ـ روس : قلنا للطرفين إن القدس ثلاث مدن في واحدة
فهي مدينة فعليّة تدار على أساس يوميّ وهي مدينة مقدّسة للعالم وللديانات الثلاثة وهي مدينة سياسيّة * اعترفنا بحقّ العودة ويكون لإسرائيل حقّ السيادة في تحديد من يمكن قبوله
مضى الرئيس في تقديم الحدود التي وضعناها إلى باراك: بالنسبة للأرض، قسّمنا حدود ما ستكون الدولة الفلسطينيّة الجديدة إلى حدّ غربيّ مع إسرائيل وحدّ شرقيّ مع الأردن. يستند الحدّ الغربيّ إلى خطوط 1967، لكن يعدّل وفقاً لما تقتضيه الضرورة. الفلسطينيّون يحتاجون إلى أن يكون خطّ 1967 هو الأساس، ويحتاج الإسرائيليّون إلى إدخال تعديلات على الخطّ لتلبية متطلّبات كتل المستوطنات (تستوعب مثلاً 75 إلى 80 بالمائة من المستوطنين في الضفّة الغربيّة). وسنشير ببساطة إلى أنّ الفلسطينيّين يعتقدون بالحصول على تعويض عن التعديلات المجراة لتلبية الاحتياجات الإسرائيليّة، لكنّنا لن نطرح مبدأ المقايضة في هذه المرحلة.
وبشأن الحدود الشرقيّة، كان المبدأ أن يحصل الفلسطينيّون على السيادة والإسرائيليّون على الأمن. وقد صمّمت هذه الصيغة لتلبية الاحتياجات الرمزيّة الفلسطينيّة فيما تستجيب أيضاً للمخاوف الإسرائيليّة الحقيقيّة جدّاً والمشروعة بشأن الأمن. وبشأن اللاجئين، كان لدينا مبدأ لآليّة دوليّة وصندوق يموّل إعادة تأهيل الفلسطينيّين وإعادة توطينهم وعودتهم إلى فلسطين أو إلى بلدان ثالثة أو إلى إسرائيل في ظروف محدودة. وبعيداً عن ذلك، كنّا نسعى للتوفيق بين الاحتياجات الفلسطينيّة الرمزيّة والاحتياجات الإسرائيليّة العمليّة. فالفلسطينيّون يريدون حقّ العودة، وذلك مقبول إلى فلسطين ولكن ليس إلى إسرائيل. وإذا كان هناك من «حقّ» فيجب تنفيذه بطريقة محدودة بوضوح شديد. لذلك فإنّ حدودنا اعترفت بأن الفلسطينيّين يحتاجون إلى حقّ العودة، ولكن يجب أن يكون لإسرائيل حقّ السيادة في تحديد من يمكن قبوله في إسرائيل.
وبشأن القدس، سلكنا مساراً تصوّريّاً أكثر، حيث توصف القدس بأنّها ثلاث مدن في واحدة. إنّها مدينة فعليّة يجب أن تحكم وتدار على أساس يوميّ، وهي مدينة مقدّسة، مقدّسة للعالم، مقدّسة للديانات التوحيديّة الثلاث، وتضمّ أكثر من سبعة وخمسين موقعاً مقدّساً في المدينة القديمة فحسب، وهي مدينة سياسيّة.
كانت لدينا إحدى عشرة نقطة تشكّل أساس البحث وترتبط بكل من المدن الثلاث، ولم تكن كثير من النقاط ـ مثل أن تكون هناك مدينة واحدة غير مقسّمة للخدمات البلديّة والدخول الحرّ بدون إعاقة إلى الأماكن المقدّسة ـ مثيرة للنزاع وتشكّل أحجار بناء للاتفاق. وكانت النقاط الأكثر إثارة للحساسيّة تتعلّق بالسيطرة السياسيّة، لا المسؤوليّة الوظيفيّة. وهنا تطرح الأسئلة في البداية بدلاً من اقتراح الحلول. وكان المنطق يقضي بالتوصّل إلى تفاهمات بشأن الطرق العمليّة والوظيفيّة لإدارة المدينة قبل التعامل مع المسائل الأصعب.
