آخر الأخبار

سعيد عقل شاعراً أسطوريّاً في «المجدليّة» و«قَدْموس"


«الشعوب التي تفتقر إلى الأساطير محكومٌ عليها بالموت بَرْداً»

باتريس دولاتور دو بان[1]

 

الأسطورة والأدب

رافقت الأسطورة الأدب منذ المهد، وكان التفاعل بينهما متواصلاً مثمراً: فمن جهة كان الأدب يستقي موضوعاته من الأساطير[2]، ومن جهةٍ أخرى فإنّ النصوص الأدبيّة، وبخاصّةٍ الشعرَ القصصيّ (كالملاحم)، يقدّم للدارسين أقدمَ المصادر في سبيل دراسة الأساطير دراسةً حضاريّةً مقارنة[3]، فضلاً عن دراسة التاريخ. يقول سيّد القمني: «إنّ الأسطورة، وإن اشتملت على أحلام وانفعالات وتصوّرات وأخيلة، فإنّها تشتمل أيضاً على حقائق يمكن أن تنكشف بوضوح إذا عرفنا كيف نفسّرها بعد ربطها بشرطها التاريخيّ، ومكانها في النسق المعرفيّ لزمكانها (أي لزمانها ومكانها)»[4].


وممّا يقرّب الأدب من الأسطورة: الخروج من الزمان. لكلّ منّا زمنه التاريخيّ الذي يعيش ضمنه ويتحرّك في دائرته، ويكاد يجمد. وبفعل القراءة، ولا سيّما قراءة الرواية والشعر، ينعتق القارئ من الزمان التاريخيّ أو الشخصيّ، ليخرج إلى زمانٍ آخر عجيب يتجاوز ما هو تاريخيّ واقعيّ رتيب، وتتغيّر إيقاعاته تغيّراً لامتناهياً، لأنّ لكلّ نصٍّ أدبيّ زمنَه الخاصّ الذي ينفرد به. الزمن الذي نحياه زمنٌ ميّت، يسحق ويقتل ويتبدّد؛ وفي القراءة هروبٌ إلى زمنٍ يتمدّد، واسترجاعُ زمانٍ بعيد، زمن البدايات، فيه كلّ الحريّات التي تمنحها العوالم الخياليّة[5]. زمن القارئ، ههنا، شبيهٌ بزمن العاشق والصوفيّ: زمنٌ «داخليّ» لا يجري كالماء، بل يقفز كالفراشات.


وليس غريباً أن يتواكب الأدب والأسطورة عبر أجيال الإنسانيّة؛ فالأدب، في جوهره، تعبيرٌ جميلٌ وحيّ عن تجارب الإنسان، ميزته أنّه يوقظ في النفوس قبساً من الشعور بالجمال والحريّة. ولمّا كانت الأسطورة تمثّل طفولة البشريّة، فلا غرابة أن تراود خيالَ كلّ فنّان، إذ ترمز في ضميره إلى الصفاء الأصليّ في الإنسان قبل أن تفسده حياة المدنيّة المعقّدة[6]. من هنا طغيان الأساطير والميثولوجيا في الأدب العربيّ الحديث. قال الدكتور إحسان عبّاس: «ينظر الشاعر الحديث إلى عالم الآلهة والأبطال نظرتَه إلى فردوسٍ مفقود»[7]؛ والدكتور أحمد زكي: «الأسطورة للشعراء هي الدجاجة التي تضع البيضة الذهبيّة كلّ يوم»[8]. ولكن، يجب أن يفهم الشاعر الحديث الأسطورة فهماً عميقاً لكي يوظّفها توظيفاً ناجحاً، فتغدو جزءاً لا يتجزّأ من تجربته الشعريّة. ويمكننا رصد وظائف أربع للأسطورة في الشعر العربيّ الحديث:


1.    إنّها عودةٌ إلى التراث وبعثُه: يخطئ مَنْ يظنّ أنّ الشعر العربيّ الحديث، بتمرّده على قوالب شعر التراث، يخرج على هذا التراث ويتنكّر له. وقد استقرأ الدكتور عزّ الدين اسماعيل مصادر التراث في الشعر الحديث فإذا هي تتوزّع بين القرآن الكريم والتراث الشعبيّ والمواقف التاريخيّة والشخصيّات الإنسانيّة[9].

2.    إنّ الأسطورة انفتاحٌ على حضارات العالم: لا تناقض بين العودة إلى التراث العربيّ والانفتاح على حضارات العالم. فالحضارة الإنسانيّة ليست حكراً على شعب، وإنّما هي ملك الإنسانيّة على اختلاف أجناسها وأديانها ولغاتها، لأنّ الإنسانيّة جمعاء شاركت في وضع مداميكها ورفع صرحها. كما أنّ «القيم الاجتماعيّة التي يحاول مجتمعنا تبنّيها هي خلاصة تجارب الإنسان المعاصر وميراث الأجيال الماضية والحاضرة على السواء»[10]. ولم تعد قضايا الإنسان اليوم منفصلة في الزمان أو المكان.

3.    إنّ الأسطورة تعبيرٌ عن التجربة الذاتيّة والإنسانيّة معاً: يستمدّ الشاعر المعاصر أسطورته من التراث القوميّ والإنسانيّ، ولكنّه يمنح رموزه مغزىً خاصّاً تبعاً لنوع التجربة الشعوريّة التي يعانيها. من هنا اختلاف الرمز الواحد من شاعرٍ إلى آخر ومن سياقٍ إلى آخر. يقول إيليّا حاوي في أثناء حديثه عن مُهمّة الأسطورة في الشعر المعاصر: «للشعر من الذاتيّة الانفعالُ والنشوة والمعاناة، ومن الموضوعيّة العمقُ فضلاً عن الصدق»[11]. وهذا صحيح لأنّ الأسطورة تتضمّن قيماً رمزيّة للتعبير عن الحقائق الإنسانيّة العميقة، حتّى لقد رأى فيها يونغ تعبيراً مجازيّاً عن اللاشعور الجمعيّ المشترك المتقدّم زمناً على اللاشعور الفرديّ، والفارض عليه رموزَه العميقة المثقلة بالانفعالات[12].

