يقول ديفيد هيرست في ختام كتابه "احذروا الدول الصغيرة: لبنان، ساحة معارك الشرق الاوسط" انه اذا كانت هناك دولة في العالم يمكنها ان تملك الوسائل لحل ازمة الشرق الاوسط، فلا بد ان تكون الادارة الاميركية الجديدة برئاسة باراك اوباما. ويضيف: "(...) يكفي القول ان هناك منذ زمن طويل اتفاقا دوليا بشأن ما يجب ان تنطوي عليه التسوية "العادلة والدائمة والشاملة" في الشرق الاسط، وهي "حل الدولتين" الذي يقيم فيه الفلسطينيون الى جانب اسرائيل دولة خاصة بهم في الاراضي المحتلة عاصمتها القدس الشرقية.
ويمكن القول انه بالنسبة الى الكثيرين بدا هذا المفهوم بعيد الاحتمال اكثر فاكثر، وانه أكثر بعدا عن كونه قابلا للحياة نتيجةً للتوسع الهائل للمستوطنات اليهودية في القدس الشرقية والضفة الغربية الذي عملت اسرائيل على تحقيقه منذ ان حظيت الفكرة (حل الدولتين) باهتمام دولي جاد، وبشكل خاص منذ 1993 واتفاقات اوسلو التي ادرجتها فيها عمليا.
وقد نمت الحجة القائلة بأن ليس بالامكان الآن الا "حل الدولة الواحدة"، أي قيام كيان ثنائي القومية يتعايش فيه العرب واليهود بحقوق متساوية. ولكن حسب الجملة الشهيرة التي قالها رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت فان النضال من اجل حل "على طريقة جنوب افريقيا"، يحمل في طياته "نهاية دولة اسرائيل". وليس بين الرؤساء الاميركيين من يمكنه حتى التفكير في القبول بهذا الاسلوب الراديكالي.
غير ان الرئيس اوباما بدا متمسكا منذ البداية "بدولتين لشعبين". وكان الرؤساء الذين سبقوه مثله على الاقل من حيث المبدأ. والسؤال الذي يطرح نفسه هو مدى جدية سعيه لتحقيق هذا الهدف. واذا كانت ادارته، حسب ما يظن كثيرون، تمثل الفرصة الايجابية الاخيرة لهذا الحل، فان عليه من اجل ذلك ان يستعين بفضيلتين، وبقدر كبير جداً منهما وإن لم يكن بطولياً: النزاهة - والتصميم على تطبيق الحل.
صحيح انه لا يمكن تأسيس النزاهة الا، على الاقل، الاعتراف الضمني باخطاء الماضي. وهكذا فان تقرير المصير الوطني واقامة دولة للشعب اليهودي قد يكونان مشروعين تماما، مثلما هو الامر بالنسبة الى اي شعب اخر، وعلى ضوء التاريخ اليهودي فقد يكون ذلك امراً ملهماً لا يمكن الاستغناء عنه واخلاقيا من الدرجة الاولى. ولكن يكاد يكون من غير الممكن انكار حقيقة ان الصهاينة باختيارهم فلسطين مكاناً لممارسته - ومعهم بالطبع مساندوهم الغربيون - كانوا جميعاً يكفلون بصورة تلقائية عملياً ان تمكين هذه السلالة المضطهدة تاريخيا يحمل في طياته اصابة شعب اخر بـ"النكبة".
وبالنسبة الى العرب والفلسطينيين فان دولة يهودية ما كانت لتقوم الا باعتبارها صيغة اخرى للاستعمار الاستيطاني الغربي، وصيغة اكثر تطرفا وكراهية اكثر من المعتاد من حيث انها لم تقصر نشاطها على الهيمنة السياسية والاستغلال الاقتصادي والمواقف العنصرية الى حد ما تجاه الاهالي الاصلييين، وانما سعت الى طرد اولئك السكان من ارض اجدادهم بالمرة.
وهي قد فعلت ذلك على نطاق واسع، وليس باسلوب تدريجي عشوائي او تصاعدي وانما على نحو معروف ليس باسلوب "نوبة من غياب العقل"، بل بحملة من التطهير العرقي الذي نفذ بوحشية بقدر ما خطط له عن سبق اصرار لفترة طويلة ورسمت خطواته بدقة متناهية. اما نتيجة الصراع الذي أضحى الآن صراعا مئويا تقريباً فهي فوز صهيوني تام مقابل خسارة عربية/فلسطينية تامة. وقد ساند الغرب المسيحي او احنى رأسه امام هذا الفوز الاحادي وكذا امام الاساليب الشاذة التي تحقق عن طريقها، آخذأً في اعتباره، بلا ريب، المديونية المعنوية الشاملة التي تدين بها لليهود. (....)