استمع باراك إلى عرض الرئيس وكان راغباً في قبول الحدود. وقد استعرض الحدود التي يريدها. بشأن الحدود، الفلسطينيّون يعتقدون بأنّ الحدّ الغربيّ يجب أن يكون خطوط 1967، وتريد إسرائيل تعديلات تستوعب 80 بالمائة من المستوطنين، وعلى الحد الشرقيّ، يعتقد الفلسطينيّون بوجوب عدم وجود قيود على حدودهم مع الأردن، وتعتقد إسرائيل بوجوب تلبية احتياجاتها الأمنيّة وأن تحتفظ بشريط ضيّق من الأرض على طول نهر الأردن (أي أنّ إسرائيل ستقحم نفسها بين الدولة الجديدة والأردن). وراجع القضايا الأخرى ساعياً في الواقع إلى تحويل تمرين الحدود إلى مكافئ للعرض الإسرائيليّ والفلسطينيّ للحدود. وعلى الرئيس أن يبسط كيفيّة رؤيته لموقف كل جانب من كل قضيّة، لا الرؤية الأميركيّة للحدود.
عندما أطلعنا الرئيس على ما دار في الاجتماع، أوضح أنّه نزل عند رغبة باراك بشأن التعامل مع تمرين الحدود. فهو لم يشأ أن «يحشره» في بداية القمّة. وذلك يعني بالطبع أنّ علينا تغيير مقاربتنا من أجل اجتماع الرئيس وعرفات. وها نحن بالفعل نغيّر استراتيجيّتنا المعدّة للقمّة. لن نحدّ المباحثات ونبلورها، ونتيجة لذلك لن نسيطر على القمّة منذ بدايتها.
ربما كان الرئيس واقعيّاً أكثر منّي. وربما كان من الوهم الاعتقاد أنّ بوسعنا فرض تمرين الحدود بالطريقة التي تصوّرتها. لكنّنا كنّا نشارك في القمّة، وكانت الرهانات عالية جدّاً ويجب أن تعكس أفعالنا ذلك. وفرض الحدود هو إحدى طرق القيام بذلك. كما أنّني كنت منشغلاً في كيفيّة تبرير شيء أكثر إثارة للنقاش من الحدود ـ وتحديداً ورقتنا. لقد غيّر الرئيس استراتيجيّتي، مع أنّه وافق عليها، عندما واجه معارضة من باراك. غير أنّه في الوقت نفسه قال إنّنا سنضع ورقتنا على الطاولة أمام باراك وعرفات بعد يومين. وبعد أن ليّن ما كنّا سنعرضه على كل جانب بشأن الحدود، سعى إلى الضغط عليهما بالقول إنّنا سنضع ورقتنا مساء الخميس.
كان باراك يؤيّد ذلك، لكنّه أبلغ الرئيس أيضاً أنّ مجموعته ستقدّم لنا نسختها من مثل هذه الورقة. وأوضح الرئيس أنّنا لن نبسط إلا ما يتحلى بالمصداقيّة ويُفهم على أنّه مسعى صادق للتوفيق بين الاختلافات. وقد وافق باراك أيضاً على ذلك شريطة ألا تحدث مفاجآت وأن تتاح له الفرصة بأن يرى ما سنعرض أولاً. وقبل عرفات ببساطة أن نقدّم الورقة.
اليوم الثاني بدأت المباحثات بين الجانبين، لكنّها سرعان ما أصبحت تكراراً للمحاجّات والمواقف السابقة. ونظراً لأنّنا أبلغنا الجانبين بأنّنا سنضع ورقة على الطاولة بعد يومين بصرف النظر عن كل شيء، لم تكن لأي من الجانبين مصلحة في التحرّك. وفضّل كل منهما الانتظار لرؤية ما الذي سنعرضه.