4.    إنّ الأسطورة وسيلةٌ تكافح المادّة وتسمو بالروح: في خضمّ الحياة الآليّة التي نعيشها والمجتمع الماديّ الاستهلاكيّ الجديد الذي يكتنفنا، تجبه الشاعر المعاصر مشكلة رهيبة هي فقدان الحريّة والسعادة، وحاجة الإنسان المعاصر إلى ما ينعش إحساسه ويحيي فؤاده. لقد أضحى الإنسان سجين «الأرض الخراب»[13]، وفقدَ إيمانه، وعبثاً راح يفتّش عن الهدوء والصفاء والطمأنينة. «لقد أحسّ المحدثون أنّ الشعر يعيش في عصر التخصّص وأن لا بدّ له من أن يتخصّص في مُهمّةٍ ما، فأرادوا أن يخصّصوا مُهمّة الشعر بهذه الهزّة التي يحدثها في النفس»[14]. ولا سبيلَ خيرٌ من الصور الجديدة لأنّها توقظ في المرء عالم الطفولة، وتعيد إليه حسّ الدهشة الذي يكتشف به الطفل الحقائق الأولى[15].

 

سعيد عقل والأسطورة

إنّ شخصيّة سعيد عقل وأفعاله وأقواله تكاد تتّسم بطابعٍ أسطوريّ: فهو ذو ثقافةٍ أسطوريّةٍ عريضة في الأدب واللغة والفنّ واللاهوت والفلسفة[16]، وذو اتّجاهٍ إقليميّ لبنانيّ واضح يجهر به ويفخر ويجنّد كلّ طاقاته الإبداعيّة في خدمة لبنان[17]، وهو مانح المبدعين جوائزَ عديدة، كما أنّه قام بمحاولاتٍ جريئة للتجديد في الشعر واللغة[18]، ويعتبره بعض النقّاد زعيم المدرسة الرمزيّة في الشعر العربيّ بلا منازع، ويقارنه بعضهم الآخر بشاعر فرنسا الكبير بول فاليري[19].

هذه الشخصيّة الأسطوريّة استقت بعض موضوعات أدبها من الأساطير والميثولوجيا الدينيّة والتاريخيّة؛ فقد استمدّ الشاعر موضوع قصّته الشعريّة المجدليّة (1937) من الكتاب المقدّس، العهد الجديد. وكان من قبلُ استمدّ موضوع مسرحيّته بنت يفتاح (1935) من الكتاب المقدّس، العهد القديم[20]. قال في توطئة بنت يفتاح: «مفترض في المأساة أن يكون موضوعها عريقاً في القدم، يغطّيه غبار السنين جلالاً. فأخذتُ موضوعي من العهد القديم واستخدمته للتعبير عن أماني بلادي»[21].

 

أوّلاً- الأسطورة في «المجدليّة»

المجدليّة امرأة زانية ورد اسمها صريحاً في الإنجيل إحدى عشْرة مرّة[22]. يُستشفّ من أخبارها أنّها أخت أليعازر الذي أحياه المسيح وأخت مرتا القدّيسة. أخرج منها المسيح سبعة شياطين فتابت وكانت له تابعة ورسولة، وهي التي جاءته يومَ كان في بيت أحد الفرّيسيّين، فسكبت قارورة الطيب عند قدميه وغسلتهما بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها. ومريم المجدليّة هي التي وقفت مع مريم العذراء على أقدام الصليب، وشاركت في دفن المسيح، وهي أوّل من شاهد القبر فارغاً، وهرعت تخبر بطرس ويوحنّا. ولدى عودتها، كانت أوّل مَنْ رأى المسيح بعد قيامته من الموت. ولكن أهمّ ما يميّز شخصيّة مريم المجدليّة في الإنجيل أنّها المرأة الزانية التي تابت فغُفر لها حتّى لقد طوّبتها الكنيسة قدّيسة، واحتفلت بعيدها في الثاني والعشرين من شهر تمّوز يوليو، وغدت شفيعة المومسات والعطّارين ومزيّني الشَّعر والبُستانيّين... واستلهمتها الفنونُ أدباً ورسمًا ونحتاً وموسيقى وسينما، وحيكت حولها الحَكايا فأضحت أسطورةً من الأساطير[23].


وجديرٌ بالذكر في هذا المقام أنّ نماذج البغايا والزواني، اللواتي يستثرن العطف لأنّهنّ سقطن ضحايا البؤس والفقر، من الصُّوَر التي ميّزت الشعر العربيّ الحديث. وقد نظر الشعراء إلى هؤلاء البغايا والزواني نظرةً ملؤها الإشفاق والرثاء، ورأوا في إخلاصهنّ في الحبّ تكفيراً عن كلّ الرذائل، واستعاضةً عن كلّ الزلاّت، وتطهيراً لكلّ السيّئات السالفة[24].


أوّل ما يلفت انتباهنا في المجدليّة أنّ سعيد عقل لم يرَ في المرأة الزانية ما يراه فيها سائر الناس: دعارةً وقبحاً وانحلالاً، ومصدرَ عهرٍ وفسقٍ وفساد؛ وإنّما لمح فيها كائناً سامياً يساوي يسوع روعةً وجمالاً وصفاء، متسربلاً بالعفاف على الرّغم من المغريات:


نغمةٌ آذنت وصحوٌ أضاءَ

في محيّاً

هيمانَ من نعماءَ

تتراءى فيه الأمانيُّ

زرقاءَ

وتفنى

عبر الرؤى

بيضاءَ[25]

 


فانظر إلى هذه الألوان الزاهية[26] التي إن دلّت على شيء فعلى الضياء والصفاء والنور والسناء. وبعيداً من تأويلات الرمزيّة، اقرأ وصف الشاعر الرائع هذه الغانيةَ التي ملأت الدنيا وشغلت الناس:


تملأ الجوَّ

من أصابعها العشْرِ

فملهى الضحى

أصابعُ عشْر[27]...

