آخر الأخبار

الوحدة السورية المصرية عربيا وعالميا

المعلق: تم تكوين الجامعة العربية الحصن الأول للعروبة والوحدة، ولكن أسوار هذه القلعة كما نعرف جميعا لم تكن منيعة بما فيه الكفاية لاحتضان آمال وأحلام العرب. إذاً كيف كانت دروب الوحدة فيما بعد؟ يذكر الباحث إبراهيم محمد إبراهيم في كتابه البحثي "مقدمات الوحدة المصرية السورية": "سادت العلاقات الطيبة بين مصر والشام في عهد الدولة العثمانية على أساس حسن الجوار بين بلدين كانت تجمع بينهما روابط دينية ولغوية وعرقية رغم الحواجز التي وضعت بين مصر والشام منذ زوال الحكم المصري. واستمرت العلاقات قوية بسبب هجرة أهل الشام إلى مصر التي تعاطفت مع قضايا الشام من خلال القضية الفلسطينية وأثناء الثورة السورية عام 1925 حيث تركت السلطات المصرية للسوريين واللبنانيين المقيمين في مصر حرية العمل السياسي". بعد استقلالها شهدت سوريا خلال عام 1949 انقلابات متوالية فتحت الباب أمام التنافس بين الدول العربية على كسب نفوذ ما في سوريا. قاد الانقلاب الأول حسني الزعيم رئيس أركان حرب الجيش السوري وذلك في الثلاثين من مارس عام 1949، وظلت مصر تؤجل الاعتراف بالنظام الجديد إلى أن تتأكد من عدم رغبته في تنفيذ مشروع الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى.

محمد علي حله/ أستاذ التاريخ العربي الحديث: وجدت سوريا بأنه لا سبيل إلى نجاتها من هذا الفخ المنصوب، الدولة الصهيونية، إلا بدولة قوية جنبها، فبدأت ترسل للعراق ونوري السعيد أنه نحن نرغب في اتحاد، في اتفاقية دفاع مشترك. من سوف يتلقف هذا ويسرع؟ الملك فاروق في مصر.

ألكسندر رودريجيز/ استاذ التاريخ جامعة التربية- موسكو: لكن فاروق نفسه أبدا لم يخرج من عباءة سلطة الإنجليز كما تعلمون، هذا أمر واضح تماما كما تنظر الوثائق، إنه أبدا لم يتحلل من هيمنة الإنجليز على الرغم من أنه لم يكن يحبهم تماما.

المعلق: في التاسع من مايو من العام نفسه تلقى روبير شومان وزير خارجية فرنسا من جيلبير آرسينار سفيره في القاهرة تعد وثيقة هامة وتستحق وقفة في إطار التمهيد لتجربة الوحدة المصرية السورية حيث تقول: "الملك فاروق مصمم على استعمال كافة الوسائل لإعاقة تحقيق سوريا الكبرى أو فدرالية تضم دول الهلال الخصيب، فمبادرة كهذه تعزل مصر عن العالم العربي وتطيح بتوازن الشرق الأوسط".

ممدوح رحمون/ مفكر ومؤرخ قومي: جن جنون السعوديين والمصريين، فالملك فاروق دعا حسني الزعيم إلى القاهرة.

المعلق: يواصل السفير الفرنسي قائلا "هذا هو محتوى الفكرة التي نقلها كريم ثابت مستشار الملك الذي جاء إلى السفارة بطلب من الملك لجس نبض فرنسا ومدى استعدادها، فالملك يريد تقوية جيشه وتحجيم نوري باشا السعيد وعبد الله، ألا يمكن له أن (يحصل على الأسلحة الفرنسية بشكل سري وعندها تتعهد مصر بمساندة فرنسا لتدعيم تأثيرها في سوريا ولبنان، كما تتعهد مصر باتخاذ موقف محايد في مسألة أفريقيا الشمالية.)

ممدوح رحمون: (انقلب حسني الزعيم 180 درجة، تخلى عن العراقيين، مشى بالمشروع السعودي المصري.)

ألكسندر رودريجيز: حسني الزعيم راهن على الولايات المتحدة وحصل على دعمها، هل تعتقدون أن هذه وحدة عربية؟ هذا هو حسني الزعيم ذلك الوقت، لقد كان الزعيم كرديا، ماذا يعني للكردي ما يسمى الوحدة العربية؟ هذه مسألة صعبة ومن المشكوك فيه أنه نادى بها.

المعلق: يوضح السفير الفرنسي: "بالطبع طلب مني كريم ثابت أن يبقى هذا اللقاء التمهيدي سريا".

"
انبرى الملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن بإثارة موضوع سوريا الكبرى والدعوة لتوحيد سوريا والأردن تحت عرشه، ولم يعدم وسيلة إلا واتبعها مع العديد من السياسيين السوريين
"
ممدوح رحمون
ممدوح رحمون: انبرى الملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن بإثارة موضوع سوريا الكبرى والدعوة لتوحيد سوريا والأردن تحت عرشه، ولم يعدم وسيلة إلا واتبعها مع العديد من السياسيين السوريين.

المعلق: مياه كثيرة جرت تغير رجال الحكم مرات عدة في سوريا بينما استتب الأمر لجمال عبد الناصر ورجاله في مصر. خلال شهر يونيو/ حزيران عام 1957 كانت العلاقات السورية الأميركية المتوترة ومشروع الوحدة المصرية السورية محل بحث في دمشق بين صلاح الدين البيطار وزير الخارجية وجيمس مورس السفير الأميركي لدى سوريا والذي بعث إلى الخارجية الأميركية بمذكرة سرية تضمنت ما دار في هذا الحوار حيث تحدث الجانب السوري طويلا عن فوائد الوحدة العربية للولايات المتحدة وكيف أنها يجب أن تدعم ذلك المشروع لما لها من مصلحة أكيدة فيه أهمها المساهمة في وقف المد الشيوعي في المنطقة. رد السفير مورس بأن السياسة الأميركية تجاه الوحدة العربية لم تتغير وأن الولايات المتحدة لن تعارض وجود وحدة بين الدول العربية شريطة أن تكون متوافقة مع رغبات حكومات وشعوب تلك الدول.

