يسمونه أبو علي. وهو طاه بارع وجار كريم يزرع أشجار التين والمانجو ويعامل الناس كأب ويعلم الأطفال لعبة الشطرنج. ولكن ما لا يعرفه هؤلاء أن ذلك الرجل كان اسمه أيضا أبو نضال (صبري البنا زعيم فتح، المجلس الثوري التي تعرف أيضا بتنظيم ابو نضال)، الذي شن تنظيمه سلسلة من العمليات من اكثر العمليات دموية في القرن العشرين، ضد الغربيين واليهود وحتى ضد أخوته الفلسطينيين.
وحتى عندما رأوا جثته الدامية على شاشة التلفزيون في اغسطس (آب) الماضي، لم يكونوا قد تأكدوا حتى تلك اللحظة من هوية هذا الجار، لأن نظام صدام حسين البوليسي لم يكشف شيئا عن هويته.
وتساءل ميسر الكاثلي، صاحب الدار التي كان يستأجرها أبو علي يوم الخميس الماضي «أبو نضال؟ ومن يكون أبو نضال؟ هل ساعاقب على إيوائي له».
ولم يعترف العراق بأنه يؤوي أبو نضال حتى موته عن عمر يناهز 65 سنة. وظل ابو نضال أخطر المطلوبين في قضايا ما يسمى بالإرهاب العالمي الى ان حل محله مؤخرا أسامة بن لادن. وخلال الفترة الممتدة من السبعينات وحتى التسعينات، وجه تنظيم ابو نضال ضربات موجعة في أوروبا وآسيا وافريقيا تمثلت في اختطاف طائرات وتفجيرات وهجمات مسلحة واغتيالات.
ففي عام 1985 نفذ عناصره هجمات على مكاتب شركة العال الإسرائيلية في مطاري روما وفيينا وقتلوا 18 شخصا وجرحوا .120 وفي عام 1991 اغتالوا اثنين من أكبر مساعدي ياسر عرفات.
قضى ابو نضال السنوات الثلاث الأخيرة من حياته اي منذ عام 1999، في بغداد. ولكن حتى بعد حوالي سنة كاملة من وفاته لا يوجد من يعرف مكان إقامته، خارج دائرة ضيقة من رجال الامن العراقيين والفلسطينيين. ولكن محادثة دارت مع أحد حراسه السابقين قادت مراسل وكالة الاسوشييتد برس إلى البوابة الحديدية البيضاء والحديقة الكبيرة بالمنزل رقم 22 في شارع جانبي متفرع من شارع فلسطين. وهذه منطقة تجارية تقع في قلب بغداد.
وقال الجيران انهم لم يسمعوا صوت إطلاق الرصاص في اليوم الذي وصلت فيه سيارة الإسعاف إلى المنزل رقم 22 في الصيف الماضي. وعندما سألوا عن سبب حضور الاسعاف قال لهم أحد رجال الأمن ان الرجل يشكو من ألم في الكلية. وقالوا انهم أصيبوا بصدمة كبيرة عندما رأوا جثة أبو علي على شاشة التلفزيون بعد يومين من ذلك التاريخ.
وقالت أم غالب وهي من جيرانه «صرخت: هذا أبو علي. وناديت زوجي وقلت له: تعال، أنظر أليس هذا أبو علي؟».
كان للجيران فكرة عامة أن جارهم ليس شخصا عاديا. فبعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في الولايات المتحدة جاء عدد من سيارات الشرطة لحراسة المنزل. وقالوا انهم انتظروا اسبوعا أو نحو ذلك حتى أعلن صدام أن خاطفي 11 سبتمبر تابعون لابن لادن وليس لأبو نضال. وارسل ابو علي في ما بعد الحلوى والجاتوه للجيران وقال ان الشرطة جاءت لحراسته من بعض التجار الذين أعلنوا أنهم بصدد قتله.