يطهر الطَّرْف، إن رآها على نيّر عهرٍ مخضّبٍ ببياضِ

عَرَفَ الناس نشوةَ الحبّ في نديانِ جسمٍ مخضوضرِ اللذّاتِ[28]

 


فانظر إليه جعل العهر يطهر، وانظر إلى هذين اللونين المعبّرين خير تعبير: الأبيض (وقد وردت لفظة أبيض في المجدليّة تسع مرّات) رمز الطهارة، والأخضر رمز الشهوة الصاخبة الصارخة المتجدّدة أبداً. إنّ غزل سعيد عقل غزلٌ خلاّق، ينحت الجمال نحتاً، ويصوّره تصويراً، ثمّ يلبسه اللباس الفنيّ من ألوان اللآلئ والورود.


وليس الجمال الرائع وحدَه ما يلفت انتباهنا في مريم المجدليّة، وإنّما يواكب جمالَها الفتّان اثنان: الحبّ والفرح. يقول جورج غريّب: «ركّز سعيد عقل جُلّ أدبه على الحبّ، القاعدة الأصل التي منها شمخت قِباب الأبنية عنده»[29]. لقد خُلقت المجدليّة قبل كلّ شيء للحبّ، للفرح:


سفحَ الله، غِبَّ نشوته، قارورةَ الحُسْن في صحاري البريّه

فإذا في الرُّبى

اعتراشُ الدَّوالي

ووراء الرِّمالِ

رَجْعُ الأغاني

وإذا للحياةِ أمنيةُ الحبِّ

وللأرض

مريمُ المجدليّه[30]

 


لقد برأ الله المجدليّة نسمةً تعطّر الأجواء وتغمر الأرض حبّاً وفرحاً وحياة، فخفق اسمها في جوّ أورشليم خفقةَ العطر في جواء الربيع:


رأتِ المجدليّةُ الضوءَ

أسيانَ

فأجرته

في الرُّبى

أنهارا

والمروجَ الفتيانَ

ذبلى كهولاً

فجنتها أعزّةً أزرارا[31]

 


إنّ أهميّة الحبّ في الأدب أوضح من أن ندلّل عليها بأمثلة، ومزاياه في إعادة النضارة والشباب، ونتائجه الثورويّة اجتماعيّاً واضحة. إنّ الحبّ من دأبه أن يحطّم السجن الذي يحبس فيه المجتمعُ الفردَ، ويعني أنّ السعادة أو النشوة التي تعطي الحياة معنىً يمكن العثور عليها. وعندما يكون الحبيب والشعر والحُلم ضرورةً للحياة كالهواء الذي يتنفّسه الانسان، يصبح تأليه الحبّ أمراً واقعاً[32].

ومن هنا، تغدو المجدليّة رمزاً إلى الحبّ والجمال تضاهي المسيحَ رمزاً إلى الألوهة والجلال:


فالأرضُ

في الرّعشةِ

تلقى الجمالَ

قرب الألوهة![33]

 


لا عجبَ، بعد ذا، إن هامت المجدليّة بيسوع، فكان هيامُها العميق سبيلاً إلى التوبة والغفران:


سمعتْ زهرةُ اللذائذ أنّ الكونَ بالناشقِ الأبيّ تمخّض

بفتى الطُّهر، يَنشد الوردَ

صعباً

طيّبَ الفوحِ

طيّبَ البوحِ

أبيضْ[34]...

ووهتْ زهرة اللذائذ في سرّ يسوع

تقول:

يومَ أراه[35]

 


ما أبعدَ «زهرة اللذائذ» هذه عن أزهار الشرّ وأفاعي الفردوس! زهرة عقل زهرةٌ جميلة سقطت من أجل الآخرين، من أجل فرحهم وسعادتهم، وسكبت جمالَها قرباناً على مذبح النشوة، ولكنّ  «قارورة الحُسْن» ما لبثت أن تاقت إلى يسوع، ذلك «الناشق الأبيّ»، فبرئت من دنسها وخطاياها. أمّا أزهار بودلير ف«نبتت وأزهرت في تربةٍ خبيثة، تربة كلّها انحرافات نفسيّة، ومن هنا تكون معبّرة عن صاحبها، مصوّرة لتحلّلِه من القيم الخُلقيّة»[36]. وما أجملَ الصورة التي رسمها الشاعر ل «زهرة اللذائذ» بريشة الكلمة والحرف، وهي تبوح بحبّها ليسوع وتبكي توبةً:


صارحتْه بالحبّ

والكونُ ساهٍ

لا يعي

والزمانُ

لا يتوالى،

فإذا الردُّ من يسوع

جفونٌ

تتسامى

وجبهةٌ

تتعالى[37]...

وارتمت زهرة اللذائذ

هيمى

عند رجلَيْ يسوع

حرّى المآلِ

تلثم التُّرب

توبةً

ويسوعُ

يتوارى

في جُهمة الأدغالِ[38]

 


ما أروعَ هذه التوبة الصادقة تبوح بها امرأةٌ خاطئة إلى الإله الشابّ، «فتى الطُّهر»، بعد أن استحوذ على لبّها الحبُّ الإلهيّ! وما أروعَ هذا البوح الذي يجمع المصارحة إلى الحبّ والصَّلاة! وبعد، أفتستحقّ هذه المرأة الرجم بالحجارة أم الرحمة والغفران؟ « قد غُفرت خطاياها الكثيرة لأنّها أحبّت كثيراً»[39].


يرتمي

ذلك الجناحُ

عليها

فيراها الإلهُ

ظلَّ إله![40]

 


ولمّا كان الحبّ عطاءً، فإنّه يُشـيع في النفس فرحاً، ويغمر الفـؤاد راحةً وسـعادةً وسكينة. يقول صلاح لبكي: «الحقّ أنّ شعر سعيد عقل شعر الفرح. من أين جاءته فكرة الفرح؟ ربّما من المسيحيّة»[41]. وليس من شأننا هنا أن نتقصّى مصادر عاطفة الفرح في شعر سعيد عقل، ولكن يمكن القول: إنّ المجدليّة رمزٌ رائع إلى كلّ إنسان أخطأ، فأحبّ فتاب فلاقى الفرح وصار «ظلّ إله». ومن هنا نفهم قول فراس السوّاح معرّفاً معنى الأسطورة: «إنّ الأسطورة هي حكاية مقدّسة، ذات مضمون عميق يشفّ عن معانٍ ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان، يؤمن أهل الثقافة التي أنتجتها بصدق روايتها إيماناً لا يتزعزع، ويرَون في مضمونها رسالةً سرمديّة موجّهة إلى بني البشر»[42]. وإذا كان ت. س. إليوت يرى في الإيمان شفاءً من عقم «الأرض الخراب» وبرءاً من جدب الحضارة الماديّة الآليّة، فإنّ سعيد عقل يرى في الحبّ قدرةً على التحوّل، ومصدرَ فرحٍ حقيقيّ، وتسامياً إلى الألوهة.

 

ثانياً- الأسطورة في «قَدْموس»

أمّا مسرحيّة قَدْموس (بدأ بنظمها 1937، وصدرت 1944)، والتي قامت عليها شهرته الأدبيّة، فقد استمدّ موضوعها من أسطورةٍ إغريقيّة تقول إنّه «لمّا اختطف زوش، كبير الآلهة، أوربّ بنت ملك صيدون، لحق بهما قَدموس إلى بلاد الأغارقة ليستردّ أخته... وأوربّ هي التي أعطت الغرب اسمها كما أعطاه قَدموس حروف الهجاء (الألفباء)، وهكذا كانا الواحدةُ رسالةَ الحبّ والآخر رسالةَ المعرفة»[43]. يقول الدكتور فيليب حتّي: «من أثر الفينيقيّين في بلاد الإغريق أسطورة قَدْموس (وهي كلمة من جذرٍ ساميّ تعني القادم من الشرق أو الشرقيّ) الذي يُعزى إليه شرفُ إدخال حروف الهجاء إلى بلاد الإغريق، وبناء مدينة طيبة التي كانت قلعتها العالية المحصّنة تُعرف باسم قَدْميا... وقَدموس هذا كان قد بعث به أبوه ليفتّش عن أختٍ له خطفها إلهٌ إغريقيّ تُسمّى عُرْبا. وهذا الاسم عُرْبا (= الغرب) أُطلق في ما بعد على القارة بأجمعها: أوروبّة... تقول الأسطورة إنّ الاله زَفْس (وهو نفسه زوش أو جوبيتر) الذي استحال إلى ثور اختطف عُرْبا ابنة الملك الفينيقيّ أغنور (Agenor) الجميلة من مرج قريب من الشاطئ وحملها إلى جزيرة كريت. وكان هذا الإله الإغريقيّ قد وقع في غرام الفتاة اللبنانيّة، وعندما استقرّ به المقام في كريت عاد إلى شكله الإنسانيّ مرّةً أخرى وتزوّجها. وقد رُزق منها ابناً هو الملك مينوس، الملك الكريتيّ المشترع الشهير الذي وصلت الجزيرة في عهد مُلكه الذروة في الرّقي والعمران»[44].


واضحٌ من هذه الأسطورة أنّ لبنان، أو فينيقيا بلغة ذلك العهد، كان له أثرٌ جليل في بلاد الإغريق خاصّةً وفي العالم عامّةً، فتناول الشاعر سعيد عقل هذه الأسطورة الفريدة، وهو رجل الثقافة الفذّة، وأنشأ منها مأساةً فريدة تخلّلتها بعض الملامح الملحميّة وكان هدفه واضحاً: تمجيد لبنان وتمجيد رسالته السامية على مرّ الدهور. أَوَلَيْس هو القائل بلبننة العالم؟


لن نقف هنا على قَدموس كعملٍ مسرحيّ كلاسيكيّ صارم الكلاسيكيّة من حيث اختيار الموضوع عريقاً في القدم، ومن حيث مراعاة الوحدات الثلاث، ومن حيث تجلّي هذا القلق المسرحيّ الذي يغمر القلوب فتتوقّع كلّ لحظة اصطدام خُلق بخُلق مضادّ[45]، ولكنّنا نتوقّف عند الشخصيّات الرئيسة في المسرحيّة لنرى ما تحمله من رموز، وكيف تعاونت هذه الرموز لتجسّد الهدف المرتجى من الأسطورة الإغريقيّة. والشخصيّات الرئيسة في هذه المسرحيّة هي: قَدموس، وأوربّ، ومِرى، وزوش، والأعمى، والتنّين.


قَدموس: ابن الملك أغنار (أو أغنور)، يرمز إلى الطموح اللبنانيّ والإرادة، وإلى الرسالة الإنسانيّة التي يؤدّيها لبنان، رسالة المعرفة والهداية، ولا غلوّ إذا قلنا: إنّ قَدموس رمز لبنان، لأنّه يجسّد الوجود اللبنانيّ في العالم، وهنا يتوحّد الرمز والمرموز إليه:


جاء قَدموس بالكتابة، بالعلم

إليهم، إلى الأواتي العصور

وغداً يعرفون أنّا على السفْن

حملْنا الهُدى إلى المعمور[46]

 


لولا طموحُه الكبير ولولا الرسالة الإنسانيّة التي يحملها ويبشّر بها، لما جبه قَدموس الملمّات وصمد في وجهها ببسالةٍ نادرة.


أورُبّ: أخت قَدموس وعروس زوش (أو زيوس)، ترمز إلى الجمال الرائع الذي سحر إله الآلهة وأثار غَيْرة الإلهات زوجاته، وترمز أيضاً إلى الحبّ والمحبّة: الحبّ العميق الذي تكنّه لزوجها، والمحبّة الصادقة الصافية التي تضمرها لأرضها ووطنها ومسقط رأسها. إنّ «بنت صيدون» مرتبطة بمدينة وليس بعائلة، ممّا يجعلها ممثّلة لأمّة ولروح شعب[47]. إنّها المرأة- الشعب، والمرأة- الوطن. وهي أخيراً تمثّل «الحكمة اللبنانيّة التي ظهرت في العقل الأوروبيّ الذي اخترق سجوف الحقائق الكونيّة ولم يرتدّ عن مهاجمة المستحيل»[48]. قال الشاعر على لسان أوربّ:


ليس أرزاً، ولا جبالاً، وماءً؛     وطني الحبّ، ليس في الحبّ حقدُ

وهو نورٌ فلا يَضُلّ: فكدٌّ،     ويدٌ تُبدعُ الجمالَ، وعقلُ

لا تقلْ: «أمّتي»، وتجتاحَ دنيا،     نحن جارٌ للعالَمين وأهلُ![49]

 


لم يتغنَّ سعيد عقل بلبنان أرضاً وحجارةً وتراباً، بل بلبنان القيم والفضائل والمجد. لبنان «أكثر من لفظة، أكثر من منظر، من ريح»[50].


مِرى: وهي حاضنة قَدموس وأوربّ ومربّيتهما، ترمز إلى الحنان والوفاء والضمير اللبنانيّ، على الرّغم من كلّ الأهوال والنوازل والأخطار.


ويح أوربّ ما أرادت وما نالت؟

خداعاً منّي لنفسي العَليّة

وكلاماً ينمّق الزّورَ في عينيَّ

ويودي بالمَكْرُمات السّريّة؟[51]

 


زوش: سيّد الآلهة اليونان وربّ أربابهم، يرمز إلى الغرب، إلى القوّة التي تأخذ الشعوب بالقهر، إلى عالم المادّة الذي لا يحترم المثُل ولا يقيم وزناً للقيم. ولذلك حينما أتى زوش الشرق ليستمدّ من روحه المحبّة التي تمثّلها أوربّ، لم يحسن الإفادة من هذا المنهل العذب، بل تضاءل إشراقُ المحبّة وحلّت محلّها القوّة والتخويف بالدمار:


مِرى: أوتبكين؟

أوربّ: والنّزال، مِرى؟ والسَّيف؟

أنّى يُصِبْ وجيعاً يُصِبْني

يا هُوَيناهُ! كان حُسْناً فأذوى

وتملّى البكاءَ والهمَّ حُسْني[52]

الأعمى: عرّافٌ إغريقيّ، يرمز إلى المكر والخبث والقَدَر الغاشم، وهو ومِرى على طرفَيْ نقيض، إذ يقف بجانب الشرّ فيناصر زوش ويدعو للتنّين بالنصر والغلبة.


التنّين: حارس كهفٍ في صخرٍ موحش يجري منه ينبوع، يرمز إلى الشرّ والقوّة والدمار[53]. إنّه سلاح الغرب، به يحافظ على سلطته وهيبته:


مغلقٌ، إنْ يبِن فأظفارَ ليثٍ

وجناحَي نَسرٍ على أفعوانِ

وحشُ وحشِ الوجود سرّ الغباوات

إذا قُدّرتْ لهنّ السّنونُ

بات أعمى عن الخليقة يلتذّ

إنِ التذّ جيفةً ودمارا[54]

 


لكنّ نهاية التنّين وخيمة لأنّه مهما طال الأمد، فلا بدّ من أن ينتصر الخير على الشرّ.


وفي ضوء المرحلة التاريخيّة التي ظهرت فيها هذه المسرحيّة (1944)، وهي مرحلة جلاء الانتداب الفرنسيّ عن لبنان، يمكن فهم قول مارون عبّود: «رأى سعيد في أسطورة قَدموس فجرَ يوم حقّ ومعرفة ومحبّة سخيّة انبثق من لبنان»[55]. لقد أراد سعيد عقل أن يبيّن أنّ الإنسان اللبنانيّ قادر على السموّ فوق جراحه، وهو يجد في رجاحة عقله الوسيلةَ التي يواجه بها الحياة. لقد وجد الشاعر في أسطورة قَدموس، وهي الطالعة من أرض لبنان والمزروعة في ترابه، ما يبثّ العزيمة في صدور اللبنانيين، وما ينفخ فيهم روحَ الوطنيّة. ولذلك سمّاها بعض النقّاد ملحمةً لبنانيّة[56]، ودستوراً للفكرة اللبنانيّة[57]، وبنايةً شعريّة مشدودة الأقسام تعبّر عن عواطفِ أمّة أشدّ ممّا تعبّر عن عواطفِ فرد. قال صلاح لبكي: «ما أبعدَنا معها عن اللحن الواحد حِيالَ هذه الألحان المتناغمة، وعن عاطفة الفرد حِيالَ عواطفِ الإنسان، وعن تنازع البشر في ما بينهم حِيالَ تنازعِهم والأقدار. يا ما أبعدَنا عن الفتح بالسيف حِيالَ الفتح بالحبّ وعن رسالة القوميّات حِيالَ الرسالة الإنسانيّة»[58].


ولعلّ أهمّ نقد يمكن أن يُوجَّه إلى قَدموس أنّ الشاعر نظم أكثر شعره في «غمرة الوعي»، وهو الذي كان يقول في مقدّمة المجدليّة: «اللاوعي في الإنسان طاقة ولا كأحدّ الوعي... إنّ اللاوعي رأس حالات الشعر... الشعر من لاوعي وجوهره أشبه بموسيقى»[59]. ويتجلّى هذا الوعي في هذه الكلاسيكيّة الصارمة التي قيّد بها الشاعر مسرحيّته، وفي هذا الأسلوب المعقّد ذي الصور المتلاحقة والصيغ غير المأنوسة (كتقديم النعت على المنعوت، وإدخال أل التعريف على الفعل، وإبعاد المعمول عن عامله...)، كما يتجلّى في هذه العقيدة الوطنيّة العاصفة والالتزام الشديد بها، وأخيراً في تحميل الأبطال ما لا تطيقه نفوسهم وما لا تصل إليه عقولهم، من العمق الفكريّ والامتداد الثقافيّ والفلسفة الوطنيّة والحضاريّة الواعية، في زمنٍ موغلٍ في القدم وفي بيئةٍ موغلةٍ في البدائيّة.

