آخر الأخبار

جبلة بين الواقع والافتراض

من منا لم يسمع عن رياح التغيير القادمة مع المؤتمر القطري المنعقد هذه الأيام, ومن منا لم يعلق آمالا واهمة على نتائجه التي باتت محط جدل عالمي, ومن منا لم يصوت على التوقعات من خلال هذا الموقع بالذات / والنتائج جلية للعيان /.
أنا لست محللا سياسيا ولا أريد أن أكون, أحب هذا البلد على علاته وهذا أمر ليس بيد أحد منا. جوهر الموضوع ولب الحديث الذي أريد مناقشته هو موقع جبلة المدينة الصغيرة من هذه الزوبعة الكبيرة. هل إن رياح التغيير القادمة والتي من المفروض أن تكون داخلية أكثر منها خارجية ستصل إلى مدينتنا الوادعة حاملة معها مطر التغيير؟ أم أن وجود سلسلة الجبال المحيطة بالمنطقة وتمركز رجال الجمارك البحرية سيمنعان وصول ولو بعض النسمات؟؟ هذا سؤال محرج طبعا تصعب الإجابة عليه, لأن مدينة جبلة تحديدا (ذات الأصول الفينيقية كما نذكر) أتيحت لها عدة فرص لتكون مدينة سياحية ذات نجوم سبعة. لكن القيمين على هذه المدينة آثروا (لإخلاصهم الشديد طبعا لروح هذه المدينة) عدم تنفيذ أي مقترح من شأنه استقطاب السياح وإنعاش الصحة الاقتصادية(لأنه وكما نعلم فإن وجود السياح في مدينة مثل جبلة سيريق ما تبقى من ماء وجه هويتنا العربية, وسيضعنا موضع مساءلة حول الهدر العام في اقتصاد البلد).
أعزائي القراء:
في عام 2001 عقد في صيدا برعاية اليونسكو مؤتمر تحت عنوان # المدن الأثرية الساحلية المتوسطية الصغيرة والقديمة # وللمفاجئة كانت مدينة جبلة من المدن المدعوة للمشاركة بهذا المهرجان, مثلت جبلة بلجنة ضمت رئيس البلدية ووفد من الهيئة المدنية الوحيدة في جبلة جمعية العاديات وتم الإقرار بمدينة جبلة مدينة أثرية عالميا, بعد فترة من الزمن قدمت إلى جبلة بعثة من (مشروع إدارة التحولات الاجتماعية MOST ) للاطلاع على الواقع الميداني لمدينتنا, ووضعت توصيات لتفعيل التعاون بين اليونسكو وبلدية جبلة, فهلمو نشاهد فيلما جبلاويا وثائقيا بعنوان:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم(وليست الولائم)
توصيات اليونسكو كانت جلية, بسيطة, لا غبن فيها
قالت اليونسكو نريد شاطئا صخريا محميا 100% .
فماذا فعلت البلدية الكريمة ؟ أباحت للكسارات شاطئنا العزيز لتسرح وتمرح على كيف أصحابها. وجعلت مناطق معينة مكبا لكل شيء وليس فقط النفايات(فكان بؤرة لفضلات المنازل والحجارة المكسرة كما وكان مرتعا للمخلفات {الطبية} التي ينبغي حرقها) كما تناهى إلى مسامعي أن البلدية بصدد إعطاء تراخيص بناء لإنشاء المراكز الترفيهية ونوادي اليخوت على طول الشاطئ ابتداء بما كان مسبح زيتون وانتهاء بالمنطقة الواقعة قبالة منطقة الفيلات.علما أن أحدا ليس ضد هذه المشاريع شريطة أن تتوافق مع خصوصية طبيعة الشاطئ الصخري الذي امتازت به جبلة على مر القرون ودون المساس بجماليته.
قالت اليونسكو بضرورة حماية الآثار المكتشفة حديثا وحفظها.
فماذا فعلت البلدية الحكيمة ؟؟ ردمت مجموعة من المقابر تم اكتشافها في حي الجبيبات الغربية-طريق الكورنيش لمدة ثلاث أو أربع سنوات على التوالي رغم المطالبات المستمرة من جهات معينة تهتم بآثار البلدة بجعل هذه المنطقة منطقة أثرية مسورة لها حراسها الموظفين من قبل مديرية الآثار,ولكن عبث, ومؤخرا وليس أخيرا بني فوق هذه المقابر باحة لمدرسة سعد بن أبي وقاص بعد أن ملأتها القاذورات من كل حدب وصوب.
قالت اليونسكو بوجوب ترميم الهيكلية القديمة للمدينة والحفاظ على النسيج المعماري كطابع أثري يميز البلدة.
فماذا فعلت البلدية العظيمة؟؟؟ اكتفت بإخلاء السراي القديم وأزالت الدعامات الخشبية لسقفه(وصلى الله وبارك).
وكان من أهم توصيات اليونسكو ( وهو البند الذي على أساسه أدرجت جبلة كمدينة أثرية) مدرج جبلة الأثري حيث كان من المفروض إخلاء حرم المدرج من جميع المخالفات التي تحيط به وهي كثيرة كما نعلم. فلو أن وفدا سياحيا قرر زيارة هذا المعلم الأثري العالمي لما استطاع أن يركن البولمان الخاص به في أي مكان لأن عربيات الخضرة قد سبقته بزمن, ونحيط القارئ علما بأنه وفقا للمعايير الخاصة لهذا المدرج استطاعت جبلة أن تنضم إلى أخواتها في المجال الأثري فهو مدرج عريق يشير إلى أهمية جبلة الساحلية كونها إحدى أقدم خمس مدن في حوض المتوسط وهذه المدن هي:
الصويرة / المغرب , أوميسالي / كرواتيا , المهدية / تونس , صيدا / لبنان , جبلة / سوريا.
وللتنويه فقط فإن مدرج جبلة يحتل المرتبة الثانية في القدم بين هذه المدن .
فلذلك وبما أن البلدية حريصة كل الحرص على مدرجها الغالي فقد حجبته عن الأعين من خلال وسائط تراثية تتمثل بأصحاب المخالفات الذين أصبحوا هم المعلم الحضاري الذي سيتوقف عنده السائح في حال قرر المرور بهذه البلدة.
وبما أن هذا الفيلم شيق جدا فيجب أن نذكر للأمانة التاريخية أنه قد تم تصويره على مدى عدة سنين, ولم يكن هناك بطولة فردية لأحد إذ كان البطل والمخرج هما اندماج لرؤساء البلدية مع مجلسيهما الموقرين على مر السنين.
كما نرى يا أصدقائي هذه صفحة ناصعة لدستور بلدية جبلة وقوانينها العتيدة والذي لن توزع منه نسخة لأهل البلد لضرورة الحفاظ على أسرار الأروقة وشراشف الطاولات. هذا دون أن نتطرق لذكر الشوارع النظيفة والكهرباء النظامية وإشارات المرور التي يحاول أخصائيو الوقت في غرينتش أن يكونوا بدقتها.