ونظراً لأنّنا أُعِقنا، فقد كرّسنا أنفسنا لوضع الورقة. لكن ما الذي ستكون عليه الورقة ؟ هل يفترض أن تجمل المبادئ الأساسيّة لتوجيه الحلّ في كل من القضايا الجوهريّة ؟ أو هل نقدّم مشروع اتفاقيّة إطار؟ طالما شعرت أنّنا بحاجة إلى معرفة المزيد من كل جانب قبل عرض مواقف أميركية حاسمة بشأن كل من القضايا، وبخاصّة القدس. لكن لم يكن ذلك رأي ساندي ومادلين. فبعيد الجلوس مع جون شوارتز، واضع المسوّدة عندنا، استُدعيت لمقابلة الرئيس مع ساندي ومادلين.
كانت الساعة تتقدّم، وليس هناك شيء مهمّ يحدث الآن. وعلى الرئيس أن يغادر خلال سبعة أيام إلى قمّة الدول الثماني في أوكيناوا. ونحن بحاجة إلى وضع مشروع اتفاقيّة على الطاولة. وإذا فعلنا ذلك في الليلة التالية، لن يتبقّى سوى خمسة أيام للتفاوض والاتفاق. استمعت بدون أن أقول شيئاً. التفت إليّ الرئيس وسألني عن رأيي. أبلغته أنّ مشاعري متناقضة. فأنا لست واثقاً من أنّنا جاهزون لوضع مشروع اتفاق تامّ على الطاولة. كنت قلقاً بشأن كيفيّة التعامل مع القدس. فمع أنّ لدينا أفكارنا بشأن ما يمكن أن ينجح بشأن القدس، إلا أنّنا لم نشترك بشكل كاف في البحث مع كلا الجانبين لنعرف إن كنّا على الطريق الصحيح. واقترحت أن نضع معاً ورقة «مبادئ» ومشروع اتفاق، وسنحاول تجهيزهما قبل توجّه الرئيس إلى بلتيمور في الصباح التالي. وبوسعه قراءتهما قبل عودته وأن يقرّر أيّاً منهما يجب أن نقدّم في المساء، فأعجب الرئيس بالمقاربة. ورغم تحفّظاتي قرّرت المضي قدماً بمشروع الاتفاق، لا ورقة المبادئ. فبعد تفحّص الاثنين وجدت أنّ مشروع الاتفاق، حتى مع القيود المتعلّقة بالقدس، يقرّبنا أكثر مما تقرّبنا ورقة المبادئ. كما أنّ ما تلقّيناه من الإسرائيليّين أوضح أنّهم يفكّرون في هذه المرحلة في الاتفاق الفعليّ لا العموميّات. ولا شكّ في أنّ التفكير في ذلك شيء ومواجهته شيء آخر ـ لا سيما في ورقة من الواضح أنّها ليست ورقتهم. وعندما أويت إلى الفراش بعد الرابعة صباحاً بقليل، فكّرت في أنّنا سنتحقّق من كل شيء في الغد.
* مخاض الميلاد والتدشين في كامب ديفيد..وكيف لعبنا بورقة المزاج
* اليوم الأول:
كان قرارنا الأول الاجتماع بعرفات قبل باراك. وكنّا قد قرّرنا ألا نعقد اجتماعات قبل وقت متأخر من الصباح، لكنّنا أدركنا أنّ باراك يمكن أن ينام بضع ساعات بعد وصوله ومن الأفضل مشاغلة عرفات عاجلاً لا آجلاً. وكان الاجتماع الأول مخصّصاً للمزاج وخططنا الجوهريّة.