دينيس روس/ المبعوث الخاص السابق للشرق الأوسط: لماذا دعمنا محاولة التقرب لهم؟ لأننا كنا في منافسة مع الاتحاد السوفياتي، نحن نرى هذه المنافسة العالمية ولدينا إستراتيجية احتواء ونريد كبح الاتحاد السوفياتي لذلك نرى القومية العربية من هذا المنطلق كونها تعكس رغبة في الاستقلال ونستطيع التقرب لها من ناحية، ويعتبر الإسلام واستقلال سوريا عملا ضد الشيوعية.

ذوقان قرقوط/ مؤرخ ومفكر: مو جدي هالكلام، فخلينا نرجع للأشخاص اللي كانوا عم بيشتغلوا بالخفاء لصالح أميركا ولصالح تخريب المنطقة، روزفلت وغيره إلى آخره.

المعلق: علق البيطار على حديث السفير الأميركي قائلا إن هذه السياسة سلبية وتؤدي إلى التفرقة بدلا من الوحدة. وقد حث الولايات المتحدة على تشجيع الوحدة العربية بشكل نشط وأجابه السفير قائلا: سيكون من الصعب جدا على الولايات المتحدة أن تقوم بدور فاعل قبل اتفاقية بين الدول العربية نفسها.

ممدوح رحمون: الوحدة السورية المصرية كان قامت بضغط شعبي كامل. ما إجت من فوق، فوقية، ولا إجت من مكان آخر. كانت نتيجة انتصار جمال عبد الناصر في ذاك الوقت في تأميم قناة السويس اللي خلقت منه بطل قومي.

جمال عبد الناصر: أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة، لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق، إن دولة جديدة تنبعث في قلبه، لقد قامت دولة كبرى في هذا الشرق.

المعلق: هكذا تحرك العرب من أجل الوحدة، ومن ثم جاءت القراءة الفرنسية. ففي الثالث والعشرين من يناير من عام 1958 تلقى وزير الخارجية الفرنسي برقية من سفيره في بيروت حول محادثات الوحدة بين عبد الناصر والبيطار، حيث يقول: "الواقع أن السيد البيطار درس مع الكولونيل ناصر أهمية حل الأحزاب السياسية في سوريا، والواقع أن لا السيد خالد العظم ولا الشيوعيين وافقوا على تشكيل حزب واحد يلغي الشيوعيين، كما أن حزبهم غير معترف به في سوريا. يبدو أن اللعبة حامية والتنافس يجري بين موسكو والقاهرة لبسط سلطتهما على سوريا".

رغيد الصلح/ مفكر ومؤرخ: بدت معالم استعداد لفتح أقنية تعاون مع عبد الناصر ومع التيار القومي العربي بصورة عامة على أساس أن هذا التيار وعلى أساس أن الزعامة المصرية يستطيعان تأمين نوع من الاستقرار في المنطقة وأن هذا الاستقرار يمكن أن يضع حدا أو يقيم عراقيل قوية في مواجهة التمدد والانتشار الشيوعي في المنطقة.

المعلق: إلا أن الفرنسيين كانوا حريصين على معرفة رأي الولايات المتحدة. وفي التاسع والعشرين من يناير عام 1958 أرسل السفير من بيروت إلى الخارجية في باريس يقول "مبدئيا واشنطن تعتبر الوحدة السورية المصرية تشكل خطرا لكنها تريد التمعن قبل اتخاذ أي قرار. هذا الحذر أثار خيبة أمل مالك وهو وزير خارجية لبنان والرئيس شمعون، ومع الأخذ بعين الاعتبار حساسية الوضع في لبنان أكد السفير الأميركي أن هناك بلدا أكثر عرضة للتهديد من لبنان هو الأردن.

محمد علي حله: كميل شمعون للأسف يعني دي موجودة في مذكرات بعض الساسة أنه ذكر لأحد المسؤولين البريطانيين أنه لماذا أنتم أنهيتم العدوان الثلاثي؟ يا ريتكم استمريتم في العدوان الثلاثي علشان تنهوا على عبد الناصر. شارل مالك مع دالاس وزير خارجية أميركا الشهير الذي جاء إلى مصر في عام 1953 أيضا كان صاحب رؤية، وقال نقلا عن دالاس إن دالاس بالتعبير الواضح قال "إما يخرج عبد الناصر من المنطقة أو نخرج نحن من المنطقة".

المعلق: بينما تقول برقية أخرى وردت في الوقت نفسه ولكن من لندن، حيث رصدت من أنقرة القلق الذي ساد اجتماع وزراء خارجية حلف بغداد قائلة "يجب اعتبار أن تنفيذ هذا المشروع خطوة جديدة للتوغل السوفياتي في الشرق الأوسط وأن الحكومة العراقية هي أكثر من يساورها القلق الشديد".

هلموت مايشير/ مؤرخ في تاريخ المنطقة العربية: لقد بحثت بدقة داخل الأرشيف الصحفي العراقي في إطار أحد المشاريع حول الحرب العالمية الثانية واكتشفت حجم النظرة الإيجابية التي كانت سائدة تجاه الاتحاد السوفياتي.

المعلق: سعى سفير فرنسا لدى أنقرة إلى لقاء وزير الخارجية البريطاني سلوين لايد وبعث في الثلاثين من يناير ببرقية إلى الخارجية الفرنسية ليقول "الوزير البريطاني أظهر قلقه وشدد على أن ردة فعل غربية يجب أن تأتي نتيجة دراسة معمقة، ويبدو أنه يميل حتى الآن إلى الامتناع على الأقل فيما يتعلق بإعلان أو تصرف رسمي من قبل القوى العظمى الغربية ورأى أنه من الصعب على دول ديمقراطية أن تنتقد اتحادا نتج عن رغبة شعبين".

