المقدمة
القاعدة في لبنان: ماذا بعد نهر البارد؟
هل «القاعدة» موجودة في لبنان؟ وهل هي مع فريق الثامن من آذار أم فريق الرابع عشر منه؟ بهذه العبارة يطرح اللبنانيّون موضوع تنظيم دولي يصارع الأميركيّين في كلّ العالم، ويعتقدون بأنّ «القاعدة» كتنظيم ونشاط واختراقات أمنية وخطوط إمداد خلفية ونسق فكري وسياسي وبنية دينية، أن القاعدة هذه بحربها الضروس مع الغرب هي «شأن يحصل للآخرين» و«بلاء» يصيب غيرنا، ولكن نحن منه بعيدون.
إثبات وجود «القاعدة» أصبح، منذ عام 2004، أمراً بيد القضاء اللبناني الذي بدأ في ذلك التاريخ بتوجيه تُهم مماثلة لمجموعة إسماعيل الخطيب، الذي يعدّه العديد من اللبنانيين شهيداً قضى من أجل نصرة العراق، ويعتبرون اتّهامه بمحاولة تفجير السفارة الإيطالية في وسط بيروت حجّة أو ذريعة لضرب هذه المجموعات. ومن الخطيب إلى أكثر من دزينة من الشبكات، بات في أرشيف القضاء اللبناني مخزون يسمح بتكوين صورة عن تنظيم «القاعدة» ونشاطه في لبنان.
«الأخبار» حاولت الدخول إلى عالم هؤلاء، وتابعتهم منذ ما قبل بروز تنظيم «فتح الإسلام». إلا أن المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» تذهب أبعد من ذلك. ثمّة عشرات من الشبكات الصغيرة والمتوسّطة في لبنان. وبعد بحث ميداني بدأ منذ ما قبل نشوء تنظيم «فتح الإسلام»، ومراكمة المعلومات والبحث، ظهرت الخلايا والشبكات وعمليّات الدخول والتدريب في لبنان لمصلحة تنظيم القاعدة مباشرة، أو لمجموعات رديفة وحليفة له. وانطلاقاً من لبنان، انتشر العشرات، بل المئات، من الناشطين في دول العالم الغربي والعراق وبعض دول الجوار، للقيام بمهمّات محدّدة أو بانتظار تنشيط عمليّات وخلايا في الغرب وبعض الدول العربية.
من البقاع، مجدل عنجر ولالا والقرعون وغيرها، إلى مناطق أقصى شمال لبنان، عكار وطرابلس والضنية، وصولاً إلى بيروت بأحيائها المكتظّة من الطريق الجديدة إلى البسطة وغيرهما، وصولاً إلى إقليم الخروب، وليس نهايةً بمخيّم عين الحلوة وبعض قرى العرقوب، يظهر جسم السلفية الجهادية صلباً وواسعاً. تعرّض لنكسة نتيجة «خطأ» معركة نهر البارد، ويتوجّس هذا الجسم خشية من مطاردات أمنية تطال كل من اشتُمّ منه تمسّك بشعار الجهاد في سبيل الله، فيختفي مؤقتاً تحت الأرض، ويقلّص حركته إلى أقصى مدى، ولكنه لا يهدأ. فهو، من ناحية، لا يكفّ عن نصرة الجهاد، بالمال في فلسطين خاصة، ونصرته بالمجاهدين في العراق. ومن ناحية ثانية، يعزّز أواصر الصداقة مع علماء الدين الرسميّين، ويحمي وجوده بأهله من المؤمنين، ويوسّع إطاره البشري، ويعمّق سيطرته على مناطق محددة، ولو اضطر إلى إقامة تحالفات سطحية مع أطراف فاعلة. كما أن جسم الجهاديين لا يكف عن تطوير مواقفه السياسية وعقيدته الجهادية، وجعلها قريبة من عقول الشبان ووعيهم، وإقامة الحجة على فشل الخيارات الأخرى وفسادها. وهو حريص دائماً على عدم تكرار «خطأ» نهر البارد، والحفاظ على لبنان كقاعدة عمل خلفية لكل من أراد مقاومة الإسرائيليين ومقارعة الأميركيين. وجسم الجهاديين في لبنان بأجمعه أصبح أكبر من أن يغرق في صراعات تافهة وهامشية بين قوى 8 و14 آذار، وهو لديه ما لديه من صراعات مع الأميركيين ومن يتبعونهم.
وفي المقابل، لا يشير ما تتعامل به السلطات في لبنان إلى إدراك عميق لماهية ما يواجهه المواطنون في هذه البلاد، ولا إلى فهم جدّي لعقيدة المجاهدين السلفيين. وهي، إذ ترى ما حصل في مخيم نهر البارد مفصلاً لم يعد بإمكان فتح الإسلام التحرك من بعده، فإنها تثبت بهذا الاستنتاج كم هي بعيدة عن الواقع، وكم هي غارقة في أوهامها.
فتنظيم فتح الإسلام استعاد قدراته، وأعاد هيكلة انتشاره، ورمّم خريطة تحالفاته، وانطلق إعلامياً بقوة مجدّداً، وإن كان على غرار الإعلام الجهادي الحديث في العالم: الوسائل التقنية الحديثة هي المعتمدة من دون ضجيج. وقد تجاوز تنظيم «فتح الإسلام» ما جرى معه في مخيم نهر البارد، وبات يثبت قدرته على تنفيذ عمليات، سواء في لبنان أو في فلسطين، وبات يحتجّ على ما قامت به حماس أخيراً من اعتقال لعدد من مجاهديه في قطاع غزة. كذلك بدأ القسم الإعلامي في «فتح الإسلام» بمزاولة نشاطه التعبوي والتدريبي، عبر موقعين على الأقل على شبكة الإنترنت، وأعلن مقتل 98 من عناصره خلال معارك نهر البارد، ناشراً بعض التفاصيل عنهم. ونشر صوراً لمقاتلين مصابين تلقّوا العلاج خلال معارك نهر البارد دون شروط طبية، وفتح أبوابه للنقاشات الداخلية والعامة.
وغير بعيد عن فتح الإسلام، فإن العديد من الشبكات السلفية الجهادية العاملة والناشطة تبشّر كل من يريد النظر إلى إمكان انطلاق حملات جديدة ضدها. وحين تحاور ناشطيها، فإنهم يبدون خشيتهم من قيام السلطات اللبنانية بعمليات ضدّهم إرضاءً للأميركيين، أو غيرهم من حلفاء الولايات المتحدة، ويصرّون على أنهم لا يمارسون أي نشاط في لبنان، أما خارج لبنان فإن واجبهم يحتّم عليهم النصرة.
وتنشط السلطات الأمنية اللبنانية حالياً في القبض على عناصر متهمّين بالتعاون مع القاعدة، إلا أن التصنيف لتنظيم القاعدة نفسه في لبنان يضعه في خانة «الأداة الأمنية» العاملة لمصلحة قوى خارجية، سواء كانت سوريا أو السعودية. إلا أن الواقع السياسي اللبناني المضطرب أدى إلى تمركز القاعدة وانتشارها في كل المناطق، مدعومة من شبان وعلماء دين يعتقدون بحق قضيتهم في الانتصار. وباتت شبكات القاعدة التي تسلّط عليها الأضواء فتقع في الأسر، تعطي صورة أوضح، وإن كانت لا تزال مجتزأة، عن ماهية التنظيم والمستفيدين من انتشاره.
