بعد تجاوز كل الخطوط الوطنية الحمراء, بعد سقوط ثوابت حرمة الدم الفلسطيني, بعد انهيار صرح الوحد الوطنية, بعد اعطاب صمام الامان للجبهة الداخلية الفلسطينية, بعد تهتك النسيج الاجتماعي الفلسطيني, بعد محاولات صادقة ومستميتة من القيادة المصرية والقيادة السعدودية, لرأب الصدع الفلسطيني وتضييق هوة الخلاف على اثر الانقلاب على الشرعية, ورغم كل المجهودات المصرية السعودية المدعومة عربيا, والتي ذهبت سُدى نتيجة العناد والاصرار على فصل جناحي الوطن, واطفاء صبغة وايدلوجية مخالفة للاخرى, بل ونتيجة ماعادت تخفى على احد, او ينطلي تبريراتها على أي جاهل, بان قوى خارجية تمسك بزمام الامور, وتستميت لافشال أي احتواء مصري سعودي للازمة الفلسطينية الطارئة, مما انعكس سلبا على الساحة الفلسطينية, وادى الى افشال كل الجهود العربية التي تتصدرها مصر والمملكة السعودية ومابين سطور هذه المعادلة لايحتاج لكثير من الايضاح,فايضاح الواضح يعني جدلية التعقيد وليس هذا هو مجال حديثنا هنا, بل نتيجة افول نجم المبادرة السعودية والمصرية بفعل فاعل وبدعم سخي, مما اضاف لمشهدنا الفلسطيني مزيدا من السوداوية والدموية, تطل علينا المبادرة اليمنية المباركة, عل وعسى ان تكون بمثابة طوق نجاة من مستنقع الانهيار الوطني, والذي يعتبر الكل الفلسطيني فيه خاسرا, واخرين وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني هم من يجيدون ادارة ذلك المستنقع, ويوظفونه لخدمة اهدافهم التي لاتمت لفلسطين بصلة, والتي لن تاتي علينا الا بمزيد من الخراب والدمار والضياع, وآخرين يعرفون من اين تاكل الكتف يجنون ثمار تروى بدماء ومعاناة الابرياء من ابناء شعبنا الصابر المحتسب المرابط.
اليمن حكومة وشعبا هم اهلنا واشقائنا , ولهم باع وذراع طويل في نصرة ودعم الشعب الفلسطيني , فما كانوا يوما معول هدم وطني, ولا كانوا يوما دعاة شر , بل التاريخ شاهد على وطنيتهم وثبات مواقفهم من القضية الفلسطينية , حاضرين في كل الميادين على مدار تاريخنا النضالي , وعلى المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتعليمية, كانوا ومازالوا قيادة وشعبا عمقا عربيا استراتيجيا لقضيتنا الفلسطينية في كل اطوارها, ولا غرابة ان تنطلق الشعلة التي تم اثباطها من جديد , لتاتي كاضاءة امل تضيء لنا عتمة الدرب جراء التطرف الوطني, تاتي المبادرة اليمنية السعيدة من اليمن السعيد كوميض بشرى في فضاء الاحباط الوطني, ليحمل شعلة البشارة ذلك "الفارس الحضرموتي" الاصيل الزعيم\ علي عبد الله صالح , معتبرا ان الصمت على الانشطار الفلسطيني ليس جريمة فلسطينية فحسب, بل مصيبة عربية شاملة , والصمت العربي طامة كبرى, فيابى الصالح ومن خلفه شعب اليمن الشقيق , ليحرك المياه الوطنية الآسنة ,بمبادرة مباركة هدفها فلترة تلك المياه الآسنة وتنقيتها لتجري مجرى الدماء في عروق الوحدة الوطنية الفلسطينية المنكوبة.
