لقد صعدنا على متون السفن التي تقوم باعمال الدورية في عرض البحر مقابل الشواطئ اللبنانية. حيث يعمل الاسطول الحربي الاقوى الذي لم يسبق ان تم تجميع مثله برعاية الامم المتحدة وقيادة ايطالية, على احلال السلام بالمياه الاكثر هيجانا في العالم.
وسط ضباب فصل ربيعي غير مستقر تتحول الظلال رويدا رويدا الى اشكال محددة تفد من اربع نقاط رئيسية, وتتخذ شيئا فشيئا مظهر السفن الحربية دونما اي التباس, وهي تستعرض على بعد اميال قليلة من بيروت. تصطف بالتشكيل, الواحدة خلف الاخرى: 12 وحدة قتالية مزودة بالمدافع والصواريخ, ورباعيات مضادة للطائرات, وابراج الرادارت. اسطول قوي, لم يشهد التاريخ مثله من قبل, لكونه اول اسطول يرفع علم الامم المتحدة, شكل من اجل جلب السلام للمنطقة الاكثر اضطرابا في الكون: تلك الواقعة قبالة لبنان, التي شهدت في السنوات الاربعين الاخيرة معارك دارت بين طرادات اسرائيلية وزوارق فلسطينية, مهربي الاسلحة ومدرعات امريكية, قوارب صيد تجسسية سوييتية, وسفن حربية عربية. ثم حدثت المعجزة, حيث تحول ذلك الركن من البحر المتوسط قبل 18 شهرا ليصبح الاكثر امنا في العالم.
تعمل سفن وطائرات من الفرقة البحرية التابعة للامم المتحدة بالليل والنهار على تسيير دوريات مهمتها تفحص هذه الزاوية التي يبلغ طولها ما يقارب 200 كليو متر بعرض 70 كيلو, بحيث تراقب كل حركة باعلى درجات التجرد والحيادية, الامر الذي يشكل جزءا اساسيا من المهمة التي تخولها العمل على ايقاف عمليات التهريب واي حركة مشبوهة. كما تعمل على اعادة تثبيت سيادة الحكومة اللبنانية على تلك الناحية من البحر, عاملة على ابعاد الاسرائيليين والسوريين, واي حضور لا يروق لسلطات بيروت, بما في ذلك الامريكان ان كان ذلك ضروريا.
انها ثورة بكل ما للكلمة من معنى, بل يمكن وصفها بالثورة المضاعفة, نتيحة مشايعة علم الامم المتحدة ذي اللون الازرق السماوي, علم الاتحاد الاوروبي ذي اللون الازرق الغامق. وتتمتع الارسالية في حقيقة الامر بمستجدين آخرين, من شأنهما العمل على تسجيل تحول في العلاقات الدولية. اولهما ان الامر متعلق باسطول اوروبي برمته: فيوجد الايطاليون, الفرنسيون, الالمان, اليونانيون, الدانماركيون, والاتراك. لكنه ليس بكل بساطة تشكيل مكون من سفن عائدة للقارة العجوز. فهو الاختبار الاول الكبير لجهاز عسكري يخص الاتحاد الاوروبي. قوة تدخل سريع تدعى "ايورومارفور".
وفضلا عن ذلك, انه الوهم الذي يتحول الى حقيقة تتمثل في قدرة اوروبا كقوة عسكرية على فرض فعل ديبلوماسي مستقل بالاتفاق مع الامم المتحدة. ويأتي ذلك مترافقا مع خبر آخر ايجابي والزامي, مفاده ان العلم الثالث المرفوع على سواري السفن هو ذلك العلم الايطالي المثلث الالوان.
