وُلِد فرع المعلومات عام 1991، وباشر عمله عام 1993، بناءً على رغبة رئيس الحكومة رفيق الحريري والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رفيق الحسن. كانت لكل منهما دوافعه، لكن العنصر السوري ضبط إيقاع عمل الفرع حتى عودة الحريري إلى الحكم عام 2000
حسن عليق
وصل الرئيس رفيق الحريري إلى الحكم عام 1992 متأبّطاً مشروعاً إعمارياً طلبَ لتسهيل تنفيذه صلاحيات استثنائية، تشريعياً وتنفيذياً. كان له بعض ما أراد، لكن المعضلة التي عاناها كانت شح المعلومات الأمنية. فبحسب وزير الداخلية الأسبق بشارة مرهج، كان الحريري وبعض الوزراء يحصلون على معلومات عبر علاقاتهم الشخصية أكثر من تلك التي تردهم من تقارير الأجهزة الأمنية. كلام مرهج يتقاطع مع نظرة المستشار السابق للرئيس الحريري نهاد المشنوق، الذي قال لـ«الأخبار» إن أجهزة الأمن كانت تزوّد الحريري «فتات المعلومات التي تخلو من أي مضمون سياسي»، والتي لا تساعده في اتخاذ قرار، لكونها مرتكزة على «القيل والقال». ولهذه الأسباب، قرر الحريري انتشال فرع المعلومات من الدرج الذي وُضِع فيه منذ عام 1991، عندما نصّ على وجوده المرسوم 1157 (مرسوم تحديد التنظيم العضوي لقوى الأمن الداخلي). وطرح الحريري تعديل المرسوم المذكور بغية تفعيل الفرع والحصول على معلومات بدل تلك المنقوصة، فأصدر مجلس الوزراء يوم 6/8/1993 المرسوم الرقم 3904، الذي أضاف إلى مهمات الفرع دوراً في مجال الأمن العسكري.
وقبل صدور المرسوم الجديد، يضيف وزير الداخلية الأسبق، دار نقاش في مجلس الوزراء والمؤسسات، فتبيّن أن قادة الأجهزة الأمنية الأخرى غير موافقين على اقتراح الحريري، ولكن من دون إظهار الاعتراض. غير أن عدم موافقتهم كان جليّاً من خلال إظهار كلّ منهم تمسكه بمجال عمله. أما الأمن السوري، فيرى مرهج أنه كان يطلب دائماً إبقاء الأمور الإدارية والقانونية كما كانت مباشرة بعد اتفاق الطائف. «ويبدو أنهم لم يكونوا راضين عن طلب الحريري، لأنهم لو وافقوا لحصل الحريري على مراده». ودليل وزير الداخلية الأسبق على ذلك أن المرسوم 3904 أعطى الحريري أقل مما كان الفرع عليه قبل طلب توسيع الصلاحيات. فقد حَصَر التعديلُ عملَ الفرع في مجال الاستعلام العسكري، بعدما كان نص المرسوم 1157 ضبابياً ومطّاطاً.
■ الأمن العسكري حصراً
اللواء رفيق الحسن (أرشيف)كلام مرهج والمشنوق لا يتوافق مع نظرة أمنيين. فالمقرّبون من المدير العام الأسبق لقوى الأمن الداخلي، اللواء رفيق الحسن، الذي أمر بوضع فرع المعلومات على سكة العمل عام 1993، ينقلون عنه «أن الغاية من إنشاء فرع المعلومات كانت الحفاظ على أمن العسكريين ومراقبتهم خلال تأديتهم لمهماتهم. والقانون صريح في ذلك». يؤكّد هؤلاء «أن إطلاق عمل الفرع لم يكن تلبية لرغبة الحريري، بل بناءً على نظرة المدير العام إلى ضرورة ضبط أفراد المديرية بعد تثبيت السلطة التي أنشئت بموجب اتفاق الطائف».
النظرة إلى دور فرع المعلومات، والمنسوبة إلى اللواء الحسن، تتطابق مع رأي العميد المتقاعد محمد فرشوخ، الذي كان المساعد الثاني لمدير استخبارات الجيش عام 1993، وكان يُعدّ ضابط استخبارات الجيش الأقرب إلى رفيق الحريري. ويرى فرشوخ أن الغاية من تفعيل فرع المعلومات عام 1993 كانت إنشاء «فرع للأمن العسكري يراقب مخالفات العسكريين ويحافظ على أمنهم ويحمي مقارّهم وثكناتهم».
وبين النظرتين، بدأ فرع المعلومات عمله أواخر عام 1993، عندما أصدر اللواء رفيق الحسن التعليمات التي حملت الرقم 351 الصادرة يوم 6/11/1993، وعيّن المقدم خضر قبيسي رئيساً للفرع. المقدّم قبيسي (عميد موضوع في تصرف وزير الداخلية منذ عام 2005) عمل في مركزه زهاء شهرين، وعاونه ضابطان فقط، واقتصر العمل على تحليل المعلومات التي ترد من قطعات الأمن الداخلي، ثم إحالتها إلى المدير العام.
