عرض الشقيقة القادم من السويداء للمشاركة في المهرجان الرابع للمونودراما هو من تأليف غسان الجباعي وإخراج سمير البدعيش وتمثيل سمير البدعيش وعدد من الممثلين .
العرض يحكي حكاية رجل يعمل في صناعة الجرار الفخارية تداهمه الشقيقة التي تكمن برأسه , والتي تساهم في تداعياته عبر سنين خلت , وكما العادة عندما يكتب نص ينتمي إلى أدب السجون والمعتقلات تطفوا القضية الكبرى للكاتب ولا يتذكر من السجن سوى ظلم الجلاد وقسوة التحقيق وضيق الزنزانة ... إلخ .
فالنص مكتوب لشخصيات عديدة وممثلين كثر , لكن الضرورة الدرامية عند المخرج , والغاية المونودرامية لإدارة مهرجان المونودراما اقتضيا تقليص عدد الممثلين وتحويلهم إلى جرار ناطقة , لكن هذه الجرار الناطقة تحاور الممثل المونودرامي ويتحاور معها أيضا , إضافة إلى ظهورها على خشبة المسرح , وبهذا يفقد النص الخاصية المونودرامية للعرض المونودرامي .
فالنص تداعيات لمعتقل سابق , هذه التداعيات تحمل أغلب مناحي الحياة ولا تركز على منحى مهم , فهي تهويمات تحاكي مراحل الكتابة في الثمانينيات من القرن الماضي , ولا يتناول النص قضايا عميقة ودقيقة للبنية الداخلية للسجين المعتقل , فأصبح كسر يده أو شللها قضية وطنية , قد تصبح ذلك لو استخدمها الكاتب رمزا ولكنه كرسها كحالة ذاتية فردية .
ولم يستطع الممثل عبر إخراجه أن يتناول الشخصية من بناها العميقة والتي تعكس حالة قهرية لشعب ما أو لمجموعة ما , ولم نعرف لما تم سجنه وما هي بنيته الثقافية التي ينطق من خلالها كممثل .
العرض جاء كلاسيكيا بحتا وخاصة من خلال الحالة البصرية التي اعتمدت على التزيين وقد بدا ذلك من خلال مجموعة الجرار التي رصفت على صدر المسرح وبشكل متحفي , ولم يظهر المبرر الدرامي عبر الإخراج تبرير حركات الجرار . هل هي عالمه الوحيد الذي يناجيه ويستنجيه ؟ أم هي العزلة والرجوع إلى الكآبة جعلت تلك الجرار أصدقاءه ؟ أم أنه الإقرار بالهزيمة جعله يحاكي من حوله , ولم يكن حوله سوى هذا الطين الذي يتناغم معه ولا يعارضه ؟ هل هذه الطموحات الإنسانية لمناضل قضى من أجل الآخرين سنينا من عمره , وكانت نهايته الانزواء . هذه مقولة تحتقر النضال والمناضلين أليس كذلك ؟ إلا إذا كان ذلك هو المطلوب فهذا حق الكاتب والمخرج والممثلين .
أما عرض الشقيقة من الناحية الفنية لا بد من الوقوف بداية عند الديكور الذي غدا ثقيلا يخترق العين ويبعد المشاهد عن العرض كحالة كلية , وخاصة تلك الجرار التي لا تهدأ على الخشبة عبر حركات اعتباطية غير مدروسة ويشع من عيونها أضواء بألوان فرحة , كان استخدامها جميلا لعرض مسرحي للأطفال , وكأن المخرج أغرته تلك الجماليات البائدة ولم يقدم تبريرات جمالياته , وكأنها استخدمت لتكون عونا للممثل الذي ينسى شلل يده حينا ويترك ظهره المقوس حرا أحيانا أخرى .
بالعموم هذا العرض لا يستدعي القراءة لأنه ما أن ينتهي يُنسى فورا , فهو لم يترك أي أثر لا جمالي ولا معرفي , ناهيك عن الحالات الفنية .
ولكن هذه القراءة هي هدفها التوثيق للمهرجان الذي يتراجع عاما بعد عام من حيث التنظيم والعروض , وقد أستغرب قبول هذا العرض ضمن مهرجان المونودراما , لأنه لا ينتمي لهذا الجنس المسرحي , وعدد ممثليه خمسة وهنا أذكر أنني عرفت المونودراما في أغلب الدراسات التي كتبتها عن المونودراما , ولكن هنا أسأل ... أهكذا المونودراما ؟ أم أن العروض المونودرامية شحت في المحافظات وفي اللاذقية وفي الدول العربية , ... هناك عروض كثيرة لكن يجب البحث عن طريقة موضوعية للحصول على عروض مونودرامية جيدة .
فرحان الخليل - اللاذقية
Masrah111@yahoo.com