تتعدّد الأسئلة عما مرّ على لبنان، ومن أين دخل بلد الأرز في زمن «القاعدة»؟ وهل تحالفت انتفاضة الاستقلال مع السلفيّين الجهاديّين؟ وما هو الدور السوري في ضخّ مئات من المقاتلين العرب إلى لبنان؟ وتنطلق شرارة الأسئلة التي لا يمكن كبحها: ما هي علاقة فتح الإسلام بتنظيم القاعدة؟ من أين أتى مقاتلوه وكوادره العرب؟ ما الذي كانت تعده فتح الإسلام قبل المعارك؟ وماذا حلّ بمقاتليها؟ كيف يعمل تنظيم القاعدة في لبنان ومن هم كوادره؟ ما هي أهدافه الفعلية، ولماذا لم يجر تبنّي تنظيم «فتح الإسلام» من التنظيم الدولي؟ من هم العرب الذين دخلوا لبنان، ومن هم الخارجون منه وإلى أين ولماذا؟ من يدرّب المتطوّعين في لبنان وأين؟ على ماذا يتدرّب مقاتلو القاعدة، وما هي مهاراتهم في أطر التزوير والتزييف؟ ما هي علاقات القاعدة بالطبقة السياسية اللبنانية، وما هي علاقات فتح الإسلام بأهل السياسة في البلاد؟ من أعطى التسهيلات لفتح الإسلام للتحرك في كل لبنان، وما هي هذه التسهيلات؟ من هي الشخصيات المقرّبة من قيادات القاعدة التي دخلت إلى البلاد في عامي 2006 و2007، ومن هي المجموعات القاعدية التي عملت في لبنان وما كانت مهماتها الرئيسية؟ ما هو عدد المجموعات وما هي هويتها وانتماءاتها؟ من هي السفارات التي غطّت أو تعاونت أو سهّلت مهمات القاعدة؟ ومن هي السفارات التي سرّبت معلومات عن نشاطات القاعدة في لبنان وإلى أية جهات؟ ما الذي تعلمه القوى الأمنية اللبنانية عن نشاط القاعدة وما الذي تجهله؟ كيف تتواصل مجموعات القاعدة في لبنان مع قيادة التنظيم العالمية؟ وكيف كانت تعمل آلية المراقبة والتحكّم والسيطرة في نهر البارد قبل المعركة.
الحلقة الأولى
نهاية «فتح الإسلام» كما يرويها أحد عناصرها
مثّلت نهاية فتح الإسلام في مخيّم نهر البارد بدايةً لنضوج ما سيليها من نشاطات جهاديّة في لبنان. وكانت محطةً إلزاميّةً ــ كما يبدو ــ لنموّ التنظيمات الجهاديّة التي بدأت تظهر في عام 2003 بشكل مباشر وفاعل
تكتشف السلطات الأمنيّة اللبنانيّة خليّةً لـ«القاعدة» في لبنان، وتعلن في بداية شهر تشرين الأوّل من عام 2003 اعتقال مجموعة من عشرين شخصاً، بينهم لبنانيّون وسعوديّون ويمنيّون وأردنيّون وفلسطينيّون وأتراك وسوريّون، بتهمة إنشاء تنظيم «القاعدة» عبر خلايا نائمة في المناطق وهيكليّة معلنة في مخيّم عين الحلوة. تلك كانت المرّة الأولى التي يحال فيها ملفّ واضح التهمة، وعمل التنظيم الدولي بعدها عبر لبنان مستفيداً من حجم كبير من التسهيلات التي توفّرها الأراضي اللبنانية والبيئة المحليّة.
لم يكن الفقر والظلم الذي يرى السنّة أنفسهم خاضعين له هو وحده ما حدا التنظيم إلى الدخول والاستفادة من المجال اللبناني، ولا كانت كثافة السنّة الملتزمين دينياً وحدها هي التي سمحت بتوسّع حركة الخلايا التابعة للتنظيم مباشرة أو بالواسطة. بل إنّ وجود عدد من القضايا التي لم يعد هناك من يمثّلها فعلاً، ومنع أهل السنّة من الانخراط في القتال المسلّح ضد إسرائيل، وفتح باب الجهاد أمامهم في العراق، الأرض الخصبة التي كبرت فيها شجرة «القاعدة»، كلّ ذلك فتح باب البلاد أمام «القاعدة» والمجموعات الجهاديّة.
في 21 أيلول من عام 2004، أعلن لبنان إحباط هجوم إرهابي على سفارتَيْ إيطاليا وأوكرانيا في بيروت، بالتنسيق بين المخابرات اللبنانيّة والإيطاليّة. وأعلنت وزارة الداخليّة اللبنانيّة إلقاء القبض على شبكتَيْن من تنظيم «القاعدة»، واحدة برئاسة أحمد سليم الميقاتي وأخرى برئاسة إسماعيل محمّد الخطيب.
إسماعيل الخطيب الذي سيموت تحت التعذيب، امتنع عن الإدلاء بأيّة معلومات يطلبها منه المحقّقون. وهو، بسبب ذلك، سيتحوّل إلى أسطورة وبطل بنظر أبناء منطقته وبنظر أخوته المجاهدين الذين سيجرون دورات أمنية ويطلقون عليها دورة الشهيد إسماعيل الخطيب، وهو ما يرد في اعترافات شبكة الـ13 أمام المحقّقين من فرع المعلومات.
بعد أعوام من ذلك، ستنفجر أعنف معركة ضدّ قوى جهاديّة في لبنان: معارك نهر البارد. وسيكتشف لبنان أنّه ليس معزولاً عمّا يجري حوله من نشاط للقوى الجهاديّة وصعود نجمها. تخيّل البعض أنّ الرقص على أنغام النشيد الوطني سيكون كافياً حتّى يطرد شبح الجهاديّين.
من مكان ما في لبنان، يتحدّث أحد عناصر «فتح الإسلام» عمّا عاشه في المخيّم خلال المعارك. الشاب اللبناني الذي كان في صفوف مقاتلي الحركة يقول إنّ من المهمّ «أن يعرف المسلمون، وخصوصاً أهل السنّة، حقيقة ما جرى».
ومن «فتح الإسلام» إلى «القاعدة»، ثمّة مسافة غير طويلة، إلّا أنّها تبقى قائمة. واتّسعت هذه المسافة مع بدء القتال في مخيّم نهر البارد، إذ كان الموقف الفعلي وغير المعلن للتنظيم الدولي هو عدم الانحصار في منطقة وعدم الدخول في معارك مباشرة. فللبنان أهمّيته الخاصّة في مسار أعمال التنظيم، وهي طبعاً ليست في العمل المباشر، إلا ربّما ما يتعلّق بوجود قوات الطوارئ الدولية. أمّا لناحية المسائل الأخرى، كالموقف من النظام اللبناني والدور في مقاومة إسرائيل والموقف من قيادة أهل السنّة، فالمسألة متروكة لحين آخر.