ماثيو هيوز/ أستاذ السياسة البريطانية: الخطر الناصري لم يشكل تهديدا للقوى الاستعمارية أو للصهيونية في إسرائيل وإنما أيضا للأنظمة والمجتمعات العربية التقليدية، نفس الشيء حدث في الأردن التي واجهت مشاكل في نفس فترة الثورة في لبنان عام 1958، مما أجبر بريطانيا إرسال قواتها إلى الأردن وقد تزامنت هذه مع الثورة في العراق، المد القومي العربي اكتسح المنطقة محاولا ليس فقط التخلص من بريطانيا وإنما من النظام العربي القديم.

ذوقان قرقوط: لما تتصور كم بذلك الوقت الكتب اللي كتبت اللي بالأجنبي ضد عبد الناصر بتشوف شيء غريب يعني الوحدة شيء مهم كثير كثير كثير.

المعلق: في السادس من فبراير أيضا تلقت الخارجية الفرنسية برقية من سفيرها في لبنان تقول "الآن وقد هدأت المشاعر التي نتجت عن إعلان الدولة العربية الموحدة بدأ الرأي العام اللبناني بالاطمئنان تدريجيا، ويبدو أن بعض بواعث الاطمئنان مررتها مصر خفية وبدأ قادة المعارضة بإصدار أوامر بالتهدئة والاتزان".

رغيد الصلح: كان هنالك نوع من التطلع إلى أن يكون لبنان في يوم من الأيام يعني على صلة ربما اتحادية أو يعني طرفا في هذا المشروع الاتحادي أو الوحدوي.

هلموت مايشير: وكان ينظر أيضا إلى العراق كلبنة مستقبلية للسياسة الناصرية، وكانت هناك أصوات في لبنان تشتكي من فقدان المنطقة السورية الخلفية، فلبنان كان منقسما حول هذه المسألة، لم تكن هناك فكرة مكتملة حول مستقبل الجمهورية العربية المتحدة.

المعلق: يواصل السفير الفرنسي في لبنان ذاكرا أن سفير الولايات المتحدة رفض بشدة فكرة إرسال الأسطول السادس إلى شواطئ بيروت. وقال إلى السيد مالك "أتريدون فعلا أن يقال إنكم حكومة هزيلة تابعة للأميركيين؟".

هلموت مايشير: بالتأكيد أن البعض منهم أصيب بخيبة أمل، شمعون مثلا كان يراهن ربما على نيل فترة رئاسية ثانية وهذا لم يكن واردا في الدستور بينما كانت له آمال كبيرة فدعا إلى تدخل الأميركيين في بيروت وربما كان يرى في ذلك فرصة له.

ذوقان قرقوط: وكميل شمعون كان يأخذ خمسة آلاف جنيه إسترليني من حلف بغداد. كشفت الوثائق فيما بعد أنه كان يأخذ بالشهر خمسة آلاف جنيه إسترليني، كان هو عميل مباشر يعني للموضوع.

وحدات مضادة.. وحدات مقسمة

المعلق: تواصل الوثائق الفرنسية إسداء النصح إذ تقول وثيقة فرنسية بتاريخ السابع من فبراير عام 1958 "يتبين من خلال خطاب بورقيبة والسلطان محمد الخامس أن فكرة اتحاد مغاربي مضاد بدأت تتشكل، وهذه المشكلة مرتبطة بمأزق علاقات فرنسا مع محميتيها السابقتين وبمشكلة الجزائر، وهنا يجب اتخاذ احتياطات جدية. وبانتظار عودة العلاقات مع الشرق الأوسط يجب الحفاظ على علاقاتنا الثقافية والاقتصادية التي أصبحت أكثر ضعفا وبطمأنة الدول الصغيرة التي تبحث عن مساندة فرنسا مثل لبنان".

ممدوح رحمون: هذا غير صحيح بالمطلق، بدليل أن عبد الناصر كان لما يجي دمشق كانت تيجي مش آلاف السيارات، عشرات آلاف السيارات من لبنان لتستقبله في سوريا. وطلبوه أكثر من مرة يستقبلوه في لبنان فرفض. وقال "إذا لم يكن هناك لبنان يجب أن نخلق لبنان".

ألكسندر رودريجيز: كان في لبنان ثمة من يدعم انضمام لبنان إلى الجمهورية العربية المتحدة على الرغم من صعوبة تحديد إذا ما كان هؤلاء حركة جماهيرية وما مدى قوتهم. لهذا حاول الرئيس شمعون إقناع الولايات المتحدة بالوقوف ضد الوحدة، والأميركيون وقفوا هذا الموقف بشكل عملي وفقا لمبدأ آيزنهاور وتم إرسال القوات الأميركية إلى لبنان.

المعلق: نتوقف أمام وثيقة أميركية تلخص لنقاش إدارة وزير الخارجية الأميركية جون فوستر دالاس مع مساعديه في واشنطن حول موقف الولايات المتحدة من الجمهورية العربية المتحدة حيث تقول: "قد يقبل الأردن والعراق في آخر الأمر الاعتراف بالدولة الجديدة لكن هذا الاعتراف قد يتأخر لاستمرار القادة في القول إنه يجب القيام بشيء لكنهم لا يتفقون أبدا على ما هو هذا الشيء".

دينيس روس: هناك منافسة دائمة، تحاول كل دولة الحفاظ على هويتها العربية إلا إذا كانت هي التي ستسيطر على قطاع أوسع من توحد العرب.

المعلق: تواصل الوثيقة الأميركية: "إن المصالح الأميركية في الشرق الأدنى سوف تتأثر بشكل عكسي إذا زاد الاتحاد السوري المصري من حيثية وهيبة عبد الناصر وقدرته على السيطرة على العالم العربي ونشر تأثير الحياد الإيجابي وتسهيل الاختراق السوفياتي عن طريق التأثيرات المعرقلة والخلافية للاتحاد على البلدان العربية الأخرى وتؤدي إلى توجهات أعظم من ناصر والاتحاد السوفياتي لبدء المغامرات في أفريقيا. لذا يجب عدم وجود أي عداوة للاتحاد من جانبنا لأن ذلك سوف يترجم على أنه اعتراض من ناحيتنا على الوحدة العربية والقومية إضافة إلى أننا نعتبر معادين من وجهة النظر العربية فيما يتعلق بالاستعمار والمسألة الفلسطينية".