عند تقديم التقرير الموجز للرئيس (كلينتون)، ذكّرته بأنّنا لن نصل إلى أي مكان إذا لم ينجح في دفع عرفات إلى التركيز على الاتفاق لا الجمود عند مظالمه. وذلك يتطلّب رفع معنويّات عرفات وإظهار ما يمكن أن يكسبه، مشدّدين على أنّ لديه الفرصة الآن لتحويل الحركة التي أطلقها ـ حركة التحرير الوطني الفلسطينيّ ـ وتحقيق حلمه، وأنّ بإمكانه أن يقدّم للفلسطينيّين ما لم يستطع أي قائد فلسطينيّ أو عربي آخر من تقديمه لهم.
كان رفع الآفاق وتحقيق الأحلام من اختصاصات كلينتون، ولم يكن من المفاجئ أنّ الاجتماع سار على ما يرام. فقد لعب الرئيس على إحساس عرفات بالتاريخ، متحدّثاً عن أمله الصادق أن يكون موجوداً مع عرفات عند رفع علم دولة فلسطين الجديدة. ويبدو أنّ عرفات انتشى لذلك الاحتمال، في تلك اللحظة على الأقل، واختار التخلّي عن بحث مظالمه.
قبل اجتماعات الرئيس الأساسيّة مع باراك وعرفات في ذلك اليوم، كرّرت على مسامعه مفتاح استراتيجيّتنا ـ أي حمل الزعيمين على قبول الحدود التي يعرضها الرئيس بالنسبة للقضايا الأساسيّة، وإنشاء فرق صغيرة لبحث الأمن والحدود واللاجئين بناء على هذه المتغيّرات. وكان هدف الحدود تقليص الفجوات وتوجيه المباحثات بشأن هذه القضايا الجوهريّة وتشكيلها وإدارتها. بالنسبة للقدس، ونظراً للحساسيّة، لا سيّما حساسيّة باراك، ذكّرت أن عليه أن يبحث هذا الموضوع مع الزعيمين في الأيام القليلة الأولى فقط، وأعطيته ورقة من إحدى عشرة نقطة كنت قد كتبتها عن القدس.
كنت أعتقد أنّ القدس حسّاسة جدّاً، لذا يجب ألا يغوص فيها المفاوضون، لكنّني أدرك أنّ عرفات يريد التأكّد من أنّنا لا نتجنّب القدس لئلا يمنع العمل على أية قضيّة أخرى. فهل هناك طريقة تظهر له أنّنا نأخذ القدس على محمل الجدّ أفضل من أن يخصّص الرئيس هذه المباحثات لنفسه مع الزعيميّن (وهي طريقة أيضاً إلى إشراك عرفات فضلاً عن جعل أمنون وشلومو يجتمعان معه).
مرّة أخرى كان كل ذلك جيّداً نظريّاً، لكنّنا لم نتمكّن من تنفيذه عمليّاً. التقى الرئيس مع باراك وكان معه مدوّن ملاحظات واحد فقط، بروس ريدل (خلافاً لواي.. (يقصد المؤلف قمة واي بلانتيشن بين كلينتون وعرفات ونتنياهو .. الإيضاح من الشرق الأوسط) حيث كنت أذهب عادة مع الرئيس إلى اجتماعاته الخاصّة مع نتنياهو أو عرفات، تقرّر هنا، وهو أمر يعكس بلا شكّ ثقة الرئيس ورغبته في مقابلة القادة على انفراد بدون أن يكون معه مفاوضون ، أن يكون بمفرده مع مدوّن ملاحظات. ويكون جمال موجوداً بالطبع للترجمة. وتقرّر أن يكون مدوّنا الملاحظات من مجلس الأمن القوميّ; وذلك يعني أنّ بروس يدوّن الملاحظات للاجتماعات مع باراك، وروب مدوّن الملاحظات للاجتماعات مع عرفات)، وهي طريقة أيضاً إلى إشراك عرفات فضلاً عن جعل أمنون وشلومو يجتمعان معه. وكان لدى باراك على عادته إحساس خاصّ بالتوقيت وخطّة خاصّة به، فهو لا يريد أن يحدث شيء في اليومين الأولين، ولا يريدنا أن نضع بعض الأفكار إلا بعد يومين من الجهود. وأبلغ الرئيس بأنّ الأزمة ـ والمرحلة الأساسيّة لاتخاذ القرار ـ يجب أن تحدث مساء الأحد، 16 يوليو (تموز) ـ بعد مرور خمسة أيام على بدء القمّة.