أعلنت الحكومة العراقية أن ابو نضال انتحر برصاصة أطلقها على رأسه مفضلا ذلك على المحاكمة بتهمة التخابر مع دولة أجنبية. ولكن أعضاء مجموعته يقولون ان عناصر الأمن العراقي هم الذين قتلوه. وكان الرئيس الاميركي جورج بوش قد أعلن شكه في الرواية العراقية عندما قال «قالوا انه انتحر بأربع رصاصات في رأسه. ولكني لست واثقا كيف مات؟».
الصور التي نشرها العراق توضح رجلا شبيها بأبو نضال مسجى على سرير والدم يسيل من أنفه، عينه اليسرى جاحظة وخطوط من الدم على المسند والفراش الذي يرقد عليه. وقال الكثلي وغيره من الجيران ان أبو علي كان يقيم بالمنزل رقم 22 منذ عام .1999 ولم يصدق أي من الجيران أن الرجل المهذب، الكريم الأصلع، الطاعن في السن، يمكن أن يكون إرهابيا. وكان أبو علي قد ابلغهم أنه تاجر، وكان مغرما بعرض صور لزوجته وأبنائه الذين قال انهم يعيشون بالأردن.
وعندما علم أبو حسين، البقال الذي كان أبو علي يشتري منه الدجاج والبيض والزبادي، أن جاره كان إرهابيا، استند إلى منصة بقالته بقوة وقال «كيف يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي فجر المطارات؟ ابو نضال لا بد أن يكون رجلا قويا وجبارا، وليس هذا العجوز الأحدب الذي لا يستطيع حتى أن يتنفس بسهولة».
وقال الكثلي، وهو بروفيسور وفنان، أنه لم ير أبو نضال مطلقا ولكنه سمع أنه جاء إلى العراق طلبا للعلاج. وقال انه رأى جاره عدة مرات وكان في كل مرة يعاني من الربو. وقالت لينا هلسا، الطالبة بالجامعة التي انتقلت مع والدها إلى نفس المبنى الذي يسكنه أبو نضال، انها لم تكن تعرف أن المنزل رقم 22 كان يسكنه «إرهابي شهير».
ويقول الجيران ان ابو نضال كان يهتم اهتماما غير عادي بحديقته. وكانوا يرونه دائما وهو يسقي الزرع ويحفر الأحواض. وكان يزرع النعناع والثوم، ويتبرع بها لجيرانه، كما يزرع المانجو والتين والبرتقال والجريب فروت. داخل منزل ابو نضال هناك قاعة جلوس مؤثثة بمقاعد زرقاء وبيضاء وهناك غرفتان صغيرتان يفصلهما الحمام. أما الغرفة التي يفترض أنه مات فيها ففيها سرير كبير و«كمودينو» ودولاب للملابس. وقال الجيران انه كان يغطي نوافذه بالورق المقوى لأن عينيه لم تكونا تقويان على مواجهة ضوء الشمس.
أما المطبخ الواسع فكان مصدر فخر ابو نضال. وقالت أم غالب ان أبو علي كان يرسل إليها سلاطات من صنعه وحلويات وحمص وتبولة وفلافل بالسمسم وأرز. قالت أم غالب «كان طاهيا ماهرا». وقالت ان ابنيها غالب وهمام كانا يزوران جارهما كثيرا. وقد جلب رقعة شطرنج وعلم همام كيفية اللعب. وكان لديه دائما الشكولاته والحلوى لابنتها. ولكن ابو نضال كان يرفض دائما أخذ الصور. وكان الأطفال يطرقون بابه في الاعياد وفي غيرها من المناسبات ويطلبون أخذ صورة معه. ولكنه كان يعتذر دائما: لست مستعدا، ليس لدي مزاج أو لست على هيئة تسمح لي بالتصوير. وأضافت ام غالب:
«أنا ضد الإرهاب، ولكنه كشخص لم يجرح شعور أي واحد هنا. وحتى لو أنه فعل كل الأشياء التي ينسبونها إليه، فإنه كان عربيا يقاتل اليهود. لقد اختار طريق النضال. هل هذا خطأ؟».
أ.ب