باري روبن/ رئيس مركز البحوث للشئون الدولية: لو لم تعارضها الولايات المتحدة كانت هذه الوحدة التي تحالفت مع السوفيات ستزداد قوة وكانت الدول العربية الأخرى ستفقد ثقتها بالدعم الغربي وتشعر بأن السوفيات وناصر قد انتصروا وتنهار.

ألكسندر رودريجيز: الولايات المتحدة سعت بشدة لخلق خصومات بين الاتحاد السوفياتي والجميع، الجميع في الشرق الأقصى ومن ضمنه العالم العربي وبما في ذلك إسرائيل. هذا كان الدافع الأساس لسياسة الولايات المتحدة بما في ذلك في المنطقة العربية.

المعلق: تحت عنوان "الاتحاد المصري السوري، نتائج وتداعيات" تصوغ الولايات المتحدة مخاوفها وأمانيها قائلة: "في حالة العراق والأردن ولبنان والسعودية فأنظمتها ليست لها طبيعة شعبية ومن المحتمل أن هذه الأنظمة لن تكون قادرة على الاستمرار بها لفترة طويلة إذا قاومت الضغوط الشعبية للاشتراك في الاتحاد. وهكذا فنجاح الجمهورية العربية المتحدة من المحتمل أن يجلب معه حلا لتلك الحكومات الملكية الصديقة للولايات المتحدة، وعندها سيكون هناك اتجاه نحو قبول تلك الفلسفات التي أعطت ناصر شعبيته بين الناس في العالم العربي".

ألكسندر رودريجيز: شخصيته دعت إلى قلق كبير في أوساط الملوك والأمراء والشيوخ وعلينا تذكر تلك الأيام أو تصفح الوثائق حيث كان هؤلاء يرون في كل مكان مؤامرات الضباط الشبان وفي كل مكان رأوا خطر النضال ضد الإقطاع والاستعمار. باختصار كانوا يستشعرون بهذا خطرا على عروشهم.

"
كانت لنا علاقة مع الملك حسين وعلاقة مع السعوديين لذا كنا نحاول إيجاد نقاط مختلفة لاحتواء ناصر لأنه بعد عام 1958 كنا ننظر له في إدارة آيزنهاور على أنه تهديد هائل
"
دينيس روس
دينيس روس: كانت لنا علاقة مع الملك حسين وعلاقة مع السعوديين لذا كنا نحاول إيجاد نقاط مختلفة لاحتواء ناصر لأنه بعد عام 1958 كنا ننظر إلى ناصر على الأقل في إدارة آيزنهاور على أنه تهديد هائل.

المعلق: تواصل الوثيقة الأميركية: "حتى الآن لم تستطع الدول الأربع التوصل لموقف مشترك ومن الواضح جدا وجود حالة عصبية بين القادة فيما يتعلق بإعلان المعارضة بشكل واضح للوحدة العربية، كما توجد دلائل على أن هذه الدول العربية ترغب في أن تتزعم الولايات المتحدة عملية المعارضة حتى إذا حدث أي خطأ تقع المسؤولية مباشرة على الولايات المتحدة الأميركية وفي الوقت نفسه فإن أي قرار قد نتخذه للاعتراف بالجمهورية العربية المتحدة سينهي أي جهود حقيقية من قبل العراق والأردن ولبنان لتكوين عمل مشترك ضد الاتحاد".

ممدوح رحمون: بورقيبة اشتغل ضد عبد الناصر، عبد الكريم القاسم اشتغل ضد عبد الناصر والعائلة الهاشمية اشتغلت ضد عبد الناصر والعائلة السعودية اشتغلت ضد عبد الناصر، ما حدا ما اشتغل ضد عبد الناصر.

المعلق: هكذا توضح الشهادات والوثائق أن التحرك المضاد ظل هو الهاجس الذي يشغل بال الجميع، فكيف كان هذا التحرك؟. في أبريل من عام 1947 تم الاتفاق بين الأردن والعراق على عقد معاهدة أخوة وتحالف، وفي يونيو من عام 1950 قدم الملك عبد الله مشروعا للوحدة مع العراق حمله رئيس وزراء الأردن سمير الرفاعي إلى الأمير عبد الإله الوصي على العرش في العراق لكنه لم يلق قبولا لدى العراقيين، وقد أعد الأردن مشروعا بديلا لم يكن نصيبه أفضل من المشروع الأصلي.

رغيد الصلح: الملك، الأمير عبد الله لم يكن يرتاح إلى مثل هذا المشروع آنذاك، كان يريد قيام سوريا الكبرى بزعامته، على أن يعني تتفاوض مع الآخرين فيما بعد يعني لم يكن هنالك يحدد مشروعا خاصا للعلاقة مع الأطراف الثانية، فلذلك كان هنالك توتر أحيانا بين الملك عبد الله وبين نوري السعيد، بينه وبين الفرع العراقي للعائلة الهاشمية.

المعلق: تذكر الدكتور سهيلة الشلبي أنه عندما اغتيل الملك عبد الله في العشرين من يوليو عام 1951 وخلال تشييع جثمانه راح وفد العراق يروج لمشروع الاتحاد لظن أن مشروعهم يقترب من التحقق مع وجود الأمير طلال في سويسرا طلبا للعلاج. في السادس من سبتمبر عام 1951 نودي بالأمير طلال ملكا وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه قال رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى أمام مجلس النواب إن الحكومة الأردنية لم تتلق مشروعا صالحا ومفيدا يمكن اعتماده.

رغيد الصلح: كان يعني المشروع تقريبا إلى حد بعيد مفصلا على مقاس طموحات الهاشميين العراقيين، الفرع العراقي للعائلة الهاشمية.