إلا أنّ «فتح الإسلام»، بعد انتهاء المعارك في مخيّم نهر البارد، حظيت باهتمام بارز في مواقع الجهاديّين المقرّبين من تنظيم «القاعدة»، ومدّت يدها لتطال الداخل الفلسطيني. وإن كان ثمّة من القياديّين الجهاديّين من يشكّك بالأمر، فإنّ عناصر «فتح الإسلام» الموجودين في محيطنا القريب يؤكّدون، في المقابل، ما يحصل من تطوّر في عمل الحركة وحتّى من تنسيق بينها وبين قوى جهاديّة محليّة.
«بدأت الحملة الإعلاميّة على فتح الإسلام قبل المعارك بوقت طويل»، يقول الشاب من فتح الإسلام الذي نجح في الانسحاب في اليوم الأخير من المعارك: «كانت الحملة من الحكومة ومن المعارضة على حد سواء، فكان كلّ طرف يتّهم الحركة بأنّها تعمل لمصلحة الطرف الآخر»، دائماً بحسب الشاب الذي سيرد ذكره في التقارير الخاصة بفتح الإسلام بصفته الناطق الإعلاميّ الجديد.
الشاب الذي يتحدّث بصراحة متناهية يشير إلى عدم تورّط «فتح الإسلام» رسميّاً في تفجير عين علق في 13 شباط من عام 2007: «لقد لُفِّقت هذه الاتهامات زوراً وبهتاناً ضد الحركة، فكانت الشرارة الأولى في صراع كانت فتح الإسلام تتوقّعه». وقرّر مجلس شورى الحركة «عدم الانجرار لأيّ صراع مع أي جهة في لبنان أو من داخل مخيم نهر البارد، وبقيت فتح الإسلام تعضّ على جراحها رغم الحصار والاستفزازات حتّى فجر العشرين من أيّار».
ويستطرد الشاب في كلامه ليشرح ما مرت به «فتح الإسلام» من مراحل قبل انفجار الصراع. فـ«من أوجُه صبرنا على الأذى قبل المعركة، أنّ حركة فتح قتلت أحد كوادرنا، وهو أبو عبد الرحمن المقدسي رحمه الله. وبالرغم من قدرتنا على تصفية وجودهم داخل المخيم، صبرنا حتى لا يقال إنّنا نريد تخريب الأمن في لبنان».
في كلّ مرة كانت تُعتقَل إحدى مجموعات «فتح الإسلام» أو عناصر منها، كان التنظيم يتّصل عبر أقنيته الخاصّة بقوى الجيش التي تعمل على معالجة الأمر. و«قبل المعركة بشهر ونصف، حوصر ثلاثة إخوة لنا في طرابلس، فتمّ الاتّصال بالجيش عبر وسطاء من المدينة، وبالتحديد من جبهة العمل الإسلامي، فتوصّلنا إلى حل للمشكلة»، بحسب المقاتل في التنظيم.
ولكن «ما حصل فجر العشرين من أيار هو أنّ مجموعة من الإخوة كانوا محاصَرين في مدينة طرابلس، فاتّصلوا بنا لنعالج الأمر كما كان يحصل في السابق. حصل فعلاً اتصال بيننا وبين بعض المشايخ، منهم (داعي الإسلام) الشهّال، وهدّدت الحركة بأنّها ستوسّع المعركة إذا تمّ قتل الأخوة. وهنا كانت اللعبة المكشوفة من جهاز فرع المعلومات، إذ رفض أي مبادرة للحل، بعكس ما كان يحصل سابقاً، وأصرّ على اقتحام الشقّة، وتمّ قتل الإخوة وإحراقهم في شارع المئتين».
«لعبة» هو التعبير الذي يستخدمه المقاتل، والذي يشرحه بالقول: «إنها لعبة لأننا توصلنا في السابق إلى أكثر من حل مع الجيش في قضايا أخرى، وهنا كان فرع المعلومات يغتاظ بشدة».
جاء قرار حركة «فتح الإسلام» عنيفاً هذه المرّة، «هنا اتّخذ القرار بعدم السكوت على هذه المجزرة الرهيبة التي وقعت واستُشهد فيها 17 أخاً مسلماً»، ودائماً وفق رواية المقاتل السابق الذي يضيف قائلاً: «أقدم الأخ أبو هريرة، ومعه مجموعة من الإخوة، على اقتحام حواجز الجيش حول المخيّم. ثمّ توسّع الهجوم حتّى وصل الإخوة إلى بلدة المحمرة، وسيطروا على الطريق الدولي بنيرانهم الخفيفة. وطبعاً هنا أشاعت بعض الجهات أنّنا ذبحنا الجنود، وهذا كذب واضح وفاضح. فالإخوة قتلوا الجنود بالرصاص، ومنهم من قُتل بفعل القذائف. فما جرى هو أنّه بعد قتل الأخوة في طرابلس، اقتحمَت مواقع الجيش المحيطة بنهر البارد وقتل الجنود والضباط هناك».
ويصر الذي سيشارك بسبب هذه الأحداث بمعارك لأكثر من ثلاثة أشهر: «ما حصل لم يكن غدراً كما أشيع، لأن الجيش كان مستنفراً. لقد كانت معركة حقيقية».
ويكشف أنه بعدما استمرّ القتال لمدّة يومين «بشراسة قبل أن تتدخل القوى الإسلامية في طرابلس، ونتوصل إلى وقف للنار. وهنا أؤكّد لك، والله يشهد على ما نقول، أنّ تيّار المستقبل وعناصر فرع المعلومات كانوا ينزعجون من توقّف القتال، فيقومون بإطلاق النار من المنية باتّجاه الجيش، وفي الوقت نفسه باتّجاه المخيم، فيعود الوضع إلى الانفجار». هذه هي الرواية المختصرة التي يقدّمها المقاتل لبداية المعارك.
المقاتل الذي انسحب في اليوم الأخير من المعركة بعملية فرار كبيرة تمكّن خلالها المقاتلون المنهكون الذين حلقوا لحاهم على عجل والتحرك بعيداً عن أعين الجيش اللبناني، يصر على القول إن «الصواريخ التي كانت تسقط على عكار لم تأت من المخيم، والله يشهد على ذلك».
مصائر مجهولة
يعرّف المقاتل في صفوف حركة فتح الإسلام عن نفسه بالقول «أنا مسلم لبناني، كنت في المخيّم خلال المعركة وخرجت منه في اليوم الأخير». ويبدي تأكيده أنّ «هناك مبالغة كبيرة من الحكومة اللبنانية ومن الجيش في تقدير الضحايا»، واعداً بنشر أسمائهم، وهو الوعد الذي حقّقه بنشر 98 اسماً.
ويؤكد المقاتل أن التسجيل الذي بُثَّ لشاكر العبسي هو بصوته فعلاً، وهو يدعو قائده باسم «أبو حسين المقدسي حفظه الله»، من دون أن يتمكّن من تحديد مصير عدد من القياديّين من الحركة مثل أبو سليم طه الذي صدرت بيانات عن اعتقاله. لكنّ عدداً ممّن التقوه نفوا أن يكون الذي ظهرت صوره على التلفزيونات هو نفسه الناطق باسم فتح الإسلام. ويقول المقاتل: «الوضع الآن تغيّر، والإخوة موجودون في مناطق متفرّقة من لبنان وخارجه، وأنا لا أعرف من هم المعتقلون بالضبط، على الأقلّ حتى هذه اللحظة، لذلك لا أستطيع نفي هذا الأمر أو تأكيده».
الحلقة الثانية
من هنا دخل لبنان عصر الجهاد المُعولَم
تبدّلت الأحوال في العراق من حكم صدّام إلى الاحتلال الأميركي. وفي لبنان، انطلقت الحمية بين الشبان السلفيّين المؤمنين بضرورة الجهاد، وبأنّه فرض عين. وبدأت «القاعدة» تنظر إلى البلد الصغير وضرورة استخدامه كموطئ قدم ومنجم للخبرات
في الثامن من كانون الأوّل من عام 2003، وجّه القضاء العسكري الاتّهام إلى اليمني معمّر العوامي، الملقّب بـ«ابن الشهيد» والمتّهم بأنّه الرأس المدبّر لعمليات تفجير الماكدونالدز، بأنه مرتبط أيضاً بالرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» الدكتور أيمن الظواهري
وُجِّه الاتّهام للعوامي بأنّه يتلقّى من الظواهري، عبر وسيط مصري قُتل لاحقاً، الأموال والتوجيهات لإنشاء خلايا لضرب المصالح الأميركيّة. وألقي القبض على العوامي أثناء محاولته الخروج من عين الحلوة بواسطة بطاقة مزوّرة، بناءً على نصيحة من مسؤولي «القاعدة» في السعودية وبريطانيا بضرورة مغادرته الأراضي اللبنانية إثر تداول اسمه إعلامياً بعيد توقيف أفراد شبكة «ماكدونالدز» وعلى رأسهم خالد العلي. وتلك كانت المرة الأولى التي تصل فيها القاعدة إلى القضاء اللبناني، وقبلها كانت مجموعة الضنية (1999-2000) التي تمت تصفيتها وزجها في السجن. إلا أنه لم يثبت قطعاً علاقتها بالقاعدة.
قبل ذلك بأسابيع قليلة، تكتشف السلطات الأمنية خلية للقاعدة، ويُتّهم إسماعيل الخطيب بتزعّم إحدى الشبكات. كان الزمن هو زمن غزو العراق، والخطيب كان قد انسحب من إحدى الدعوات السلفية ليعمل وفق قناعاته في دعم الجهاد، مسهّلاً العبور من لبنان الى العراق رجالاً وأسلحة وخبرات، ولكن الخطيب نفسه لم يكن بالرجل القيادي، وتحوّل فجأة إلى السلفية ملتزماً بإحدى الدعوات الوهابية، بحسب ما يتحدث أقرباؤه.
عام 2003، قُتل قريب إسماعيل، علي الخطيب، وحسن صوانة على الحدود العراقية السورية بعدما وشى بهما المهرّب الذي تعهّد نقلهما الى العراق. «دامت المعركة مع الأميركيين 18 ساعة» بحسب والد أحد الشابين، الذي يقف في صقيع شتاء البقاع وغير بعيد عن الحدود اللبنانية السورية ليقول «الكل يتعاطف مع الشيخ أسامة، ولا يوجد سنّي ضد القاعدة، وإن كنّا أدرى بالأخطاء».
«الشبكات الأصوليّة كانت في البداية تعمل تحت نظر المخابرات السوريّة، وبغضّ طرف منها»، يقول أحد أفراد عائلة الخطيب، ويضيف شارحاً أنّ الوهابية ظهرت أوّلاً في قرى البقاع الأوسط، ثم انتقلت وهي تخوض صراعاً مع الإسلام التقليدي نحو باقي البقاع. ويُعد الشيخ عدنان امامة هو من شقّ طريق الوهابية، وانطلقت حركته من مجدل عنجر الى الرفيد الى باقي القرى، وصولاً الى القرعون. وكان هؤلاء مسالمين، إلا أن خشيتهم من المخابرات السورية والقمع اللبناني دفعتهم الى التسلّح للدفاع عن النفس، معلنين كذلك خوفهم من الاعتداءات الاسرائيلية. إلا أن إسماعيل الخطيب وعدداً من الشبان والمجموعات انشقّوا عن الشيخ امامة واتجهوا نحو دعم الجهاد في العراق.
بعد عام من مقتل الخطيب، وفي خريف عام 2005، اتّخذت قيادة القاعدة في العراق ودول الجوار قراراً باستخدام لبنان أرضية لعقد اللقاءات والاجتماعات وتسهيل النشاطات الجهادية، تحت غطاء عدد من الجمعيات المحلية، وجرى العمل سراً، منعاً لإثارة ردود فعل طائفية. إلا أنّ حركة السلفيين في لبنان كانت مريحة نسبياً، ما أغرى قيادة القاعدة بالعمل انطلاقاً من لبنان.
في تلك المرحلة، كان المسؤول المالي للقاعدة في الدول العربية الفلسطيني أمين أنيس ديب، الذي أوقف غيابياً لدى السلطات اللبنانية بتاريخ 15/10/2003 لاتهامه بتمويل تفجير الماكدونالدز، يرسل الحوالات الماليّة لأحد قياديّي الحركات الجهادية في عين الحلوة، ويتكفّل هذا الأخير بتوزيعها وفق خريطة متّفق عليها سلفاً، كما يرعى العديد من المشاريع الخيرية والتعليمية في عدد من المخيمات، ويقدم مساعدات لمجموعات جهادية متحالفة مع القاعدة أو مدعومة منها، من بينها تنظيم جند الشام وعصبة الأنصار، ويدعم معهد «مرشد» الإسلامي الذي يديره الشيخ عبد ح.، وهو والد أحد المعتقلين في شبكة الـ13، وعضو تجمع العلماء المسلمين. وهذا المعهد يتولى إعطاء الدروس الفقهية والجهادية، ويتعاون مع معهد «مؤمن الديني» في إندونيسيا برئاسة الشيخ الإندونيسي وحي الدين، الذي يعد الرجل الثاني في مجلس المجاهدين الإندونيسيين ونائب الزعيم الإسلامي أبو بكر باعشير.
حتى اللحظة، يشير ما هو متوافر من معلومات إلى أنّ القاعدة في لبنان والمنطقة تقوم على بناء هرمي وعنقودي. ورغم أنّ العديد من المجموعات الجهاديّة تُبدي اعتقادها بأنّه لا شيء يُدعى «تنظيم القاعدة» بالمعنى الكلاسيكي، فإنّ المتابعات اليوميّة والمعلومات تؤكّد وجود هذا التنظيم بهرميّة أمنية صارمة، تتعاون أو تتقاطع أو تستفيد من وجود مجموعات متحمّسة. وتختار القاعدة في كل دولة مشرفاً ومنسّق أنشطة، تحت إمرته مسؤولون محليّون. أمّا مجموعاتها فلا تتعدّى ستّة أشخاص للخليّة بينهم عنصر مهمّته الرفد بالوثائق والأوراق المزوّرة من بطاقات شخصية وأوراق سيارات وجوازات سفر.
في لبنان، تصنِّف العديد من الأوساط تنظيم جند الشام من ضمن مداخل القاعدة إلى البلاد. ويتزعّم التنظيم، المحصور في منطقة تدعى حيّ التعمير على طرف عين الحلوة، الشيخ الفلسطيني أسامة الشهابي الذي لم يصل إلى الأربعين من العمر. أما المسؤول العسكري لهذا التنظيم، فهو الفلسطيني عماد ياسين، المعروف بالعديد من الألقاب كأبو الوفا وعماد اللحبكي، وهو يلتزم بقرار عصبة الأنصار، وسيتحدّث في الحلقات اللاحقة باسمه، كما باسم غيره من العصبة، الشيخ وفيق شريف عقل أو «أبو شريف».
