لم ينس الناس بعد , ما كان يجري أمام كوات و منافذ بيع المؤسسات الاستهلاكية العامة حيث الطوابير البشرية الممتدة مئات الأمتار بانتظار أن تصرف لها مستحقاتها من المواد الغذائية الأساسية الشهرية كالأرز و الشاي و السكر و السمن و الزيت و غيرها
و كثيراً ما كان يخرج البعض دون أية حصة و دون الحصول على أية مادة لهذا الشهر بحجة نفوق هذه المادة أو تلك من مستوعبات المؤسسة و مستودعاتها !!
الحق يقال , بأن جهود الدولة و الحكومة انكبت في تلك الآونة على دعم هذه المواد و العمل على تغطية فارق سعر الشراء بالعملات الصعبة كي يسهل على الجميع الحصول على هذه المواد .
بيد أن نفوق هذه المواد من مصدر بيعها الوحيد ألا و هو المؤسسات الاستهلاكيه العامة , و ظهورها في الأسواق التجارية الموازية , رسم الدلالة الواضحة على ما كان يجري وراء كواليس تلك المؤسسات من مقامرات و نهب لمال الناس ولقمة عيشهم و كرامتهم.
نعم. لقد كان تجار هذه المؤسسات و مدراؤها, هم أنفسهم من يبيعون تلك المواد للأسواق التجارية الموازية . هناك , يجري ما يجري من رفع و تلاعب بأسعار هذه المواد الأساسية و الأولية الضرورية في حياة الناس.
حيث لا خيار آخر أمام الناس سوى التوجه لشراء هذه المواد من السوق السوداء التي ظهرت مواكبة للفشل الذريع الذي أصيب به عمل هذه المؤسسات من اللحظة الأولى!!!
فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة ( كما يعلم الجميع) , حدوث عمليات منظمة و ممنهجة لسرقة المال العام مرة و , سرقة الناس مرة أخرى .
هي بحقيقة الأمر عملية سطو مزدوجة . ظهر في نتيجتها طبقة من المدراء الأثرياء و طبقة جديدة من التجار المغمورين الذين ذاع سيطهم بين ليلة و ضحاها !!!
و الذين ما كان بإمكانهم الدخول إلى عالم التجارة الحقيقية لولا توفر هذه المناخات المناسبة و هذه الفرص الكبيرة . وهذا ما أثر تأثيراً كبيراً على السوق و أثر تأثيراً سلبياً كبيراًعلى بعض الأسماء اللامعة في مجال التجارة . حيث اضطر الكثير من هؤلاء ( بحكم انتفاء المنافسة و غياب الفرص ) , إلى الرضوخ لواقع الهزيمة الذي فرضه الأمر الواقع !!!
إلى أين أريد الذهاب بقولي هذا؟؟
إلى هذه الأيام....
حيث أصبح من المعلوم بمكان أن سياسة بيع مادة المازوت ( إحدى أهم المواد الأساسيه) ,ستدخل ضمن منظومة تشبه إلى حد كبير تلك المنظومة التي تحدثنا عنها حول بيع المواد الغذائية الأساسية في المؤسسات الاستهلاكية العامة!
بمعنى آخر . ما سيجري مع المازوت ينطبق انطباقاً جزئياً أو كلياً مع ما جرى في حال المواد الغذائية..
حيث سيوزع المازوت من خلال قسائم ( بونات) شهرية أو سنوية و بمعدل حصة شهرية أو سنوية لكل عائلة بسعر مدعوم . من هنا حقيقة ستبدأ اللعبة . لعبة نهب و سرقة لقمة عيش الناس و تعكير صفو حياتهم !!
و ستجري عملية المتاجرة و ( المرابحة) في سعر هذه المادة الأساسية من قبل الذين يتربصون ( ومن الآن ) و يتحضرون لساعة الصفر حيث يؤذن لهم بالعمل في غفلة من العيش و بعيداً عن عيون القانون!!
بل . و أسمح لنفسي أن أزيد عندما أقول بأنه و منذ هذه اللحظة أو حتى قبل ذلك , بدأ أغلب باعة هذه المادة برفع سعرها تلقائياً بسبب زيادة الطلب وشح المادة.
لقد وصل سعر الليتر الواحد في حالات خاصة 11 أو 12 ليرة سورية . بينما بيع في حالات أخرى ب 10 ليرات أي بزيادة و قدرها 3 ليرات سورية لليتر الواحد تقريباً..
كيف سيكون سيناريو عمليات النهب و السرقة هذه ؟ لا أحد يعلم كيف بالضبط و لكن . من المؤكد أن كل شيئ أصبح جاهزاً و كل السيناريوهات أعدت للبدء المنظم و المحكم و ( المفترض)لعمليات النهب هذه !!!
هي مسألة وقت فقط !!!
طبعاً , بعد افتضاح الأمر و ظهور عمليات الاختلاس هذه , سيعمد المسؤول على الاجتماع فوراً لأخذ التدابير و دراسة الحلول الكفيلة بردع ممارسات هؤلاء و سن القوانين الصارمة لتأديبهم و تغريمهم الغرامات المنصوص عليها في القانون !!!