المعلق: بعد قيام الوحدة السورية المصرية وفي فبراير عام 1958 سافر الملك فيصل إلى الأردن يرافقه وفد من أعضاء حكومته وولي عهده عبد الإله وذلك لتوقيع وثيقة الاتحاد، وبعد مفاوضات قصيرة أعلن في عمان في الرابع عشر من الشهر نفسه قيام الاتحاد الهاشمي الذي تكون ميثاقه من 12 مادة منها: أن ينشأ اتحاد عربي بين المملكتين الأردنية والعراقية باسم الاتحاد العربي ويكون مفتوحا للدول العربية الأخرى التي ترغب في الانضمام إليه. تحتفظ كل مملكة بشخصيتها الدولية المستقلة وبسيادتها على أراضيها وبنظام الحكم فيها. تكون المعاهدات المعقودة لكل دولة غير ملزمة للدولة الأخرى. اعتبارا من تاريخ الإعلان الرسمي لقيام الاتحاد تنفذ إجراءات الوحدة الكاملة بين المملكتين من وحدة في السياسة الخارجية والجيش وإزالة الحواجز الجمركية وتوحيد مناهج التعليم. تتولى شؤون الاتحاد حكومة اتحادية مؤلفة من مجلس تشريعي وسلطة تنفيذية يكون أعضاؤها من مجلسي الأمة العراقي والأردني بالتساوي. يكون ملك العراق رئيسا للاتحاد وفي حالة غيابه يكون ملك الأردن رئيسا للحكومة ويحتفظ كل من الملكين بسلطاته الدستورية في مملكته. يكون مقر حكومة الاتحاد بصورة دورية في بغداد لمدة ستة أشهر وفي عمان لستة أشهر أخرى.

ذوقان قرقوط: طلعت ظاهرية، مالهاش قيمة مالهاش وزن. لكن إعلاميا أنه هدول صاروا وحدة، اتحاد، وهناءهم عبد الناصر لأنه توحدتم.

ممدوح رحمون: انقسم العرب بين هاشميين ومصريين، قسم أخذ المشروع المصري السعودي السوري، قسم أخذ المشروع العراقي.

المعلق: قبل أربعة أيام من إعلان الاتحاد الهاشمي بعث ميسيو شوفيل السفير الفرنسي لدى المملكة المتحدة إلى وزارة خارجيته في باريس البرقية التالية "وزارة الخارجية تتمنى إنشاء فدرالية عراقية أردنية بأسرع وقت ممكن وانتماء لبنان والسعودية إليها يمكن أن ينتظر، فالوضع في الأردن حساس للغاية. أعلن رئيس دائرة الشرق أنه يمكن حدوث انقلاب يتبعه انضمام إلى الجمهورية المتحدة مما قد يسفر عن نتائج وخيمة بسبب تصرف إسرائيل. على العراق نجدة الأردن وإذا اقتضت الحاجة يجب تجميد استثماراته وإمداد الأردن بمساعدات مالية".

رغيد الصلح: تجميد مشاريع الإعمار كان من شأنه أن يرتد بشكل سلبي على الوضع في العراق وعلى الحكومة وعلى الاستقرار في العراق.

المعلق: ومن واشنطن وفي نفس يوم إعلان الاتحاد تصل إلى الخارجية الفرنسية البرقية التي تقول ليس من الثابت أن موفدا من الملك سعود شجع ملك الأردن قبل أيام من بدء المحادثات على الإلحاح لدى الملك فيصل لأن ينسحب العراق من حلف بغداد.

شارل سانو/ مدير مركز الدراسات الجيوسياسية: أشعل حلف بغداد نيران غضب الجماهير العربية وكان من الطبيعي أن لا ترضى الشعوب عن الوحدة العراقية الأردنية بكونها كانت تمثل خط حلف بغداد.

المعلق: ما الذي يجب أن تقوم به الولايات المتحدة لضمان نجاح الاتحاد العربي على المدى الطويل؟ سؤال آخر، كيف تتأكد الولايات المتحدة من أن اعترافها بالاتحاد العربي لم يضر بالمصالح الأميركية الواسعة في المنطقة؟ سؤالان كانا مقدمة لوثيقة أميركية بتاريخ السادس والعشرين من مارس عام 1958 تلخص لحوار دار بين اثنين من مساعدي وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى موضوعه سياسة المدى الطويل نحو الاتحاد العربي، جاء في الوثيقة "إن التهديد على المدى البعيد يكمن في أن تسيطر الجمهورية العربية المتحدة على الدول العربية المجاورة وهذا يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، المواجهة المحتملة لتقدم ناصر في المنطقة ستكون من خلال اتحاد قوي ناجح بين العراق والأردن، الاتحاد العربي على أية حال ليس له شعبية في العراق أو الأردن".

هلموت مايشير: السفير الأميركي الأسبق في بغداد غالمان كتب مذكرات مهمة ذكر فيها بأنه أوصى دوما نوري السعيد بالاعتناء أكثر بالسياسة الداخلية وبسياسة التنمية لأنه يمارس فقط السياسة الخارجية ويزعج بالتالي مناوراتنا في الشرق الأدنى، إن تاريخ سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو تاريخ تعاون مع الحكومات العربية والتحالف معها والحفاظ على جودة العلاقات، هذا مخالف لما يدرس وما يقال عبر شبكات التلفزيون.

باري روبن: إن تاريخ سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو تاريخ تعاون مع الحكومات العربية والتحالف معها والحفاظ على جودة العلاقات، هذا مخالف لما يدرس وما يقال عبر شبكات التلفزيون.