الاهم من ذلك ان من يقدم على طرح المبادرة, لابد انه يعلم مقومات نجاحها, واشواك دروبها, بل لا اخال المبادر يجهل ان هناك من سيسعى جاهدا ومن خلف الكواليس لافشالها, ولا اعتقد ان فشل أي مبادرة تكون هينة على المبادر, بل من يتطوع بهذا الكرم العربي الاصيل, يفترض ان يقابل بترحاب يتجاوز شعارات القبول السطحية, وصولا الى نوايا صادقة من اجل احترام هذه اليد المباركة الممدودة لجمع الاشقاء, واعادة الامور الى جادة صوابها, انها خطوة مباركة وجريئة وشجاعة من الرئيس اليمني الاخ \ على عبد الله صالح , ان يقوم بهذا الواجب القومي المقدس رغم كل مايحيط يخطوته من عقبات, وليس الخطورة في التغلب على اثار الانقلاب وعودة المياه الى مجاريها, بقدر ما تكمن المعضلة في تقاطعات خارجية اقليمية وصهيونية, لن تئول جهدا من اجل وأد المبادرة اليمنية, ومحاولة زجها الى مثواها الاخير بالفشل لاسمح الله, ولكن السؤال الاهم, وعلى ضوء افشال المبادرة المصرية السعودية, ماهي الركائز التي انطلقت منها هذه المبادرة اليمنية المباركة؟ , وماهي مقومات الثقة اليمنية وضمانة امتثال كل من منظمة التحرير الفلسطينية والتي هي مرجعية السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس, لبنود مبادرة المصالحة الوطنية الفلسطينية؟
وعلى فرض ان المبادرة بشكل عام تحمل بين طياتها احتمالي النجاح والفشل, ولا اعتقد ان فشل او افشال مبادرة دولة ما ,هو امر بسيط, فهل انطلقت المبادرة اليمنية من حيث, ان اليمن الشقيق لايجروء احد على اتهامه بالانحياز للطرف هذا او ذاك؟ ام ان الوجود الفلسطيني سياسيا وتنظيميا على الساحة اليمنية, يتم المراهنة على احترامه كي لايقدم أي من طرفي الخلاف على التقصد بافشال المجهودات اليمنية الجادة الصادقة؟ وربما نجحت اليمن في تجيير المجموعة العربية شبه كاملا, لتبني هذه المبادرة والتي تاخذ بالاعتبار الحفاظ على ماء وجه المبادرة السعودية والمصرية, وعدم تجاوزها, هل هذه الخطوة مخططة لها كي تكون ضمانة وركيزة اخرى لانجاح المبادرة؟ وكا يقال فا " الحق لايرضي اثنين" فيفترض كي تنجح أي مبادرة, ان يرافقها وسائل ضغط من شانها تذليل العقبات, وانزال المتعنت من علياء هرمه الذي يتخذه ضمانة لبقاءه الغير شرعي في الاطار الشرعي, فهل تحسبت المبادرة اليمنية لمثل امكانية التملص هذه؟
منذ ميلاد المبادرة اليمنية المباركة, لامسنا مخاض عسير تمثل كما كان متوقعا, في رفض وتحفظ طرف لها بمفهوم الاخذ بها كاملة, وقبول طرف لها دون تحفظ, وايمانا منا بان موقف اليمن على الخارطة الوطنية, منحاز الى وحدة الصف الفلسطيني, والى خير القضية الفلسطينية, فاننا وهذا امر طبيعي ان نضع ايدينا على قلوبنا خشية افشال هذه المبادرة المباركة, فالبديل مزيدا من الضياع ومزيدا من الاستثمار الدموي الصهيوني, فان الاصرار على انجاح المساعي اليمنية لهو مسئولية وطنية قومية اسلامية, الا اذا كان احد اطراف الخلاف مستفيدا من هذا الشتات والفتنة الفلسطينية؟ وفي هذا حسابات خطيئة وليس خاطئة.
ورغم الردود الاولية على المبادرة اليمنية, لاحظنا اصرارا يمنيا والتفافا عربيا حول المبادرة العربية, وما تخلف عن هذا الدعم والالتفاف الا القليلون, ونتيجة حسابات يمنية ربما نجهلها , لامسنا تغيرا في مواقف الاطراف , فقد توحدت حاليا الشعارات العامة من حيث القبول بها, والتوجه صوب"عدن" لمناقشة المبادرة مع الراعي الاصيل لها\ الرئيس علي عبد الله صالح ادامه ورعاه الله,وقد لامسنا ان الخلاف تمحور حول نقطة واحدة وهي ربما تحدد نسبة نجاح او فشل المبادرة, وهي هل يتم الحوار مباشرة بين وفدي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس, ام تكون ارضية الحوار فور عودة الوضع الفلسطيني الى ما كان عليه قبل الانقلاب على شرعية الذات في الرابع عشر من حزيران 2007 ؟
