لمّا وصل بوذا إلى الحقيقة ، انطلق إلى مدينة بنارس للعثور على الرهبان الخمسة الذين أعرضوا عنه، وما أن وطأت قدماه أرض بنارس حتى التقى بهم، ودارت بينهم المحاورة التالية:
قال أحدهم للآخر: هذا سيذارتا يقدم علينا، فمن الأفضل أن ندعه وشأنه، لأنه تخلّى عن الرهبنة.
ولكن لمّا اقترب منهم بادروه بالسلام، وطلبوا منه الجلوس إلى جانبهم، وقالوا له: هل استنارت عيناك بالحقيقة أخيراً؟
بوذا: نعم
الرهبان: ما هو سرّ الوجود وحقيقته؟
بوذا: هل تعتقدون بالكارما (قانون جزاء الأعمال)؟
الرهبان: نعم
بوذا: فاعلموا أنه بداية الحكمة ومعرفة الحقيقة. الخير يجلب الخير والشر يجلب الشر، هذا هو القانون الأول للحياة، وكل ما سواه قائم به.
الرهبان: لم تأت بجديد.
بوذا: لو كانت الحقيقة هذه، فالتضرع والدعاء والقربان للربِّ لا يجدي نفعاً.
الرهبان: وكيف؟
بوذا: إن الماء ينحدر نحو الأسفل دائماً، والنار حارة أبداً، والثلج بارد دائماً، فلو تضرعتم بين يدي آلهة الهندوس جميعها، لما أثر ذلك في تغير مجرى الماء نحو الاعلى، وفي جعل النار باردة والثلج حاراً. فقوانين هذه الظواهر لا تبطل، والتضرع والدعاء أمام الآلهة لا يجديان في إبطالها.
فبهتوا، وأبدوا موافقة لهذا الكلام، فاسترسل بوذا قائلاً: إذا كان ما نطقت به حقاً، فإن كتاب الفيدات الذي يرسم أسلوب الدعاء والتضرع والقربان بعيد عن الصواب، واُعلن - وخلافاً لزعماء الدين - أن الفيدات ليست مقدسة.
تعجب الرهبان لهذه الجرأة، وساورتهم الحيرة، وراحوا يسألون بوذا: هل تريد من
ذلك القول أنّ برهما حينما خلق العالم لم يصنف الناس إلى طبقات اجتماعية مختلفة؟
بوذا: لا اعتقد بالمرة أن برهما خلق شيئاً كي يكون العالم من صنعه.
الرهبان: فمن هو صانع العالم؟
بوذا: اعتقد أنّ العالم أزلي مستمر، ليس له مبدأ ولا نهاية. أيها الرهبان: هناك حدان متناقضان، يجب أن يبتعد عنهما الذين تخلوا عن الحياة الدنيا. الاول: الانسياق في الملذات، وهذا أمر سافل وعقيم، والثاني: هو طريق التقشف وإماتة الجسد، وهذا أمر مؤلم وعقيم أيضاً.
(بعض المتديِّنين يجزم: "الحقيقة هي كيت وكيت؛ أعرف؛ أرى!"، ظانًّا أن كلَّ شيء يتوقف على اعتناق الدين الصحيح؛ لكن متى عرف الإنسان حقًّا لم يعد بحاجة إلى دين.)
" بدلا من مناداةِ ودعاء الضفّة الأخرى من النّهرِ ، إصنَع طوفًا واعبرْ فالمناجاة والدعاء لن يجيئ بالضفّة الأخرى هنا"
(قال أحدهم للبوذا: "الأمور التي تعلِّمها، سيدي، لم أجدها في الكتب المقدسة."
"ضفها إذن عليها،" قال البوذا.
وبعد هنيهة صمت حرج مضى الرجل قائلاً: "هل لي أن أجترأ عليك سيدي فأقول إن بعض الأمور التي تعلِّم يناقض الكتب المقدسة فعلاً ؟"
فقال البوذا: "تحتاج الكتب إذن إلى بعض التصحيح.")
(سأل التلميذ المعلم مرة:
"ما هو البوذا؟"
أجاب: "العقل هو البوذا."
وفي يوم آخر سئل السؤال نفسه فأجاب:
"لا عقل. لا بوذا."