ويتزعّم اللبناني غاندي السحمراني، البالغ من العمر 44 عاماً، والملقّب بأبو رامز الطرابلسي، مجموعةً جهادية شبه مستقلّة أغلب عناصرها من شمال لبنان.
ويعتبر لبنان وعدد من الدول العربية المحيطة به بقيادة الدكتور الظواهري، يعاونه: السعودي أحمد إبراهيم التويجيري، أبو جعفر، وهو من مواليد عام 1979، واللبناني علي محمد قاسم حاتم، أبو بكر، من القرعون 1968، موقوف غيابياً لدى السلطات اللبنانية عام 2003، والفلسطيني أحمد علي العزية، مواليد 1972، ومطلوب للسلطات اللبنانية وأوقف غيابياً بتاريخ 15/10/2003، والمغربي الشيخ محمد صالح عجرودي، مواليد 1960، وموجود في أفغانستان، وهو معروف باسم الشيخ ظافر فرج الله آغا، والقيادي الفلسطيني أبو محجن، أو أحمد عبد الكريم السعدي، من مواليد 1967، وهو الأمير السابق لتنظيم عصبة الأنصار، ومطلوب للسلطات اللبنانية بموجب عدة مذكرات توقيف بتُهم متنوّعة، من بينها اغتيال الشيخ نزار الحلبي في بيروت بتاريخ 31/8/1995. ترك لبنان إلى العراق كما يشاع، وسلّم قيادة العصبة إلى شقيقه أبو طارق السعدي والشيخ أبو شريف، والأخير من مواليد 1968، من مخيم المية ومية في لبنان. يرد اسمه في العديد من التحقيقات مع شبكات اتهمت بالانتماء إلى تنظيم القاعدة في لبنان. ومن بين معاوني الظواهري أيضاً السعوديان خالد السعيفان، وسلطان الشيباني.
ويعمل القاعدة في لبنان، بشكل رئيسي، في العديد من المناطق ذات الكثافة السنّية حيث تتاح لها حرية الحركة والتدريب والاتّصال والتعبُّد.
في خريف عام 2006، كانت حرب تموز قد انتهت للتو، حين بدأ النشاط الجهادي يظهر، وبدأت ترد المعلومات عن تجهيز مئات المجاهدين العرب لأنفسهم للالتحاق بحرب اعتقدوها طويلة. ومع نهاية الخريف، بدأ الجهاديون يتركّزون في مخيمي البارد والبداوي لاعتبارات من بينها خوف الأصوليين من هجوم تنفذه فتح بالتنسيق مع الدولة اللبنانية وبغطاء عربي وغربي، للقضاء على الجهاديين في عين الحلوة ونشر الجيش في منطقة التعمير وإدخال الواقع الأمني للمخيمات في الجنوب تحت غطاء القرار 1701.
أمير البلاد
في نهاية شهر تشرين الثاني من عام 2006 يصل إلى مخيم عين الحلوة زائر مهم، هو أحد كوادر تنظيم القاعدة في المنطقة العربية، الأردني ممدوح الأحمدي، الذي يتنقل عادة بهويات وأوراق فلسطينية مزيّفة. يعقد الزائر عدداً من اللقاءات في مكتب عصبة الأنصار مع المسؤول العسكري أبو عبيدة وبعض كوادر العصبة الرئيسيين.
كان الزائر يجول على المنطقة، ويُبلغ من يلتقيهم بأنّ تنظيم القاعدة قد عيّن الشيخ السعودي جمال بن مكتوم الرفاعي مسؤولاً للتنظيم في الشرق الأوسط (تسلّم مسؤولياته في قيادة المنطقة في نهاية شهر أيلول من عام 2006)، وأنه بصدد دراسة زيارة لبنان بهدف العمل على جمع التنظيمات الجهادية تحت لواء القاعدة. كما أبلغهم بتحبيذ الرفاعي شهر الولاء علناً للتنظيم وقائده الشيخ أسامة بن لادن وأمير البلاد المعيّن حديثاً، خلال خطب الجمعة في المساجد التي تشرف عليها المجموعات الجهادية الموالية للقاعدة.
الحلقة الثالثة
المجاهدون العرب تحملهم الحماسة إلى لبنان
انتهت حرب تموز، وتركت خلفها مئات من المجاهدين العرب الراغبين في الجهاد، ولكن على أرض لبنان. واتُّخذ قرار متقاطع بين عدّة مجموعات بتجنيب مخيّم عين الحلوة الكأس الأمنية المرّة، فكان التأسيس لنهر البارد
كان خريف لبنان عام 2006 حزيناً. البلاد خارجة من حرب قاسية نحو انقسام سياسي قاتل، ومخيّم نهر البارد يعيش حياته التجاريّة التي تعرّضت لنكسة مع الانسحاب السوري من لبنان، إلا أنها عادت وانتعشت، من دون أن يتحسّن معها الجانب الاجتماعي في المخيم. حدث ذلك، فيما الوضع الأخلاقي استمرّ بتراجع مطّرد مع انتشار الرذيلة والمخدّرات وحالات السكر الصاخبة لشبّان منتمين إلى تنظيمات فلسطينيّة. وستجد دائماً من يتّهم السلطات اللبنانيّة بتسهيل الرذيلة في المخيمات الفلسطينية،
وكذلك تسهيلها عبور أسلحة خفيفة تقتل سكّان المخيّمات، ولا تؤذي من هم خارجها. في ظلّ هذه الأجواء، خرجت «فتح الإسلام» إلى العلن.في بداية الشهر الأخير من عام 2006، شهد البارد زيارة من الفلسطيني السوري عبد الله خضرجي، وهو شاب يبلغ من العمر 34 عاماً. خضرجي كان أحد كوادر «فتح ــ المجلس الثوري» قبل أن يتركها، وسبق له أن خضع لدورات أمنية وعسكرية في ألمانيا الشرقية في نهاية الثمانينات، لدى جهاز المخابرات الألمانية الشهير، «الشتازي». وصل الشاب إلى البارد يرافقه عدد من القياديين الجهاديين من القاعدة: قاسم الدليمي، محمد الدليمي، عبد الله الدليمي، خالد البطاطي، عارف مجلي، وإبراهيم الهويدي. أمضت المجموعة وقتاً في المخيم ثم انطلق كلٌّ من عناصرها بمفرده إلى أحد المخيمات الفلسطينية، وبدأ العمل على تشكيل خليّته في إطار دعم حركة جهادية تشمل لبنان وعدداً من الدول العربية والأوروبية.
أسابيع قليلة مرّت قبل أن تعمد، في بداية عام 2007، ما سنطلق عليه اسم «مجموعة الشمال» الجهادية، وهي مجموعة سبق لها أن فرّت من شمال لبنان عام 2000 إلى مخيم عين الحلوة، إلى الانتقال من هذا المخيّم المذكور إلى البارد في الشمال، تنفيذاً لتعليمات مسؤولين قاعديّين. ومع توافد عناصر هذه المجموعة، بدأ العمل على توسيع النشاط الإسلامي الجهادي في البارد من جهة، وإبعاد التهديدات الرسمية اللبنانية عن مخيم عين الحلوة من جهة ثانية، وخصوصاً مع بروز كلام سياسي وإعلامي وأمني عن عزم الجيش اللبناني الانتشار في منطقة التعمير في عين الحلوة التي تعدّ معقلاً لهذه المجموعة الجهادية.
«مجموعة الشمال» هذه كثيراً ما كانت تمثّل جزءاً من جند الشام. وفي حينه، انتقلت هذه المجموعة نحو البارد لدعم الانتفاضة التي قام بها سبعون عنصراً انشقّوا عن حركة «فتح الانتفاضة» (27/11/2006)، واحتلّوا حوالى خمسة مواقع، وأعلنوا تنظيمهم الجديد باسم «فتح الإسلام»، متّخذين من مؤسّسة «صامد» في المخيّم مركزاً رئيسياً، إثر اشتباك وقع في مخيّم البداوي في 23 من الشهر نفسه، وقررت على أثره المجموعات الجهادية الانكفاء إلى نهر البارد وإعلان انطلاقتها رسمياً.
أما تنظيم جند الشام، فلم يتأثر عملياً بهذا الإجراء، وخصوصاً أنّه ـــــ رغم كونه عبارة عن عشرات المقاتلين لا غير برئاسة الشيخ الفلسطيني أسامة أمين الشهابي ــــــ من أبرز التنظيمات التي تنسّق مع «القاعدة» وتتلقّى منها الدعم والتمويل، وله خلايا جهادية في سوريا تتوزّع بين حماه، إدلب، حلب، السلمية، تدمر، ويشرف عليها السوري مروان ك. «أبو الستار»، وهو يقيم في إحدى قرى حماه، ويتردد إلى دمشق ولديه اتصالات مع علماء الدين السلفيين في البقاع الغربي في لبنان.
في البارد، أعلنت مجموعة الشمال ولاءها لمسؤول حركة «فتح الإسلام» شاكر عبسي، ولمعاونه اللبناني شهاب قدور. وكان قدور في تلك الفترة منهمكاً بنقل متفجّرات من نوع C4 وذخائر متنوّعة إلى البارد.
ما لم يُلحظ مرّةً لا إعلاميّاً ولا أمنيّاً كان الانتقال المفاجئ الذي قامت به في الوقت عينه مجموعة أخرى ضمّت خمسين مجاهداً من مخيم برج البراجنة، متخلّيةً عن موطئ قدمها في الضاحية الجنوبية لبيروت لتستقرّ في نهر البارد هي الأخرى.
كانت «فتح الإسلام» تستضيف الوافدين، وتنظّم شؤونهم، وتعمل على استيعابهم في أجهزتها العاملة في المخيم. وظهرت لدى الحركة الناشئة إمكانات مالية مقبولة، ونوع من التسلّح الفردي الخفيف والذخائر الحديثة، وإن كانت خفيفة بأغلبها. كلّ ذلك بدأ يشي بهوية هذا التنظيم، أو على الأقلّ بعلاقاته خارج لبنان. وكانت المعلومات المتداولة في شهر كانون الثاني عام 2007 تؤكد أن «فتح الإسلام» هي أحد فروع «القاعدة» في لبنان.
تراكمت الجهات الداعمة لحركة «فتح الإسلام». بدأ يظهر اسم ج. خ.، أحد مسؤولي الحركة الإسلامية المجاهدة في عين الحلوة، بصفته قدّم دعماً مالياً لـ«فتح الإسلام»، من خلال مسؤولين قاعديّين في الخارج. أمّا تدريب العناصر المحدثين في العمل القتالي، فتولّاه المسؤول العسكري لتنظيم جند الشام الفلسطيني عماد ي. البالغ 40 عاماً من العمر.
في ذاك الوقت، وصلت وفود رسمية للمشاركة في مؤتمرات إسلامية من المملكة العربية السعودية، وبقي العديد من أعضائها في لبنان، كما وصل شبان للسياحة من مناطق عدة في العالم العربي، واختفت آثارهم في لبنان، ولم يكن مطار رفيق الحريري الدولي وحده من يستقبل القادمين لمشاركة «فتح الإسلام» جهادها، بل دخل العشرات من المقاتلين وبعض المجموعات الجهادية بكامل عناصرها، من سوريا عبر طرق غير شرعية، وانخرطت هذه المجموعات والعناصر تحت لواء التنظيم الجهادي الحديث النشأة. وغالباً ما كانت سوريا تُتّهَم بإرسال فتح الإسلام إلى لبنان، إلا أن سوريا، في واقع الأمر، غضّت النظر عن هذه المجموعات التي فرّت من المطاردة في أرض الشام نحو «جنّة المجاهدين» في شمال لبنان. لم تكن دمشق ترحّب بأيّ شكل من الأشكال بالجهاديّين على أراضيها، وربما كانت ترى أنّ وظيفتهم تكمن في الهروب إلى العراق لزيادة الأزمة الأميركية هناك، أو فليتمّ التخلّص منهم ورميهم إلى لبنان عبر مطاردات لا تهدأ. ويمكن القول إن سوريا مارست أحد أساليبها القديمة في التخلّص من أزماتها، عبر نقلها إلى البلد الصغير الضعيف المجاور: لبنان.
ووفدت إلى لبنان من الحدود السورية مجموعة بقيادة التونسي أحمد رجب، وهو أحد كوادر «القاعدة». يستقرّ الشاب في ضيافة غاندي السحمراني في عين الحلوة في مركز لتنظيم جند الشام. وغاندي، أو أبو رامز الطرابلسي، لبناني من مواليد عكار عام 1964، وهو من المسؤولين العسكريين في «جند الشام»، ومطلوب من السلطات اللبنانية بموجب مذكرات توقيف بتُهم الإرهاب والقتل وتهريب وحيازة الأسلحة والمتفجّرات.
وفي تلك الفترة المتأزمة داخلياً، كانت المجموعات الجهادية تتلقّى إشارات متنوّعة من قياداتها، وتضع أحياناً خططها الخاصة، متأثّرةً بالأجواء والأهواء المحلية، إذ بدأت إحدى المجموعات تخطّط، لتنفيذ عملية استشهادية في بيروت ضد التجمعات المعتصمة في ساحتي رياض الصلح والشهداء، بغية إشعال معركة بين السنّة والشيعة. إلا أن الأمر لم يصل حد محاولة التنفيذ، ولا حتى التخطيط الجدي، وبقي في إطار الأفكار التي جرى تداولها. ولم تسمح القيادات القاعدية بتحويل الفكرة إلى مشروع.
مع تجمّع الخيوط بين المجموعات الجهادية في البلاد، يصل إلى البقاع أحد أكثر الشبّان ديناميكيّة بين الجهاديّين العرب، فهد المغامس، المعروف باسمه الحركي أحمد إبراهيم التويجري (أبو جعفر)، وهو قيادي في تنظيم «القاعدة» ومطلوب في عدة قضايا في لبنان من ضمنها شبكة الـ13، وقد تابع عمله الجهادي إلى حين إلقاء القبض عليه وإحالته أمام المحاكم في وقت لاحق عام 2007. عقد المغامس سلسلة من الاجتماعات جرى خلالها البحث في نقل العمل الجهادي إلى لبنان.