في هذا الوقت، أبدى الحريري رغبته في توسعة عمل الفرع، ليصبح شبيهاً بالمهمات التي ناطها القانون بالمديرية العامة للأمن العام في مجال الأمن السياسي، فاقترح تعيين المقدم وليد قليلات رئيساً له. وذكر ضبّاط كانوا وثيقي الصلة بالحريري أن اللواء الحسن نصح له بأن طبيعة قليلات لن تنسجم مع العمل الأمني الاستخباري، لكن الحريري أصرّ على اقتراحه. وبموافقة من اللواء غازي كنعان الذي كان الحسن على تواصل دائم معه، باشر قليلات تأدية مهماته مطلع عام 1994 حتى عام 1995، وهي فترة كانت بمثابة اختبار لقليلات من الحريري، بحسب الضباط أنفسهم. ويقول العميد المتقاعد وليد قليلات إن عمله في «المعلومات» كان تأسيسياً، والهدف منه تفعيل الأمن العسكري في السنوات التي تلت انتهاء الحرب الأهلية. وعن دور فرع المعلومات التحقيقي، أشار قليلات إلى أن قطعات عديدة كانت تعمل في هذا الإطار، لكن النقص الوحيد في المديرية كان في مجال الأمن العسكري، وهو ما أتى الفرع ليغطيه، مؤكداً أنه لم يكن يقدم تقارير إلى رئاسة الحكومة، بل كان يكتفي بإحالة ما يجمعه الفرع من معلومات إلى رئيس شعبة الخدمة والعمليات والمدير العام لقوى الأمن.
في عام 1995، يقول ضباط مقرّبون من الحريري، أبدى الأخير مجدداً انزعاجه من شح المعلومات الأمنية التي ترده، بالتزامن مع إرادة لدى السوريين، وبالتحديد، غازي كنعان، لطمأنة الحريري قبل التمديد لرئيس الجمهورية إلياس الهراوي. فطرح كنعان على الحريري، عبر الحسن، إبدال قليلات بضابط آخر يفعّل الفرع، لأن الأجهزة الأخرى لن تكون أكثر قرباً من الحريري مما كانت عليه سابقاً.
■ قناة بين السوريين والحريري
المقدم قليلات كان من اختيار الحريري، لكن الأخير ترك للحسن هذه المرة تسمية ضابط بديل، فاقترح المدير العام اسمَ المقدم أشرف ريفي، رئيس مكتب أمن الدولة في الشمال حينذاك. وافق الحريري والسوريون، فعُيِّن ريفي بسهولة، وطلب الحسن منه بناء علاقة ثقة مع الحريري. بُنيَت الثقة، لكن ريفي سرعان ما أيقن أن سقفاً وخطوطاً حمراء تحكم عمله في الفرع. فلم يُسمَح له بتطوير الآليات المتبعة في العمل، أو تجاوز خط الأمن العسكري للولوج إلى عالم الأمن السياسي والقومي، حيث كان السوريون «يتحكمون في كل شاردة أمنية وواردة»، بحسب المصادر. وكان كل جهاز أمني لبناني يتمسّك بما لديه من قطاعات الدائرة الأمنية في البلاد، والتي تحكّم السوريون في رسمها. وفي نهاية المطاف، كان الدور الأكبر لفرع المعلومات إيجاد صلة وصل بين الأمن السوري والحريري. ونتيجة لذلك، نال الحريري جزءاً من المعلومات التي أراد الحصول عليها، لكنها كانت «كمياه تتدفق من خزان يمسك السوريون وحدهم بمفتاحه».
عام 1998، وصل العماد إميل لحود إلى الرئاسة الأولى، فخرج رفيق الحريري من رئاسة الحكومة. عُيِّن اللواء عبد الكريم إبراهيم مكان اللواء الحسن، وأبعِد أشرف ريفي عن المعلومات. كانت الرسالة هذه المرة مزدوجة: بات الأمن السياسي شبه محصور في المديرية العامة للأمن العام التي تسلّمها اللواء الركن جميل السيد. أما الوجه الآخر، فتمثّل بالإتيان بضابط غير سنّي، هو المقدم جان الغريّب المقرّب من القصر الجمهوري، ليتسلّم رئاسة «المعلومات». ومعه، عاد الفرع إلى الأمن العسكري، ودخل «غيبوبةً» سياسية استمرت سنتين، لم يوقظه منها سوى فوز الحريري الكاسح في الانتخابات النيابية عام 2000.
--------------------------------------------------------------------------------
استخبارات الجيش تعتقل «المعلومات» في الشمال
المرة الوحيدة التي حاول فيها فرع المعلومات الانتقال إلى أداء دور أمني ــــ سياسي قبل عام 2000، وجمع معلومات لحساب رئيس الحكومة خارج الدائرة السورية المقفلة، كانت عشية الانتخابات البلدية
عام 1998. حينئذ، تدخلت قوة من مديرية الاستخبارات في الجيش وأوقَفَت أفراد دورية من فرع المعلومات في الشمال، بحجة مخالفة القانون والتدخل في السياسية. الرسالة كانت واضحة، بحسب ضباط مقرّبين من الحريري لا يزالون في السلك: ممنوع على الفرع أن يعدّل الدور المرسوم له، ومن غير المسموح للحريري بأن يحصل على معلومات من خارج القناة السورية. التزم رئيس الفرع المقدم أشرف ريفي، بناءً على نصيحة الحريري واللواء رفيق الحسن، مضمون الرسالة التي وجّهها له الجيش وضباطه الأقوياء، والذين كانوا يسهمون في تمهيد الطريق أمام وصول العماد إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية.