أجلكم وسقط من بيننا مئات بل وألوف من الضحايا في الحرب ضد ايران، وأنتم لم تقاتلوا الى جانبنا، ونحن قمنا بذلك لأجلكم ولأجل العالم كله وعليكم مساعدتنا، فنحن في حاجة الى المزيد من المال».
> لا يزال هناك سؤال لم تجيبي عليه بوضوح، وهو لماذا تعرضت للوم من قبل وزارة الخارجية؟
- لم يلمني الرئيس ولا الناطق الاعلامي ولا زملائي، إذا كان هناك من لامني، فيجب توجيه السؤال اليه. وربما انه إذا استوجب لومي، فإنه لم يكن ليُلام على ما اعتقد.
> لكن لوم جيمس بيكر كان غير عادل لدرجة انه أثار هذا السؤال؟
- لقد قال لنا الرئيس كندي ان «الحياة غير عادلة»، وأنا لا اعرف الرجل ولم التقه ابداً قبل الحرب. لم التق ابداً بيكر في حياتي قبل الحرب. حتى ان المدة الأولى التي تحدثت فيها معه كانت عندما استدعاني الرئيس بوش لمقابلته وكان بيكر حاضراً خلال اللقاء، كانت هذه المرة الأولى التي التقي به.
> عندما التقيته كيف جرت الأمور؟
- لا أعرف كنت أتحدث الى الرئيس. فكان اللقاء مع الرئيس. وقد رأيته مرات عدة لاحقاً، وكان اللقاء مع الرئيس مرضياً جداً.
> ألم يدل بيكر بأي تعليق خلال اللقاء؟
- ليس بوسعي ان أتذكر. كان كولين باول موجوداً خلال اللقاء، وكان رئيساً لهيئة الأركان العامة، وكان ذلك قبل الهجوم الأميركي لإخراج العراقيين من الكويت.
> لماذا قابلتِ الرئيس؟
- أراد الرئيس ان يناقش ما يمكن القيام به في العراق فدعا فريق عمله وطلب مني الحضور.
> الرئيس إذن لم يستدعك ليوبخك؟
- كلا إطلاقاً، فما قاله هو ماذا نفعل الآن؟
> هل كان يقرأ تقاريرك عن العراق؟
- أظن انه كان يقرأ موجزات لها. ففي إطار حكومتنا التقارير التي تأتي من الخارج تُلخص وترفع الى الرئيس كل صباح.
> عندما كان الرئيس بوش يناقش ما يمكن القيام به في الكويت، هل كنت صوتاً مشجعاً له على الهجوم وإخراج العراقيين من الكويت؟
- لن أناقش ما قلته للرئيس لكن من الواضح اننا جميعاً اعتبرنا ان على العراقيين مغادرة العراق فوراً وتحدثنا عما يمكن القيام به.
> كنت تعرفين الرئيس حافظ الأسد، فكيف ترين شخصيته مقارنة بشخصية صدام؟
- لقد خدمت في بغداد ابتداء من سنة 1988 ومن سنة 1985 حتى 1988 كنت في واشنطن حيث كنت مسؤولة في وزارة الخارجية عن سورية ولبنان والأردن. وغادرت دمشق سنة 1985 حيث كنت المسؤول الثاني في السفارة الأميركية في دمشق مع بيل ايغلتون وقبلها مع السفير باغاتيلي. وكنت أعمل مع العديد من اللبنانيين في دمشق. وأمضيت وقتي اراقب عبر الحدود الفوضى التي كانت تعم لبنان. وهكذا تعرفت على وليد جنبلاط ومروان حمادة. كنت مقيمة في دمشق واعتدت على رؤيتهما هناك.
> متى بدأتِ مهامك في بغداد؟
- سنة 1988 غادرت واشنطن الى بغداد.
> بين 1985 و1988 كنتِ تقومين بمهمات في لبنان؟
- كنت أقوم بعمل مكوكي بين عبدالحليم خدام وأمين الجميل الذي كان رئيساً للجمهورية.