 

مقارنة وخَرْجة

بين المجدليّة وقَدموس رابطةٌ روحيّة متينة تتجلّى بالحبّ الذي يخلق الفرح. إنّ مريم المجدليّة حكايةُ امرأة وهبت رجالاً أشقياء الحبّ والفرح، ولكنّ حبّاً أسمى حوّلها من إباحيّة إلى متصوّفة، وطهّرها من كلّ شائبة، وصيّر خطاياها الحُمْر كالقرمز بِيضاً كالثلج، ووهبها السعادة الحقيقيّة. وإنّ أسطورة قَدموس هي أسطورة الحبّ: حبّ أوربّ زوجَها وأخاها وأرضَها، وحبّ قَدموس أختَه ووطنَه ورسالتَه، وحبّ زوش أوربّ. «إنّ الحبّ في قَدموس نارٌ آكلة»[60]. وإنّ هذا الحبّ هو الذي «جعل هذه القارة الصحراويّة (أوروبّا) أجمل قارّات الدنيا»[61]. ولولا الحبّ لما كان لهذا الكوكب الذي يُسمّى الأرض اثنان: الكتاب والمدنيّة[62].


وبين المجدليّة وقدموس رابطةٌ أخرى هي رابطة الفنّ: مجدليّة الإنجيل ذات الشياطين السبعة غير مجدليّة سعيد عقل «زهرة اللذائذ»، وفكرتها الضئيلة تستتر وراء قِطَعٍ من الفنّ التصويريّ تتعاقب متسلسلةً في أعذب لفظ. وقَدموس، هذا الرجل الأسطوريّ في الميثولوجيا اليونانيّة، يختلف اختلافاً بيّناً عن قَدموس سعيد عقل؛ هذه المأساة اللبنانيّة نسيج وحدِها بلغة الضاد، وقَدموس هذا غدا رمزَ لبنان.

إنّ الأسطورة في المجدليّة وفي قَدموس عودةٌ إلى التراث المسيحيّ والتراث اليونانيّ وبعثُهما، وانفتاحٌ على الإنسانيّة الرّحبة بما تبسط من قيمٍ روحيّةٍ سامية.

--------------------
هوامـش

* متخصّص بالأداب العربيّة. أستاذ في الجامعة اللبنانيّة، وفي جامعة القدّيس يوسُف - بيروت.

[1] Patrice de la Tour du Pin, La Quête de joie  (1933), “Prélude”.

 [2]  على سبيل المثال، نشأ المسرح اليونانيّ القديم أصلاً في كنف عبادة ديونيزوس إله الخمرة والنشوة والفنّ المسرحيّ، وربّ التراجيديا على مرّ العصور. أنظر: أنطوان معلوف، المدخل إلى المأساة والفلسفة المأسويّة (بيروت، مكتبة لبنان، ط1، 2009)، «ديونيزوس والمسرح»، ص17-24؛ وفي شأن أسطورة ديونيزوس، انظر: عبد المعطي شعراوي، أساطير إغريقيّة (القاهرة، مكتبة الأنجلو المصريّة، 1995)، 537-505 /2؛

 

Pierre Brunel, Dictionnaire des mythes littéraires (Paris, Editions du Rocher, 2ème éd. 1994), p. 443-473

 [3]  إنّ الأساطير الفارسيّة، مثلاً، وجدت في الفنون الأدبيّة، ولا سيّما ملحمة الشاهنامه للفردوسي، سجلاًّ لها. أنظر: حسين مجيب المصريّ، الأسطورة بين العرب والفرس والترك (القاهرة، الدار الثقافيّة للنشر، 2000)، ص22.

[4]  سيّد القمني، الأسطورة والتراث (القاهرة، المركز المصريّ لبحوث الحضارة، ط3، 1999)، ص25-26.

[5]  أنظر: ميرسيا إيلياد، ملامح من الأسطورة، ترجمة حسيب كاسوحة (دمشق، منشورات وزارة الثقافة، 1995)، ص230-231.

[6]  يقول ميشال عاصي في هذا الصدد: «التراث الأسطوريّ يُرضي جوهر الطفولة عند الإنسان. وكلّ إنسان مهما كبر يظلّ يعيش فيه الطفل الصغير الذي كانه ذات يوم». ميشال عاصي، الفنّ والأدب (بيروت، المكتب التجاريّ، ط2، 1970)، ص165.

[7]  إحسان عبّاس، فنّ الشعر (عمّان، دار الشروق، ط4، 1987)، ص131.

[8]  أحمد كمال زكي، الأساطير (بيروت، دار العودة، ط2، 1979)، ص226.

[9]  عزّ الدين اسماعيل، الشعر العربيّ المعاصر (بيروت، دار الثقافة، 1966)، ص30.

[10]  م. ن.، ص14.

[11]  إيليّا حاوي، شفيق المعلوف شاعر عبقر (بيروت، دار الكتاب اللبنانيّ، ط2، 1981)، ص35.

[12]  جبّور عبد النور، المعجم الأدبيّ (بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984)، مادّة «ميثة»، ص274.