كان ذلك مصطنعاً تماماً، فهدفنا هو جعل الجانبين يركّزان على مجموعة ملموسة جدّاً من الحدود المعيّنة لكل قضيّة جوهريّة; وقد أوضح الرئيس لباراك أنّ ذلك يبلور الاختلافات الأساسيّة وينشئ أساساً لنا لكي نعرض ورقة تُجمل جسور ردم الفجوات، وذلك يتطلّب مباحثات حقيقيّة، لا معارك مصطنعة تعيد صياغة المحاجّات القديمة.
* اليوم العصيب .. باراك ودبلوماسية الحائط .. ولغز زائر إسرائيلي جديد
* بدأ محمد دحلان يلتقي بصمت مع شلومو وأمنون ويوسي غينوسار لبحث كل القضايا، بما في ذلك القدس. وقد بدأوا الاجتماع في كوخ أمنون في ساعات الصباح الأولى. كانت هذه قناة خلفيّة متكتّمة وغير رسميّة، ويمكن هنا تجربة الأفكار واستعراضها. وبعد أن أطلعونا على ما دار بينهم، أبلغت الرئيس وساندي ومادلين. وفي جلستنا الختاميّة بعد منتصف الليل، قلت يمكننا العمل الآن على ثلاثة مستويات: (1) إعداد اقتراحنا لوضعه على الطاولة (2) العمل بصمت مع القناة الخلفيّة للمساعدة في ضمان أن ينجح ما نضعه على الطاولة (3) ترك المجال لكي تعرف فرق التفاوض ما يمكنها أن تحقّقه وإدخال ذلك في اقتراحنا. بدا ذلك منطقيّاً لهم، وذهبنا جميعاً للنوم ونحن نشعر أنّنا صرنا أخيراً على الطريق الصحيح.
اليوم الخامس كان هذا يوم التطوّرات الحقيقيّة. وقد بدأ باجتماع عقدته مع باراك صباحاً. كانت لا تزال هناك مشكلة، رغم أنّني كنت أكثر تفاؤلاً. فأثناء الفطور، أبلغني شلومو ويوسي بأنّ باراك لا يريد من أحد في جانبه أن يطرح شيئاً جديداً.
لذا عندما طلب باراك رؤيتي كنت أعتزم الضغط عليه. وفي بداية اجتماعنا سألته، «لماذا نحن موجودون هنا؟ إنّنا في اليوم الخامس من القمّة التي أصررت على عقدها، ولم نسمع شيئاً جديداً من جانبك. والأسوأ من ذلك أنّنا عندما أردنا تقديم ورقة، قاومت أن نستشهد بنصّ كتبه رجالك، ولم يقولوه فحسب، إلى أبي علاء في السويد. ولعمري إنّني لا أستطيع أن أعرف لماذا أردت هذه القمّة، ولماذا دُفعتُ في اتجاهها، لا سيما لأنّ بوسعنا عقد مثل هذه المباحثات في أي مكان دون الانكشاف أو المخاطرة على هذا النحو». كنت آمل أن أهزّه بهذا النهج. فقد كان يتصوّر أنّني أكثر تعاطفاً من جانبنا مع احتياجاته، لأنّ الفلسطينيّين جعلوا منّي هدفاً عامّاً لانتقادهم في الغالب من جهة، ولأنّه يعتقد أنّني استجبت كثيراً لاحتياجاته في عقد هذه القمّة من جهة أخرى. وربما يدرك، حتى إذا كنت بدأت أفقد إيماني به، بأنّ عليه أن يكشف إلى أين يعتزم الوصول أو يمنح مفاوضيه حيّزاً أكبر للمناورة. وإذا كان ذلك ما أريده، فإنّني لم أحصل عليه في الاجتماع.