أشكل الأمر على التلميذ:
"لكنك قلت منذ أيام: "العقل هو البوذا"." قال المعلم:
"كان ذلك لكي يكف الرضيع عن البكاء. وعندما يكف الرضيع عن البكاء أقول: "لا عقل. لا بوذا".)
لا تؤمنوا بشيء لأنكم سمعتوه.
لا تؤمنوا بشيء لأنه يشاع على ألسنة الكثيرين.
لا تؤمنوا بشيء لأنه مكتوب في كتبكم المقدسة.
لا تؤمنوا بشيء بناء على سلطة معلميكم و شيوخكم.
لا تؤمنوا بالعادات و الأحاديث لأنها منقولة إليكم عبر الأجيال.
بعد الملاحظة و التحليل, عندما تجدون شيئا يتوافق مع العقل و يؤدي إلى خير و مصلحة الواحد و الكل, عندها فقط إقبلوا به و إنهضوا بحياتكم الى مستواه.
أحد تلاميذ البوذا سأله أين يذهب الإنسان بعد الموت, فكان الحديث:
"دعني أسألك سؤالا. إذا كان هناك نار تشتعل أمامك, ألن تلاحظها?"
"نعم, يا معلم"
"و إذا إنطفأت النار, ألن تلاحظ ذلك?"
"نعم, يا معلم"
"عندما تنطفئ النار, إلى أين تذهب? إلى الشرق? الغرب? الشمال? الجنوب?"
"هذا السؤال لا معنى له, يا معلم, لأن النار عندما تنطفئ بسبب نفاد الوقود, فهي تختفي, تنطفئ من الوجود."
"لقد جاوبت إذا على سؤالك بنفسك".
من انجيل بوذا
كان يوجد في البدء وجود أعمى , وبدون وعي , تكونت في محيط الجهل هذا حركات كانت تتركب وتنتظم , ومن هذه الحركات المركبة والمنتظمة تولّد الإدراك أو الشعور , ولّد الشعور والإدراك أجساماً تعيش ككائنات فردية وأنمت هذه الأجسام الحقول الست التي هي الحواس الخمس والفكر , تلامست هذه الحقول الست مع الأشياء أو المادة وولّدت هذه الملامسة الحسّ , خلق الحسّ العطش إلى الوجود الفردي , خلق العطش إلى الوجود الفردي التعلّق بالأشياء , ولّد التعلق الأنا وكبّرها وخلّدها , وخلدت الأنا في ولادات متجددة , الولادات المتجددة للأنا هي سبب الألم والهرم والمرض والموت , وهذه هي التي ولّدت النحيب والألم النفسي المبّرح والقلق الشديد وعدم الرجاء .
o يرجع سبب كلّ ألم إلى الأصل ؛؛؛؛؛؛؛ ينام مختبئا في الجهل حيث تتحوّل الحياة وتتطور ؛؛؛؛؛؛؛؛ أزيلوا الجهل فتهدّموا الشهوات التي تتولد من الجهل ؛؛؛؛؛؛؛؛؛ أتلفوا هذه الشهوات تخفوا الشعور الخاطئ الناجم عنها ؛؛؛؛؛؛؛؛ أهدموا الإدراك الخاطئ يتوقف الضلال والغواية لدى الكائنات الفردية وتختفي أوهام الحقول الست ؛؛؛؛؛؛؛؛؛ أهدموا الأوهام فلا تحدث ملامسة الأشياء أي إدراك أو شعور خاطئ ؛؛؛؛؛؛ أهدموا الإدراك والشعور الخاطئين تقضوا على الشهوات ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ أهدموا الشهوات تتخلصوا من كلّ تعلّق مريض ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ أبعدوا التعلّق تهدموا أنانية الأناني ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ وإذا هدمت أنانية الأنا تصبحون فوق الولادة والهرم والمرض والموت وتتخلصون من العذاب
>وفي سؤالٍ مباشرٍ عن أقرب الأديان إلى معتقداته، أجاب أينشتاين بأنها "البوذية" <<
مصادر:
إنجيل بوذا، للمترجم سالم سليمان شيا.
أغنية الطائر، انطوني دومللو