وليس هناك اي دبلوماسية جادة تسعى للسلام لمعالجة هذا التناقض التاريخي. (....) فليس الامر كما لو ان الفلسطينيين يطالبون باي شيء مماثل لتعويض كامل طالبت به كل الشعوب الاخرى التي خضعت للاستعمار - وحصلت عليه الى حد كبير. ومن المؤكد ان ذلك كان هدفهم. ولكنهم - او بالاحرى المؤسسات التمثيلية المعترف بها دوليا الخاصة بهم، منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني - تخلوا رسميا منذ العام 1988عن ما كان يحق لهم المطالبة به كحق من حقوقهم وفق القانون الدولي والمعايير الراسخة لمناهضة الاستعمار، الا وهي: استعادة الارض المسلوبة وعودة اللاجئين وتفكيك كل الاجهزة الاستعمارية الصهيونية للهجرة والاستيطان والسيطرة السياسية. ولم يمكن لمسيرة السلام ان تتحقق قط او على الاقل ان يكون لها اي حظ من النجاح الا بـ"الاعتراف" بالدولة اليهودية وبـ"حقها في الوجود" على حوالي 78 في المائة من الاراضي التي يعتبرونها ملكاً مشروعاً لهم.
ان اسرائيل اساساً هي التي تزدري اي روح مماثلة تقبل بحل وسط مقابل ذلك، وهذا ما يعيق الان كل تقدم اخر. وهي بعد ان ضمنت الكثير، ما زالت تريد المزيد. وما تريده - حصة كبيرة من فلسطين الاصلية تزيد عن الـ87 في المائة التي حصلت عليها بالفعل حتى الان، وتهويد قطاع كبير من الـ22 في المائة الباقية عن طريق الاستيطان، وسيادة تامة على العرب والقدس الشرقية وامور اخرى مختلفة - هو بالضبط ما تبذل اي ادارة اميركية جهوداً جادة لمقاومته. اما ما يقال عن "التبادلية" فليس موجودا من حيث تفسير اسرائيل و"اصدقاء اسرائيل" في الولايات المتحدة - فالتخلي عن المستوطنات ليس "تنازلا"، انه تجشؤ ما لم يكن ملكا لاسرائيل اساسا، سواء بمقتضى القانون الدولي او شروط حل الدولتين. واذا استمرت اسرائيل في اتخاذ موقف متعنت، فانه لا بد لاي ادارة جادة ان تلجأ الى العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية من النوع الذي صفعت به كثيرا من المارقين على مدى السنين. واذا لم يثمر ذلك في النهاية، واذا لم ينجح هذا الاسلوب، فلا بد من فرض تسوية بمساندة قوة عسكرية دولية تضمن في الوقت ذاته امن جميع الاطراف المعنية.
كان اوباما قد صنف السلام في الشرق الاوسط على أنه على قمة اهتمامات السياسة الخارجية للولايات المتحدة فور ادائه اليمين لدى توليه مهام منصبه. وبتعيينه موفدا خاصا للشرق الاوسط بما له من سمعة نزاهة، ومثابرة وفوق ذلك كله الحياد - بدا انه يتحرك في الاتجاه الصحيح. الا انه كان واضحاً منذ البداية ايضا، ان العقبات امام المسار شاقة. وهي لم تكن مجرد عراقيل تقليدية، وابرزها المعارضة الشديدة التي يواجهها اي رئيس "يظهر تشدداً" تجاه اسرائيل اذ انه لا يلبث ان يواجهه من الكونغرس ومن "مجموعات الضغط" وكل المؤسسات التي يمكن لـ"اصدقاء اسرائيل" ان يكون لهم موطئ قدم فيها. اذ كان مجرد فكرة الحياد بالنسبة اليهم، او"الانصاف" كما يدعونها عادة في الولايات المتحدة، فكرة تحوم حولها الشبهات دوما.