وبدلاً من ذلك حصلت على تكرار للسبب الذي يمنعه من التحرّك قبل عرفات. فهو لا يريد السماح لعرفات بأن يضع تحرّكاته في جيبه. ولما كان قد أكثر الحديث عن كيف أنّ القمّة تخلق وعاء ضغط وأنّها تنتج مزيداً من الحركات الجديدة. فسألت الآن ماذا حلّ بوعاء الضغط؟ وماذا حلّ بمنطقه من وراء القمّة؟ وسألت ثانية لماذا نحن موجودون هنا؟ وكان ردّه أن وعاء الضغط يجب أن يعمل على عرفات أولاً، وبعد ذلك تتوالى الأمور. فإذا ما تشدّدنا أكثر مع الفلسطينيّين، وإذا ما رأوا بأنّنا لا نقف إلى جانبهم، فسيتغيّر كل شيء عندئذ.
أراد أن نبحث موضوع القدس. وسأل ما الذي أعتقد أنّ الفلسطينيّين بحاجة إليه ؟ قلت إنّهم بحاجة إلى جانب السيطرة الواضحة على الحرم، إلى بعض السيادة في قسم من القدس الشرقيّة القائمة. لا يمكن ببساطة أن تكون أبو ديس والقرى الواقعة خارج الحدود البلديّة للقدس الشرقيّة.
هنا أيضاً اتخذ موقفاً متشدّداً، ويبدو أنّه يتراجع الآن عما أشار به إلى الرئيس، قائلاً إنّه لا يمكنه أن يعطي أكثر من استقلال ذاتيّ للقرى الخارجيّة مثل بيت حانينا وشعفاط. وعندما ضغطت على هذه النقطة بالنظر إلى حوار سابق ، قال لا يمكن ببساطة عمل المزيد في القرى الخارجيّة.
عندما تركت الاجتماع، قلت لمارتن (الذي انضمّ إليّ في الاجتماع)، إنّه يصلّب مواقفه لكنّني أعتقد أنّها مجرّد تكتيكات. يريدنا أن نضغط على الفلسطينيّين وحمل عرفات على التحرّك قبل أن نفعل أي شيء. فذلك جزء من استراتيجيّته القائمة على الانتظار حتى نصل إلى الحائط قبل أن يفعل شيئاً، وهو يريدنا نحن أن نضع ذلك الحائط أمام عرفات. لذا من الواضح أنّ مقولاتنا خلاف ذلك ـ مثل السؤال عن سبب وجودنا هنا ـ لن تحرّكه، في الوقت الحاضر على الأقل. وافق مارتن على تقييمي، لكنّه تساءل إذا ما كان يصلّب مواقفه بالفعل، لا سيّما بعد وصول دان مريدور?إلى كامب ديفيد.?وصل دان متأخّراً إلى القمّة. وهو الآن في حزب المركز مع أمنون ويتولّى وزارة بدون حقيبة في حكومة باراك. وكان دان مريدور أكثر تحفّظاً في هذه المرحلة بشأن معظم القضايا الجوهريّة من بقيّة أعضاء الفريق الإسرائيليّ المفاوض. وفي وقت لاحق التقيت بساندي ومادلين وأطلعتهما على ما دار في الاجتماع مع باراك. ثار غضب ساندي، فنحن في القمّة بسبب باراك، وسوف يضمن فشلها، وسيكون على الرئيس دفع ثمن ذلك، وسيتعيّن علينا أن نقول لماذا فشلنا. وقال إنّه سيقابل باراك ويقول له ذلك. ولم يتأثّر بتقييمي لسبب قيام باراك بما يقوم به.
