آخر الأخبار

العلويون بين مطرقة التكفير وسندان السلطة(3)

 

البطريركية الأبوية والتاريخ:
الأسلوب البطريركي الأبوي هو سمة من سمات المجتمعات الشرقية كلها وليس المجتمع العلوي فقط (إذا جاز التعبير) وحتى المجتمع المديني لم يتخلّ عنه إلا بالمقدار الذي يعزز سلطته المجتمعية باتجاه مواقع أكثر للسيطرة وبقيت الدائرة ذاتها لتتخلخل خلال سنوات قصيرة وتعود اليوم بفضل الدعوات المباركة إلى الطهر وأننا في عصر العهر ويجب عودة الجميع إلى عهد السلف ، وتجربة الخمسينات التي شهدت انقلابات عسكرية بالجملة تؤكد ذلك كما تؤكد أن إبعاد المرأة عن المجتمع هو (فرض واجب) إسلامي (مديني ريفي) ولو أن السلطة عبر البعث قد خلخلت الفرص بطريقة ما.

تتمايز بطريركية المجتمع العلوي بحكم ريفيتها وانتمائها الديني إلى فلسفة إنسانية تستحضر أفلاطون وسقراط والخصيبي وزرادشت في سلة العرفان، وهذا التمايز يتضح بالكتلة الإنسانية الكبيرة التي يتعامل بها العلوي مع الآخرين والذين من رحم فلسفتهم العالمية نبتت قراءات متعددة لسيرة الإله في العالم (آخرها القراءة المرشدية)، هذا يعني وببساطة ان القساوة التي تتحدث عنها لها مصطلح آخر سوري عربي قديم هو اللقاحية والتي تعني بتعبير الراحل هادي العلوي أن لا أحد يدعس لهم على طرف رغم أن السلطة دعست على الرقاب إلا أن الإباء العلوي لا يزال شامخاً وأصيلاً ومتواجداً ولا تأخذنّك ما تراه من أهل السلطة، فالعلويون أقل السوريين طائفيةً وأفلهم حظا في كعكة السلطة التي يلصقون على جدارها الخرب.

ثنائية التكفير والسلطة:

لا نأت بجديد إذا قلنا أن الفكر التكفيري نما وترعرع في أحضان الفقهاء والمرشدين الروحيين في عهود الإنحطاط وتراجع الدور الحضاري للعرب مع تولي زمام السلطة فيها كل مملوك وسلجوق ومن لف لفهم ,  ونتفق  على أن تعطيل العقل في الإسلام تم بإشراف مباشر من هؤلاء، وفي العصر الحديث برعاية  أميركية مباشرة.(لسنا بحاجة لذكر أمثلة عن استخدام الغرب للأصوليين الإسلاميين أليس كذلك؟)

هل يعتبر هؤلاء مجاهدين ضد السلطة الكافرة (فهم قد اغتالوا نخبة السوريين من أطباء ومهندسين ومن مختلف الطوائف حتى السنية منها)، هذا قبل أن تدخل شركة سرايا الدفاع على الخط  ولن نعود للجدل البيزنطي لنثبت ممن كانت البداية (البيضة أم الدجاجة كما تقول) بل إن ما تلى ذلك من انفلات غير عقلاني للقوى هو ما أعطى النظام القوة والمبرر لردع وقمع الجميع دفعة واحدة تحت هذا الهاجس (طالت الاعتقالات في مدينة اللاذقية وحدها الآلاف من العلويين في ذات الفترة) أم أنه كان صراع بين سلطة وجماعة مسلحة مدعومة من الخارج وليس صراعاً علوياً سنياً، فقد ذهب ضحايا من السوريين في القتال المتبادل بين الطرفين في صراع لا ناقة للمواطن السوري فيه ولا جمل.

لقد شهد العالم العربي ردة خوارجية إلى الوراء الإسلامي، بفعل التدريب الأميركي والانهيار السوفياتي وسياسة البترودولار، والعوامل الذاتية والموضوعية داخل المجتمع العربي من هزيمة 67 وحتى سقوط بغداد .

المزايدة على السنة: السلطة بين تدليع السنة ورفض الآخرين

لم تترك السلطة فرصة إلا واستخدمتها لتقديم نفسها إلى الناس جميعاً على أنها سلطة شرعية إسلامية بعثية قومية عربية صميدعية اشتراكية علمانية غربية شيوعية رأسمالية... الخ الخ فمشكلة الشرعية في كل الأنظمة العربية هي من الأسباب التي دعت هذه الأنظمة إلى الغزل الصريح مع كل التيارات الإسلامية فكلهم (الرئيس المؤمن السادات والملك المؤمن قهد والأمير المؤمن عبد الله) كما كانت السبب ذاته في سحق ومحق اليسار.