في قمة هرم قيادة الاسطول الاوروبي, يوجد العميد البحري روجيرو دي بيازي, الذي تولى بنهاية شهر شباط الماضي قيادة العملية, من على ظهر الفرقيطة ايسبيرو. لقد مثل ذلك الاعتراف بالدور الذي تضطلع به ايطاليا, التي استطاعت في شهر ايلول ,2006 عبر توسط ما سّيمو داليما, وتدخل البحرية, اقناع اسرائيل بضرورة فك الحصار الذي كانت تفرضه على لبنان. كما كان دلالة بقدرتنا على اعتراض طريق المهربين الذين يزودون العصابات المسلحة بالاعتدة الحربية. يوجد في غرفة القيادة للفرقيطة ايسبيرو شاشة ضخمة يمكن من خلالها مراقبة البحر ما بين قبرص وشواطئ بلاد الارز. محروسة بوساطة قبة اليكترونية هائلة: فكافة الرادارات المثبتة على سفن الاسطول الاممي متصلة فيما بينها بشبكة, وتتبادل المعلومات في الوقت المناسب. لذا, فان هوائيات الفرقيطات الاربع وسفن الحراسة الثمانية تكون خريطة واحدة عملاقة, تزدحم بالاشارات والرسوم. ويتم تعريف كل صدى رادار من خلال الوان مختلفة تبعا لدرجة الاشتباه. فالمراكب الزرقاء هي تلك التي تظهر ساكنة. في حين ان تلك الحمراء تستحق ما يلزم من التعمق. من الممكن ان تكون تابعة لدول قريبة من ابطال الصراع. او اخريات بهوية مزدوجة: فلا يتوافق الاسم, والمجهز, وميناء القدوم مع المعلومات المخزنة ببنك المعلومات. فاذا ما بقي التحذير الاحمر بعد الانتهاء من التحليلات الاولية, فيأتي الدور حينئذ على الطائرة العمودية. ما هي الا دقائق قليلة ويتم الاقلاع على متن اغوستا بيل - ,212 حيث يجري التحليق بملامسة الامواج امعانا في مفاجأة الهدف. فيعمل منظار مزود بالاشعة فوق الحمراء على تأطير وتكبير هيكل السفينة العائم. وهو ما ينطبق على القارب كذلك حتى وان كانا يتواجدان على مسافة بعيدة. وفي ظل اية ظروف مناخية: فيصار الى تفحص الكتابات, والبنية. ثم تدور اغوستا حول الهيكل: فيعمد الطيارون الى تفحصه من مسافة قريبة, محاولين التقاط ردود الفعل لدى الطاقم. فاذا لم تتحقق عملية التخلص من الشك يقوم العميد البحري باعطاء الامر بالاقتراب والرسو.
ان جميع الوحدات التابعة للامم المتحدة العاملة في المياه اللبنانية مزودة بقوات خاصة مستعدة للتدخل عن طريق الانزال من الطائرات العمودية او بالقفز من الزوارق السريعة. وهناك على متني السفينتين الايطاليتين ايسبيرو, وبيتيكا توجد مجموعات مكونة من 8 افراد, تتبع سان ماركو, تستخدم للاغارات: يتم التعرف عليهم نتيجة ارتدائهم باستمرار توتات مموهة. لكن قوانين القصر الزجاجي تنيط بالقوات العسكرية اللبنانية مهمة التفتيش. وكانت وحدات الاقتحام التابعة لها قد تدربت على ايدي مدربين فرنسيين او ايطاليين. يتحدث بشأنهم العميد البحري دي بيازي فيقول: "انهم يتحلون بارادة التصميم. ولديهم ما يكفي من الاسباب لفعل ذلك: فلا يضعيون اية فرصة سانحة لانجاز عملهم". كانت قد انقضت اقل من ساعة منذ اللحظة التي ظهر فيها المركب على شاشات الرادار. ويتم التأكيد من خلال الراديو على تواجد القوة اللبنانية على ظهر السفينة. تبحث بين الوثائق. وتفتش عنبر الشحن, من دون العثور على شيء. يعود ذلك الى ان نسيج اسطول الامم المتحدة يتميز بالردع. الامر الذي يجعل المهربين يعزفون عن المغامرة. ففي الشهر الاول من تولي الايطاليين مهمة القيادة, جرى على سبيل المثال تفتيش 979 مركبا. كما سجلت اجهزة المخابرات منذ عام 2006 وقوع عملية انتهاك مزعومة واحدة, تمثلت بصفقة اسلحة وصلت للمليشيات المسيحية المارونية, افرغت من زورق صيد في احد الموانئ الشمالية. شيء تافه بالمقارنة مع الماضي. ويعود هذا كذلك الى ان ما من احد بقادر على المراهنة بخصوص التفتيش. يتبع.0