اجتماعات المغامس
حين وصل المغامس إلى البقاع، كانت درجات الحرارة تنخفض دون الصفر ليلاً، ويكاد يتعذّر التنقّل فوق الجليد الذي يمسك بالاسفلت. عقد المغامس سلسلة لقاءات في مناطق شتورا في البقاع الأوسط، ضمّت إليه مجاهدين لبنانيين وفلسطينيين، في سعدنايل خاصة، كما في قرية لوسي في البقاع الغربي، حيث التقى علي بيضون، من مواليد 1979 مجدل عنجر، متّهم في قضية الخطيب مع التويجري، وجهاد ضاهر (أبو الدحداح) من مواليد 1982 القرعون، متّهم في قضية الخطيب مع التويجري، بالمشاركة مع مجموعة الـ13، ولم تتمكن القوى الأمنية من إلقاء القبض عليه. كما التقى المغامس أيضاً معين عبد الرحمن، فلسطيني من مواليد 1975، متّهم مع التويجري بقضية اسماعيل الخطيب، وورد اسم معين خلال التحقيقات مع شبكة الـ13 من دون التأكيد إن كان الشخص نفسه. وكان آخر من شارك في الاجتماعات غازي ط. سوري الجنسية، مواليد حلب، ويلقّب بأبو قسورة.
الحلقة الرابعة
الجهاديّون يستخدون لعبة التحريض السياسي
غرف عمليّات دوليّة وإعادة هيكلة للمجموعات وصلات مع السلطة
تجمّعت العوامل المساعدة أمام الجهاديين، وبات من السذاجة التغافل عن الساحة اللبنانية، أو إبعادها عن العمل المباشر للجهاد. وكلّ ما كانت المجموعات الجهاديّة تحتاج إليه لتنظيم صفوفها، وفّرته لها أطراف فاعلة في السلطة.
كان القياديّ في القاعدة، السعودي فهد المغامس، والمعروف باسمه الحركي أحمد إبراهيم التويجري (أبو جعفر)، ينسّق في اجتماعاته خططاً وبرامج عمل مرحلية. وإلى اللحظة، لا يمكن التدقيق في ما إذا كان يعمل وفق تعليمات مباشرة من التنظيم الأم «القاعدة»، أم إنه استنسب ما يقوم به استنساباً. وخلال الاجتماعات التي عقدها، بحث في نقل العمل الجهادي إلى لبنان، خاصة مع ارتفاع عدد عناصر قوات الطوارئ الدولية، إضافة إلى تكليف مجموعته العديد من المهام، منها: شراء الأسلحة والذخائر والمتفجّرات، وتهريبها إلى العراق، والتنسيق مع عدد من المجموعات الجهادية السورية والعراقية لتأمين ممرات خاصة لنقل المجاهدين والعتاد والأسلحة إلى العراق، وتأمين وصولها إلى المناطق التي يسيطر عليها المجاهدون في العراق.
وبدأت في تلك المرحلة التدريبات على الأسلحة الخفيفة، وعلى أعمال التفخيخ وحلقات التدريب النظرية الأمنية والعسكرية. واعتُمِد عدد من المنازل التي تستخدمها «القاعدة» لأغراض التدريبات في مناطق القرعون، وبر الياس، ومجدل عنجر، في البقاع اللبناني. وساعد على أعمال التدريب مدرّبون فلسطينيّون ولبنانيّون، بقيادة السوري عرفان ياسين، وهو اسم حركي على الأغلب، وإن كان يتشابه مع اسم المدرب الفلسطيني عماد ياسين.
المغامس، أو التويجري المطلوب للأجهزة الأمنية اللبنانية، لم يطل الإقامة في لبنان. وكعادته قبل اعتقاله من السلطات اللبنانية، كان دائم التنقّل، مستخدماً جوازات سفر مزوّرة ليتحرّك ما بين بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، لمتابعة شؤون المجاهدين هناك، والربط بين المجموعات الجهادية في عدد من الدول العربية والغربية.
وكان الربط الإلكتروني والمعلوماتي يتم في تلك المرحلة عبر مخيّم عين الحلوة، الذي تحوّل إلى غرفة عمليّات للقاعدة في لبنان، على الأقل على مستوى الاتصالات الخارجية، إذ كان يستلم الرسائل المشفرة في لبنان الفلسطيني طارق ع.، يساعده مواطنه يوسف ط.، وكانت الرسائل المشفرة تصلهما عبر البريد الإلكتروني من مسؤولين في الخارج، وتوزَّع على تنظيمات جهادية، كالحركة الإسلامية المجاهدة، وعصبة الأنصار، وغيرهما.
وبعد عمليات أمنية عديدة ضد طارق ع. بقي الشاب، الذي يشغل والده منصباً قيادياً في حركة فتح، يتولى إدارة سنتراله الخاص في المخيم، حيث كانت أعمال الاتصالات الإلكترونية تتم وفق نظام اتصالات إلكتروني دقيق، وُضع بإشراف خبراء اختصاصيين في علم الاتصالات، من بينهم المهندس المغربي محمد بورويس، وهو يقطن خارج المخيم، لكنه يزوره بشكل دائم للتأكد من صلاحية جميع الإجراءات التقنية وتحديثها. وكانت أقسى الضربات هي عملية التفجير التي تعرّض لها السنترال في حي الصفصاف في 22 آب/ أغسطس من العام 2004.
وكانت الرسائل من التنظيم الدولي تصل إلى لبنان من رجل ثقة، سبق أن كانت له باع في العمليات اللوجيستية في لبنان والخارج، وهو بلال خزعل (أبو صهيب) المقيم في أوستراليا، كما من مدير المرصد الإسلامي في لندن المصري ياسر السري، وهو لاجئ في بريطانيا ومتّهم سابق بالمشاركة في عملية اغتيال أحمد شاه مسعود في أفغانستان، ومتهم دائم بتمويل عمليات القاعدة حول العالم. كما كانت الرسائل تصل من قياديّين في القاعدة في ألمانيا في مدينة آخن، وفي هولندا.
وغير بعيد عن السنترال، وفي خريف عام 2006، كان القيادي الفلسطيني عماد ياسين يخضع المجموعة التونسية بقيادة التونسي عبد الرحيم الخليفي لدورات عسكرية. وضمت المجموعة تونسيين وسودانيين وجزائريين، كما وصلت بعض الأموال للدعم والتأهيل إلى ياسين نفسه من أحد القياديين الجهاديين في بريطانيا، وهو معروف باسم أحمد علي.
في بداية شتاء عام 2006، كانت التيارات السلفية اللبنانية، وخاصة تلك المدعومة من هيئات وجمعيات سعودية وكويتية، تعيد هيكلة عملها للتأقلم مع تغيرات لم يكن العديد من الجمعيات اللبنانية يعلم إلى أين تؤدي، إلا أنه اقترب بعضها من بعض، في تنسيق عال، وبطلب من مموليها. وكانت الأجواء السياسية المحمومة وحدها كفيلة بتجميع القوى السنّية، دونما حاجة إلى طلب من الممولين، فاندفعت هذه الجمعيات والهيئات اللبنانية إلى إعلان الدعم لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ولدار الإفتاء. ومثّل الدكتور حسن الشهال العمود الفقري لهذه المجموعات، وأكبر المحفّزين لها على الحركة باتجاه المرجعيات السنّية، فصارت الوفود الشعبية تدعم السنيورة المحاصر في السرايا الحكومية من المعارضة، وتتقاطر عليه من بيروت والجنوب والشمال والبقاع وإقليم الخروب. كما شمل هذا النشاط النائب سعد الحريري، وأدّى محمد الشهال دور ضابط الارتباط بين هذه المجموعات والحريري.