[13]  قصيدة «الأرض الخراب» هي أشهر قصيدة طويلة في القرن العشرين. تتألّف من 403 أبيات ل ت. س. إليوت (1888-1965). نُشرت عام 1922. وهي حصيلة التجربة الذاتيّة من اشمئزاز وضياع وقلق ويأس، ولكنّها أيضاً صورة دقيقة لأزمة الإنسان الغربيّ الذي تطحنه الحضارة الماديّة، فتُفني فيه كلّ روحانيّة وتصيب نفسه بالعقم والجدب. والشعور المهيمن على القصيدة كلّها هو القلق يرافق العجز عن الإيمان. فيها سِمات من الرمزيّة والوجوديّة. لها، بالعربيّة، ترجماتٌ عديدة، لعلّ أفضلها ترجمة لويس عوض في كتابه في الأدب الانجليزيّ الحديث (القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط2، 1987)، ص320-351؛ وترجمة ماهر شفيق فريد في قصائد (الفجّالة والإسكندريّة وبيروت، دار المستقبل ومكتبة المعارف، ط1، 1996)، ص113- 142.

[14]  عبّاس، م. س.، ص94.

[15]  جبرا إبراهيم جبرا، الرمز والأسطورة (بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط2، 1980)، ص44.

[16]  حدّثني الشاعر سعيد عقل صبيحةَ 11/9/1990 في منزله بعين الرمّانة- بيروت، فعرّف الثقافة قائلاً: «هي أن تعرف خمسة: الشعر والفنون والعلوم والفلسفة واللاهوت وأن تمتزج بكلّ ذلك ويمتزج بك إلى حدّ الانصهار». وقد كان، وهو بعدُ فتىً، ينصرف إلى الرسم والنحت، وكان يعزف على البيانو. وكانت باكورته كتاب تاريخ الآداب العالميّة، وهو مخطوط وأقدم من كلّ ما نُشر من شعره والنثر. وقد امتازت مقدّمات مؤلّفاته بالنظرات العميقة وبالغوص على المبادئ، وأمكن القارئ أن يخلص من نتاجه إلى عالم كبير من الحقائق الكونيّة والفنيّة. قال في أبحاثه الأب هنري لامنس: «لأوّل مرّة نرى مثل هذه الأبحاث في تاريخ الأدب العربيّ». أنظر: وليم الخازن، كتب وأدباء (بيروت وصيدا، منشورات المكتبة العصريّة، ط1، 1970)، ص295 وما يليها؛ وحنّا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربيّ - الأدب الحديث (بيروت، دار الجيل، ط1، 1986)، ص670 وما يليها.

[17]  قال حنّا الفاخوري في لبنانيّته: «وسعيد عقل يجنّد كلّ طاقاته الفلسفيّة والتاريخيّة والفنيّة في خدمة لبنان؛ وهو يقوم برحلة الألوف من السنين ليكتشف الحضارة اللبنانيّة والتراث اللبنانيّ، ويقلّب صفحات التاريخ صفحةً صفحة ليكتشف الأسماء اللبنانيّة التي سجّلت في سجلّ ذلك التاريخ أحرف المجد وآيات العزّة». م. ن.، ص672.

[18]  آمن سعيد عقل بفكرة تجديد الحرف العربيّ واعتماد الحرف اللاتينيّ بعد إدخال تعديلات عليه. وحقّق أوّل خطوة من ثورته اللغويّة في ديوانه يارا (1961)، ومن ثمّ في جريدته الأسبوعيّة لبنان. أنظر: وليم الخازن، م. س.، ص297؛ ورياض قاسم، اتّجاهات البحث اللغويّ (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط1، 1982)، 1/593.

[19]  قال في شعره مارون عبّود: «سعيد عقل داعي دعاة الإيحاء وأبو اللاوعي وأخو الشعر الصافي». دمقس وأرجوان (بيروت، دار مارون عبّود ودار الثقافة، ط4، 1979)، 5/58. وانظر أيضاً: صلاح لبكي، لبنان الشاعر (بيروت، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر، ط1، 1981)، ص273 وما يليها؛ ودرويش الجندي، الرمزيّة في الأدب العربيّ (الرمزيّة في الأدب العربيّ. مكتبة نهضة مصر، 1985)، ص441-442. ولمناف منصور دراسة أدبيّة مقارنة بين سعيد عقل وبول فاليري (بيروت، منشورات مركز البحوث والإنماء، 1980).

[20]  وجد الأدب اللبنانيّ الحديث ضالّته في الكتاب المقدّس: فجبران ونعيمه أُعجبا بأسلوبه الرائق المنسجم وحاولا النسج على منواله، وأبو شبكة استلهم قصص التوراة في بعض قصائده («شمشون» و«سدوم»)، واستقى منه صلاح لبكي بعض أساطيره («النغم التائه»)... قال الشاعر يوسف الخال: «إنّنا لم نهتمّ بعد بدراسة أثر التوراة في الأدب العربيّ الحديث أو المعاصر. وفي الخمسين سنة الأخيرة كان لها أثرٌ عميق جدّاً يحتاج إلى دراسة». أنظر: وليم الخازن، م. س.، ص103.

[21]  سعيد عقل، بنت يفتاح في شعره والنثر (بيروت، نوبِليس، ط2، 1991)، توطئة، 1/16.

[22]  متّى، 56:27؛ 61:27؛ 1:28؛ مَرْقُس، 40:15؛ 47:15؛ 1:16؛ 9:16؛ لوقا، 2:8؛ 10:24؛ يوحنّا، 25:19؛1:20. وانظر كذلك: يوحنّا، 1:8-11؛ لوقا، 36:7-50.

[23] Cf. Pierre Brunel, Dictionnaire des mythes féminins (Paris, Editions du Rocher, 2002), p. 1261-1269 ; Daniel Arasse, On n’y voit rien (Paris Denoël, 2005), «La toison de Madeleine», p. 79-93.

[24]  محمّد غنيمي هلال، الأدب المقارن (بيروت، دار الثقافة، ط3، 1962)، ص305-306. وانظر أيضاً: جان طنّوس، صورة المومس في الأدب العربيّ (بيروت، دار المنهل اللبنانيّ، ط1، 2006).