المعلق: للحفاظ على تلك العلاقات الطيبة أوضح وكيل وزارة الخارجية الأميركية في رده لمرؤوسيه "إن اعتماد الحكومات على القوة ظاهرة واسعة الانتشار في الشرق الأدنى العربي وليست خاصة بالعراق والأردن بمعنى آخر فهذا الضعف ليس خاصا بالاتحاد العربي ولكنه يتعلق بتقاليد سياسة الاستبداد عند العرب، ففي كل الدول العربية تنظر الحكومة إلى المعارضة على أنها خيانة لذلك فهي تقمع بقوة، هذا موجود في لبنان والجمهورية العربية المتحدة والسعودية والاتحاد العربي فالصراع الحقيقي في الشرق الأدنى العربي هو صراع قوة بين الطبقة الوسطى والصفوة القديمة". تصل نصائح وكيل الخارجية الأميركية إلى نقطة أخرى كاشفة حين يقول "إن التهكم الشعبي وقلة الوئام مع الحكومة هي ظاهرة أخرى خاصة بالعالم العربي ككل وليس فقط بالعراق والأردن في واقع الأمر، ففي مؤتمر الشرق الأوسط الأخير الذي حضرته كانت واحدة من أهم المشاكل التي تواجهنا في الشرق الأوسط بما في ذلك إيران هي كيفية تجنب إثارة عداء الشعوب تلك الدول والحفاظ في الوقت نفسه على علاقات الصداقة مع حكومات وأنظمة تلك الدول المكروهة من شعوبها".

هلموت مايشير: ذات يوم قال الرئيس الأميركي للسفير المصري الذي كان رجلا نشيطا في واشنطن "حاول أن تشرح لرئيسك أننا بحاجة أكثر إلى أسلوب دبلوماسي، ناصر يصرخ كثيرا ويتحدث إلى الجماهير ونحن بحاجة إلى دبلوماسية صامتة" وهذا ما نقله بالفعل إلى القاهرة حيث انفجر ناصر قائلا "هذا الرئيس الأميركي المتعجرف عندما ينطق الرئيس الأميركي بكلمة واحدة فإن مؤسسة القوات المسلحة وكل شيء يصطف خلفه أما أنا فلا أملك شيئا غير الجماهير في الشارع التي يجب أن أقوم بتعبئتها باستمرار وإلا فإنني دون سلطة".

المعلق: هنا يصل التنبؤ إلى مداه حين يقول "أحب أن أشير إلى بعض توصياتكم وهي أن الضغوط إذا ما قلت على الجمهورية العربية المتحدة واتحاد الدول العربية من الخارج زادت ضغوط الداخل وأدت إلى إضعافها وعليه فإن أفضل سياسة للاتحاد العربي بدلا من وضع ضغوط على الجمهورية العربية المتحدة هي أن يستغل بشكل هادئ الضعف الداخلي الذي حتما سيظهر في الجمهورية العربية المتحدة".

دينيس روس: كان ذلك بسبب معاملة السوريين على أنهم أقرباء من الدرجة الثالثة، كانوا يعاملون على أنه ليس لديهم أي دور، فالمصريون كانوا مسيطرين على كل المناصب وكل القرارات التي تتخذ.

المعلق: رغم التحليل الأميركي النادر والدقيق كان السفير الفرنسي في بيروت لا يزال يتخبط في رؤاه للوضع فها هو يرسل في العشرين من الشهر نفسه إلى الخارجية الفرنسية قائلا: "بين الجمهورية العربية المتحدة أو الاتحاد الهاشمي فإن الشعوب العربية تفضل الأولى فعبد الناصر هو محبوب الجماهير العربية وليس الأمراء الهاشميين أو الوهابيين وفي حال تم استفتاء الشعوب في العراق أو الأردن فإن البكباشي سيفوز بدون عناء خاصة في فلسطين حيث تؤيده الأكثرية الساحقة. إذا لم يحصل شيئا يعيق ناصر عن تطبيق مخططاته فمن المؤكد أنه مع الزمن سوف يقضي على الملكيات الثلاث".

باري روبن: الجميع يعرف ذلك لقد صرح بأنه يريد الإطاحة بتلك الأنظمة التي لجأت إلى الولايات المتحدة قائلة لا نريد أن يطاح بنا.

ماثيو هيوز: كان الأميركيون حريصون على بقاء الدول والأنظمة الموالية للغرب والمعادية للسوفيات مثل الأردن والأنظمة المماثلة وذلك لإبقاء النفوذ الغربي في المنطقة.

المعلق: يواصل السفير سيناريوهاته التي تذكر تحركات عبد الناصر ضد الملك سعود ومهاجمته للملك الوهابي حارس الأماكن المقدسة على حد وصف الوثيقة، ويذكر السفير كذلك عن ناصر أنه يحضر حربه ضد الأردن أكثر مما يحضرها ضد إسرائيل. وفيما يتعلق بلبنان يقول "هناك احتمال لكنه غير أكيد أن ناصر لم يسع لوضع يده على لبنان مباشرة فهو يعرف أن هذا البلد يتمتع بحماية القوى العظمى الثلاث، وليس من مصلحته أن يسعى لاستجلاب قضية سيئة يمكن أن تؤثر سلبا على تحقيق أحلامه، وقد يصبح الأمر مختلفا عندما ينهي تصفية حسابه مع المملكات الثلاث ويصير بإمكانه أن يأمر كسيد من بغداد عمان والرياض حينها يصبح وراءه قوات هامة لا يمكن للبنان أن يصمد أمامها" كذلك لا يستثني السفير كلا من السودان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب من تخوفاته من الهيمنة الناصرية.

"
ليس هناك أي أطماع لعبد الناصر في لبنان ولكن هناك تيار شعبي في لبنان يميل لعبد الناصر
"
محمد علي حله
محمد علي حله: ليس هناك أي أطماع لعبد الناصر في لبنان ولكن هناك تيار شعبي في لبنان يميل لعبد الناصر.

ممدوح رحمون: وهذا ما اقتصر فقط على دمشق كما في المغرب، كما في اليمن، كما في السعودية ذاتها، فكل المنطقة العربية كانت فيك تعتبريها ناصرية 100%.