ولم يتأخر رئيس رابطة مناهضة التشهير ابرهام فوكسمان في تذكير الجميع بذلك في تصريحاته بعد ان علم بتعيين ميتشل، انه لا يمكن ان يكون هناك ما يسمى "مساواة اخلاقية" بين الخصوم الاسرائيليين والفلسطينيين- وقال انه في هذه الحال، لا يمكن لـ"الإنصاف" ان يؤدي الا الى تشويه القيم المشتركة - "وكل ما يتعلق بالعلاقات الاميركية الاسرائيلية". وكان أحدث - او بالاحرى أشد - العقبات الانجراف الأبعد نحو اليمين في اسرائيل الذي سجلته الانتخابات وادرج حسب الاصول في سياسة الحكومة الرسمية. ولا ريب في ان شعبية اوباما الهائلة، متزاوجة مع أول تشويه ملموس لسمعة اسرائيل حتى بين النخبة من السياسيين الاميركيين المؤيدين لاسرائيل، كانت ستساعده. ولم يغب عن بال العرب مع ذلك، منذ البداية، ان هناك سياسات مستمرة ايضاً. (...)
وفي واقع الامر فان اوباما خطا الى ابعد مما خطا من سبقوه، وبخاصة الاثنين الاخيرين، في توضيح ان الاسهام الرئيسي لسلام مرتقب لا بد ان يأتي من اسرائيل. وقد بدا هذا واضحا منذ البداية في تصريحاته الاولية، بدءا مثلا من لهجة ومضمون الـ"خطاب الى العالم الاسلامي"، الذي اعتني بصياغته ليوجهه خصيصا للاذن العربية، وقد القاه في جامعة القاهرة بعد خمسة اشهر على توليه الرئاسة. ونادرا ما خرجت كلمات مثل "الاحتلال" من فم بيل كلينتون او جورج بوش، ومن المؤكد انه لم تصدر اطلاقا من قبل تصريحات عن "المقاومة الفلسطينية" التي ماثل اوباما بينها وبين حركة الحقوق المدنية الاميركية او كفاح جنوب افريقيا ضد التمييز العنصري. وركز على ان "المحرقة" كانت سببا واقعيا لا يمكن اغفاله بالنسبة الى وجود اسرائيل، ولكنه في الوقت ذاته وصف "النكبة" بانها في موقع مماثل في الكارثة الفلسطينية. وفي الوقت الذي ندد فيه باعمال العنف التي تقوم بها "حماس" ضد المدنيين، فانه لم يصفها بانها "منظمة ارهابية" بل انه منحها نوعا من الشرعية باعتبارها ممثلا اصيلا للشعب الفلسطيني وطموحاته.
لكنه قال، عمليا وبشكل اكثر أهمية، ان الوقت حان ليتوقف الاسرائيليون عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، وقال ان هذا العمل "غير مشروع" بحد ذاته وليس اقل انتهاكا للاتفاقات السابقة كما نه ليس عقبة اصغر امام السلام من اي شيء تقوم به "حماس".
ومنذ ان احتلت اسرائيل الضفة الغربية وغزة في العام 1967، ظل الموقف الرسمي لكل ادارة اميركية يرى ان المستوطنات غير شرعية. اما من الناحية العملية ورغم الاحتجاجات الآنية الشكلية، فانها تقبلتها او تساهلت معها. الا ان اوباما وموفديه الى الشرق الاوسط كانوا على الفور مختلفين. وبدا انهم يأخذون مناصبهم الاميركية الرسمية على محمل الجد اخيرا، مطالبين بـ"تجميد" كامل لجميع اعمال البناء الاستيطاني المستقبلي، ورافضين جميع التحايلات، مثل ادعاءات "النمو الطبيعي" الخداعة التي نجح الاسرائيلييون بها في استدراج من سبقوه من الرؤساء. (....)
واعتبرت المستوطنات والطريقة التي تعامل بها اوباما مع هذه القضية، اجراء اساسيا مهماً يشير الى أي حد يمكن للعرب والفلسطيين ان يتوقعوا منه ان يكون حازماً في مواجهة اسرائيل (...) ورغم التأثير العام الذي خلفه خطاب اوباما، فقد بقي معظم العرب متشائمين الى حد كبير تجاهه. وبحلول صيف العام 2009، بدأوا يلاحظون دلائل على تراجع اميركا عن تلك المواقف بعد ان بدت جريئة بما فيه الكفاية لتعلن ذلك، وخاصة ما دلت عليه النداءات الجديدة للدول العربية لـ"تطبيع" العلاقات مع اسرائيل مقابل ما كان حتى ذلك الوقت كوابحا غامضة غير محددة لانشطتها الاستيطانية.