ثم يعود تجار الدم مرة أخرى للتفكير في طرق ألتفافية و ملتوية للمرور من خلف هذه القوانين . وينجح هؤلاء مرة أخرى في إدامة عمر عملية النهب هذه لوقت أطول . و لا يلبث بعدها أن يجتمع المسؤول مرة ثانية للتفكير في سبل جديدة للحؤول دون حدوث هذه التجاوزات و هذه المخالفات .
يدخل البعض إلى السجن و يحال البعض الآخر إلى المحاكم المختصة و من ثم يظهر الجيل الثاني من تجار الدم هؤلاء بعد ما يكونوا قد استفادوا من عبر ما جرى للجيل الأول و أصبح لديهم الآن كل المناعة و الحذر و حسن التدبير في حال تكرار الأمر!!
و غالباً ما سيخرج الجميع بدون أدنى أضرار في أسوأ التقدير . ويبقى المواطن .. المواطن هو المتضرر الوحيد من هذه العملية.
و ستكون النتيجة الكبرى و السمة العامة لهذا الأمر, ظهور حالات من الثراء الفاحش عند البعض من كل هؤلاء !!!!
ما زال هنالك القليل .. القليل جداً من الوقت لتدارك هذه المشكلة الكبيرة .. الوقت كي يتفكر المسؤول بإعادة النظر في هذه القرارات و القوانين التي ستعود بالوبال و الضرر على رب الأسرة و أفرادها .حيث سيضطر الكثير من هؤلاء إلى بيع مستحقاتهم السنوية لقاء هامش صغير من الربح الذي سيقدمه لهم تجار الدم الذين سيقومون بدورهم بشراء هذه المادة و هذه الذمم وتجميعها و من ثم بيعها مرة ثانية للناس بسعر أعلى و بالتالي الاستفادة من فرق السعر الذي سيعود عليهم بأرباح و أرقام فلكية !!!
سيأتيك أحدهم و يقول بأن الأمر سيعالج في حينه و بأن الحكومة قد أخذت بعين الاعتبار حصول هذا النوع من الممارسات . و هنا أقول بأن الأمر لا يعني المواطن العادي في شيئ . جل ما يعنيه هو حصوله على هذه المادة الأساسية و الضرورية بأقل تكلفة ودون وجود العوائق و المنغصات !!!
و ليكن بالعلم بعد الآن , بأن أسواقاً سوداء جديدة ستظهر عما قريب في وطننا العزيز سورية ألا وهو سوق المازوت السوداء كما ظهر في بقية المواد التي لنا تجربة رائدة فيها !!!
حيث لم ينافسنا بعد أي مجتمع على وجه الكرة الأرضية في هذا الجانب أو في جوانب أخرى شبيهه!!!
لا يزال الوقت سانحاً للتفكير في سبل أكثر واقعية و أكثر مواءمة لتوزيع المازوت دونما المرور عبر وسطاء إجباريين سيعمدون ( حتماً ) إلى رفع سعر هذه المادة لا محالة و لا مناص !!!!!
لا يكفي القول , بأن هذا الأمر لن يجري . بل هو فعلاً سيحدث ولكن بهذا السيناريو أو ذاك !!! وكل الرهاب هو على شكل السيناريو !!!
بل من المفيد التفكير من هذه اللحظة بكيفية تحاشي الضرر الكبير و المتعاظم الذي سيصيب الناس من جراء القانون الجديد و الناظم لتوزيع المازوت على الأسر السورية.
كما أن الرجوع خطوة إلى الخلف , دليل وعي و حرص و عافيه .
والعودة عن قرار خاطئ,دليل على الشفافية و الحكمة و نكران الذات.
فلماذا لا يكون ذلك إذاً ؟؟؟؟
سيخرج عليك قائل من هنا أو هناك ليطمئننا بالقول بأن الحكومة و الدولة اتخذت كل التدابير الوقائية و العلاجية لمتابعة العمل في هذه القرارات و السهر على كف يد كل من تسول له نفسه التلاعب في قوت الناس ولقمة عيشهم ..و ذلك عبر سن القوانين اللازمة المتضمنة للعقوبات الواردة في القانون و المنصوص عليها في مواده التي لا حاجة للمواطن للعد فيها !!!
و المواطن يقول لكم :
" بأنني غير معني كلياً بكل هذه الاجراءات و بكل هذه القوانين . إنني معني فقط بالحصول على هذه المادة بالسعر الذي يتناسب و دخلي الشهري الذي أراه يتناقص و يتضاءل تدريجياً مع كل ...
إشراقة شمس . هذه الإشراقة التي أتمناها اليوم أن تتأخر قليلاً كي يتطاول زمن النوم حيث العود إلى نظرية المبيت الشتوي لتخفيف عبء هدر الطاقة و واستهلاك الطعام و الشراب .. كما تفعل بعض كائنات الله و مخلوقاته التي أدركت خطورة البقاء و الحياة في بيئتها الطبيعية الصعبة حيث لا طعام و لا مأوى و لا مازوت!!!!!
إلا ما خلا من رحمة الله و عفوه .."