المعلق: في نهاية تقريره يبث السفير الفرنسي بعض الأمل حين يقول "كما شرحت فإن الجمهورية العربية المتحدة رغم شوائبها بإمكانها إلحاق الأذى بالغرب إذا بقينا سلبيين من دون تحرك، ما زلنا في مرحلة انتقالية وهناك فرص كثيرة سوف تتاح أمامنا للتأكد من صلابة هذا الاتحاد، فالصعوبات التي سيواجهها ناصر لدى تشكيل الحكومة تنبئ بأن السوريين والمصرين سوف يخرجون من شهر العسل. بعض اللبنانيين ينبؤون بالخصام ولكن حتى مجيء ذلك اليوم فإن سوريا لن تخرج مستقلة حتما فهي سوف تنجر نحو العراق، يمكن القول إن الاتحاد الهاشمي يشكل على المدى القريب عائقا أمام طموحات الوحدة العربية".

شارل سانو: كان النظامان الهاشميان يكرسان الهيمنة البريطانية على المنطقة العربية.

وحدات مغلوبة على اختلاف أهدافها

المعلق: ما جرى تاليا معروف للكافة فلقد تحرك عبد الكريم قاسم ضد الدولة الملكية العراقية بل والأسرة الملكية بأسرها بعد أيام معدودة من الوحدة الهاشمية وهكذا تمت إزالة ما أسمته الوثائق عائقا أمام طموحات الوحدة العربية.

ممدوح رحمون: صار الاتحاد، هذا الجواب، وفي العراق صار الانقلاب وطارت العائلة الهاشمية كلها وذهبت ذبحا بالكامل وهذا كان الجواب، جواب الشعب هذا الجواب.

المعلق: لم تمض سوى بضعة أعوام حتى أطاح العرب بأيديهم أيضا بالوحدة ثانية، يقول الدكتور عبد الحميد شلبي "في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام 1961 قامت بعض الوحدات العسكرية السورية بالتحرك نحو دمشق في انقلاب عسكري برئاسة عبد الكريم النحلاوي طالب قادته بمقابلة المشير عبد الحكيم عامر قائد الإقليم الشمالي وكانت لهم مطالب أهمها عودة قيادة الجيش السوري إلى أيدي الضباط السوريين، إعادة الضباط السوريين من الإقليم المصري إلى الإقليم السوري وإعادة الضباط المصريين من الإقليم السوري إلى الإقليم المصري، وتشكيل قيادة مشتركة للجيشين يسود فيها التكافؤ دون أن يسيطر المصريون على أمور القيادة. ولما لم يستجيب عبد الحكيم عامر لمطالبهم تم ترحيله بناء على رغبته إلى مصر، وقبل أن يحل مساء ذلك اليوم أعلن رسميا عن خروج سوريا من الجمهورية العربية المتحدة وسيطرت قوات الانفصال على مجريات الأمور في دمشق".

دينيس روس: لم يفترضوا أن المصريين سوف يأتون ويحصلون على كل المناصب العليا في جميع المؤسسات، ما نراه هنا ليس في حقيقة الأمر اتحادا بل هو إدماج.

المعلق: في تلك الأثناء تأهبت الولايات المتحدة لما يمكن أن تسفر عنه التطورات كما تنبئنا الوثيقة الأميركية التي تقول: "التقرير الأخير القادم من القاهرة يشير إلى أن الرئيس ناصر يخطط للقيام بعمل عسكري لاستعادة مركزه في سوريا وربما ضد الأردن أيضا".

محمد علي حله: الإعلام عندما يكره الرئيس أو الزعيم شخص أو دولة يسارع الإعلام بتجميع كل سلبيات هذه الدولة، حقيقة أو كذبا أو ادعاء.

شارل سانو: نعلم بأن الوحدة المصرية السورية كانت منذ البداية تتطور بشكل خاطئ، فقد أرسلت مصر ضباطا بأعداد كبيرة إلى دمشق ليشرحوا للسوريين ما يجب عمله ولكن بأسلوب المستعمرين الذين يملون على الشعوب القرارات، وكانت هناك أخطاء تقنية وفنية عبر البيروقراطيون.

المعلق: نجد في تاريخ سابق ربما ما يعد جانبا من تفسير ما جرى، حيث دار لقاء بين ناصر والسفير الأميركي في القاهرة في السابع من نوفمبر عام 1958 والذي أورده السفير وبعد أن يصف الملفات التي تملأ مكتب الرئيس يذكر اختار أحد الملفات وكان من الواضح أنه يحتوي على العديد من التقارير عن مقابلات ومذكرات وقد أشار بشكل خاص إلى ملفين الأول بخصوص نشاطات كريميت روزفيلت في بيروت وهو مسؤول المخابرات الأميركية والملف الآخر عن استئناف اجتماعات أنقرة التي يفترض أن نائب وكيل الوزارة هندرسون قد ناقش فيها الخطط لتحريض سوريا والتي ذكر فيها أن الأسطول السادس سوف يعمل على شل حركة مصر.

دينيس روس: بدأ ناصر في عدم الثقة في الإدارة أكثر فأكثر معتقدا أنهم يسعون لوضع إطار له، فكل حركة تقوم بها الإدارة مع غيره يراها بوصفها جهدا لا لتعزيز الوحدة العربية لكن لتعزيز بدائل له.

ممدوح رحمون: الأسطول الأميركي وقف ضد الإنزال المصري، الجيش المصري اللي زحف على اللاذقية ورجعه من نصف البحر، وهددوا عبد الناصر إذا بتطلع من القاهرة بطيارة بدهم ينسفوها بالصواريخ.

ماثيو هيوز: في تلك الفترة أعلن الأميركيون عن مبدأ آيزنهاور الشبيه بمبدأ ترومان الذي كان يتلخص بحماية اليونان وتركيا من المد السوفياتي، وقالت مبادئ آيزنهاور الشيء نفسه عن دول مثل لبنان لحمايتها من المد السوفياتي الشيوعي وأن الأميركيين على استعداد للتدخل من أجل ذلك وهو ما قاموا فعلا به.