وقد رفضت اثنتان من اقرب الدول الى اميركا في العالم العربي هما المملكة العربية لسعودية والاردن، وهما تدركان التاريخ الطويل للتنازلات العربية التي لم تجد ما يقابلها، رفضا باتا اي تنازلات جديدة مشيرتين الى ان مبادرة السلام العربية التي ترعاها السعودية تعرض سلاما عربيا شاملا وان "التطبيع" يأتي في نهاية تطبيقها وليس في بدايته.
وما ان حل فصل الخريف حتى تحول التشاؤم العربي الى يأس كامل بعد ان بدا ان التراجع يتخذ اكثر فاكثر شكل الاستسلام المبتذل.
وكان اوباما نفسه هو الذي قال انه لم يطالب بتجميد كامل للبناء الاستيطاني وانما ببساطة اجراء "ضبط النفس"، ولم تلبث وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ان امتدحت نتنياهو لتقديمه "تنازلات غير مسبوقة" لم يتنبه اليها معظم المراقبين، في الوقت الذي كان البناء الاستيطاني قد استؤنف بعنفوان لا يقل عن السابق. وواصلت كلامها على اي حال لتؤكد بشكل مثير لقدر اكبر من الدهشة ان تجميد الاستيطان لم يكن قط شرطا مسبقا لاستئناف المحادثات.
واذا تركنا فنون الخطابة جانبا، فان العرب والفلسطينيين والحمائم الاسرائيليين اليائسين اخذوا يسألون الآن ترى ما الفرق بين سياسات اوباما تجاه الشرق الاوسط وسياسات سلفه بوش؟ بل ان الرئيس محمود عباس، الذي عرف بانه اكثر الزعماء الفلسطينيين صبراً ومرونة، اظهر تحدياً من نوع ما. اذ انه كان قد راهن بكل شيء على اميركا ووعودها، وها هو اليوم يتعرض شخصيا للخيانة. وقد هدد بالاستقالة. وخلال اقل من عام على تولي اوباما السلطة، بدت "مسيرة السلام" معتلةً، بل على وشك الانتهاء، اكثر تقريباً من اي وقت مضى.
وفي غياب سلام عربي اسرائيلين نهائي، او اي شعور بتحقيق تقدم في ذلك الاتجاه، فان ما يستتبع ذلك هو الحرب او اعمال عنف على نطاق واسع. لقد كان الامر كذلك دوماً في الشرق الاوسط. وكم سيكون ذلك (العنف) اشد بكثير، اذاً، بعد كل الامال التي علقت على رئيس اميركي جديد واعد وذو شعبية مثل اذا ما فشل في حل "المشكلة الفلسطينية" القائمة من زمن بعيد خلال فترة رئاسته. لقد حدد العاهل الاردني الملك عبد الله موعدا ثابتا لذلك: "صراع آخر بين العرب او المسلمين واسرائيل في الاشهر الاثني عشر او الثماني عشرة المقبلة". (...)
وفي غياب السلام فان من بين الاشكال التي يمكن ان تتخذها الاعمال العدائية واكثرها احتمالا، وفي اولها على الاقل، اعمالاً استباقية في غزة - و"جولة ثانية" مع حزب الله وهي التي تتوقعها اسرائيل بكثرة، اذ ان الحزب ما زال يمثل العدو القوي الذي تواصل اسرائيل تهديده، و لا بد من مواجهته الان او غدا. صحيح ان لبنان لم يتحول الى "دولة حزب الله" تماما، وهو ما كانت اسرائيل تخشى منه خلال الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) 2009. وبالنسبة الى الفئة الحاكمة وهي ائتلاف "14 آذار" فانه خرج منتصرا بـ71 مقعدا مقابل 57 لمعارضي "14 آذار". ولكن حتى وان لم يتمكن حزب الله واصدقاؤه من تأمين غالبية نيابية كانوا يتوقعونها، فانهم بقوا - كما اصر نصر الله - ممثلين للفئة الاكثر "شعبية"، وفي حقيقة الامر فانهم حصلوا بالفعل على العدد الاكبر من الاصوات الفردية. (...)