> كيف وجدت خدام عندما كنتي تتفاوضين معه؟
- كان شخصاً من الصعب جداً معرفته، كما لو انه يرتدي قناعاً. ويمكنني أن أحكم عليه فقط من خلال ما نعرفه عن تاريخه. فهل تذكرين عندما ضغط على الموارنة الى حد ان أدى ذلك الى انتفاضة؟ كنت أعمل ذهاباً وإياباً في محاولة تنفيذ ما توصل اليه صديقنا الجزائري الأخضر الإبراهيمي، وهو ديبلوماسي رائع، في الطائف. لكن البعض كان يطلب مني القيام بأمور اعتبرتها مستحيلة. وخدام كان مفاوضاً صلباً جداً، حملُه على القبول بتسوية أمرٍ من الأمور كان يأخذ وقتاً طويلاً.
وكنا بدأنا بالعمل انطلاقاً من وضع صعب جداً تضمن مثلاً اقتراحاً بأن أقوم بصوغ دستور للبنان، وكان جوابي هو أنني لا استطيع صوغ دستور لبلدي ولن افعل هذا للبنان. فلم يسبق ان سمعت بأمر على هذه الدرجة من السخف في حياتي، وقلت إن هذا ما ينبغي على اللبنانيين القيام به إذا رغبوا بأن يكون لهم دستور مكتوب.
إذن بدأنا من مواقف متصلبة وانتهينا الى محاولة وضع عناوين لاتفاق وافكار عامة يمكن التفاوض عليها. وأتذكر ان خدام قال لي في وقت من الأوقات: «سوّقي هذا لدى أمين الجميل»، فأجبته ان أمين الجميل ينبغي ان يكون الحكم في شأن ما إذا كان بوسعه ان يسوق هذا لدى شعبه. كما قلت له انه سبق ان ارتكبتم هذا الخطأ في إحدى المرات، فقال خدام: نعم، فهو يمكن ان يكون مسلياً في بعض الأحيان.
> ماذا كان رأيك بأمين الجميل في ذاك الوقت؟
- اعتقد انه كان مفاوضاً جدياً، وكان بالتأكيد قلقاً على بلده. ولم أشعر ابداً انه يعمل لأجل نفسه. وكان لديه مستشارون يثق بهم وإلا لما كانوا الى جانبه، ومنهم مستشارون مثل غسان تويني، وهو شخص من المفيد الاصغاء اليه.
وكان أمين الجميل يحاول بذل كل ما في وسعه من أجل بلده، وكان يدرك أن أي تعديل جدي للدستور من أجل قائد الجيش مثلاً سيكون من الصعب جداً تقبله. وكذلك الأمر بالنسبة، مثلاً، إلى تعديل صلاحيات رئيس الحكومة وتخويله المزيد من صلاحيات الرئيس. فهذه المبادئ كان من الصعب جداً على الطائفة المعنية التسليم في شأنها.
> هل التقيتِ عندها العماد ميشال عون؟
- لم التقه أبداً، ولم تكن لي رغبة بذلك. لم أكن اعتبر أن ميشال عون كان الشخص الذي ينبغي التحدث إليه، إذ أن الشعب اللبناني كان ممثلاً برئيس الحكومة والرئيس، وكانا الشخصين اللذين التقيتهما.
> لكن أمين الجميل عيّنه رئيساً للحكومة؟
- لقد غادرت قبل مدة طويلة من الطائف حيث قام الأخضر الإبراهيمي بعمل ممتاز، فاستدعى الجميع الى هناك بفضل مساعدة كبيرة من السعوديين، وأتم الأمر.
> هل كنت على إدراك في حينه لدور رفيق الحريري؟
- كان الحريري يتردد الى دمشق باستمرار، وكان دائماً يتصل بسفيري وكنت حاضرة دائماً. كان وراء الكواليس، وكان يريد المساعدة فكان هذا بلده ايضاً. وأنا واثقة بأنه شعر بأن لديه الكثير مما يمكن تقديمه عبر علاقاته في مختلف العالم العربي، لكن المشكلة كانت تكمن في ايجاد مفهوم سياسي يحظى بموافقة كل اللبنانيين، وجميعنا اعتبرنا أن الأمور يمكن أن تسوى بهذه الطريقة. كنا نعمل باتجاه الطائف من دون أن ندرك ذلك. وانجزنا عملاً كثيراً.