كما نشط في تلك الفترة اللقاء الإسلامي المستقل الذي أسسه النائب السابق خالد الضاهر، لضم مختلف الشخصيات الإسلامية في كل لبنان، إلا أن العديد من الأطراف ما لبث أن تخلى عن الحضور في هذا اللقاء، واقتصر في النهاية على مجموعة محدودة من الشخصيات، من ضمنها الشيخ بلال بارودي، والشيخ زكريا المصري والشيخ فواز الآغا، إضافة إلى أحد قياديي حركة التوحيد الإسلامية السابقين وهو الشيخ كنعان ناجي. وظهرت لافتات في الشوارع الشمالية خاصة، موقعة باسم التيار، تهاجم المعارضة اللبنانية المكوّنة من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وعدد من المجموعات الإسلامية السنّية الأقلّ طاقة وقدرة وانتشاراً بين الناس.
ومن يتحرّك في مخيم عين الحلوة في ذاك الخريف التالي على حرب تموز، يمكنه تجميع العديد من المعطيات عن المجموعات الجهادية التي تتحرك سراً، وتكثّف نشاطاتها في لبنان، وخاصة مجموعة جند الشام، التي أقامت صلة مع النائبة اللبنانية بهية الحريري. وتتحدث الأوساط الفلسطينية عن فكرة راودت النائبة بتعيين أحد علماء الدين والقياديين في جند الشام، أبو العبد الشمندر، إماماً ومشرفاً على مسجد هند الحريري في منطقة الشرحبيل شرق مدينة صيدا، كما رفعت فجأة «جمعية الاستجابة»، التي يشرف عليها الشيخ السلفي نديم حجازي، والمموَّلة من بعض السعوديين والكويتيين، من حجم نشاطاتها في مخيم عين الحلوة، إضافة إلى عملها الدائم في صيدا.
الأجواء المتأزمة بين المعارضة بأكثريتها الشيعية والمسيحية، والموالاة بأغلبيتها السنّية، دفعت في ذلك الحين إلى رفع مستوى التحريض الطائفي، وانخرط الجميع في هذه اللعبة، بتعاون عشرات الجمعيات السنية، وعدد من مفتي المناطق، حتى إنّه أُصدرت نشرات ممولة مباشرة أو بالواسطة من آل الحريري أو من مجموعات إسلامية، تمارس التحريض السياسي والطائفي، رغم بُعد العديد من هذه المجموعات والنشرات والمفتين عن المشارب السلفية والجهادية، إلا أن الجهاديين كانوا هناك يعملون بهدوء وسط عاصفة التحريض والتحريض المضاد.
حينها، في بدايات شهر شباط من عام 2007، باتت المعلومات ترد إلى الأطراف المختلفة عن نشاط التسلح والتدريبات العسكرية. ثمة من رسم استنتاجاً يفيد بضرورة تسلّح السنّة لخلق توازن رعب يمنع الشيعة المدجّجين بالسلاح، تحت شعار مقاومة الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، من استخدام أسلحتهم في النزاع المحلي، وعدم السماح بتحوّل سلاح المقاومة إلى أداة ضغط سياسية. ولعب عالما دين دوراً في تجنيد الشبان، وساعدهما نائب سابق مقرّب من قصر قريطم، وأنشئت صلات مباشرة مع قريطم، وأوفد العشرات للتدريب في الأردن في معسكرات الجيش الأردني في جرش.
الظواهري في ديارنا
مع بداية شهر آذار من عام 2007، كانت «الحرب على الإرهاب» في أوجها في العراق. وكانت الولايات المتحدة تطالب سوريا بضبط الحدود مع العراق، شأنها منذ احتلت بلاد الرافدين. في هذا الوقت، وصل من يبلغ ويؤكد حركة الدكتور أيمن الظواهري. فالرجل الثاني في تنظيم القاعدة انتقل مع نهايات عام 2006 إلى المناطق الشمالية من سوريا، حيث أخذ الأمان من قبائل سورية عراقية، احتضنته وأخفته عن أعين المخابرات الأميركية والسورية على حدّ سواء. وراح الرجل الذي سبق أن انشقّ عن الإخوان في مصر، وصار يقود عملياً أقوى تنظيم دولي، يتنقّل بين المناطق الحدودية السورية والعراقية، ويحرّك مجموعات القاعدة في البلاد المحيطة عبر أمراء ثقات ومندوبين أشدّاء ومحنّكين، ومنهم المندوب التونسي مصطفى معز بن رجب الذي تردّد على لبنان مرّات عدّة بجواز سفر مزوّر، والتقى على دفعات جهاديين في مخيمات برج البراجنة ومار الياس وعين الحلوة والبداوي، كما التقى شخصيات فلسطينية معروفة كمسؤول الحركة الإسلامية المجاهدة جمال خطاب في عين الحلوة.
القاعدة في لبنان - الجزء الخامس
أجهزة استخبارات تخترق صفوف الجهاديّين
أهم المجموعات الجهاديّة المرتبطة بالقاعدة التي عملت في لبنان
الانقسام الداخلي اللبناني، وحالة الفوضى التي بدأت تغرق فيها البلاد، سمحا للجهاديّين باستخدام الأرض بصفتها «ساحة»، وهو ما يصرخ اللبنانيّون ضده ليل نهار، إلا أنهم لا يكفّون عن تهيئة الأجواء الملائمة ليكون بلدهم مجرد ساحة ارتفعت وتيرة نشاطات المجموعات الجهادية، المترافقة مع انقسام سياسي كبير. في نهاية عام 2006 وبداية 2007 كانت أرض لبنان قد باتت أفضل ممر ومقر لأجهزة الأمن والاستخبارات العربية والغربية.
وما دفع أيضاً بأجهزة الاستخبارات إلى العمل، الوتيرة المرتفعة لنشاط القاعدة في البلاد. محلياً اشتركت أجهزة الاستخبارات اللبنانية المختلفة في تجميع المعلومات عن حركة الجهاديين، إلا أن الفشل المعلوماتي في نهر البارد كشف هامشية عملها وبدائيته، ولكن أجهزة أخرى أعتى كانت تعمل بفاعلية، وأهمها، الأجهزة السورية والأردنية والسعودية، كما كانت دول غربية عدة توفد الصحافيين والباحثين بأسئلة محددة ودقيقة عن الجهاديين في لبنان، وتستفيد من نتائج عمل هؤلاء.
تنوعت عمليات الاختراق التي تعرض لها الجسم الجهادي، بعضها كان مزروعاً في الجسم من بدايته، وهو ما يتحدث عنه المعارضون اللبنانيون، وبالتحديد عن دور الاستخبارات السعودية في إرسال القاعدة إلى لبنان، وبعض الاختراقات تمت على قاعدة المراقبة والمتابعة والتخلص من مشكلة الإسل