المعلق: تشير الوثيقة إلى أن الحوار بين ناصر والسفير قد لمس العديد من الموضوعات ومن بينها العراق بعد الثورة والأوضاع أيام عبد الكريم قاسم وأن المملكة المتحدة والولايات المتحدة تعملان سويا ضده تحت سوء فهم مفاده أنه يريد أن يبني إمبراطورية وفي هذه العملية استخدموا قاسم وبو رقيبة ضده، كما أثاروا السودانيين ضده ولا حاجة لذكر الهجوم الشديد ضده من قبل الصحافة الغربية، فكيف أشعر بالأمان؟. تشير الوثائق الألمانية دون غيرها إلى تجربة وحدة ثنائية عراقية مصرية لا يذكرها أحد ونادرا ما يتوقف أمامها الباحث والمؤرخ العربي، ونورد الوثيقة الألمانية التي ترصد تفاصيل تلك التجربة لتقول "نظرا للنقص الحاصل في التعريف بمفهوم الوحدة الشاملة فإنه لا يتضح ما إذا كان هناك تطلع لإقامة دولة وحدة أو تشكيل أي نوع من الاتحاد، سيكون من الصعب فهم لجوء ناصر مرة أخرى بعد الفشل في سوريا إلى إقامة دولة وحدة مع دولة عربية أخرى لأنه لن يكون غير مدرك لحقيقة أن هذا النوع من التفاهم في العراق سيواجه معارضة أكبر من تلك التي كانت لسوريا".

دينيس روس: لكن ناصر لا يمكن أن يتخلى عن أيديولوجيته التي عرف بها، فهو يدعو للوحدة لأنها هي التي ستعيد العظمة العربية، من الصعب عليه في نهاية الأمر أن يقوم حركات في اتجاه الوحدة.

المعلق: كانت التجارب السابقة أليمة وغير سارة فجاءت التوقعات على ذات الشاكلة لكن التطور الواضح هنا كان على المستوى الشعبي أيضا. تواصل الوثيقة "يبدو أن الشعب الذي ظل إلى حد الآن كرة في ملعب مصالح بعض الدوائر قد توصل إلى قناعة ذاتية ويرفض بصفة غرائزية الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة".

ألكسندر رودريجيز: الجماهير العراقية العريضة لم تكن ترغب في قيادة المصريين لهم وهذا ما كان على عارف والمقربين منه أن يأخذوه في الحسبان ولهذا كان الرجل يتأرجح بين تعلقه بأفكار جمال عبد الناصر وبين المزاج الجماهيري في العراق، ولهذا لم يكن ليوجد مثل هذا الاتفاق وما كان ممكنا تحقيقه.

هلموت مايشير: أفكار الوحدة العربية في العراق كانت دائما معقدة وينبغي فهم المجتمع هناك لأن غالبية العرب في العراق من السنة وهم يشكلون أقلية هناك وتمكنوا في تلك الفترة من إيجاد توازن مع الشيعة لأن غالبية الأكراد هم سنة كذلك وكان هناك تحالف سني كردي وسني عربي لضبط التوازن مع الشيعة أي أن الوحدة العربية ستؤدي حتما إلى تقوية أقلية العرب السنة وكان هذا أيضا ضمن حسابات صدام الذي رفع الشعارات القومية والإقليمية وكان يدرك تماما أنه إذا اتجه نحو الوحدة العربية فإنه سيتلقى دعما قويا حتى في المواجهة مع الشيعة، وأعجب لعدم ذكر هذا الجانب في هذه الوثيقة.

المعلق: من ألمانيا أيضا ومن قلب أرشيف خارجيتها نواصل، كانت "السياسة الأوروبية في النزاع العربي الإسرائيلي" عنوان محاضرة للبروفسور أودو شتاينباخ في المعهد النرويجي للسياسة الدولية في أوسلو عام 1972. وبعد زيارة قام بها إلى القاهرة وبيروت ودمشق والكويت يشير المحاضر الألماني إلى ميثاق طرابلس الذي وقع عام 1969 بين مصر وسوريا وليبيا وكانت تجربة من التجارب التي لم تتجاوز دوائر التوقيع ويقول "تقييم هذه المحاولة من زاوية التجارب التي حصلت منذ ذلك التاريخ مع الفدرالية السورية المصرية لعام 1958 أو مع محاولات أخرى مشابهة يتجاهل التطور المعقد الذي حصل منذ ذلك الحين في العالم العربي، العكس من ذلك لأنه يظهر أن العرب يدركون هذا التطور ويعترفون بأخطاء عام 1958 ويسعون إلى تفاديها في محاولتهم الحالية".

هلموت مايشير: القذافي حينها كان أصغر زعيم دولة وكان عمره يناهز 28 أو 29 عاما وكان معجبا بناصر الذي توفي في عام 1970 واعتبر نفسه وريث ناصر لكن لم يكن لديه شعب، كانت تلك هي مشكلته الكبيرة، كان لديه المال وصناعة النفط لكن يفتقر إلى شعب.

ألكسندر رودريجيز: لقد حاول بمفرده توقيع اتفاقيات مع كل من مصر وتونس وسوريا وسواها لكن لم تتحقق أبدا هذه الاتفاقيات، وكان مفهوما من البداية أنه حتى بالنسبة للقذافي حمل كل هذا طابعا دعائيا فحسب.

المعلق: مرة أخرى خيب ميثاق طرابلس توقعات البروفسور شتاينباخ بعد أن خيب توقعات أصحاب الشأن أو الحلم. ومرة أخرى نبحث عن الأسباب في وثيقة ألمانية أخرى أعدها بولغان توشيفر نائب وزير خارجية ألمانيا الديمقراطية الذي يقول "القوى الإمبريالية تخشى تطلعات الشعوب العربية نحو الوحدة وتحاول باستمرار تخريب تعامل الدول العربية المعادي للإمبريالية، الدول الإمبريالية وبينها ألمانيا الغربية تعمل جاهدة للاستفادة من الاختلافات القائمة بين تلك الدول".

ممدوح رحمون: أنا من المؤمنين شخصيا بأي وحدة كاملة، إذا ما في صلة أرضية ما لها مستقبل، أي وحدة، إذا ما كان في صلة أرضية صعب كثير أن تقوم وحدة.