* كلينتون سأل أباعلاء : هل ستجرب طريقتي؟ فبدا متأثرا وقال: سأسأل أباعمّار
* تابع الرئيس كلينتون كلامه بصورة عاطفيّة فقال: «تعرفون أنّني أريد التوصّل إلى اتفاق، ولذلك نحن هنا، ولهذا السبب أقوم بمخاطرة كبيرة في القيام بذلك، من المهمّ بالنسبة إليّ ركوب هذه المخاطرة. فأنا أريد الوصول إلى اتفاق، لكن ندين لأنفسنا بأن نعرف أنّه إذا لم نستطع الوصول إلى اتفاق، فمرد ذلك أنّه مستحيل. ولا أريد أن يخرج أحد من هنا معتقداً بأنّه يمكن التوصّل إليه في أعقاب الفشل. إذا لم نستطع القيام بذلك، لنحرص على أن يكون السبب استحالة ذلك. دعونا لا نعيش نادمين على أنّه كان بوسعنا تحقيق ذلك لو أنّنا بذلنا المزيد من الجهد أو لو أنّنا جرّبنا مقاربة مختلفة في مباحثاتنا».
ونظر إلى أبي علاء وسأل: «هل ستجرّب طريقتي؟» بدا التأثّر واضحاً على أبي علاء فقال، سأسأل أبا عمّار إذا كان ذلك ممكناً.
* روس: هذا هو أبوعلاء ..تكتيكات التفاوض عنده لا تتغير
* في الاجتماع الأول بشأن الأرض والحدود، جرّب أبو علاء مساراً جديداً، ففيما كان في السابق لا يبحث الأمن قبل موافقة الإسرائيليّين على المفهوم الفلسطينيّ للحدّ الشرقيّ، أضاف الآن شرط عدم بحث التعديلات المحتملة لتلبية الاحتياجات الإسرائيليّة على الحدّ الغربيّ ما لم يعرف بأنّ الحجم الإجماليّ للأرض الفلسطينيّة سيبقى من دون تغيير.
وقد عبّر عن ذلك بقوله، طالما أنّ الدولة الفلسطينيّة ستبلغ مساحتها 6500 كلم مربّع تتكوّن حاليّاً من الضفة الغربيّة وغزة والقدس الشرقيّة، فإنّ بإمكانه النظر في إجراء تعديلات تلبّي الاحتياجات الإسرائيليّة، وإذا لم يكن كذلك، لا يمكنه النظر في التعديلات. كانت تلك طريقة أبي علاء في محاولة حمل الإسرائيليّين على الاعتراف بالحدّ الشرقيّ ومقايضات متساوية للأراضي كشرط للنظر في الاحتياجات الإسرائيليّة، تلك بالطبع وصفة لعدم التقدّم إلى أيّ مكان. قد نكون في قمّة وقد يقدّم أبوعلاء تقريراً إلى رئيس الولايات المتحدة، لكنّ تكتيكات التفاوض عنده لا تتغيّر.
* كلينتون لأبي مازن: الإسرائيليون لن يعطوك شيكا على بياض
* عندما حوّل أبو مازن التركيز على الحاجة الفلسطينيّة إلى القبول بمبدأ «حقّ العودة»، ردّ الرئيس (كلينتون) بأنّه لا يمكن توقّع قبول الإسرائيليّين بإعطاء شيك على بياض بشأن العودة إذا لم يحصلوا على ضمانات بشكل ملموس جدّاً حول كيفيّة تقييد ذلك. واستخدم مثال قافز البانجي الذي يُطلب إليه القبول بمبدأ القفز من دون أن يعرف إذا كان الوادي الذي سيقفز فيه أكثر عمقاً من الحبل المطّاطيّ الذي سيقفز به. فلا يمكنك أن تطلب من الإسرائيليّين أن يقبلوا بمبدأ يرون أنّه يهدّد وجودهم من دون أن تعرض ضمانات محدّدة بشأن الحدود لكي لا يصبح تهديداً. وختم الرئيس الاجتماع بأن طلب من الجانبين العمل على الآليّة الدوليّة ومن الفلسطينيّين تقديم أفكار عمليّة بشأن تقييد المبدأ الذي يسعون وراءه.