هل مارس العلويون المزايدة على السنة في أصوليتهم؟

لا يا صاحبي، لا، من أقصى الشمال السوري (العلوي) وحتى أقصاه الجنوبي تم بناء العديد من الجوامع داخل القرى والمزارع العلوية، كما حال سوريا. ومن يذهب اليوم إلى هذه الجوامع هم خريجو كلية البوطي الشرعية في دمشق وكلية المرشدالأعلى  الإيراني وليسوا من مدارس العرفان العلوية التي تعتبر أن صلاة المرء لربه وليست للمظهرة والرياء وهم في ذلك لا يجبرون أحدا على أسلوبهم ولا ينكرون لمن يرتادها حقه في ذلك.

المزايدة نفذتها السلطة وليس العلويون الذين لا زالوا لليوم أصحاب مدرسة خاصة في فهم الإسلام التي تستحضر أفلاطون وأرسطو وابن عربي والخصيبي وزرادشت وبوذا في قراءة إنسانية جميلة.

يجب التمييز مرة أخرى بين السلطة والعلويين، التمييز الضروري للوصول إلى الفهم الحقيقي للشارع السوري وما آلت إليه حاله من الخراب البيِّن رغم أن البعض يرفض هذا الفصل بطريقة (لو خرجت من جلدك ما عرفتك) فمثلاً اتهم أحد الإخوان المسلمين في المؤتمر الصحفي الذي عقده نزار نيوف في باريس مؤخراً بأن نيوف علوي كلب والكلب لا يعض ذيله

لا يحتاج السنة إلى العلويين لإثبات تفوقهم العرقي الكوني، وكل من يقترب منهم مصيره الغباء التاريخي والتكفير التاريخي والبراء، هكذا يريدون وليس من العلويين من هو على استعداد لفعل هذا

من الأسباب الواضحة لدخول أمة يعرب في رالي أصولي تواجد آل سعود والشيخ  وراء كل توجه نحو الوراء، بدء من الفظائعيات الإسلامية وانتهاء بروتانا التحرير والكرامة العربية ومروراً بشيوخنا المتلفزين  وأصحاب البسطات والدكاكين من الطراز عمرو خالد (أخر فتاويه السحرية أن أفلاطون شخص كافر وملحد وبالتالي يجب الاقتصاص منه – قتله مثلاً)، والذين جميعهم تسللوا إلى عقل السوريين مع تزايد الاقتصاد سوءاً وغياب العقل عن الشارع بفضل تشريعات وقوانين جهابذة السلطة، وليس بفضل العلويين الذين سيظلون متهمين حتى ولو بلعوا ستين مصحف ومعها الأعمال الكاملة للبوطي والمريوطي وأبو ضبيعة الكلبي ، وهم يعرفون ذلك تماماً.

هل هناك أمل؟؟

ربما يكون أحد أسباب الاختلاف والذي هو ظاهرة صحية بطبيعة الحال، إصرار أي طائفة في العالم على التمسك بمعتقداتها وهذا ليس سبباً في حال من الأحوال لادعاء فجوة ثقافية ما مع الأخريات من الطوائف، بينها وبين المجتمع وذلك لأن لكل مجتمع مهما بلغت خصوصيته سمة عامة لا تطغى على الإبداع الفردي الذي يقدمه أبناء المجتمع، أي أن النزعة الدينية ليست جنحة ما تمنع التواصل الثقافي الفكري المبني على احترام الآخر وتقديس وجوده كجزء من هذا التنوع
فهل هناك أمل أن يبقى هذا التنوع ويحيا ويكبر (مع نيدو أو بدونه؟)

مقتنع معك مطلقاً أن لا نهاية للنفق المظلم الذي نسير فيه، لا نهاية لأن الرؤية غائمة والفرح مؤجل حتى يوم القيامة، ولكن هل نجلس بانتظار يوم القيامة؟

من الصعب مرة أخرى الإجابة بنعم ولكن الثقة بسوريا والسوريين الحقيقيين تجعل الأمل ممكناً و(إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم ليس نهاية التاريخ.)

ولربما نستطيع معاً الوصول إلى مكان ما لا يكون فيه (اللامكان هو المكيدة) بتعبير الجميل محمود درويش.

ونبقى رفيقين دوماً!


إشارة ربما هامة: الأفكار الواردة في هذا المقال هي نتاج حوار طويل في المنتديات بين 2003-2005