لم يمض وقت طويل حتى اطلقت اسرائيل انذاراتها الجديدة بشأن صواريخ روسية الصنع تطلق من مركبات وقادرة على اسقاط طائرات تحلق على ارتفاع 35000 قدم، وقيل ان افرادا من حزب الله دربوا عليها في سوريا. وتقول اسرائيل ان هذه "اسلحة تعرض الاستقرار للخطر" ويمكنها ان تسيطر على اجواء لبنان وان دخولها الى البلاد يمثل "خطا احمر" لا يمكنهم السماح لـ"حزب الله" بتخطيه. وهدد وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك انه في حال نشوب حرب جديدة، وعلى خلاف الحروب السابقة، فان اسرائيل "ستستخدم كل قوتها" ضد الدولة اللبنانية التي اصبحت "منظمةٌ ارهابية" جزءا لا يتجزأ منها.
وفي آب (أغسطس) تحول كل ميزان القوى اللبنانية الداخلية الى صالح حزب الله عندما اعلن "اللاعب الذكي" زعيم الدروز وليد جنبلاط انه ينأى بنفسه عن "غالبية 14 اذار"، التي كان اكثر الزعماء اهمية وصراحة فيها، ان لم يكن المادة اللاصقة التي حافظت على بقاء عناصرها اليائسة متماسكة. وكانت"ثورة الارز" التي ولدتها قد ارهقت نفسها، كما قال، وان استمرار بقائه مرتبطا بالاعضاء اليمينيين "الانعزاليين" ذوي الميول الاميركية اصبح متناقضا مع من هم اساسا قوميون عرب، مؤيدون للفلسطينيين وللمبادئ "اليسارية" التي زعم انه يساندهم هو وحزبه الاشتراكي التقدمي بقاعدته الدرزية. وقال الا،ن وهو الذي كان اشد المنددين بسوريا البعثية "لاحتلالها" لبنان، ان الوقت قد حان لاعادة بناء "العلاقة الخاصة" معها. غير ان دوافعه الرئيسة، او الخفية، كانت باكملها اكثر محلية ونفعية.
فمنذ "الانقلاب" المسلح الذي قام به حزب الله قبل عامين، بدأ يزداد خوفاً على مستقبل طائفته الصغيرة والمعرضة لخطر باستمرار، وها هو الان يسعى الى تفاهم مع الشيعة، الفئة الناهضة على لوحة المربعات الطائفية في لبنان، والتي تمثل اكبر خطر محتمل بالنسبة اليه. وقال انه لم يكن يخطط للانضمام الى معارضي "14 آذار" او حتى الانسلاخ عن "14 آذار" كلية، ولكنه يفتش عن طريق للوصول الى "القوة الثالثة" الوسط التي يبدو انها ترسم خطوطها برعاية الرئيس ميشال سليمان. ولكن ايا كان ما يفعله حقا، فقد كان واضحا انه مكسب سياسي بارز لصالح حزب الله - وإغاظة للاسرائيليين.
غير ان اناساً في المنطقة غير قليلي العدد يعتقدون انه بينما قد يبدأ اللجوء الى السلاح في المرة المقبلة، للمرة العشرين،على الجبهة الاسرائيلية - اللبنانية، وهي الوحيدة النشطة عسكرياً منذ ست وثلاثين سنة خارج اطار فلسطين ذاتها، فانه قد لا يبقى، هذه المرة، مقتصراً عليها. وفي هذه الحال، وضمن ما سيستحق بان يوصف بدون شك بـ"حرب الشرق الاوسط السابعة"، قد ينضم اليها اعضاء آخرون من المعسكر الاسلامي الوطني: "حماس"، سوريا، بل والشبح الاقليمي الصاعد الذي يدب الرعب في قلوب الاسرائيليين والاميركيين، ايران آيات الله. وسيستطيع هؤلاء مجتمعين ان يشنوا "حرب صواريخ" على طريقة حزب لله وعلى نطاق واسع. وفي هذه الحالة، فان "الدولة لصغيرة" في الشرق الاوسط لن تكون ساحة معركته، او على الاقل لن تعود الوحيدة. و ما كان حدوثه محتملاً دوماً ان عاجلاً او آجلاً سيكون قد حدث - اذ ستكون المعركة قد وصلت الى الشرق الاوسط برمته.
(انتهى)