[25]  المجدليّة في شعره والنثر (بيروت، نوبِليس، ط3، 1991)، 1/97. في تتبّعها جدليّة الرذيلة والفضيلة في المجدليّة، لاحظت الباحثة هند أديب أنّ هذه القصيدة الطويلة (110 أبيات) مقسّمة بمهارة قسمين: قسماً تجسّده مريم المجدليّة (55 بيتاً)، وقسماً آخر يجسّده المسيح (55 بيتاً). أنظر:شعريّة سعيد عقل (بيروت، دار الفارابي، ط1، 2010)، ص181-182.

[26]  حدّثني سعيد عقل عن كثرة الألوان في شعره، فأرجعها إلى تأثّره بالبيئة التي نشأ فيها، وهي بيئة ترشيش وزحلة، الحافلة بألوان الزهور والرياحين. قال: ولدتُ سريري ضفّةُ النهر، فالنهرُ/ تآخى وعمري مثلما الوردُ والعطرُ. أنظر: كما الأعمدة في شعره والنثر (بيروت، نوبليس، ط2، 1991)، مطلع قصيدة «النهران»، 6/53.

[27]  المجدليّة، ص101.

[28]  م. ن.، ص104-105.

[29]  ورد ذكره في كتب وأدباء، م. س.، ص340.

[30]  المجدليّة، ص100-101.

[31]  م. ن.، ص102-103.

[32]  جبرا، م. س.، ص51. ويقول عبد اللطيف شرارة في حديثٍ له عن كتابه فلسفة الحبّ عند العرب (بيروت، دار مكتبة الحياة، 1960): «الظاهر أنّ جميع تجارب الحياة، حتّى الميتافيزيقيّة منها، تتّصل أوثق الاتّصال بالحبّ، فالألم الحقيقيّ مثلاً لا يكون فاعلاً ومؤثّراً إلاّ إذا كان منبعثاً من صميم حبّ عظيم... ولقد خسر العالم الحديث الحبّ لأنّه اعتمد على الجنس ولم يترك للعاطفة أيّ أثر في حياته النفسيّة لأنّ الجنس من زاوية العلم يقتل الحبّ ولا يقيم وزناً للأخلاق». أنظر: الخازن، م. س.، ص205-209.

[33]  المجدليّة، ص120.

[34]  م. ن.، ص110.

[35]  م. ن.، ص113.

[36]  شوقي ضيف، دراسات في الشعر العربيّ المعاصر (القاهرة، دار المعارف بمصر، ط7، 1979)، ص167-168.

[37]  المجدليّة، ص125-126.

[38]  م. ن.، ص127.

[39]  لوقا، 47:7.

[40]  المجدليّة، ص130.

[41]  صلاح لبكي، لبنان الشاعر، ص285. يقول سعيد عقل في حديثه إلى كاتب هذه السطور:«لاحظتُ أنّ الشعراء معظمهم تغنّوا بعاطفة الحزن، في حين أنّ في النفس البشريّة أكثر من عشرين عاطفة. فأردتُ أن أجعل عاطفة الفرح محور شعري. وهذا ليس غريباً، فحياتي كلّها فرح: لقد ولدتُ في بيتٍ ثريّ، وقد أحبّني والداي حبّاً عظيماً وأحببتهما، وعرفتُ النجاح باكراً، وحظيتُ بحبّ الناس ولا سيّما الشباب منهم».

[42]  فراس السوّاح، الأسطورة والمعنى - دراسات في الميثولوجيا والديانات الشرقيّة (دمشق، دار علاء الدين، ط2، 2001)، ص14-15.

[43]  سعيد عقل، قَدموس في شعره والنثر (بيروت، نوبِليس، ط4، 1991)، 1/137.

[44]  فيليب حتّي، تاريخ لبنان، ترجمة أنيس فريحة ومراجعة نقولا زيادة وإشراف جبرائيل جبّور (بيروت، دار الثقافة، ط2، 1972)، ص143-144. وفي شأن أسطورة قَدموس وأوروبّا يمكن مراجعة: أوفيد، مسخ الكائنات، ترجمة ثروت عكاشه (القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1992)، ص 69، 75؛ وعبد المعطي شعراوي، أساطير إغريقيّة، م. س.، «أسطورة طيبة»، 97-45 /2.

[45]  لتحليل كلاسيكيّة قَدموس، راجع الكتب التالية: مارون عبّود، دمقس وأرجوان، م. س.، ص64؛ أنطون غطّاس كرم، الرمزيّة والأدب العربيّ الحديث (بيروت، دار النهار، 2004)، ص236-239؛ يوسف الصّميلي، الشعر اللبنانيّ (بيروت، دار الوحدة، ط1، 1980)، ص155؛ حنّا الفاخوري، الأدب الحديث، م. س.، ص676.

[46]  قَدموس، ص146.

[47]  هند أديب، م. س.، ص117-118.

[48]  الفاخوري، م. س.، ص155.

[49]  قَدموس، ص210.

[50]  لبنان إن حكى في شعره والنثر (بيروت، نوبليس، ط6، 1991)، «يومَ زار يسوع لبنان»، 3/92.

[51]  قَدموس، ص200.

[52]  م. ن.، ص145.

[53]  قال الدكتور يوسف الحوراني في معرض حديثه عن كتابه الإنسان والحضارة (بيروت، دار مكتبة الحياة، 1962): «يُنسب إلى قَدموس أيضاً أنّه قضى على أحد الأمراض وقد اعتقد الإغريق أنّ هذا المرض كان بصورة تنّين». أنظر: وليم الخازن، م. س.، ص77.

[54]  م. ن.، ص150.

[55]  دمقس وأرجوان، ص 67. وانظر أيضاً: الصّميلي، م. س.، ص154.

[56]  عبّود، م. س.، ص68-69.

[57]  الفاخوري، م. س.، ص677.

[58]  لبكي، م. س.، ص298-299.

[59]  المجدليّة، ص14-17-28.

[60]  عبّود، م. س.، ص67.

[61]  لبنان إن حكى، «زارنا التاريخ»، ص123.

[62]  م. ن.، ص124.
 

الدكتور جوزيف لبّس