1- قدم المؤرخ الكبير كمال الصليبي في مساهمة له في كتاب جماعي صدر باشراف حليم بركات في العام 1988، عرضاً لاصول الطوائف اللبنانية والعربية اظهر فيه ان الولاء القبلي او الانتماء الى قبيلة او قبائل متحالفة حدد انتماء هذه القبائل الطائفي(o) بكلام آخر، ان هذه القبائل اختارت ان تنضوي ضمن اطار طائفة بعينها حفاظاً منها على الرابط القبلي الذي كان يجمعها، ولتأمين ديمومة هذا الرابط. يمكن استطراداً القول ان "الصفاء" العرقي قد يكون خاصية اوضح لدى الاقليات الطائفية في المشرق العربي اكثر منه لدى الغالبية السنية. وهذا لا ينفي ان هذه
الاقليات استقبلت في مراحل محددة عناصر من خارجها.
تنطبق قاعدة الانتماء القبلي المشترك عند كمال الصليبي على كل الطوائف اللبنانية والعربية. ويرى على سبيل المثال، ان في اصل الشيعة الامامية في لبنان، الشيعة العاملية التي اصلها اليمن، والشيعة المتاولة الذين يعودون الى بني متوال وهم في الاساس من جنوب الحجاز. وقد جاؤوا جميعاً الى لبنان قبل الاسلام. ويرى في اصل الدروز بنو دارزة الذين يعودون في اصولهم الى جوار منطقة مكة، والذين هاجروا الى لبنان قبل الاسلام. ويرى في اصل العلويين، قبيلة بحراء التي تركت اليمن للاستقرار في سوريا قبل الاسلام. وينطبق الامر ذاته على الطوائف المسيحية قبل الاسلام. فالنساطرة بالنسبة له هم عرب تنوخ والعرب اللخميون. واليعاقبة يعودون في اكثريتهم الى قبيلة الغساسنة، واصلهم هم ايضاً من اليمن.
2- يفصّل المؤرخ الصليبي في اصل الموارنة في النص المشار اليه، ولا يستعيد هذه التفاصيل في النصوص التي اصدرها بعد ذلك، ومن بينها كتابه "بيت بمنازل كثيرة". تظهر قراءته هذه ان الموارنة هم آخر من ترك الجزيرة العربية، ومنطقة نجران بالتحديد، من القبائل المسيحية قبل الاسلام. وذلك بعد المجزرة الثانية التي تعرضوا لها على يد الدولة اليهودية القائمة في اليمن آنذاك، في العام 575. وكانوا قد تعرضوا لمجزرة مماثلة في العام 518. وهناك استعادة لذكرى شهدائهم في كل قداس يتلوه كاهن ماروني منذ ذلك التاريخ. ولا يعرف المؤمنون هوية هؤلاء الشهداء وظروف استشهادهم.
أي ان مجيء العرب المسيحيين الذين اصبحوا موارنة الى سوريا، سبق الفتح العربي بفترة بالكاد تتجاوز نصف قرن. وهم اتوا من منطقة لا تزال بعض القرى فيها تحمل اسم "موران" القريبة من كلمة مارون. وتسمى اسقفهم آنذاك وقائدهم الزمني، المدعو يوحنا السارومي نسبة الى وادي ساروم في شمال-شرق اليمن، باسم يوحنا مارون، واصبحوا موارنة. وشكلوا الفصيل المسيحي الذي نادى بعقيدة الارادة الواحدة، التي حاولت بيزنطية من خلالها توحيد اتباع الطبيعة الواحدة للمسيح (اليعاقبة خصوصاً) واتباع الطبيعتين (الخلقيدونيون)، واعادة ربط سوريا بها على هذا الاساس. يجد كمال الصليبي ضمن هذا الاطار، التفسير للخطأ الذي ورد في كتاب "تاريخ الازمنة" للبطريرك الدويهي، الذي يشير الى ان الموارنة تعرضوا للعنف على يد اليهود في سوريا، ويثبت ان هذه الواقعة حصلت زمن المملكة اليهودية في اليمن.
3- الانتماء العربي للموارنة هو اذاً ثابت تاريخي، شاء السياسيون ذلك ام أبوا.
أنظر
Kamal Salibi, "Tribal Origins of the Religious Sects in the Arab East", in Halim Barakat (ed.), Toward a Viable Lebanon, Georgetown Univ: Centre for Contemporary Arab Studies, 1988, pp. 26-15.
ألبير داغر
النهار