> هل التقيتِ سمير جعجع؟
- لا أبداً. بالطبع عندما كنت في لبنان التقيت بكثيرين ولكن عندما غادرت دمشق إلى واشنطن طلبت أن أساعد وقمت بزيارات مكوكية بين دمشق وبيروت. كان ذلك من أجل مقابلة الرئيس ورئيس الحكومة.
> الكل اعتبر في تلك الفترة أن الإدارة الأميركية سلمت لبنان لسورية؟
- العكس هو الصحيح فالأميركيون تنحوا جانباً لمدة طويلة جداً، ولم نقم بشيء طوال الحرب الأهلية.
> ولكن ماذا عن الفترة التي عادت فيها سورية عسكرياً الى لبنان؟
- لا أعرف. انتِ تسألين عن الفترة التي عملت فيها هناك. فكان يؤذن لنا ببحث ما يمكن فعله وما إذا كانت هناك تسويات ممكنة بين سورية ولبنان. وبالنظر الى الأمور على الجانب السوري كنت أرى أنه من الأفضل لنا أن نسرع.
دعيني أروي لك قصة جديرة بالاهتمام. كان لدي صديق في دمشق استدعي للخدمة العسكرية وأمضى ما بين ستة أو ثمانية اسابيع في البقاع (كان مسيحياً) وعندما عاد التقيته خلال حفل عشاء فقال لي هل لنا أن نتحدث قليلاً على انفراد؟ وقال لي عليكم ان تقدموا على أمر ما، لأن ما يجري في البقاع مخيف لي ولأصدقائي الذين كانوا معي هناك.
لم نكن ندرك ان الإيرانيين اقاموا دائرة للخدمات الاجتماعية في البقاع منذ سنة 1984، وأنهم كانوا يتولون أمر المرضى والمسنين في المنطقة. وكانت السفارة الايرانية على مقربة من السفارة البريطانية في دمشق وفجأة ارسل الايرانيون سفيراً كان يعرف برجل المهمات القذرة في طهران وكانت النكتة الشائعة عنه انه يمكن ان يفتح عن طريق الخطأ رسالة فخخها بنفسه. وبعد وصوله كنا نرى ارتالاً من السيارات التي تحمل لوحات لبنانية وتنقل اشخاصاً مثل نصرالله (السيد حسن نصرالله) وغيره. فكان يعمل على تأسيس «حزب الله» تحت انوفنا وكنا نرى ذلك.
واذكر انه خلال عشاء دولة اقامه الرئيس حافظ الاسد على شرف رئيس الوزراء اليوناني، جاء السفير الباكستاني، وكان شخصاً مرحاً وقال لي هناك شخص اريدك ان تقابليه، فأمسك بذراعي وادارني على نفسي لأجد أني وجهاً لوجه مع السفير الايراني الذي تراجع وأدار ظهره وابتعد. فقد شعر وكأنني «غير نظيفة».
> هل حدثك الرئيس حافظ الاسد عن لبنان؟
- الرئيس الأسد لم يكن يتحدث معي، فأنا كنت المسؤول الثاني في السفارة. التقيته مراراً برفقة السفير أو برفقة عضو في مجلس الشيوخ أو وزير الخارجية.
> كيف كان رأيه بلبنان وهل كان يرى ان لبنان مقاطعة سورية؟
- حافظ الأسد كان صاحب ذكاء متعدد الاشكال. وأذكر انه قال في احدى المرات، لا تعتبروا أني أحمق لدرجة انني اعتقد بأن بإمكاني بناء قوات جوية (واعتقد انه اختار القوات الجوية لأنها القطاع العسكري الذي يعرفه أكثر من سواه كونه انتمى اليه) قادرة على منافسة الاسرائيليين خلال جيل. لماذا؟ لأنها لسيت الطائرات المتطورة التي تصنع القوة الجوية الجيدة، وانما الطيارون الحائزون على تربية رائعة منذ طفولتهم وليس فقط على تدريب تقني. وهو كان محق بذلك. لكني أتمنى لو أني سألته عن أمر لم أفهمه أبداً، وهو لماذا أتاحوا للإيرانيين تصدير ثورتهم من السفارة الايرانية في دمشق الى لبنان.
كان يبدو لي ولكل من يراقب الأمور ان ما كان يجري ويُنقل الى البقاع وايضاً الى الجنوب من سلاح، يؤمن لمجموعة من الاشخاص استقلالية سيكون من الصعب جداً السيطرة عليها بوقف وصول القنابل اليها، لأنه بات لديها كمية منها مخبأة وتتيح لها القتال لسنوات. وهذا كان يبدو لي خطيراً بالنسبة لسورية. انها ثورة اسلامية، ولنتذكر ما حصل لسورية عندما تحرك «الاخوان المسلمون» في الشمال. أنا لم أفهم أبداً لماذا كان على يقين بأن هذا لن ينقلب عليه وينقض على سورية لأنه غير قادر على السيطرة على «حزب الله».
> هل كان مقتنعاً بأن لبنان جزء من سورية أم أنه كان بحاجة الى لبنان في أجندته الاقليمية؟
- كان أذكى من أن يطرح علينا مثل هذا الطرح. فهو لم يكن ليقول هذا أبداً. فهذا من الأمور التي يمكن لصدام والعراقيين قولها في شأن الكويت واعتباره جزءاً تاريخياً من العراق. اما الاسد فكان أكثر حنكة من البوح بأمر كهذا.
> لكنه رفض تبادل السفارات بين البلدين (سورية ولبنان)؟
- طبعاً، لكنني لست على اطلاع على ما كان يفكر به. فلو نظرنا الى الأمر من زاوية الجيل القديم لكان يمكن مناقشة ما إذا كان مقتنعاً أم لا بأيديولوجيا البعث. وإذا كان مقتنعاً بها، فعندها ينبغي ألا تكون هناك أي سفارة سورية في أي مكان.
> كيف تقارنين صدام ومعاونيه وحافظ الاسد ومعاونيه؟
- انهما مختلفان تماما. فالكل حول الرئيس الأسد كان يحترم سلطته. فالأسد كان أذكى وأبرع من أن يطلب من المحيطين به أن يقولوا له نعم كل الوقت.
> وماذا عن النظام الاستخباراتي في البلدين؟
- انه أقل ثقلاً في سورية. وعلى سبيل المثال، أنا كديبلوماسية في سورية كنت بدرجة الحرية نفسها التي كانت لدي في بيروت. ولا شك بأنه كان هناك من يراقبنا ويعرف مكان وجودنا، لكن ما من مواطن سوري كان يفكر مرتين بالأمر قبل أن يدعوني الى منزله، وكنت محاطة بأشخاص درسوا في الجامعة الأميركية في بيروت.
أما في بغداد فما من عراقي كان يحق له دعوة ديبلوماسي أجنبي الى منزله وإذا أراد أي أجنبي حتى إذا كان ديبلوماسياً عربياً أن يدعو أحد العراقيين الى منزله كان يتوجب عليه تقديم طلب رسمي بذلك الى وزارة الخارجية، وعرض بطاقات الدعوة عليها بحيث تقرر أياً منها يمكن ارسالها. وأنا لم أدخل أبداً أي منزل عراقي باستثناء مرة واحدة ولمناسبة ثقافية.
> كنت تلتقين الأسد بصفتك المسؤول الثاني في السفارة وأيضاً مع صدام وهما قائدا البعث اللذين كانا يكره كل منهما الآخر، فما كان رأيك بهما؟
- كان الاسد شرقي متوسطي، وكان يمكنه أن يظهر جاذبية بالغة، على رغم افتقاره لمؤهلات ذلك. كان شديد الثقة بالنفس، وكان بإمكانه أن يكون ربة بيت بيروتية، وكان حقيقة مرحاً. كان دائماً يتكلم بالعربية لكنني علمت من مدربه في حقل الطيران أنه يعرف بعض الانكليزية.
وفي احدى المرات زاره السيناتور تاور، في مكتبه وكنت برفقته، وكان السيناتور تاور يدخن، وكان هناك صحناً مليئاً بالسجائر، وعندما أنهى السيناتور تاور سجائره دفع الرئيس الاسد الصحن باتجاهه. فكان مليئاً بالسجائر السورية وبالطبع لم يكن السيناتور على علم بذلك. فقال له الاسد باللغة الانكليزية جملة معقدة جداً، اعذرني ليس لدي أي سجائر اميركية أو بريطانية، أعرف انك تفضلها. ولو كنت على علم بأنك تدخن لكان لدينا منها، وعلى رغم من انه كان من المتوجب علي عدم إبداء أي تعابير على وجهي، فإن تعجبي بدا واضحاً الى حد جعله ينظر الي ويقول للسيناتور بالعربية لقد سقط القلم من يديها، فقد صدقها، فضحك فعلاً وضحكنا ايضاً.
أما صدام فإن حضوره كان مرفقاً دائماً بقدر هائل من التوتر لأن كل من يحيط به كان يخاف منه. ولم يسمع يوما يدلي بنكتة ولو فعل لكان على الجميع ان يضحك. فهالته الشخصية مختلفة تماماً.
وفي شمال سورية مثلاً لم أكن اتجنب مغادرة سيارتي لشراء بعض الحاجات، وعندما فعلت ذلك مرة في كردستان ادركت انها جنون لأن الكل يعلم انه لا يمكن ان أتحدث الى أحد العراقيين، من دون ان يستدعى لاحقاً الى التحقيق. لكنني كنت في بلدة عراقية صغيرة، فأخرجت رأسي من نافذة السيارة وسألت عما اذا كان هناك عسل لأن العسل الكردي الأبيض مشهور. فرد علي البائع بالقول كلا ليس لدي ذلك، فالتفت الى الوراء ورأيت ان هناك سيارة تتبع سيارتي.
> ماذا فعلت بعد الحرب في الكويت؟
- درست لمدة سنة في جامعة كاليفورنيا، ثم طلب مني السفير اد بيركينز لدى الأمم المتحدة العمل معه على مؤتمر كبير حول البيئة، ثم خلفته مادلين اولبرايت في الأمم المتحدة في نيويورك وطلبت استبدالي. لم أكن أعرفها ولا أعلم السبب الذي حملها على استبدالي.
ثم عدت الى واشنطن حيث طلب مني مكتب شؤون افريقيا العمل معه، لأنه كانت هناك مخاوف في شأن السودان في ذاك الوقت. ولا بد من القول إن العمل كان مثيراً للاهتمام، وكان ذلك قبل قضية دارفور بمدة طويلة، وكنا نحاول التقريب بين واشنطن ونيويورك (الأمم المتحدة)، ثم طلب مني ادارة مكتب شؤون افريقيا الجنوبية، وذلك قبل سنة على الانتخابات التي حملت نلسون مانديلا الى الحكم، وقبل سنة من أول انتخابات ديموقراطية في موزمبيق واتفاقية السلام في انغولا. إذن كانت هناك ثلاثة ملفات كبرى ينبغي العمل عليها، فذهبت لفترة وجيزة الى الصومال وكان ذلك صعباً بالفعل، فالأمم المتحدة ارسلت جنرالاً تركياً لإدارة الشؤون العسكرية وأميركياً لتولي الشؤون المدنية، فبقيت هناك ثلاثة أشهر لمساعدته. وكان المشهد في ذاك البلد محزن جداً.
> وماذا تفعلين الآن؟
- أنا متقاعدة.
> سمعت اشاعات عن ناشر اميركي طلب منك وضع كتاب عن العراق ورفضت، ومن ثم جرى ابتزازكِ فدفعوا لك مبلغاً لاعداد كتاب ورفضت؟
- لم يتحدث إلي أي ناشر على الاطلاق عن أي كتاب ولم يطلب مني كتابة أي كتاب ولم أتلق أي مبلغ سلفاً ولم أطلب من أي ناشر أن ينشر لي كتاباً.
> لم يطلب منك أحد أن تتناولي تجربتك مع صدام حتى في الصحافة؟
- لم يطلب مني أحد أن أكتب كتاباً ولم يطلب مني أحد أن أكتب مقالاً من أي نوع حول أي موضوع على صلة بالولايات المتحدة، فأنت الشخص الوحيد الذي تحدثت اليه، وفي الولايات المتحدة كان هناك من يكتبون كتباً وأرادوا مقابلتي من أجل هذه الكتب.