حركة حماس تعتبر ان هذا شرط وترفض الشروط المسبقة, ومنظمة التحرير والرئاسة تصر على ان تكون البدايات على ارضية انهاء حالة الانقلاب على الشرعية, والا يعتبر ذلك قبول بنتائج الانقلاب كامر واقع, ولاحظنا في ديباجة المبادرة اليمنية الحائزة على الاجماع العربي, ان عودة الاوضاع الى ماقبل الرابع عشر \ حزيران هي بمثابة العمود الفقري لنجاح المبادرة, فهل تنجح القيادة اليمنية كاكثر من وساطة في تذليل هذه العقبة لينطلق حوار تكون نتيجته الحتمية, عودة الى اجواء الوفاق, وعودة الى روح المنافسة عبر اللانتخابات التشريعية والرئاسية المبكرة, او التوصل الى تقاسم للسلطات بين الاطياف السياسية الفلسطينية , بحكومة وحدة وطنية, او حكومة انقاذ وطني, وربما نلامس مزيدا من الثقة اليمنية وسط انواء العاصفة, عندما نستمع الى تصريحات من ارفع المستويات القيادية اليمنية, بان اليمن بدأت بدراسة "آلية تطبيق المبادرة" ؟
اعتقد وفي ظل ان عوامل فشل او افشال الوفاق الفلسطيني التي مازالت ماثلة او لم تبارك المبادرة اليمنية, فان الافراط في التفاؤل سابق لاوانه, فالابصار وسط طوفان التناقضات العربية تجاه العديد من القضايا وفي مقدمتها المسالة اللبنانية, تبقى الانظار شاخصة صوب "عدن" وتبقى الامال معلقة على عوامل الضعف والقوة للمبادرة اليمنية من اجل انقاذ الساحة الفلسطينية من هول ومردودات استمرار الانشطار, وهنا سؤال اخر يطرح ذاته, بعد ان يتم محاورة اطراف الخلاف الفلسطيني مع القيادة اليمنية, والنتائج المرجوة لا اعتقد انها ستظهر جليا قبل موعد انعقاد القمة العربية, فهل تحمل اليمن هذه المبادرة على اعتبار انها مبادرة عربية لتوضع على سلم اولويات القمة؟ وفي مثل هذه الحالة هل تصبح المبادرة اليمنية محل وفاق عربي شامل؟ ام تنقسم بموجبها الدول العربية لدعم مطالب هذا الطرف الفلسطيني ضد مطالب الاآخر, وبالتالي يدق اول مسمار في نعش المبادرة الوليدة؟؟؟
ان المبادرة اليمنية الجامعة المانعة, هي فرصة وطنية نادرة, وان أي تقصد في افشالها سيعود على الطرف المتقصد بخسارة كبيرة, وان أي حسابات اقليمية اخرى يتم التعويل عليها فيها قصر نظر, فما يتاح اليوم يصبح مستحيلا اتاحته غدا مع أي تغير في الموازين واوراق اللعبة على المدى المنظور, فساحتنا الفلسطينية والعربية تقع في بؤرة التغيرات والعواصف, خاصة في حدود الاشهر القليلة القادمة, وان المنادي بانجاح او الحريص على انجاح المبادرة اليمنية العربية, عليه ان يثبت ذلك عملا لاقولا على الارض, وربما تستحق هذه المبادرة, ويستحق فارس المبادرة"الرئيس علي عبد الله صالح" ان نقابله عمليا بالترحاب كاخ وشقيق ومناضل عزيز, وهذا يتطلب تهدئة فلسطينية _فلسطينية ميدانيا, بوقف كل اشكال الهمجية التظليلية العدائية الاعلامية, ووقف كل اشكال القهر والملاحقة والاعتقالات, وتبييض السجون من المعتقلين السياسيين, حتى تنعكس ظلالا طيبة تمثل حسن النية, لتوفر الاجواء الكفيلة برعاية حوار ووفاق فلسطيني, وعدم الاساءة لليد اليمنية المباركة لانقاذ الساحة الفلسطينية, من مصير قاتم حاليا, والقادم اشد بؤسا وافدح خسارة, فهل نساعد من يصر على مساعدتنا, ام نضرب بمبادرته المباركة عرض الحائط؟؟؟
وما يجب معرفته تحت طائلة المسئولية الاخلاقية والوطنية, ان وحدتنا الوطنية تعني وحدة الشعوب العربية, والانقسام انعكس وسرى كما النار في الهشيم, لتنقسم الشعوب العربية بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك, وهذا يعني ان سقوط الوفاق في الخندق الفلسطيني الامامي, يعني حتما انهيار في السلم الشعبي الجماهيري العربي, نحن وقضيتنا في غنى عنه , فهذه مسئولية اكبر واسمى من خلاف على سلطة مرحلية, فالعمق العربي استراتيجية من الحنون العبث بتلك القاعدة والحاضنة القومية الصلبة, وفي النهاية لنا عدو واحد مهما هرولنا لمفاوضته او التهدئة معه فانه في لحظة انتهاء رحلة الاستثمار لشتاتنا سيضربنا بقسوة دون تفريق, وعلى غير حسابات من اعتقد باي ضمانات عبثية انه لن يمس بسوء.